الحجاج وابن الحنفية وشكوى الثاني لعبد الملك


تفسير

رقم الحديث : 787

حَدَّثَنَا حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ الْقَاسِمِ الْكَوْكَبِيُّ ، قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ بِشْرٍ الْوَرَّاقُ ، قَالَ : حَدَّثَنِي أَبُو زَكَرِيَّا يَحْيَى بْنُ خَلِيفَةَ الدَّارِمِيُّ ، قَالَ : حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ هِشَامٍ السَّعْدِيُّ التَّمِيمِيُّ ، قَالَ : خَرَجَ الْحَجَّاجُ بْنُ يُوسُفَ ، وَابْنُ الْحَنَفِيَّةِ مِنْ عِنْدِ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مَرْوَانَ ، فَلَمَّا صَارَا فِي الطَّرِيقِ ، قَالَ الْحَجَّاجُ ، لِمُحَمَّدِ بْنِ الْحَنَفِيَّةِ : لَقَدْ بَلَغَنِي أَنَّ أَبَاكَ كَانَ إِذَا فَرَغَ مِنَ الْقُنُوتِ ، يَقُولُ كَلامًا حَسَنًا أَحْبَبْتُ أَنْ أَعْرِفَهُ ، فَتَحْفَظُهُ ؟ قَالَ : لا ، قَالَ : سُبْحَانَ اللَّهِ ، مَا أَوْحَشَ لِقَاءَكُمْ ، وَأَفْظَعَ لَفْظَكُمْ ، وَأَشَدَّ خُنْزُوَانَتَكُمْ ، مَا تَعُدُّونَ النَّاسَ إِلا عَبِيدًا ، وَلَقَدْ خُضْتُمُ الْفِتْنَةَ خَوْضًا ، وَقَتَلْتُمُ الْمُهَاجِرِينَ ، وَالأَنْصَارَ . فَنَظَرَ إِلَيْهِ ابْنُ الْحَنَفِيَّةِ ، وَأَنْكَرَ لَفْظَهُ وَأَحْفَظَهُ ، فَوَقَفَ وَسَارَ الْحَجَّاجُ . وَرَجَعَ ابْنُ الْحَنَفِيَّةِ إِلَى بَابِ عَبْدِ الْمَلِكِ ، فَقَالَ لِلآذِنِ : اسْتَأْذِنْ لِي ، فَقَالَ : أَلَمْ تَكُنْ عِنْدَهُ قَبْلُ ، وَخَرَجْتَ آنِفًا ، فَمَا رَدَّكَ وَقَدِ ارْتَفَعَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ ؟ قَالَ : لَسْتُ أَبْرَحُ حَتَّى أَلْقَاهُ . فَكَرِهَ الآذِنُ غَضَبَ الْخَلِيفَةِ ، فَدَخَلَ عَلَيْهِ ، فَقَالَ : " يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ ، هَذَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحَنَفِيَّةِ مُسْتَأْذِنٌ عَلَيْكَ ، فَقَالَ : أَلَمْ يَكُنْ عِنْدِي قَبْلُ ، لَقَدْ رَدَّهُ أَمْرٌ ، إِيذَنْ لَهُ . فَلَمَّا دَخَلَ عَلَيْهِ تَحَلْحَلَ عَنْ مَجْلِسِهِ كَمَا كَانَ يَفْعَلُ ، فَقَالَ : " يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ ، هَذَا الْحَجَّاجُ أَسْمَعَنِي كَلامًا تَكَمَّشْتُ لَهُ ، وَذَكَرَ أَبِي بِكَلامٍ تَقَمَّعْتُ لَهُ ، وَمَا أَحَرْتُ حَرْفًا ، قَالَ : فَمَا قَالَ لَكَ حَتَّى أَعْمَلَ عَلَى حَبْسِهِ ؟ قَالَ : وَكَأَنَّمَا تَفَقَّأَ فِي وَجْهِهِ الرُّمَّانُ ، وَنَخَسَهُ شَوْكٌ ، فَخَبَّرَهُ عَمَّا سَأَلَهُ عَنْهُ ، فَقَالَ لِصَاحِبِ شُرْطَتِهِ : عَلَيَّ بِالْحَجَّاجِ السَّاعَةَ . فَأَتَاهُ فِي مَنْزِلِهِ حِينَ خَلَعَ ثِيَابَهُ ، فَحَمَلَهُ حَمْلا عَنِيفًا ، وَانْصَرَفَ ابْنُ الْحَنَفِيَّةِ . فَجَاءَ الْحَجَّاجُ ، فَوَقَفَهُ بِالْبَابِ طَوِيلا ، ثُمَّ قَالَ : إِيذَنْ لَهُ ، فَدَخَلَ فَسَلَّمَ عَلَيْهِ ، فَقَالَ لَهُ عَبْدُ الْمَلِكِ : لا أَنْعَمَ اللَّهُ بِعَمْرٍو عَيْنًا تَحِيَّةَ السُّخْطِ إِذَا الْتَقَيْنَا يَا لُكَعُ وَهِرَاوَةَ الْبَقَّارِ ، مَا أَنْتَ ، وَمُحَمَّدَ بْنَ الْحَنَفِيَّةِ ؟ قَالَ : يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ ، مَا كَانَ إِلا خَيْرًا ، قَالَ : كَذَبْتَ وَاللَّهِ لَهُوَ أَصْدَقُ مِنْكَ ، وَأَبَرُّ ، ذَكَرْتَهُ وَذَكَرْتَ أَبَاهُ ، فَوَاللَّهِ مَا بَيْنَ لابَتَيْهَا أَفْضَلُ مِنْ أَبِيهِ ، وَمَا جَرَى بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ ؟ قَالَ : سَأَلْتُهُ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ عَنْ شَيْءٍ بَلَغَنِي كَانَ أَبُوهُ يَقُولُهُ بَعْدَ الْقُنُوتِ ، قَالَ : لا أَعْرِفُهُ ، فَعَلِمْتُ أَنَّ ذَاكَ مَقْتٌ مِنْهُ لَنَا وَلِدَوْلَتِنَا ، فَأَجَبْتُهُ بِالَّذِي بَلَغَكَ . فَقَالَ لَهُ عَبْدُ الْمَلِكِ : أَسَأْتَ وَلَؤُمْتَ ، وَاللَّهِ لَوْلا أَبُوهُ وَابْنُ عَمِّهِ لَكُنَّا حَيَارَى ضُلالا ، وَمَا أَنْبَتَ الشَّعْرَ عَلَى رُءُوسِنَا إِلا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ وَهُمْ ، وَمَا أَعَزَّنَا بِمَا تَرَى إِلا رَحِمُهُمْ ، وَرِيحُهُمُ الطَّيِّبَةُ ، وَاللَّهِ لا كَلَّمْتُكَ كَلِمَةً أَبَدًا ، أَوْ تَجِيئَنِي بِالرِّضَا مِنْهُ ، وَتَسُلَّ سَخِيمَتَهُ . قَالَ : فَمَضَى الْحَجَّاجُ مِنْ فَوْرِهِ ، فَأَلْفَاهُ وَهُوَ يَتَغَذَّى مَعَ أَصْحَابِهِ ، قَالَ : فَاسْتَأْذَنَ فَأَبَى أَنْ يَأْذَنَ لَهُ ، فَقَالَ لَهُ بَعْضُ أَصْحَابِهِ : أَتَى بِرِسَالَةِ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ ، فَأْذَنْ لَهُ ، فَقَالَ : إِنَّ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ أَرْسَلَنِي أَنْ أَسُلَّ سَخِيمَتَكَ ، وَأَقْسَمَ أَنْ لا يُكَلِّمَنِي أَبَدًا حَتَّى آتِيَهُ بِالرِّضَى مِنْكَ ، وَأَنَا أُحِبُّ ، بِرَحِمِكَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، إِلا عَفَوْتَ عَمَّا كَانَ ، وَغَفَرْتَ ذَنْبًا إِنْ كَانَ . فَقَالَ : قَدْ فَعَلْتُ عَلَى شَرِيطَةٍ فَتَفْعَلَهَا ، قَالَ : نَعَمْ ، قَالَ : عَلَى صُرْمِ الدَّهْرِ . قَالَ : ثُمَّ انْصَرَفَ الْحَجَّاجُ ، فَدَخَلَ عَلَى عَبْدِ الْمَلِكِ ، فَقَالَ : مَا صَنَعْتَ ؟ قَالَ : جِئْتُ بِرِضَاهُ وَسَلَلْتُ سَخِيمَتَهُ ، وَأَجَابَ إِلَى مَا أُحِبُّ وَهُوَ أَهْلُ ذَلِكَ . قَالَ : فَأَيُّ شَيْءٍ آخِرُ مَا كَانَ بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ ؟ قَالَ : رَضِيَ عَلَى شَرِيطَةٍ ، عَلَى صُرْمِ الدَّهْرِ ، فَقَالَ : شِنْشِنَةٌ أَعْرِفُهَا مِنْ أَخْزَمَ ، انْصَرِفْ . فَلَمَّا كَانَ مِنَ الْغَدِ دَخَلَ ابْنُ الْحَنَفِيَّةِ عَلَى عَبْدِ الْمَلِكِ ، فَقَالَ لَهُ : أَتَاكَ ؟ قَالَ : نَعَمْ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ ، قَالَ : فَرَضِيتَ وَأَجَبْتَهُ ؟ قَالَ : نَعَمْ ، يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ ، قَالَ : ثُمَّ مَالَ إِلَيْهِ ، فَقَالَ : هَلْ تَحْفَظُ مَا سَأَلَكَ عَنْهُ ؟ قَالَ : نَعَمْ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ ، وَمَا مَنَعَنِي أَنْ أَبُثَّهُ إِيَّاهُ إِلا مَقْتِي لَهُ ، فَإِنَّهُ مِنْ بَقِيَّةِ ثَمُودَ . فَضَحِكَ عَبْدُ الْمَلِكِ ، ثُمَّ قَالَ : يَا سُلَيْمَانُ ، لِغُلَيْمٍ لَهُ ، كَاتِبًا وَدَوَاةً وَقِرْطَاسًا ، قَالَ : فَكَتَبَ بِخَطِّهِ : بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ، كَانَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عَلِيٌّ عَلَيْهِ السَّلامُ إِذَا فَرَغَ مِنْ وِتْرِهِ رَفَعَ يَدَهُ إِلَى السَّمَاءِ ، وَقَالَ : اللَّهُمَّ حَاجَتِي الْعُظْمَى الَّتِي إِنْ قَضَيْتَهَا لَمْ يَضُرَّنِي مَا مَنَعْتَنِي ، وَإِنْ مَنَعْتَنِي لَمْ يَنْفَعْنِي مَا أَعْطَيْتَنِي . فَكَّاكَ الرِّقَابِ ، فُكَّ رَقَبَتِي مِنَ النَّارِ ، رَبِّ مَا أَنَا إِنْ تَقْصِدَ قَصْدِي بِغَضَبٍ مِنْكَ يَدُومُ عَلَيَّ ، فَوَعِزَّتِكَ مَا يُحَسِّنُ مُلْكِكَ إِحْسَانِي ، وَلا تُقَبِّحُهُ إِسَاءَتِي ، وَلا يُنْقِصُ مِنْ خَزَائِنِكَ غِنَايَ ، ولا يُزِيدُ فِيهَا فَقْرِي . يَا مَنْ هُوَ هَكَذَا اسْمَعْ دُعَائِي ، وَأَجِبْ نِدَائِي ، وَأَقِلْنِي عَثْرَتِي ، وَارْحَمْ غُرْبَتِي ، وَوَحْشَتِي ، وَوِحْدَتِي فِي قَبْرِي ، هَا أَنَا ذَا يَا رَبِّ بِرُمَّتِي . وَيَأْخُذُ بِتَلابِيبِهِ ثُمَّ يَرْكَعُ . فَقَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ : حَسَنٌ وَاللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ " .

الرواه :

الأسم الرتبة
مُحَمَّدُ بْنُ هِشَامٍ السَّعْدِيُّ

مقبول

أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ بِشْرٍ الْوَرَّاقُ

مجهول الحال

الْحُسَيْنُ بْنُ الْقَاسِمِ الْكَوْكَبِيُّ

ثقة