غزوة الحديبية


تفسير

رقم الحديث : 9472

عَنْ مَعْمَرٍ ، عَنِ الزُّهْرِيِّ ، قَالَ : " إِنَّ أَوَّلَ مَا ذُكِرَ مِنْ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ جَدِّ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، أَنَّ قُرَيْشًا خَرَجَتْ مِنَ الْحَرَمِ فَارَّةً مِنْ أَصْحَابِ الْفِيلِ ، وَهُوَ غُلامٌ شَابٌّ ، فَقَالَ : وَاللَّهِ لا أَخْرُجُ مِنْ حَرَمِ اللَّهِ أَبْتَغِي الْعِزَّ فِي غَيْرِهِ ، فَجَلَسَ عِنْدَ الْبَيْتِ ، وَأَجْلَتْ عَنْهُ قُرَيْشٌ ، فَقَالَ : اللَّهُمَّ إِنَّ الْمَرْءَ يَمْنَعُ رَحْلَهُ فَامْنَعْ رِحَالَكْ لا يَغْلِبَنَّ صَلِيبُهُمْ وَمِحَالُهُمْ غَدْوًا مِحَالَكْ فَلَمْ يَزَلْ ثَابِتًا حَتَّى أَهْلَكَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى الْفِيلَ وَأَصْحَابَهُ ، فَرَجَعَتْ قُرَيْشٌ وَقَدْ عَظُمَ فِيهِمْ بِصَبْرِهِ ، وَتَعْظِيمِهِ مَحَارِمِ اللَّهِ ، فَبَيْنَا هُوَ عَلَى ذَلِكَ وُلِدَ لَهُ أَكْبَرُ بَنِيهِ ، فَأَدْرَكَ ، وَهُوَ الْحَارِثُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ ، فَأُتِيَ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ فِي الْمَنَامِ ، فَقِيلَ لَهُ : احْفُرْ زَمْزَمَ ، خَبِيئَةَ الشَّيْخِ الأَعْظَمِ ، قَالَ : فَاسْتَيْقَظَ ، فَقَالَ : اللَّهُمَّ بَيِّنْ لِي ، فَأُرِيَ فِي الْمَنَامِ مَرَّةً أُخْرَى : احْفُرْ زَمْزَمَ تَكْتُمْ بَيْنَ الْفَرْثِ وَالدَّمِ فِي مَبْحَثِ الْغُرَابِ فِي قَرْيَةِ النَّمْلِ ، مُسْتَقْبِلَةَ الأَنْصَابِ الْحُمْرِ ، قَالَ : فَقَامَ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ ، فَمَشَى حَتَّى جَلَسَ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ يَنْظُرُ مَا خُبِّئَ لَهُ مِنَ الآيَاتِ ، فَنُحِرَتْ بَقْرَةٌ بِالْحَزُورَةِ ، فَأَفْلَتَتْ مِنْ جَازِرِهَا بِحُشَاشَةِ نَفْسِهَا ، حَتَّى غَلَبَهَا الْمَوْتُ فِي الْمَسْجِدِ فِي مَوْضِعِ زَمْزَمَ ، فَجُزِرَتْ تِلْكَ الْبَقْرَةُ فِي مَكَانِهَا ، حَتَّى احْتُمِلَ لَحْمُهَا ، فَأَقْبَلَ غُرَابٌ يَهْوِي حَتَّى وَقَعَ فِي الْفَرْثِ ، فَبَحَثَ فِي قَرْيَةِ النَّمْلِ ، فَقَامَ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ يَحْفِرُ هُنَالِكَ ، فَجَاءَتْهُ قُرَيْشٌ فَقَالُوا لِعَبْدِ الْمُطَّلِبِ : مَا هَذَا الصَّنِيعُ ؟ لَمْ نَكُنْ نَزُنَّكَ بِالْجَهْلِ ، لِمَ تَحْفُرُ فِي مَسْجِدِنَا ؟ فَقَالَ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ : إِنِّي لَحَافِرٌ هَذِهِ الْبِئْرَ ، وَمُجَاهِدٌ مَنْ صَدَّنِي عَنْهَا ، فَطَفِقَ يَحْفِرُ هُوَ وَابْنُهُ الْحَارِثُ وَلَيْسَ لَهُ يَوْمَئِذٍ وَلَدٌ غَيْرُهُ ، فَيَسْعَى عَلَيْهِمَا نَاسٌ مِنْ قُرَيْشٍ ، فَيُنَازِعُونَهُمَا ، وَيُقَاتِلُونَهُمَا ، وَيَنْهَى عَنْهُ النَّاسُ مِنْ قُرَيْشٍ لِمَا يَعْلَمُونَ مِنْ عِتْقِ نَسَبِهِ ، وَصِدْقِهِ ، وَاجْتِهَادِهِ فِي دِينِهِ يَوْمَئِذٍ ، حَتَّى إِذَا أَمْكَنَ الْحَفْرَ ، وَاشْتَدَّ عَلَيْهِ الأَذَى ، نَذَرَ إِنْ وُفِيَ لَهُ بِعَشْرَةٍ مِنَ الْوِلْدَانِ يَنْحَرُ أَحَدَهُمْ ، ثُمَّ حَفَرَ حَتَّى أَدْرَكَ سُيُوفًا دُفِنَتْ فِي زَمْزَمَ ، فَلَمَّا رَأَتْ قُرَيْشٌ أَنَّهُ قَدْ أَدْرَكَ السُّيُوفَ ، فَقَالُوا لِعَبْدِ الْمُطَّلِبِ : أَحْذِنَا مِمَّا وَجَدْتَ ، فَقَالَ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ : بَلْ هَذِهِ السُّيُوفُ لِبَيْتِ اللَّهِ ، ثُمَّ حَفَرَ حَتَّى أَنْبَطَ الْمَاءَ ، فَحَفَرَهَا فِي الْقَرَارِ ، ثُمَّ بَحَرَهَا حَتَّى لا تُنْزِفُ ، ثُمَّ بَنَى عَلَيْهَا حَوْضًا ، وَطَفِقَ هُوَ وَابْنُهُ يَنْزِعَانِ فَيَمْلآنِ ذَلِكَ الْحَوْضَ ، فَيَشْرَبُ مِنْهُ الْحَاجُّ ، فَيَكْسَرُهُ نَاسٌ مِنْ حَسَدَةِ قُرَيْشٍ بِاللَّيْلِ ، وَيُصْلِحُهُ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ حِينَ يُصْبِحُ ، فَلَمَّا أَكْثَرُوا إِفْسَادَهُ ، دَعَا عَبْدُ الْمُطَّلِبِ رَبَّهُ ، فَأُرِيَ فِي الْمَنَامِ ، فَقِيلَ لَهُ : قُلْ : اللَّهُمَّ إِنِّي لا أُحِلُّهَا لِمُغْتَسِلٍ ، وَلَكِنْ هِيَ لِشَارِبٍ حِلٌّ وَبَلٌّ ، ثُمَّ كَفَيْتُهُمْ ، فَقَامَ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ حِينَ أَجْفَلَتْ قُرَيْشٌ بِالْمَسْجِدِ ، فَنَادَى بِالَّذِي أُرِيَ ، ثُمَّ انْصَرَفَ ، فَلَمْ يَكُنْ يُفْسِدُ عَلَيْهِ حَوْضَهُ أَحَدٌ مِنْ قُرَيْشٍ إِلا رُمِيَ بِدَاءٍ فِي جَسَدِهِ ، حَتَّى تَرَكُوا لَهُ حَوْضَهُ ذَلِكَ ، وَسِقَايَتَهُ ، ثُمَّ تَزَوَّجَ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ النِّسَاءَ فَوُلِدَ لَهُ عَشْرَةُ رَهْطٍ ، فَقَالَ : اللَّهُمَّ إِنِّي كُنْتُ نَذَرْتُ لَكَ نَحْرَ أَحَدِهِمْ ، وَإِنِّي أُقْرِعُ بَيْنَهُمْ ، فَأَصِبْ بِذَلِكَ مَنْ شِئْتَ ، فَأَقْرِعْ بَيْنَهُمْ ، فَصَارَتِ الْقُرْعَةُ عَلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ ، وَكَانَ أَحَبَّ وَلَدِهِ إِلَيْهِ ، فَقَالَ : اللَّهُمَّ هُوَ أَحَبُّ إِلَيْكَ أَوْ مِائَةٌ مِنَ الإِبِلِ ؟ قَالَ : ثُمَّ أَقْرَعَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مِائَةٍ مِنَ الإِبِلِ ، فَصَارَتِ الْقُرْعَةُ عَلَى مِائَةٍ مِنَ الإِبِلِ فَنَحَرَهَا عَبْدُ الْمُطَّلِبِ مَكَانَ عَبْدِ اللَّهِ ، وَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ أَحْسَنُ رَجُلٍ رُئِيَ فِي قُرَيْشٍ قَطُّ ، فَخَرَجَ يَوْمًا عَلَى نِسَاءٍ مِنْ قُرَيْشٍ مُجْتَمِعَاتٍ ، فَقَالَتِ امْرَأَةٌ مِنْهُنَّ : يَا نِسَاءَ قُرَيْشٍ ، أَيَّتُكُنَّ يَتَزَوَّجُهَا هَذَا الْفَتَى ... النُّورَ الَّذِي بَيْنَ عَيْنَيْهِ ، قَالَ : وَكَانَ بَيْنَ عَيْنَيْهِ نُورٌ فَتَزَوَّجَتْهُ آمِنَةُ بِنْتُ وَهْبِ بْنِ عَبْدِ مَنَافِ بْنِ زُهْرَةَ ، فَجَمَعَهَا ، فَالْتَقَتْ ، فَحَمَلَتْ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، ثُمَّ بَعَثَ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ عَبْدَ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ يَمْتَارُ لَهُ تَمْرًا مِنْ يَثْرِبَ ، فَتُوُفِّيَ عَبْدُ اللَّهِ بِهَا ، وَوَلَدَتْ آمِنَةُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَكَانَ فِي حِجْرِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ ، فَاسْتَرْضَعَهُ امْرَأَةً مِنْ بَنِي سَعْدِ بْنِ بَكْرٍ ، فَنَزَلَتْ بِهِ الَّتِي تُرْضِعُهُ سُوقَ عُكَاظٍ ، فَرَآهُ كَاهِنٌ مِنَ الْكُهَّانِ ، فَقَالَ : يَا أَهْلَ عُكَاظٍ ، اقْتُلُوا هَذَا الْغُلامَ ، فَإِنَّ لَهُ مُلْكًا ، فَرَاعَتْ بِهِ أُمُّهُ الَّتِي تُرْضِعُهُ ، فَنَجَّاهُ اللَّهُ ، ثُمَّ شَبَّ عِنْدَهَا ، حَتَّى إِذَا سَعَى وَأُخْتُهُ مِنَ الرَّضَاعَةِ تَحْضُنُهُ ، فَجَاءَتْهُ أُخْتُهُ مِنْ أُمِّهِ الَّتِي تُرْضِعُهُ ، فَقَالَتْ : أَيْ أُمَّتَاهُ ، إِنِّي رَأَيْتُ رَهْطًا أَخَذُوا أَخِي آنِفًا ، فَشَقُّوا