لا حليم الا ذو عثرة


تفسير

رقم الحديث : 106

حَدَّثَنَا الْحُسَيْن بْن الْقَاسِم بْن جَعْفَر الكوكبي ، قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو الْفَضْل الْعَبَّاس بْن الْفَضْل الرَّبَعِيّ ، قَالَ : حَدَّثَنَا أَبِي ، وإِبْرَاهِيم بْن عِيسَى ، قَالا : دخل مُحَمَّد بْن عَبْد الملك بْن صَالِح عَلَى المأمون وَقَدْ كَانَتْ ضِياعُه حِيزَتْ وقُبضت ، فَقَالَ : السَّلام عليك يا أميرَ الْمُؤْمِنِين ورحمةُ اللَّه وبركاته ، مُحَمَّد بْن عَبْد الملك بَيْنَ يديك ، سليلُ نعمتك ، وابن دَوْلتك ، وغُصْنٌ من أغْصان دَوْحتك ، أتأذنُ لي فِي الكلام ؟ ، قَالَ : نعم . فتكلم ، فَقَالَ : الحمدُ للَّه ربِّ العالمين ، وَلا إله إِلا اللَّهُ ربُّ العرش العظيم ، وصلى اللَّهُ عَلَى ملائكته المقربين ، وعَلَى مُحَمَّد خَاتَمِ النَّبِيِّين ، ونستميحُ اللَّه لحياطةِ ديننا ودنيانا ، ورعايةِ أقصانا وأدنانا ببقائك يا أمير الْمُؤْمِنِين ، ونسألُ اللَّهَ أن يَمُدَّ فِي عمرك وَفِي أثرك من أعمارنا وأثارانا ، وأن يَقِيكَ الأَذَى بأسْماعنا وأَبْصارنا ، فَإِنّ الحقّ لا تَعْفُو دياره ، وَلا يتهدَّمُ مَسَارُه ، وَلا يَنْبتُّ حبلُه ، وَلا يزول ظِلُّه ، ما دمت ظل اللَّه فِي رعيته ، والأمين عَلَى عباده وبلاده . يا أمير الْمُؤْمِنِين ، هَذَا مقامُ العائذ بظلِّك ، الهاربُ إِلَى كَنَفِك وفَضْلِك ، الفقيرُ إِلَى رحْمتك وعَدْلك ، من تَعَاوُرِ الغوائب ، وسهام المصائب ، وكَلَبِ الدَّهْر ، وذهاب الوَفْر ، وَفِي نظرِ أمير الْمُؤْمِنِين ما فَرَّج كُرْبةَ المكروب ، وبَرَّد غليل الملهوف . ثُمّ إنَّه تقدَّم من رأي أمير الْمُؤْمِنِين فِي الضِّياع التي أفادناها نعمُ آبائه الطاهرين ، ونَوافِلُ أسْلافه الرَّاشدين ، ما اللَّهُ وليُّ الْخِيَرةِ فِيهِ لأمير الْمُؤْمِنِين ، وإن عَبْد الملك بْن صَالِح قَدِم الجزيرة حين قدمها والحربُ لاقِح ، والسيفُ مَشْهور ، والشام قَدْ نَفِل أديمه ، وتحطمتُ قُرُونُه ، والسفيانيُّ قَد استعرتْ ناره ، وكَثُرَتْ أنصاره ، ولبس للحرب لباسها ، وأعَّد لها أحَلاسها ، وكُلُّنا يومئذٍ فِي ثَوب الْقِلَّةِ والصَّغار ، بَيْنَ حربٍ دائرةٍ رحاها ، وفتنةٍ تُصَرِّفُ بأنيابها ، فكأنَّا نُهْزَةُ دواعيها ، وغَرضُ راميها ، إذا ثارت عَجَاجَةٌ من عجاجها لَمْ تَنْجَلِ إِلا عَنْ شِلْو مأكول ، أَوْ دَمٍ مَطْلُول ، أَوْ منزلٍ مَهْدوم ، أَوْ مالٍ مَكْلُوم ، أَوْ قلبٍ يَجِف ، أَوْ عين تَذْرِف ، أَوْ حُرْمةٍ حَرَّى ، أَوْ طَرِيدَة وَلْهى ، قَدْ أتْعَسَ اللَّهُ جَدَّها ، تهتفُ بسِّيدها أمير الْمُؤْمِنِين مِنْ تحت رَحَا الدَّهْر ، وكَلْكَل الفَقْر ، وتدعو اللَّه بإلباس الصَّبْر ، وإعداد النصر ، فالحمد للَّه المتطول عَلَى أوليائك يا أمير الْمُؤْمِنِين ، إعزازَ نصرك ، الْمُبَلِّغهم اليوم الَّذِي كانوا يأْمُلُون ، والأمَدَ الأقصى الَّذِي كانوا ينتظرون . ثُمّ إني قمتُ هَذَا المقام متوسِّلا إليك بآبائك الطَّاهرين ، بالرشيد خير الهداة الرَّاشِدين ، والمَهْدِيِّ ربيع السِّنين ، والمنصورِ نَكَالِ الظَّالمين ، ومُحَمَّدٍ خير المحمَّدين بعد خَاتَم النبيِّين والْمُرْسَلين ، وبعليٍّ زَيْن العابدين ، وبعبد اللَّه تَرْجُمانِ الْقُرآن ولسان الدّين ، وبالعباس وارث سيِّد