حَدَّثَنَا الْحُسَيْن بْن الْقَاسِم الكوكبي ، قَالَ : حَدَّثَنِي أَبُو الْفَضْل الرَّبَعِيّ ، قَالَ : حَدَّثَنِي إِسْحَاق بْن إِبْرَاهِيم الْمَوْصِلِيّ ، قَالَ : قَالَ لي عَلِيّ بْن هِشَام : قَدْ عَزَمْتُ عَلَى الصَّبُوح فاغْدُ علي ، فعاقني عائق عَنِ البكور إِلَيْهِ ، فجئتُ فِي وقت الظهر ، وعنده مُخَارِق ، فَقَالَ لي : يا أبا إِسْحَاق أَيْنَ كُنْت ؟ فقلت : شغلني أعز اللَّه الأمير ما لَمْ أجد من القيام بِهِ بُدًّا ، ثُمّ دعا بطعام وجلسنا عَلَى شرابنا فغنى مُخارق صوتًا من الطَّوِيل شعر الموَقَّل ، والغناء لأبي سَعِيد مَوْلَى فايد وَهُوَ : وَقَدْ لامني فِي حب مَكْنُونَةَ التي أهيمُ بها أهلُ الصَّفَاءِ فأكثرُوا يقولون لي مَهْلا وصبرًا فلم أجدْ جَوَابًا سوى أن قُلْتُ كيف التصبر أأصبرُ عَنْ نفسي وَقَدْ حيل دُونها ووافقني منها الَّذِي كُنْت أحذرُ فأخطأ فِيهِ ، فقلت : أخطأت ويلك ، ثُمّ غنَّى صوتًا من البسيط شعره لحميد بْن ثَوْر ، والغناء للهُذَلي وَهُوَ : يا مُوقِد النار بالعلياء من إضَمٍ لي سُقُمًا يا مُوقِد النَّارِ يا رُبَّ نارٍ هدتني وهي مُوقَدَة بالنِّدِّ والعَنْبر الْهِنديِّ والغَارِ تَشُبُّها إذ خَبَتْ أيدٍ مُخَضَّبةٌ من ثَيِّباتٍ مَصُوناتٍ وأبْكارِ قلوبُهن وَلَم يَبْرَحْن شاخِصَةٌ ينظرن من أَيْنَ يأتي الطَّارِقُ السَّاري فأخطأ فِيهِ ، فقلت : أخطأت ويلك ! ثُمّ تغنى صوتًا ثالثًا من الكامل ، شعره لكُثَيّر ، والغناء لمعْبَد : إني لأسْتَحِي أن أبُوح بحاجتي فإذا قرأتِ صحيفتي فتفهَّمِي وعليك عهدُ اللَّه إن أنبأتِهِ أحدًا وَلا أظهرتِه بتَكَلُّمِ فأخطأ فِيهِ ، فقلت : أخطأت ويلك ! فغضب ، وقَالَ : يا أبا إِسْحَاق يأمرك الأمير بالبكور فتأتي ظهرًا ، وتغنيت أصواتًا كُلَّها يُحبها ويطرب إليها فخطأتني فيها ، وتزعم أنَّكَ لا تضرب بالعود إِلا بَيْنَ يَدَي خليفةٍ أَوْ ولِيِّ عهد ، ولو قَالَ لك بعضُ البرامكة مثل هَذَا لبكَّرْتَ وضَرَبْتَ وغَنّيت ، فقلت : ما ظننتُ أن هَذَا يَجْري ، وواللَّه ما أُبْديه انتقاصًا لمجلس الأمير أعثره اللَّه ، وَلَكِن اسمع يا جاهل ، ثُمّ أقبلت عَلَى ابْن هِشَام ، فقلت : دعاني أصلح اللَّه الأمير يَحْيَى بْن خَالِد يومًا ، وقَالَ لي بكِّر فإنِّي عَلَى الصَّبوح ، وَقَدْ كُنْت يومئذ فِي دارٍ بأُجْرة ، فجاءني من الليل صاحبُ الدَّار ، فأزعجني إزعاجًا شديدًا ، فَجرتْ مني يمين غليظة أني لا أُصْبح حَتَّى أتحوَّل ، فَلَمَّا أصبحتُ خرجت أنا وغلماني حَتَّى اكتريتُ منزلا وتحولتُ ، ثُمّ صرتُ إِلَى يَحْيَى وقت الظهر ، فَقَالَ لي : أَيْنَ كُنْت إِلَى الساعة ؟ فحدثُته بقصَّتي وقعدنا عَلَى شربنا وأخذنا فِي غنائنا ، فلم ألبث أن دعا يَحْيَى بدواة وقرطاس فوقع شيئًا لَمْ أدْرِ ما هُوَ ، ثُمّ دفع الرُّقْعة إِلَى جَعْفَر فوقع فيها شيئًا ودفعها إليّ ، فَإِنِّي لأنظر فيها ، وَلَم أدْر ما تَضَمنتْ إذْ أخذها الفضلُ بْن يَحْيَى ، فوقع فيها شيئًا ودفعها إليّ ، وَإِذَا يَحْيَى قَدْ كتب : يُدفع إِلَى إِسْحَاق ألف ألف يبتاعُ بها منزلا ، وَإِذَا جَعْفَر قَدْ كتب يُدفع إلى إِسْحَاق ألف ألف يَصْرفها فِي نفقاته ومُرُوءته ، فقلت فِي نفسي : هَذَا حُلم ، فلم ألبث أن جاء خادم أخذها من يدي ، فَلَمَّا كَانَ فِي وقت الانصراف استأذنتُ وخرجت ، فإذا أَنَا واللَّه بالمال ، وَإِذَا الوكلاء ينتظروني حَتَّى أقبضه منهم فعلام يَلُومُنِي هَذَا الجاهل ؟ ثُمّ قُلْتُ لمخارق : هات العود ، فأخذتُه وردت الأصوات التي أخطأ فيها ، وغنيت صوتًا من الطويل بشعر لِابْن ياسين ، والغناء فِيهِ لي وَهُوَ : إلهي مَنَحْتَ الْوُدَّ مِنِّي بخيلةً وأنت عَلَى تَغْير ذَلِكَ قَدِيرُ شفاءُ الهوى بَثُّ الجوى واشتكاؤه وإن امرأً أخْفَى الهوى لصَبُورُ فطرب لذلك طربًا شديدًا ، ثُمّ قَالَ : حُقَّ لك ، ثُمّ أقبل عَلَى مُخَارق ، فَقَالَ : يا فاسق ، ما أَنْت والكلام ، وأمر لي بمائة ألف دِرْهَم وخِلعة ، وأمر لِمُخَارق بعشرة آلاف دِرْهَم ، فبلغ ذَلِكَ إِسْحَاق بْن خَلَف فأنشأ ، يَقُولُ : إن جئتَ ساحته تبغي سماحته تَلْقَاكَ رَاحَتُهُ بالوَبْلِ والدِّيَمِ ما ضرَّ زائره الرَّاجي لنائله إن كَانَ ذا رَحِمٍ أَوْ غَيْر ذِي رحِمِ فَعَالُه كرمٌ وقوله نَغَمٌ بقوله نَعَمٌ قَدْ لجَّ فِي نِعَم .