حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عُمَر بْن عَلِيّ الكاتب ، قَالَ : حَدَّثَنِي حَفْص بْن مُحَمَّد الكاتب ، قَالَ : حَدَّثَنِي عَلِيّ بْن مُحَمَّد الكاتب ، قَالَ : حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن الخصيب قبل وزارته ، قَالَ : كُنْت كاتبًا للسيدة شجاع أمّ المتوكل ، فَإِنِّي ذات يوْم فِي مجلسي فِي ديواني إذ خرج إليّ خادم خاص ومعه كيس ، فَقَالَ لي : يا أَحْمَد ، إن السيدة أم أمير الْمُؤْمِنِين تقرئك السَّلام ، وتقول لك : هَذِهِ ألف دينار من طيِّب مالي ، خُذْها وادفعها إِلَى قوم مستحقين تكتبُ لي أسماءهم وأنسابهم ومنازلهم فكلما جاءنا من هَذِهِ الناحية شيءٌ صَرَفْناه إليهم ، فأخذت الكيس وصرت إِلَى منزلي ، ووجهت خلف من أثق بِهِ فعرفتهم ما أمرت بِهِ ، وسألتهم أن يُسموا لي من يعرفون من أَهْل الستر والحاجة ، فأسْمَوْا لي جماعةً ، ففرقت فيهم ثلاث مائة دينار وجاء الليل والمال بَيْنَ يدي لا أصيب مُحِقًّا ، وأنا أفكر فِي سُرَّ من رَأَى وبُعْد أقطارها وتكاثف أهلها ، لَيْسَ بها محقٌّ يأخذ ألف دينار ، وبَيْنَ يدي بعضُ حُرَمي ومضى من الليل ساعةٌ وغُلِّقت الدُّرُوبُ وطاف العَسَسُ ، وأنا مفكرٌ فِي أمر الدنانير ، إذ سَمِعْتُ باب الدار يدقُّ ، وسَمِعْتُ البواب يكلم رَجُلا من ورائه ، فقلت لبعض مَنْ بَيْنَ يديّ : اعرف الخبر فعاد إليّ ، فَقَالَ لي : بالباب فُلان بْن فُلان العَلَويّ يسألُ الإذن عليك ، فقلت : مُرْه بالدخول ، وقلت : لمن بَيْنَ يدي من الْحُرم : كونوا وراء هَذَا الستر ، فَمَا قَصَدَنا فِي هَذَا الوقت إِلا لحاجة ، فدخل وسلم وجلس ، وقَالَ لي : طَرَقَني فِي هَذَا الوقت طارق لرسول اللَّه صلّى اللَّه عَلَيْه وآله من ابنة لرسول اللَّه صلّى اللَّه عَلَيْه وآله ، وَلا واللَّه ما عندنا وَلا أعْدَدنا ما يَعُدّ النّاس ، وَلَم يَكُنْ فِي جواري من أقرع إِلَيْهِ غيرك ، فدفعت إِلَيْهِ دينارًا فشكر وانصرف ، وخرجتْ ربَّةُ المنزل ، فقالت : يا هَذَا تدفع إليك السيدةُ ألفَ دينار تدفعُها إِلَى مُحِقٍّ أحقّ من ابْن رَسُول اللَّه صلّى اللَّه عَلَيْه وآله فِي الدُّنْيَا ، مَعَ ما قَدْ شكاه إليك ؟ فقلت لها : فإيش السبيل ؟ ، قَالَتْ : تدفع الكيس إِلَيْهِ ، قُلْتُ : يا غُلام ، رُدَّه ، فردّه فحدّثته بالحديث ودفعت الكيس إِلَيْهِ فأخذه وشكر وانصرف ، فَلَمَّا ولَّى جاء إبليسُ لعنه اللَّه ، فَقَالَ لي : المتوكلُ وانحرافه عَنْ أَهْل هَذَا البيت ، يُدفع إليك ألفُ دينار تدفعها إِلَى مستحقين تكتب أسماءهم وأنسابهم ومنازلهم ، فإيش تحتج ؟ وَقَدْ دفعتَ إِلَى عَلَويٍّ سبعَ مائة دينار ؟ فقلت لربة المنزل : وَقَّعتيني فيما أكره ، فإما سبع مائة دينار أَوْ زوال النعم ، وعرَّفتُها ما عندي ، فقالت : اتكل عَلَى جَدِّهم ، فقلت : دَعِي هَذَا عَنْكِ ، المتوكل وانحرافه فإيش أحتج إيش أقول ؟ ، قَالَتْ : اتكل عَلَى جَدّهم ، فَمَا زالت بمثل هَذَا القول ومثله إِلَى أن اطمأننت وسكت وقمت إِلَى فراشي ، فَمَا استثقلتُ نومًا إِلا وصوت الْفُرَانِقِ عَلَى الباب ، فقلت لبعض من يَقْرُب مني : مَنْ عَلَى الباب ؟ فعاد إلي ، فَقَالَ : رسول السيدة يأمرك بالركوب إليها الساعة ، فخرجت إِلَى صحن الدار والليل بحالته والنجوم بحالتها ، وجاء ثان وثالث فأدخلتهم ، فقلت : الليل بحالته ! فقالوا : لا بد من أن تركب ، فركبت فلم أصل إِلَى الجوسق ، إِلا وأنا فِي موكب من الرُّسُل ، فدخلت الدار فقبض خادم علي يدي ، فأدخلني إِلَى الموضع الَّذِي كُنْت أصل ، ووقني ، وخرج خادم خَاصَّة من داخل فأخذ بيدي ، وقَالَ : يا أَحْمَد ، إنك تُكلِّم السيدة أم أمير الْمُؤْمِنِين فقف حيث توقف ، وَلا تَكَلَّم حَتَّى تُسْأَل ، وأدخلني إلى دار لطيفة فيها بيوت عليها ستورٌ مُسْبَلة ، وشَمْعةٌ وسط الدار ، فوقَفَنِي عَلَى بابٍ منها فوقفت لا أتكلم ، فصاح بي صائح ، قَالَ : يا أَحْمَد ، فقلت : لبيك يا أم أمير الْمُؤْمِنِين ، فقالت : حسابُ ألف دينار ، بل حساب سبع مائة دينار وبكت ، فقلت فِي نفسي : نكبة ، عَلَويٌّ أَخَذَ المال ومضى ففتح دكاكين التجار فِي السوق واشترى حوائجه ، وتحدث فكتب بِهِ بعض أصحاب الأخبار ، فأمر المتوكِّل بقتلي وهي تبكي رحمةً لي ، ثُمّ أمسكتْ عَنِ الكلام ، وقَالَتْ : يا أَحْمَد ، حساب ألف دينار بل حساب سبع مائة دينار ، ثُمّ بكت ففعلت ذَلِكَ ثلاث مرات ، ثُمّ أمسكتْ وسَأَلَتْني عَنِ الحساب ، فصدَقْتُها عَنِ القصة ، فلما بلغتُ إِلَى ذكر العَلَويّ بكتْ ، وقالت : يا أَحْمَد ، جزاك اللَّه خيرًا وجزى من فِي منزلك خيرًا ، تدري ما كَانَ جرى الليلة ؟ قُلْتُ : لا ، قَالَتْ : كُنْت نائمة فِي فراشي فرأيت النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يَقُولُ : " جزاك اللَّه خيرًا وجزى أَحْمَد بْن الخصيب خيرًا ، ومن فِي منزله خيرًا ، فقد فَرَّجتم فِي هَذِهِ الليلةَ عَنْ ثلاثةٍ من وَلَدِي " ، ما كَانَ لهم شيءٌ خُذْ هَذَا الحلي مَعَ هَذِهِ الثياب وهذه الدنانير وادفعها إِلَى العَلَويّ ، وقل لَهُ : نَحْنُ نصرف عليك ما جاء من هَذِهِ الناحية ، وخذ هَذَا الحليَّ وهذه الثياب وهذا المال فادفعه إِلَى زوجتك ، وقل : يا مباركة ، جزاك اللَّه عنّا خيرًا فهذه دلالتك ، وخذ هَذَا يا أَحْمَد ، فدفَعَتْ إليّ مالا وثيابًا ، وخرجتُ يُحملُ ذَلِكَ بَيْنَ يديَّ ، وركبتُ منصرفًا إِلَى منزلي ، وكان طريقي عَلَى باب العَلويّ ، فقلت : أبدأ بِهِ إذ كَانَ اللَّه رَزَقنا هَذَا علي يديه ، فدقَقْتُ الباب ، فَقِيل لي : من هَذَا ؟ فقلت : أَحْمَد بْن الخصيب ، فخرج إليّ ، فَقَالَ : يا أَحْمَد هاتِ ما معك ، فقلت فِي بالي : وما يدريك مَا معي ؟ فَقَالَ لي : انصرفتُ من عندك بما أخذتُه منك وَلَم يَكُنْ عندنا شيء فدخلت عَلَى بِنْت عمي فعرَّفْتُها الخبر ، ودفعتُ إليها المال ففرحَتْ ، وقالت : ما أريد أن تشتري شيئًا وَلا آكل شيئًا ، وَلَكِن قُمْ فَصَلِّ أَنْت وادْعُ حَتَّى أؤمِّن عَلَى دعائك ، فقمتُ فصلَّيتُ ودعوت وأمّنَتْ ووضعتُ رأسي ونمتُ ، فرأيت جدِّي عَلَيْه السَّلام فِي النوم وَهُوَ يَقُولُ لي : قَدْ شكرتُهم عَلَى ما كَانَ منهم إليك ، وهم بارُّوكَ بشيءٍ فاقْبَلْه ، فدفعتُ إِلَيْهِ ما كَانَ معي وانصرفتُ ، وصرت إِلَى منزلي فإذا ربَّة المنزل قلقة قائمة تُصلِّي وتدعو ، فعرفتْ أني قَدْ جئت مُعَافًى ، فخرجت إليّ فسألتني عَنْ خبري ، فحدَّثْتها الْحَدِيث عَلَى وجهه ، فقالت لي : ألم أقل لك : أتكل عَلَى جَدِّهم ، رأيتَ ما فعل ؟ فدفعتُ إليها ما كَانَ لها فأخذتْهُ .