من مكارم الاخلاق


تفسير

رقم الحديث : 52

حَدَّثَنَا الْحُسَيْن بْن الْقَاسِم الكوكبي ، ثنا عِيسَى بْن مُحَمَّد بْن ناظرة السدوسي ، قَالَ : حَدَّثَنِي قُبَيْصةُ بْن مُحَمَّد المهلبي ، قَالَ : أَخْبَرَنِي اليمانُ بْن عُمَر مَوْلَى ذِي الرِّيَاسَتين ، قَالَ : كَانَ ذُو الرِّياستين يَبْعثُني وأحداثًا من أحداث أهله إِلَى شيخ بخراسان لَهُ أدبٌ وَحُسْنُ معرفةٍ بالأمور ، وَيَقُولُ لنا : تعلَّموا منه الحكمة فَإِنه حكيم ، فكنّا نأتِيه ، فإذا انصرفنا من عنده سَأَلَنا ذو الرياستين واعترض ما حفظناه فنُخْبِرُه ، فصرنا ذات يوْم إِلَى الشَّيْخ ، فَقَالَ لنا : أنتم أدباءُ وَقَدْ سمعتم الحكمة ، ولكم خَيْرَاتٌ وَنِعَمٌ ، فهل فيكم عاشق ؟ فَقُلْنَا : لا ، فَقَالَ : اعشقوا فَإِن العشق يُطلق اللسانَ الغبيَّ ، ويفتح حيلة البليد والبخيل ، ويبعث عَلَى التنظُّفِ ، وتحسين اللِّباس ، وتَطْيِيبِ المَطْعم ، ويدعو إِلَى الحركة والذكاء وَيُشْرِفُ الهِّمَة ، وإيّاكُم والحرامَ . فانصرفنا من عنده إلى ذِي الرياستين ، فسألنا عمّا افدناه فِي يومنا ذَلِكَ ، فهِبْناهُ أن نُخْبِره ، فغرم علينا ، فَقُلْنَا لَهُ : أَمَرَنَا بكذا وكذا ، وقَالَ لنا كذا وكذا ، قَالَ : صدق واللَّهِ ، أتعلمون من أين أخذ هذا ؟ قلنا لا ، قال ذو الرياستين : إن بهرام جُور كَانَ لَهُ ابنٌ وكان قَدْ رَشَّحَه للأمر من بعده ، فنشأ الفتى ناقصَ المروءة ، خاملَ النَّفْس ، سيّءَ الأدب ، فغَمَّهُ ذَلِكَ ، وَوَكَّلَ بِهِ من المؤدبين والمنجمين والحكماء من يُلازمه ويعلَّمه ، وكان يسألهم عَنْهُ فيحكون لَهُ ما يَغُمُّه من سوء فهمه وقلة أدبه ، إلى أن سَأَلَ بعضَ مؤدِّبيه يومًا ، فَقَالَ لَهُ المؤدب : قَدْ كُنّا نخاف سُوءَ أدبه ، فحَدَثَ من أمْرِه ما صِرنْا إلى اليأس من فَلاحه ، قَالَ : وما ذَلِكَ الَّذِي حدَّث ؟ ، قَالَ : رَأَى أَمَةَ فلانٍ الْمَرْزُبَانِ فعشِقها حَتَّى غلبتْ عَلَيْه ، فهو لا يَهْذِي إِلا بها ، وَلا يتشاغلُ إِلا بذكرها ، فَقَالَ بهرام : الآن رجوتُ فَلاحَه ، ثُمّ دعا بأبي الجارية ، فَقَالَ : إِنِّي مُسِرٌّ إليك سِرًّا فلا يَعْدُوَنَّكَ ، فضمِن لَهُ سِرَّه ، فأعلمه أن ابنَهُ قَدْ عشق ابنته ، وأنه يريد أن يُنكحها إيّاه ، وأمرَهُ أن يأمرها بإطماعه فِي نفسها ، ومراسلته من غَيْر أن يراها ، أَوْ تقع عينه عليها ، فإذا استحكم طمعُهُ فيها تَجنَّتْ عَلَيْه وهجرته ، فَإِن استعتبها أعلمتْهُ أنها لا تصلْح إِلا لملكٍ وَمَنْ همَّتُه همَّةُ مَلِك ، وأنه يمنعها من مواصلته مواصلته أَنَّهُ لا يَصْلُحُ لِلْمُلْكِ ، ثُمّ لِيُعْلِمْهُ خبرَها وخَبَره ، لا يطلعها عَلَى ما أسرّ إِلَيْهِ . فقبل أبوها ذَلِكَ منه ، وفعلت المرأة ما أمرها بِهِ أبوها ، فَلَمَّا انتهت إِلَى التجني عَلَيْه ، وعلم الفتى السَّببَ الَّذِي كرهته ، أَخَذَ فِي طَلَبِ الأدب والحكمة والْعِلم والفروسيَّة والرِّماية وضَرْب الصَوَالِجة ، حَتَّى مَهَر فِي ذَلِكَ ، ثُمّ رفع إِلَى أَبِيهِ أَنَّهُ يحتاج من الدوابِّ والآلات والمطاعم والملابس والندماء إِلَى فوق ما يُقَدَّرُ لَهُ ، فسُرَّ بِذَلِك وأمر لَهُ بِهِ ، ثُمّ دعا مُؤدِّبه ، فَقَالَ لَهُ : إن الموضعَ الَّذِي وَضَع ابني نفْسَه من حُبِّ هَذِهِ المرأة لا يُزْري بِهِ ، فتقدَّم إِلَيْهِ أن يرفَع إليَّ أمْرَها ، ويسألَنِي أن أزّوِّجَه إياها ففعل ، فرفع الفتى ذَلِكَ إِلَى أَبِيهِ ، فدعا بأبيها فزوَّجه إياها ، وأمر بتعجيلها إِلَيْهِ ، قال لَهُ : إذا اجْتَمَعْتَ وهي فلا تُحْدِثْ شيئًا حَتَّى أصيرَ إليك ، فَلَمَّا اجتمعا صار إِلَيْهِ ، فَقَالَ : يا بُني ، لا يَضَعَنَّ مِنْها عندك مراسلَتُها إياك وليستْ فِي حِبَالِك ، فإنِّي أَنَا أمَرْتُها بِذَلِك ، وهي أعظمُ النّاس مِنَّةً عليك بما دَعَتْك إِلَيْهِ من طلب الْحِكمة ، والتَخَلُّق بأخلاق الملوك ، حَتَّى بلغتَ الحدَّ الَّذِي تَصْلُح معه لِلْمُلْكِ من بعدي ، فزِدْها من التشريف والإكرام بقدر ما تَستحقُّ منك ، ففعل الفتى وعاش مسرورًا بالجارية ، وعاش أبوه مسرورًا بِهِ ، وأحسن ثوابَ أبيها ، ورفع مرتبتهُ وشَرَفه ، بصيانته سِرَّهُ وطاعتِه ، وأحسنَ جائزة المؤدِّبِ بامتثاله ما أمرَهُ بِهِ ، وعقد لابنه عَلَى الْمُلْك من بعده . قَالَ اليماني مَوْلَى ذِي الرياستين ، ثُمّ قَالَ لهم ذو الرياستين : سَلُوا الشَّيْخ الآن لِمَ حَمَلَكْم عَلَى الْعِشق ؟ فسألناه ، فحدثنا حديث بهرام جور وابنه .

الرواه :

الأسم الرتبة

Whoops, looks like something went wrong.