الْمُرْسلين ، مُزْدَانًا إليك بالطاعة التي أفرغ اللَّه عليها غُصْني ، واحتنكتْ بها سِنِّي ، وسِيطَ بها لحمي ودمي ، مُتَعَوِّذًا من شماتة الأعداءِ ، وحلول البلاء ، ومقارنة الشِّدَّة بعد الرخاء . يا أمير الْمُؤْمِنِين ، قَدْ مضى جَدُّكَ المنصورُ وعَمُّكَ صالِحُ بنُ عليٍّ وبينهما من الرَّضاعِ والنَّسَبِ ما قَدْ علم أميرُ الْمُؤْمِنِين ، فكان ذَلِكَ لَهُ خصُوصًا ، ولبني أَبِيهِ عمومًا ، فسبق بِهِ بني أَبِيهِ ، وفات بِهِ أقربيه ، وَهُوَ صاحب الجعديّ الناجم فِي مصر ، حين اجتثَّ اللَّه أصْله ، وأيْبَس فَرْعَه ، وصرعَهُ مَصْرَعَه ، وَهُوَ صاحبُ عَبْد اللَّه بْن عَلِيّ حين دعا الشَّيْطَانُ أولياءَهُ فأجابوه ، ورفع لهم لواءَ الضَّلالَةِ فاتَّبعُوه ، وَهُوَ صاحبُ عِيسَى بْن مُوسَى حين رمى الخلافة بِبَصَرِه ، وسَمَا إليها بنظره ، ومشى إليها البَخْتَرِيّ ، ولبس لباسَ وُلاةِ العهود ، حَتَّى أثبت اللَّه الحقَّ فِي نِصابه ، وأقرَّهُ فِي قِرابه . يا أمير الْمُؤْمِنِين ، الدَّهْرُ ذُو اغتيال ، وَقَدْ تقلَّب بنا حالا بعد حال ، فليرحم أميرُ الْمُؤْمِنِين الصِّبْيةَ الصِّغَار ، والعجائزَ المحجوباتِ الْكِبَار ، واللاتي سقاهُنَّ الدَّهْر كَدرًا بعد صَفْوٍ ، ومُرًّا بعد حلْو ، وهَنيئًا نِعَمُ آبائك اللاتي غَذَتْنا صغارًا وكبارًا ، وشبابًا وأمشاجًا فِي الأصلاب ، ونُطَفًا فِي الأرحام ، وقَرّبْنا بحيث قَرَّبنا اللَّه مِنك فِي القَرابة والرَّحِم ، فَإِن رقابَنا قَدْ ذَلَّتْ لِسَخَطك ، وإن وُجُوهنا قَدْ عَنَتْ لموْجَدَتِك ، فأقلنا عثرة عاثرنا ، وعلى اللَّه المليِّ الجزاء ، وإن الحق فِي يدك ، فهبْ لنا ما قصّرنا فِيهِ من تَرْك الرِّمَمِ البالية ، للأُمَمِ الخالية ، مِنَّا فِي طاعة آبائك ، فقد مَضَوْا متمسكين بأقوى وسائلها ، معتصمين بأوثق حبائلها ، يوالون فيها البعيد الجنيب ، ويُنَادون فيها القريب الحبيب ، عَلَى ذَلِكَ مَضَوْا وبقينا حَتَّى يَرِثَنا اللَّه عَزَّ وَجَلّ ، وَهُوَ خيرُ الوارثين . يا أمير الْمُؤْمِنِين ، إن اللَّه عَزَّ وَجَلّ سَهَّل بك الْوُعُور ، وجَلَّى بك أن تجور ، ومَلأَ من خَوفِك القلوبَ والصُّدُور ، وَجَعَل اسمك حبلا كثيفًا ، وجَبَلا منيفًا ، يردعُ بك الفاسق ، ويقمع بك المنافق ، فارتبط نِعَم اللَّه عَزَّ وَجَلّ عِنْدك بالعفو والإحسان ، فَإِن كلَّ إمامٍ مسئول عَنْ رعيته ، وإن النعم لا تنقطع بالمزيد فيها حَتَّى ينقطعَ الشُّكْرُ عليها . يا أمير الْمُؤْمِنِين ، إنَّه لا عَفْوَ أفضلُ من عفو إمامٍ قادرٍ عَلَى مُذنِبٍ عَاثِر ، وَقَدْ قَالَ اللَّه عَزَّ وَجَلّ : وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ سورة النور آية 22 . حاط اللَّهُ أمير الْمُؤْمِنِين بسَتْرِهِ الضَّافي ، وصُنْعِه الكافي ، ثُمّ قَالَ : أميرَ الْمُؤْمِنِين أتاك رَكبٌ لهم قُرْبَى ولَيْسَ لهم بلادُ همُ الصَّدْر المقدم من قريش وأنت الرأسُ يتبعك العبادُ فقد طابت لك الدُّنْيَا ولذتْ وأرجُو أن يطيب لك المَعَادُ فَقَالَ المأمون : يفعلُ ذَلِكَ بمشيئة اللَّه ، وأسأله التوفيق فِي الرضا عنك ، والإجابة إِلَى ما سَأَلت ، وأن يُعقب ذَلِكَ محبوبًا بِمَنِّهِ ، وجميل عادته فِي مثله . وأمر بردِّ ضياعه ، وأحسن جائزته ، وقضى حاجاته .

الرواه :

الأسم الرتبة