حدثنا مُحَمَّد بْن عبد الواحد أَبُو عمر الزاهد , قَالَ : أخبرني أَبُو بكر الملطي ، قَالَ : أخبرني من رأى حمدويه الزنديق التائب ، تائب الزنادقة ، قَالَ : فأخبرني أن الخليفة رأى في منامه كأن الكعبة قد مات ، وكأنه أقامها هو وآخر يعرف صورته إذا رآه في اليقظة ، فاستوت الكعبة ، قَالَ : فطلوبني فقيل لي : يا حمدويه ما نشك فيك أنك أنت صاحب الخليفة ، قَالَ : فأدهلت عليه , فقال : نعم هذا هو ، قَالَ : فخلع علي وحملني ، ثُمَّ أمر صاحب الشرطة أن يقبل مني كل شيء أقوله ، وقال له : مر أصحاب الأرباع والأعوان بالطاعة له ، قَالَ : نعم ، ثُمَّ قَالَ لي : أنظر كل زنديق , فارفعه إلي ، قَالَ : وأمر لي بسجن حتى أحبس فيه الزنادقة ، فقال لي ابْن مسروق الصوفي : هي التي يقال لها دار مفلح ، قَالَ حمدويه : فالتقطت منهم جماعة ، فمن أقر وتاب خلاه السلطان , ومن جحد حبسه ، قَالَ : فمررت ذات يوم على مسجد الطويل وهو يقول في أذانه : أشهد أن محمدا رَسُول اللَّهِ ، قَالَ حمدويه : فقلت زنديق والله الذي لا إله إلا هو ، قَالَ : فبعثت إلى صاحب الربع فركب ، فقلت : اقبض على ذا ، فرفعه إلى السلطان ، قَالَ : وكان مقرئا قد علم ألوفا من الناس ، قَالَ : فتسامع أهل الكرخ ، قال : فاجتمعوا وهم ثلاثون ألفا , فدخلوا على السلطان الأعظم , فقالوا له : ليس حمدويه نبيا ولا صحابيا ولا تابعيا حتى يصدق في كل شيء يقوله ، ونحن وجوه الرعية نحلف للسلطان بالله الذي لا إله إلا هو لقد أبطل حمدويه ، قَالَ : وابتدأ قوم فحلفوا بالطلاق وأيمان البيعة أن حمدويه كذب على أستاذنا ، قَالَ : وخرجوا وقد وعدهم أن يتوقف في قتله ثلاثة أيام ، فإن خرج حمدويه بعذر بين قتل حمدويه وخلى المقري ، قَالَ : فخلا بي من بعد ما خرج الناس فقال لي : يا حمدويه ، قد بلغك الخبر ورأيت الأمة قد اقبلت إلي وزعموا أنه أستاذهم وقد حلفوا بالطلاق ، وقد أجلته ثلاثة أيام فإذا كان اليوم الرابع فإما قتلته وإما أقتلك ، فقلت : قد رضيت بالله ربا وبمحمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نبيًا وقد رضيت بالله كافيًا ومعينا وأنا أقمت معك الكعبة لا هم ، قَالَ : وخرجت فأخذني المقيم المقعد ولا أجد أحدًا إلا وهو يثني عليه بالصيام والقيام والأذان والإمامة ، قَالَ : فدخت في اليوم الثالث إلى سجني ، قَالَ : وكان من الزنادقة في حبسي غلام عاقل نظيف ، قَالَ : فقال لي : ما لي أراك مهتما ؟ قَالَ قلت : دعني ليس هذه الساعة من ساعاتك ، قَالَ : لعل فرجك عندي ، قَالَ : قلت له : ويحك الطويل المقرئ ، قَالَ : قل لي : وقعت عليه ، قَالَ : قلت : ويحك فرج عني ، قَالَ : فقال لي : ففرج عني حتى أفرج عنك ، قَالَ : فقلت : وما صدقت عليك فيه ؟ قَالَ : فقال لي : والله ما كذبت علي ولا على غيري ، قَالَ : قلت : تب حتى أخليك ، قَالَ : فقال لي : قد تبت ، قَالَ : فقلت : فحدثني بحديث هذا الرجل ، وأنا أخرجك معي الساعة من الحبس لأني مطاع عند السلطان ، قَالَ : فقال لي : هذا أستاذي الكبير في الزندقة ، وليس في الدنيا زنديق داعية إلا من قبل هذا الذي يقال له : الطويل ، قَالَ : قلت : صدقت ، ولكن السلطان لا يجعلك أنت حجة على رجل له ثلاثون ألف ناصر ، قَالَ : فقال لي : أعرض عليه ثلاثة أشياء ، فإنك لو قطعت الزنديق ما فعلها ، قَالَ : قلت : ما هي ؟ قَالَ : في إصبعه خاتم يختم بها عليه مكتوب : أنا زنديق , فإذا وافى خاتمه بعض الزنادقة قضى حاجة الرجل , ولو كان فيها فقده وتلفه ، قَالَ : قلت : فإن خرج منها ؟ قَالَ : فقال لي : ادفع إليه ديكًا نبطيًا قلطيًا أصفر المنقار دقيق الساقين أبح الصوت حتى يذبحه ، قَالَ : قلت : فإن خرج منها ؟ قَالَ : بقيت واحدة لا يفعلها زنديق أبدًا , فإن فعلا فقد سلم وهلكت أنت ، وإن لم يفعلها , وليس يفعلها أبدًا , فقد نجوت أنت وهلك هو ، وأعلم أني قد آمنت بالله وصدقت النبي والمرسلين ، وآمنت بكل كتاب نزل وكل نبي مرسل ، وأن مُحَمَّد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خاتم النبيين وقائد الغر المحجلين إلى جنات النعيم ، ومن صدقه نجا ، ومن كذبه هلك ، قَالَ حمدويه : فأخذت يده وأخرجته حتى أديته إلى منزله ، ووهبت له دنانير , وقلت له : أنا آتيك بالخبر في غد إن شاء الله تعالى فهات العلامة الثالثة ، قَالَ : فأخرج إلي من جيبه خرقة حرير فيها صورة سمجة جدًا : حاجباها غليظان وأنفها مفلطح وفمها كأنه مشافر ، قَالَ لي : قل له فليبزق على هذه الصورة ، قَالَ حمدويه : فقلت : وما هذه الصورة ؟ قَالَ : هذه صورة ماني ، قَالَ حمدويه : فبت بليلة كليلة الحبلى إذا أخذها الطلق ، قَالَ : ثُمَّ غدوت إلى السلطان ، قَالَ : فجلس على سريره سرير الخلافة ، قَالَ : وغدا الكرخيون فامتلأ الصحن ، ثُمَّ قلت : يا سيدي إن رأيت أن تحضر خصمي ، قَالَ : فقوي قلب السلطان لقوة كلامي ، قَالَ : فقال : الطويل الطويل ، قَالَ : فأتي به ، قَالَ : فتشرف الناس ، وحضرت القضاة والعدول والمحدثون والفقهاء ، قَالَ : فقال لي الطويل : هات ما عندك يا كذاب ، قَالَ : قلت : خاتمك ، قَالَ : هذا خاتمي ، قَالَ : فقلت لبعض العدول : اقرأ ما عليه ، فقرأ ذلك أنا زنديق ، قَالَ : فقال الطويل : يا أمير المؤمنين هذا العدل أبكم من هذا الكذاب ، وأعلم أن لي صديقًا في ذلك الجانب يكني أبا زيد فنقشت على خاتمي أبا زيد ثق وجعلتها علامة بيني وبينه لقضاء حوائجي ، وهو باق ، قَالَ : فنظر إلى الخليفة , فقلت : علامة أخرى يا أمير المؤمنين ، فأخرجت الديك ، وقلت : فليذبح هذا ، قَالَ فقال الخليفة له : اذبح هذا ، قَالَ : فقال له الطويل : والله يا أمير المؤمنين ما ذبحت شيئا قط بيدي ، وما أمتنع من ذبحه إلا من ارتعاش في يدي ، قَالَ فنظر إلي الخليفة , وقال : يمكن ما قَالَ ، فهات غيرها ، قَالَ : فأخرجت الصورة , قَالَ : فقلت له : يا أمير المؤمنين : مره فليبزق على هذه الصورة ، قَالَ : فقال له : أبصق على هذه الصورة ، قَالَ : فقال : هاتها ، قَالَ : فدفعتها إليه ، فقال : قَالَ : بأبي هذه الصورة ، وأمي هذه الصورة ، ثُمَّ قبها وسجد لها ووضعها على عينيه وبكى ، قَالَ حمدويه : فلو طار إنسان فرحًا لطرت أنا تلك الساعة ، قَالَ فدعا الخليفة بصاحب الشرطة , فقال : خذه واضرب عنقه في باب الطاق في رحبة الجسر . قَالَ : وقام السلطان ، وانصرف القوم , والعامة تصيح بهم : رحم الله معاوية ، رحم الله معاوية .