حدثنا الحسين بْن القاسم الكوكبي ، قَالَ : حَدَّثَنِي يعقوب بْن بنان المنقري ، قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو العباس ابْن الفرات ، وقد جرى ذكر إسماعيل بْن بلبل وأيامه ، فقال : كنت يومًا بين يديه , وقد ورد عليه خبر الناصر ودخوله قرماسين ، فرأيته قد أطال الفكر , ثُمَّ قَالَ أَحْمَد الحاجب : وجه إلى أبي علي وصيف وإلى مُوسَى ابْن أخت مفلح ، فلم نلبث أن حضرا , ثُمَّ قَالَ : وجه إلى عَبد اللَّه بْن الفتح ، فقال له وصيف : أريد أن أقول شيئا قبل أن توجه إلى عَبد اللَّه بْن الفتح ، فقال : قل ، فكأنه كره أن يقول بسبب من حضر المجلس ، فقال أَبُو الصقر : نحتاج أن نخلو ، ولم يكن بالحضرة إلا أربعة أنا خامسهم : أَحْمَد بْن مُحَمَّد بْن خالد أخو أَبِي صخرة ، وما شاء الله الذي كان يكتب للطائي , وإسماعيل بْن ثابت الزغل ، وابن فراس , وقد كان استكتبه للعبدي ، فقمنا ، فقال : مكانك يا أَحْمَد ، فجلست ناحية وبين يدي أعمال أنظر فيها ، وقال لوصيف : قل : فقال له : إن كنت توجه إلى عَبد اللَّه بْن الفتح تشاوره في أمر ورد عليك , وتظن أنه لك مثل من حضر فلا تظن ذاك ، فإن عَبد اللَّه كان بمصر , يقول : ليس لي صلاة ما دمت مع ابْن طولون لأن الناصر ليس براض عَنْهُ ، وهو الآن إنما هو معك على أن الناصر يستنصحك ويرضى بك فيما ولاك من أمره ، فإن وقف على تدبير تدبره على غير ما يوافق الناصر رأى أن دمك حلال ، فأفكر أَبُو الصقر ساعة , وقاموا معه فدخلوا مجلسًا وأسبلت الستور دونهم ، ومعهم خادم لأبي الصقر أسود يقال له صندل حسن الفكر ، فلما قدم الناصر ونكب إسماعيل وتخلصنا من النكبة واستخلفني أَبُو القاسم عُبَيْد اللَّهِ بْن سليمان كان الخادم يجيئني كثيرًا ، فسألته عما جرى في تلك الخلوة , فقال لي : لا تلد النساء مثل وصيف الخادم ، ولا يرى في الدول مثله ، قَالَ مولاي لهما ، يعني وصيفًا وموسى ، قد قرب هذا الرجل , ولم يبق في بيوت الأموال شيء ولا والله ما ورائي ما أرضيه به ، ونحن في عدة عظيمة قد أنفقت الأموال عليها لأدفع بها عن نفسي ، وقد أفكرت في أن أواجه وأقطع جسر النهروان وأوجه بأكثر من الجيش وأجيء بأمير المؤمنين من المدائن وأمنعه من الدخول ، وأجيش الجيوش إليه مع أَحْمَد بْن الحسن المادرائي ، فقال له مُوسَى : الرأي لسيدنا ونحن بين يديه في كل ما أنهضنا إليه ، فقال لوصيف : ما تقول يا أبا علي ؟ فقال : أرى لك رأيًا لا يخلص لك غيره ، أرى أن تأخذ ابنه وتأخذ معك من الجيش من تعلم أنه لك ناصح ، وتقيد من تتهمه ، وتخرج من الجملة التي تثق بها حتى توافي المدائن ، فتأخذ المعتمد وأولاده وتخلفني بواسط وتصير أنت إلى البصرة ، والخليفة وأولاده معك ، ويكون أَبُو العباس ومن قد قيدته معك ، فإن أهل البصرة إذا رأوا الخليفة حارب دونك رجالهم وخولهم وصبيانهم ونساؤهم ، ويكون مال الأهواز وواسط والبصرة في يديك ، وتحدر معك الشذاءات والحراقات والزلالات والطيارات ، وتكاتب عَمْرو بْن الليث فإنه عدوه ، فإن كفيت أمره بهذه العلة التي يقال إنه فيها رجعت إلى بغداد وأنت أعز الناس ، وإن عاش كنت مع أمير المؤمنين وإمام المسلمين لم تخلع , ولم تحدث في أمره حادثة تزيل إمامته ، ومعك ولي عهد مقدم على أخيه , ولم تخرج من طاعة ، فالناس كلهم معك ، وقاتلناه أشد قتال ، ولعنته على المنابر ، وكان ابنه في يديك وأنت مستظهر به وبابنه الآخر ، وأولادك وحاشيتك معك ، وإذا نظر الأولياء إلى جودك وبخله واستنفاذك خليفة مظلومًا وقيامك بنصرته ناصحوك وبذلوا مجهودهم لك ، وإن خالفت هذا فأنت والله مأخوذ مقتول ، وأنت أعلم ، فقال له : القول ما قلت : وهذا هو التدبير ، وأنا آخذ في هذا وأعمل به ، وخرجا من عنده ، فبلغ وصيفًا أن مولاي عرض دوابه وبغاله لاستقبال الناصر ، وأنه أنفذ كتابًا إلى أَبِي بكر ابْن أخته ، وكان مع الناصر ، ليعرضه على الناصر ليجد له موضعًا في استقباله ، وورد الكتاب بدخول الناصر حلوان ، فجاءه وصيف , فقال : ما عزم سيدنا الوزير ؟ قد كاد ما جرى أن يفوت ، فقال : الليلة أنظر في هذا ، فقال : فإلى أن تنظر أتقدم أنا إلى واسط لأكون هناك إلى أن توافي ، فقال : ويحك ، الرجل قد كتب إلى ابْن أختي أنه لم يبق فيه من الروح ما يدخل بغداد ، فما معنى الانزعاج وتنبيه الأولياء على المطالبة بالشخوص ؟ فقال : والله إن دخل الناصر بغداد في تابوت ليخرجن المحبوس من غير أمرك ، وليجتمعن الناس كلهم له ، ولينقلبن عنك كل من اصطنعته ، فإن كنت لا تطيعني فيما أشرت به فدعني حتى أكبس الحسني كأني قد عاصيتك ، وأخذ المحبوس معي ، وآخذ الخليفة من المدائن معي كأنه عن غير أمرك ، فإنه يتهيأ لك إن وقعت على شيء يخالف محبتك أن تتخلص حتى تلحق بي أو تستتر إلى أن تجد الفرصة بالتخلص فقال له : إلى أن يقفل ذاك من حلوان ربما ينجلي الأمر ، فقال له : أما أنا فما أقيم ساعة أخرج من عندك وأنا بواسط إلى أن يأتيني أمرك إن بقي لك أمر ، وودعه وخرج ، فخلا به المادرائي , وأشار عليه بمثل هذا فلم يفعله ، ودخل الناصر ، وكانت الكائنة والجلاء الذي لم ير مثله .