مَعْمَرٌ , قَالَ الزُّهْرِيُّ : قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " فَنَعَمْ إِذَنْ " , فَبَيْنَا هُمْ كَذَلِكَ , إِذْ جَاءَهُمْ نُعَيْمُ بْنُ مَسْعُودٍ الأَشْجَعِيُّ , وَكَانَ يَأْمَنُهُ الْفَرِيقَانِ جَمِيعًا , وَكَانَ مُوَادِعًا لَهُمَا , فَقَالَ : إِنِّي كُنْتُ عِنْدَ عُيَيْنَةَ , وَأَبِي سُفْيَانَ , إِذْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُ بَنِي قُرَيْظَةَ أَنِ اثْبُتُوا , فَإِنَّا سَنُحَالِفُ الْمُسْلِمِينَ إِلَى بَيْضَتِهِمْ , فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " فَلَعَلَّنَا أَمَرْنَاهُمْ بِذَلِكَ " , وَكَانَ نُعَيْمٌ رَجُلا لا يَكْتُمُ الْحَدِيثَ , فَقَامَ بِكَلِمَةِ الْحَدِيثِ , فَجَاءَ عُمَرُ فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، إِنْ كَانَ هَذَا أَمْرًا مِنْ أَمْرِ اللَّهِ فَأَمْضِهِ , وَإِنْ كَانَ رَأْيًا مِنْكَ فَشَأْنُ بَنِي قُرَيْظَةَ وَقُرَيْشٍ أَهْوَنُ مِنْ أَنْ يَكُونَ لأَحَدٍ عَلَيْكَ فِيهِ مَقَالٌ ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " عَلَيَّ الرَّجُلَ , رُدُّوهُ " ، فَرَدُّوهُ , فَقَالَ : انْظُرِ الَّذِي ذَكَرْنَا لَكَ فَلا تَذْكُرْهُ لأَحَدٍ ، فَكَأَنَّمَا أَغْرَاهُ بِهِ , فَانْطَلَقَ حَتَّى أَتَى عُيَيْنَةَ وَأَبَا سُفْيَانَ , فَقَالَ : هَلْ سَمِعْتُمْ مُحَمَّدًا يَقُولُ قَوْلا إِلا كَانَ حَقًّا ؟ قَالُوا : لا , فَقَالَ : فَإِنِّي لَمَّا ذَكَرْتُ لَهُ شَأْنَ بَنِي قُرَيْظَةَ , قَالَ : فَلَعَلَّنَا أَمَرْنَاهُمْ بِذَلِكَ ، فَقَالَ أَبُو سُفْيَانَ : سَنَعْلَمُ ذَلِكَ , إِنْ كَانَ مَكْرًا , فَأَرْسَلَ إِلَى بَنِي قُرَيْظَةَ : إِنَّكُمْ قَدْ أَمَرْتُمُونَا أَنْ نَثْبُتَ , وَإِنَّكُمْ سَتُحَالِفُونَ الْمُسْلِمِينَ إِلَى بَيْضَتِهِمْ , فَأَعْطُونَا بِذَلِكَ رَهِينَةً , قَالُوا : إِنَّهَا قَدْ دَخَلَتْ لَيْلَةُ السَّبْتِ , وَإِنَّا لا نَقْضِي فِي السَّبْتِ شَيْئًا , قَالَ أَبُو سُفْيَانَ : أَنْتُمْ فِي مَكْرٍ مِنْ بَنِي قُرَيْظَةَ , فَارْتَحِلُوا , فَأَرْسَلَ اللَّهُ عَلَيْهِمُ الرِّيحَ , وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ , فَأَطْفَأَتْ نِيرَانَهُمْ , وَقَطَعَتْ أَرْسَانَ خُيُولِهِمْ , فَانْطَلَقُوا مُنْهَزِمِينَ مِنْ غَيْرِ قِتَالٍ , فَلِذَلِكَ حِينَ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ وَكَانَ اللَّهُ قَوِيًّا عَزِيزًا سورة الأحزاب آية 25 , قَالَ : فَثَبَتَ أَصْحَابُهُ فِي طَلَبِهِمْ , فَطَلَبُوهُمْ حَتَّى بَلَغُوا حَمْرَاءَ الأَسَدِ , ثُمَّ رَجَعُوا , قَالَ : فَوَضَعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْهُ لأْمَتَهُ , وَاغْتَسَلَ , وَاسْتَجْمَرَ , فَنَادَاهُ جِبْرِيلُ : عَذِيرَكَ مِنْ مُحَارِبٍ ! أَلا أَرَاكَ قَدْ وَضَعْتَ اللأْمَةَ , وَلَمْ تَضَعْهَا الْمَلائِكَةُ بَعْدُ ؟ ! فَقَامَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَزِعًا , فَقَالَ لأَصْحَابِهِ : " عَزَمْتُ عَلَيْكُمْ لا تُصَلُّوا صَلاةَ الْعَصْرِ حَتَّى تَأْتُوا بَنِي قُرَيْظَةَ " , فَغَرَبَتِ الشَّمْسُ قَبْلَ أَنْ يَأْتُوهُمْ , فَقَالَتْ طَائِفَةٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ : إِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يُرِدْ أَنْ تَدَعُوا الصَّلاةَ , فَصَلُّوا , وَقَالَتْ طَائِفَةٌ : وَاللَّهِ إِنَّا لَفِي عَزِيمَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَمَا عَلَيْنَا بَأْسٌ , فَصَلَّتْ طَائِفَةٌ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا , فَلَمْ يُحَنِّثِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاحِدًا مِنَ الْفَرِيقَيْنِ , وَخَرَجَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَجَالِسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ بَنِي قُرَيْظَةَ , فَقَالَ : " هَلْ مَرَّ بِكُمْ مِنْ أَحَدٍ ؟ " فَقَالُوا : مَرَّ عَلَيْنَا دَحْيَةُ الْكَلْبِيُّ عَلَى بَغْلَةٍ شَهْبَاءَ , تَحْتَهُ قَطِيفَةُ دِيبَاجٍ , فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " لَيْسَ ذَلِكَ بِدَحْيَةَ , وَلَكِنَّهُ جِبْرِيلُ , أُرْسِلَ إِلَى بَنِي قُرَيْظَةَ لِيُزَلْزِلَهُمْ , وَيَقْذِفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ " , قَالَ : فَحَاصَرَهُمُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , قَالَ : وَأَمَرَ أَصْحَابَهُ أَنْ يَسْتُرُوهُ بِالْحَجَفِ حَتَّى يُسْمِعَهُمْ كَلامَهُ , فَفَعَلُوا , فَنَادَاهُمْ : " يَا إِخْوَةَ الْقِرَدَةِ وَالْخَنَازِيرِ " , قَالُوا : يَا أَبَا الْقَاسِمِ ، مَا كُنْتَ فَاحِشًا ، قَالَ : " فَحَاصَرَهُمْ حَتَّى نَزَلُوا عَلَى حُكْمِ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ , وَكَانُوا حُلَفَاءَهُ , فَحَكَمَ فِيهِمْ أَنْ تُقَتَّلَ مُقَاتِلَتُهُمْ , وَتُسْبَى ذَرَارِيُّهُمْ , وَنِسَاؤُهُمْ , وَزَعَمُوا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، قَالَ : أَصَابَ الْحُكْمَ , وَكَانَ حُيَيُّ بْنُ أَخْطَبَ اسْتَجَاشَ الْمُشْرِكِينَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَجَاءَ إِلَى بَنِي قُرَيْظَةَ فَاسْتَفْتَحَ عَلَيْهِمْ لَيْلا , فَقَالَ سَيِّدُهُمْ : إِنَّ هَذَا الرَّجُلَ مَشْئُومٌ , فَلا يُشْأِمَنَّكُمْ , فَنَادَاهُمْ حُيَيٌّ : يَا بَنِي قُرَيْظَةَ أَلا تَسْتَحْيُونِي ؟ أَلا تَلْحَقُونِي ؟ أَلا تُضَيِّفُونِي , فَإِنِّي جَائِعٌ مَقْرُورٌ , قَالَتْ بَنُو قُرَيْظَةَ : وَاللَّهِ لَنَفْتَحَنَّ لَهُ , فَلَمْ يَزَالُوا حَتَّى فَتَحُوا لَهُ , فَلَمَّا دَخَلَ مَعَهُمْ أُطُمَهُمْ ، قَالَ : يَا بَنِي قُرَيْظَةَ ، جِئْتُكُمْ فِي عِزِّ الدَّهْرِ , جِئْتُكُمْ فِي عَارِضِ بَرْدٍ لا يَقُومُ لِسَبِيلِهِ شَيْءٌ , فَقَالَ لَهُ سَيِّدُهُمْ : أَتَعِدُنَا عَارِضًا بَرْدًا , تَنْكَشِفُ عَنَّا , وَتَدَعُنَا عِنْدَ بَحْرٍ دَائِمٍ لا تُفَارِقُنَا , إِنَّمَا تَعِدُنَا الْغُرُورَ " , قَالَ : فَوَاثَقَهُمْ , وَعَاهَدَهُمْ : لَئِنِ انْقَضَتْ جُمُوعُ الأَحْزَابِ أَنْ يَجِيءَ حَتَّى يَدْخُلَ مَعَهُمْ أُطُمَهُمْ , فَأَطَاعُوهُ حِينَئِذٍ فِي الْغَدْرِ بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَبِالْمُسْلِمِينَ , فَلَمَّا قَضَى اللَّهُ جُمُوعَ الأَحْزَابِ انْطَلَقَ , حَتَّى إِذَا كَانَ بِالرَّوْحَاءِ ذَكَرَ الْعَهْدَ وَالْمِيثَاقَ الَّذِي أَعْطَاهُمْ , فَرَجَعَ حَتَّى دَخَلَ مَعَهُمْ أُطُمَهُمْ , فَلَمَّا قُتِلَتْ بَنُو قُرَيْظَةَ أُتِيَ بِهِ مَكْتُوفًا إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَقَالَ حُيَيٌّ : أَمَا وَاللَّهِ مَا لُمْتُ نَفْسِي فِي عَدَاوَتِكَ , وَلَكِنَّهُ مَنْ يَخْذُلِ , اللَّهُ يُخْذَلْ , فَأَمَرَ بِهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَضُرِبَتْ عُنُقُهُ " .
الأسم | الشهرة | الرتبة |
الزُّهْرِيُّ | محمد بن شهاب الزهري / ولد في :52 / توفي في :124 | الفقيه الحافظ متفق على جلالته وإتقانه |
مَعْمَرٌ | معمر بن أبي عمرو الأزدي / ولد في :96 / توفي في :154 | ثقة ثبت فاضل |