علي بن الجهم وحديث العشرة المبشرين بالجنة


تفسير

رقم الحديث : 375

حدثنا الحسين بْن القاسم الكوكبي ، قَالَ : حَدَّثَنِي يعقوب بْن بنان الكاتب ، قَالَ : حَدَّثَنِي أَبُو العباس ابْن الفرات ، قَالَ : كنا ليلة في دار أَبِي الصقر إسماعيل بْن بلبل فوافى يعقوب بْن إسحاق الصائغ برسالة من أَبِي القاسم عُبَيْد اللَّهِ بْن سليمان في حاجة له ، فجلس معناه إلى أن يؤذن له على أَبِي الصقر فجرى ذكر أَحْمَد بْن أَبِي داود فكل حدث عَنْهُ , وعن أيامه بشيء ، فحدثنا يعقوب بْن الصائغ ، قَالَ : لما وجه المأمون بأبي إسحاق المعتصم إلى مصر , وعقد له من باب الأنبار إلى أقصى المغرب . قَالَ ليحيى بْن أكثم : ينبغي أن ترتاد لي رجلا حصيفًا لبيبًا له علم وأمانة وثقة أنفده مع أَبِي إسحاق ، وأوليه المظالم في أعماله ، وأتقدم إليه سرًا بمكاتبتي سرًا بأخباره وما تجري عليه أموره ، وبما يظهر ويبطن ، وما يرى من أمر قواده وخاصته ، وكيف تدبيره في الأموال , وغيرها ، فإني لست أثق بأحد ممن يتولى البريد ، وما أحب أن أجشمه بتقليد صاحب البريد عليه فيكون معتمدي عليه , وتكون كتبه سرية إليك لتقرئني إياها إذا وردت ، فقال : يا أمير المؤمنين عندي رجل من أصحابي أثق بعقله ودينه ورأيه وأمانته وصدقه ونزاهته ، فقال : جئني به في يوم كذا وكذا , فصار يحيى بْن أكثم بأَحْمَد بْن أَبِي داود إلى المأمون في اليوم الذي حده له , فكلمه المأمون , فوجده فهمًا راجحًا . فقال له : إني أريد إنفاذك مع أخي أَبِي إسحاق ، وأريد أن تكتب بأخباره سرًا ، وتتفقد أحواله ومجاري أموره وتدبيراته وخبر خاصته وخلواته ، وتنفذ كتبك بذلك إلى يحيى بْن أكثم مع ثقاتك ومن تأمنه على دمك ، فإني أشهر أمرك بتقليد المظالم في عسكره ، وأتقدم إليه بمشورتك والأنس بك ، فقال له أَحْمَد : أبلغ لك يا أمير المؤمنين في ذلك فوق ما قدرته عندي وبي ، وأنتهي إلى ما يرضي أمير المؤمنين ويزلف عنده ، فجمع المأمون بين أَحْمَد بْن أَبِي داود وبين المعتصم , وقال له : إنك تشخص في هذا العسكر , وفيه أوباش الناس وجند وعجم وأخلاط من الرعية ، ولا بد لعسكرك من صاحب مظالم يكون فيه لينظر في أمور الناس ، وقد اخترت لك هذا الرجل فضمه إليك وأحسن صحبته وعشرته ، فأخذه المعتصم معه ، فلما بلغوا الأنبار وافت كتب أصحاب البريد بموافاة المعتصم الأنبار ، فقال المأمون ليحيى : ترى ما كان من بغداد إلى الأنبار خبر يكتب به صاحبك إليك ؟ ! قَالَ : فقال يحيى : لعله يا أمير المؤمنين لم يحدث خبر تحسن المكاتبة به ، وكتب يحيي إلى أحد يعنفه ويستبطئه ويخبره : أن أمير المؤمنين قد أنكر تأخر كتابه ، فلما ورد الكتاب على أَحْمَد , ووقف على ما فيه احتفظ به ولم يجب عَنْهُ ، وشخص المعتصم حتى وافي الرحبة , ولم يكتب أَحْمَد بحرف واحد من أخبار المعتصم الرحبة وأخبار عسكره ، فدعا المأمون يحيى بْن أكثم . فقال : يا أسخن الله عينك ، عجبت أن تختار إلا من هذه سبيله ، تختار لي ويحك رجلا تصفه بكل الصفات , فأتقدم إليه بما كنت حاضره ، فلا يكتب من بغداد إلى أن يوافى الرحبة إليك كتابًا في معنى ما أعتمد عليه فيه ؟ ! قَالَ : فكتب يحيى إلى أَحْمَد كتابًا أغلظ له المخاطبة , وأسمعه فيه المكروه , ويقول له : إنما أشخصناك لما تقدمنا به إليك ، وأنا إنما أظهرنا تقليدك المظالم ليتيسر ما أمرت به ، فما هذه الغفلة , وما هذا الجهل بما يراد منك ؟ ! فورد الكتاب على أَحْمَد , فقرأه واحتفظ به ، وسار المعتصم من الرحبة حتى وافى الرقة ، فدعا المأمون بيحيى , فقال له : يا سخين العين ، هذا مقدار رأيك وعقلك ؟ ! اللهم إلا أن تكون غررتني معتمدًا ، وأوطأتني العشوة قصدًا أولا فتجيئني برجل علم موقعه عندك , وتطلعني على الوقوف عليه فتصفه وتقرظه حتى أودعته سرًا من أسراري , وأمرًا أقدمه على كل أموري ، فمضى من مدينة السلام إلى ديار مصر فلم يكتب بحرف مما أمر بالكتاب به ؟ ! فقال : يا أمير المؤمنين من يعمل بغير ما يؤدي إلى محبتك ويقود إلى إرادتك , فأذاقه الله بأسك ، وألبسه نكالك ، وصب عليه عذابك . وكتب إلى أَحْمَد كتابًا يشتمل على كل إيعاد وإرهاب وتخويف وتحذير ، وخاطبه بأوحش مخاطبة وأنكلها ، فورد الكتاب على أَحْمَد , فقرأه واحتفظ به ، وأمر المأمون عَمْرو بْن مسعدة أن يكتب إلى أَبِي إسحاق المعتصم كتابًا يأمره فيه بالبعثه بأَحْمَد بْن أَبِي داود مشدودة يده إلى عنقه ، مثقلا بالحديد ، محمولا على غير وطاء ، فورد الكتاب على المعتصم ، ودخل أَحْمَد بْن أَبِي داود إليه وهو بالرقة ما جاوزها ، فرأى المعتصم كئيبًا مغمومًا ، فقال : أيها الأمير أراك متغيرًا وأرى لونك حائلا . فقال : نعم لكتاب ورد علي من أجلك ، ونبذ إليه بالكتاب فقرأه أَحْمَد . فقال له المعتصم : تعرف لك ذنبًا يوجب ما كتب به أمير المؤمنين ؟ قَالَ : ما اجترمت ذنبًا , إلا أن أمير المؤمنين لا يستحل هذا مني إلا بحجة ، فما الذي عند الأمير فيما كتب به إليه ؟ فقال : أمر أمير المؤمنين لا يخالف لكني أعفيك من الغل والحديد ، وأحملك إليه على حال لا توهنك ولا تؤلمك وأوجه بك من غلام من غلماني أتقدم إليه في ترفيهك , وأن لا يعسفك ، فقال : جزاك الله أيها الأمير أفضل ما جازى منعمًا ، فإن رأى الأمير أن يأذن لي في المصير إلى منزلي ومعي من يراعيني إلى أن يردني إلى مجلس الأمير فيأمر بأمره فعل . فقال له : امض ، ووجه معه خادمًا من خدمه ، فصار أَحْمَد إلى منزله ، واستخرج الكتب الثلاثة التي كاتبه بها يحيى بْن أكثم وهم بالأنبار ، والكتاب الذي ورد وهم بالرحبة ، والكتاب الذي ورد وهم بالرقة ، ورجع إلى المعتصم فأقرأه الكتاب الأول , ثُمَّ الثاني , ثُمَّ الثالث , وقال له : إنما بعثت لأكتب بأخبارك وأتفقد أحوالك وأكاتب يحيى بذلك ليقرأه على أمير المؤمنين فخالفت ذلك لما رجوته من الخطوة عندك , ولما أملته في غدك ، فاستشاط المعتصم غضبًا وكاد يخرج من ثيابه غيظًا , وتكلم من يحيى بكل مكروه , وتوعده بكل بلاء . وقال : ويلي على البقار البليد السراويل ، وقال لأَحْمَد : يا هذا لقد رعيت لنا رعاية لم يتقدمها إحساننا إليك ، وحفظت علينا ما نرجو أن نتسع لمكافأتك عليه ، ومعاذ الله أن أسلمك أو أفرج عنك أو تنالك يد ولي قدرة على منعها منك ، أو أوثر خاصة وحميمًا عليك ما أمتد بي عمر أو تراخي بي أجل ، فكن معي فأمرك نافذ في كل ما ينفذ فيه أمري ، ولم يجب المأمون على كتاب ، فلم يزل معه أن ولي الخلافة وإلى أن ولي الواثق وإلى أيام المتوكل فأوقع به . قال القاضي أَبُو الفرج : قول المأمون ليحيى : أوطأتني العشوة ، يقال فيها : العشوة والعشوة ، وقال بعض علماء اللغة : الضم فيها أفصح اللغات .

الرواه :

الأسم الرتبة

Whoops, looks like something went wrong.