حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَزِيدَ الْخُزَاعِيَّ ، حَدَّثَنَا الزُّبَيْرُ ، قَالَ : حَدَّثَنِي عَمِّي ، عَنْ عُمَرَ بْنَ الْهَيَامِ بْنِ سَعِيدٍ ، قَالَ : أَتَتْهُ امْرَأَةٌ يَعْنِي شَرِيكًا مِنْ وَلَدِ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْبَجَلِيِّ صَاحِبِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَهُوَ فِي مجلس الْحكم ، فقالت : أَنَا بالله ثُمّ بالقاضي ، امْرَأَة من وُلِد جرير بْن عَبْد اللَّه صاحب النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ ، وردَّدت الكلام ، فَقَالَ : إيهًا عنك ، الآن من ظلمك ؟ ، قَالَتْ : الأمير عِيسَى بْن مُوسَى ، كَانَ لي بستانٌ عَلَى شاطئ الْفُرات ، لي فِيهِ نخلٌ ، ورثْتُه عَنْ آبائي ، وقاسمتُ إخوتي ، وبنيتُ بيني وبينهم حائطًا ، وجعلتُ فِيهِ رَجُلا فارسيًّا فِي بيتٍ يحفظُ لي النَخْلَ ويقومُ بِبُسْتاني ، فاشترى الأميرُ عِيسَى من إخوتي جميعًا وسَامَنِي فأرْغَبَنِي فلم أبِعْهُ ، فَلَمَّا كَانَ فِي هَذِهِ الليلة بعث خمس مائة فاعلٍ فاقتلعُوا الحائط ، فأصبحتُ لا أعرف من نَخْلي شيئًا واختلط بنخل إخوتي . قَالَ : يا غُلام ، طينَة ، فختم لها خَاتمًا ، ثُمّ قَالَ لها : امْضِي بِهِ إِلَى بَابه حَتَّى يحضرَ معكِ . فجاءت الْمَرْأَة بالطينة فأخذها الحاجبُ ودخل عَلَى عِيسَى ، فَقَالَ لَهُ : أعْدِيَ شريكٌ عليك ، قَالَ لَهُ : أدْعُ لي صاحبَ الشرطة ، فدعا بِهِ ، فَقَالَ : امْضِ إِلَى شريك فقل لَهُ : يا سبحان اللَّه ، ما رأيتُ أعجبَ من أمْرِك ، امرأةٌ ادَّعتْ دَعْوى لَمْ تصحَّ ، أَعْدَيْتها عليَّ ؟ ، فَقَالَ : إن رَأَى الأميرُ أن يُعفِيَني فَلْيفعل ، فَقَالَ : امضِ وَيْلَك ، فخرج فأمر غلمانه أن يتقدّموا إِلَى الحبس بفراشٍ وغير ذَلِكَ من آلة الحبس ، فَلَمَّا جاء وقف بَيْنَ يدي شريكٍ القاضي فأدّى الرسالة ، فَقَالَ لصاحبه : خُذْ بيده فضعْهُ فِي الحبس ، قَالَ : قَدْ واللَّه يا أبا عَبْد اللَّه عرفتُ أنَّكَ تفعلُ بي هَذَا ، فقدَّمتُ ما يُصْلحني إِلَى الحبس . قَالَ : وبلغ عِيسَى بْن مُوسَى ذَلِكَ فوجَّه بحاجبه إِلَيْهِ ، فَقَالَ : هَذَا من ذَاكَ ، رسولُ أَيّ شيءٍ أَنْت ؟ فأدَّى الرسالة ، فألحقه بصاحبه فحُبس . فَلَمَّا صلّى الأميرُ العصر بعث إِلَى إِسْحَاق بْن صَباح الأَشْعَثيّ وإلى جماعة من وجوه الكوفةِ من أصدقاءِ شريك ، فَقَالَ : أُمْضُوا إِلَيْهِ وأبلغوه وأَعْلمُوه أَنَّهُ قَد استخفَّ بي ، فإنّي لستُ كالعَامَّة . فمضَوْا وَهُوَ جالسٌ فِي مسجده بعد العصر ، فدخلوا إِلَيْهِ فأبلغوه الرسالة ، فَلَمَّا انقضى كلامُهم ، قَالَ لهم : مالي لا أراكُم جئتهم فِي غيره من النّاس ؟ من هاهنا من فتيان الحيِّ ؟ فابتدرُوهُ ، فَقَالَ : يأخذْ كلُّ واحد منكم بيدِ رجلٍ من هَؤُلاءِ فيذهبْ بِهِ إلى الحبس ، لا بِتُّمْ واللَّه إِلا فِيهِ ، قَالُوا : أجادٌّ أَنْت ؟ ، قَالَ : حقًّا ، حَتَّى لا تعودوا تَحملُوا رسالةَ ظالم ، فحبسهم ، فركب عِيسَى بْن مُوسَى فِي الليل إِلَى باب الحَبْس ففتح الباب وأخذهُم جميعًا ، فَلَمَّا كَانَ من الغَدِ وجلس شريكٌ للقضاء ، جاء السَّجَّان وأخبره ، فدعا بالْقِمَطْرِ فختمها ووَجَّه بها إلى منزله ، وقَالَ لغُلامه : الْحقْني بثَقَلي إِلَى بغداد ، واللَّه ما طلبنا هَذَا الأمرَ منهم ، ولكنْ أكرهُونا عَلَيْه ، ولقد ضَمِنُوا لنا الإعزازَ فِيهِ ، ومضى نحو قنطرة الْكُوفَة يريد بغداد ، وبلغ عِيسَى بْن مُوسَى الخبرُ ، فركب فِي موكبه فلحقه وَجَعَل يناشده اللَّه ، وَيَقُولُ : يا أبا عَبْد اللَّه ، تَثَبَّتْ ، انْظُر إخوانَك تحبسْهم ؟ دَعْ أعْوَاني ، قَالَ : نعم ، لأنَّهُم مَشَوْا لك فِي أمرٍ لَمْ يَجِبْ عليهم المشْيَ فِيهِ ، ولستُ ببارح أَوْ يُردُّوا جميعًا إِلَى الحبس ، وإِلا مضيتُ من فوري إلى أمير الْمُؤْمِنِين فاستعفيتُه فيما قَلَّدني ، فأمر بردهم جميعًا إِلَى الحبس ، وَهُوَ واللَّه واقفٌ مكانه حَتَّى جاءه السَّجَّان ، فَقَالَ : قَدْ رجعوا إِلَى الحبس ، فَقَالَ لأعوانه : خُذُوا بلجامه قُودُوه بَيْنَ يَدَيَّ إِلَى مجلس الْحُكْم ، فَمَرُّوا بِهِ بَيْنَ يديه حَتَّى دخل المسجد ، وجلس مجلس القضاء ، ثُمّ قَالَ : الجَرِيرِيَّةُ الْمُتَظَلِّمةُ من هَذَا ؟ فجاءت ، فَقَالَ : هَذَا خَصْمُكِ قَدْ حضر ، فَلَمَّا جلس معها بَيْنَ يديه ، قَالَ : يَخْرجُ أولئك من الحبس قبل كُلّ شيءٍ ، ثُمّ قَالَ : ما تقولُ فيما تَدَّعِيه هَذِهِ ؟ ، قَالَ : صَدَقَتْ ، فَقَالَ : تَرُدُّ جميعَ ما أُخِذَ منها إليها وتَبْنِي حائطَها فِي أسْرع وقت ، كَمَا هدم ، قَالَ : أَفْعَلُ ، أَبقِيَ لَكِ شيءٌ ؟ ، قَالَ : تَقُولُ المرأةُ : نعم ، وبيتُ الفارسيّ ومَتاعُه ، قَالَ : وبيتُ الفارسيّ ومتاعُه ، فَقَالَ شريك : أبَقِيَ شيءُ تَدّعينه عَلَيْه ؟ ، قَالَتْ : لا ، وجَزَاكَ اللَّهُ خيرًا ، قَالَ : قُومي ، وَزَبرها ، ثُمّ وثب من مجلسه فأخذ بيد عِيسَى بْن مُوسَى فأجْلَسَه فِي مَجْلِسِه ، ثُمّ قَالَ : السَّلام عليك أيها الأمير ، تأمرُ بشيء ؟ ، قَالَ : بأيِّ شيءٍ آمُر ؟ وضحك .