بَطْنَهُ ، فَقَامَتْ أُمُّهُ الَّتِي تُرْضِعُهُ فَزِعَةً ، حَتَّى أَتَتْهُ ، فَإِذَا هُوَ جَالِسٌ مُنْتَقِعًا لَوْنُهُ ، لا تَرَى عِنْدَهُ أَحَدًا ، فَارْتَحَلَتْ بِهِ ، حَتَّى أَقْدَمَتْهُ عَلَى أُمِّهِ ، فَقَالَتْ لَهَا : اقْبِضِي عَنِّي ابْنَكِ ، فَإِنِّي قَدْ خَشِيتُ عَلَيْهِ ، فَقَالَتْ أُمُّهُ : لا وَاللَّهِ ، مَا بِابْنِي مَا تَخَافِينَ ، لَقَدْ رَأَيْتُ وَهُوَ فِي بَطْنِي أَنَّهُ خَرَجَ نُورٌ مِنِّي أَضَاءَتْ مِنْهُ قُصُورُ الشَّامِ ، وَلَقَدْ وَلَدْتُهُ حِينَ وَلَدْتُهُ ، فَخَرَّ مُعْتَمِدًا عَلَى يَدَيْهِ ، رَافِعًا رَأْسَهُ إِلَى السَّمَاءِ ، فَافْتَصَلَتْهُ أُمُّهُ وَجَدُّهُ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ ، ثُمَّ تُوُفِّيَتْ أُمُّهُ ، فَهَمَّ فِي حِجْرِ جَدِّهِ ، فَكَانَ وَهُوَ غُلامٌ يَأْتِي وِسَادَةَ جَدِّهِ ، فَيَجْلِسُ عَلَيْهَا ، فَيَخْرُجُ جَدُّهُ وَقَدْ كَبُرَ ، فَتَقُولُ الْجَارِيَةُ الَّتِي تَقُودُهُ : انْزِلْ عَنْ وِسَادَةِ جَدِّكَ ، فَيَقُولُ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ : دَعِي ابْنِي ، فَإِنَّهُ مُحْسِنٌ بِخَيْرٍ ، ثُمَّ تُوُفِّيَ جَدُّهُ وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غُلامٌ ، فَكَفَلَهُ أَبُو طَالِبٍ ، وَهُوَ أَخُو عَبْدِ اللَّهِ لأَبِيهِ وَأُمِّهِ ، فَلَمَّا نَاهَزَ الْحُلُمَ ، ارْتَحَلَ بِهِ أَبُو طَالِبٍ تَاجِرًا قِبَلَ الشَّامِ ، فَلَمَّا نَزَلا تَيْمَاءَ رَآهُ حَبْرٌ مِنْ يَهُودِ تَمِيمٍ ، فَقَالَ لأَبِي طَالِبٍ : مَا هَذَا الْغُلامُ مِنْكَ ؟ فَقَالَ : هُوَ ابْنُ أَخِي ، قَالَ لَهُ : أَشَفِيقٌ أَنْتَ عَلَيْهِ ؟ قَالَ : نَعَمْ ، قَالَ : فَوَاللَّهِ لَئِنْ قَدِمْتَ بِهِ إِلَى الشَّامِ لا تَصِلُ بِهِ إِلَى أَهْلِكَ أَبَدًا ، لَيَقْتُلُنَّهُ ، إِنَّ هَذَا عَدُوُّهُمْ ، فَرَجَعَ أَبُو طَالِبٍ مِنْ تَيْمَاءَ إِلَى مَكَّةَ ، فَلَمَّا بَلَغَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْحُلُمَ ، أَجْمَرَتِ امْرَأَةٌ الْكَعْبَةَ ، فَطَارَتْ شَرَارَةٌ مِنْ مِجْمَرِهَا فِي ثِيَابِ الْكَعْبَةِ فَأَحْرَقَتْهَا ، وَوَهَتْ ، فَتَشَاوَرَتْ قُرَيْشٌ فِي هَدْمِهَا ، وَهَابُوا هَدْمَهَا ، فَقَالَ لَهُمُ الْوَلِيدُ بْنُ الْمُغِيرَةِ : مَا تُرِيدُونَ بِهَدْمِهَا ؟ الإِصْلاحَ تُرِيدُونَ أَمِ الإِسَاءَةَ ؟ فَقَالُوا : بَلِ الإِصْلاحُ ، قَالَ : فَإِنَّ اللَّهَ لا يُهْلِكُ الْمُصْلِحَ ، قَالُوا : فَمَنِ الَّذِي يَعْلُوهَا فَيَهْدِمُهَا ؟ قَالَ الْوَلِيدُ : أَنَا أَعْلُوهَا ، فَأَهْدِمُهَا ، فَارْتَقَى الْوَلِيدُ بْنُ الْمُغِيرَةِ عَلَى ظَهْرِ الْبَيْتِ ، وَمَعَهُ الْفَأْسُ ، فَقَالَ : اللَّهُمَّ إِنَّا لا نُرِيدُ إِلا الإِصْلاحَ ، ثُمَّ هَدَمَ ، فَلَمَّا رَأَتْهُ قُرَيْشٌ قَدْ هَدَمَ مِنْهَا ، وَلَمْ يَأْتِهِمْ مَا خَافُوا مِنَ الْعَذَابِ ، هَدَمُوا مَعَهُ ، حَتَّى إِذَا بَنَوْهَا فَبَلَغُوا مَوْضِعَ الرُّكْنِ ، اخْتَصَمَتْ قُرَيْشٌ فِي الرُّكْنِ ، أَيُّ الْقَبَائِلِ تَرْفَعُهُ ؟ حَتَّى كَادَ يَشْجُرُ بَيْنَهُمْ ، فَقَالُوا : تَعَالَوْا نُحَكِّمُ أَوَّلَ مَنْ يَطْلُعُ عَلَيْنَا مِنْ هَذِهِ السِّكَّةِ ، فَاصْطَلَحُوا عَلَى ذَلِكَ ، فَطَلَعَ عَلَيْهِمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ غُلامٌ عَلَيْهِ وِشَاحُ نَمِرَةٍ ، فَحَكَّمُوهُ ، فَأَمَرَ بِالرُّكْنِ ، فَوُضِعَ فِي ثَوْبٍ ، ثُمَّ أَمَرَ بِسَيِّدِ كُلِّ قَبِيلَةٍ ، فَأَعْطَاهُ بِنَاحِيَةِ الثَّوْبِ ، ثُمَّ ارْتَقَى وَرَفَعُوا إِلَيْهِ الرُّكْنَ ، فَكَانَ هُوَ يَضَعُهُ ، ثُمَّ طَفِقَ لا يَزْدَادُ فِيهِمْ بِمَرِّ السِّنِينَ إِلا رِضًا ، حَتَّى سَمَّوْهُ الأَمِينَ قَبْلَ أَنْ يَنْزِلَ عَلَيْهِ الْوَحْيُ ، ثُمَّ طَفِقُوا لا يَنْحَرُونَ جَزُورًا لِبَيْعٍ إِلا دَرُوهُ فَيَدْعُو لَهُمْ فِيهَا ، فَلَمَّا اسْتَوَى وَبَلَغَ أَشُدَّهُ ، وَلَيْسَ لَهُ كَثِيرٌ مِنَ الْمَالِ اسْتَأْجَرَتْهُ خَدِيجَةُ ابْنَةُ خُوَيْلِدٍ إِلَى سُوقِ حُبَاشَةَ وَهُوَ سُوقٌ بِتَهَامَةَ وَاسْتَأْجَرَتْ مَعَهُ رَجُلا آخَرَ مِنْ قُرَيْشٍ ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يُحَدِّثُ عَنْهَا : مَا رَأَيْتُ مِنْ صَاحِبَةِ أَجِيرٍ خَيْرًا مِنْ خَدِيجَةَ ، مَا كُنَّا نَرْجِعُ أَنَا وَصَاحِبِي إِلا وَجَدْنَا عِنْدَهَا تُحْفَةً مِنْ طَعَامٍ تُخْبِئْهُ لَنَا ، قَالَ : فَلَمَّا رَجَعْنَا مِنْ سُوقِ حُبَاشَةَ ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : قُلْتُ لِصَاحِبِي : انْطَلِقْ بِنَا نُحْدِثُ عِنْدَ خَدِيجَةَ ، قَالَ : فَجِئْنَاهَا فَبَيْنَا نَحْنُ عِنْدَهَا إِذْ دَخَلَتْ عَلَيْنَا مُنْتَشِيَةٌ مِنْ مُوَلَّدَاتِ قُرَيْشٍ ، وَالْمُنْتَشِيَةُ : النَّاهِدُ الَّتِي تَشْتَهِي الرَّجُلَ ، قَالَتْ : أَمُحَمَّدٌ هَذَا ؟ وَالَّذِي يُحْلَفُ بِهِ إِنْ جَاءَ لَخَاطِبًا ، فَقُلْتُ : كَلا ، فَلَمَّا خَرَجْنَا أَنَا وَصَاحِبِي ، قَالَ : أَمِنْ خِطْبَةِ خَدِيجَةَ تَسْتَحْيِي ؟ فَوَاللَّهِ مَا مِنْ قُرَشِيَّةٍ إِلا تَرَاكَ لَهَا كُفْوًا ، قَالَ : فَرَجَعْتُ إِلَيْهَا مَرَّةً أُخْرَى ، فَدَخَلَتْ عَلَيْنَا تِلْكَ الْمُنْتَشِيَةُ ، فَقَالَتْ : أَمُحَمَّدٌ هَذَا ؟ وَالَّذِي يُحْلَفُ بِهِ إِنْ جَاءَ لَخَاطِبًا ، قَالَ : قُلْتُ عَلَى حَيَاءٍ : أَجَلْ ، قَالَ : فَلَمْ تُعْصِنَا خَدِيجَةُ وَلا أُخْتُهَا ، فَانْطَلَقَتْ إِلَى أَبِيهَا خُوَيْلِدُ بْنُ أَسَدٍ وَهُوَ ثَمِلٌ مِنَ الشَّرَابِ ، فَقَالَتْ : هَذَا ابْنُ أَخِيكَ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ يَخْطُبُ خَدِيجَةَ ، وَقَدْ رَضِيَتْ خَدِيجَةُ ، فَدَعَاهُ فَسَأَلَهُ عَنْ ذَلِكَ ، فَخَطَبَ إِلَيْهِ فَأَنْكَحَهُ ، قَالَ : فَخَلَّقَتْ خَدِيجَةُ ، وَحَلَّتْ عَلَيْهِ حُلَّةً ، فَدَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِهَا ، فَلَمَّا أَصْبَحَ صَحَا الشَّيْخُ مِنْ سُكْرِهِ ، فَقَالَ : مَا هَذَا الْخَلُوقُ ؟ وَمَا هَذِهِ الْحُلَّةُ ؟ قَالَتْ أُخْتُ خَدِيجَةَ : هَذِهِ حُلَّةٌ كَسَاكَ ابْنُ أَخِيكَ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ ، أَنْكَحْتَهُ خَدِيجَةَ ، وَقَدْ بَنَى بِهَا ، فَأَنْكَرَ الشَّيْخُ ، ثُمَّ سَلَّمَ إِلَى أَنْ صَارَ ذَلِكَ ، وَاسْتَحْيَا وَطَفِقَتْ رُجَّازٌ مِنْ رُجَّازِ قُرَيْشٍ ، تَقُولُ : لا تَزْهَدِي خَدِيجُ فِي مُحَمَّدٍ جِلْدٌ يُضِيءُ كَضِيَاءِ الْفَرْقَدِ ، فَلَبِثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَ خَدِيجَةَ حَتَّى وَلَدَتْ لَهُ بَعْضَ بَنَاتِهِ ، وَكَانَ لَهَا وَلَهُ الْقَاسِمُ ، وَقَدْ زَعَمَ بَعْضُ الْعُلَمَاءَ أَنَّهَا وَلَدَتْ لَهُ غُلامًا آخَرَ يُسَمَّى الطَّاهِرُ ، قَالَ : وَقَالَ بَعْضُهُمْ : مَا نَعْلَمُهَا وَلَدَتْ لَهُ إِلا الْقَاسِمَ ، وَوَلَدَتْ لَهُ بَنَاتَهُ الأَرْبَعَ : زَيْنَبَ ، وَفَاطِمَةَ ، وَرُقَيَّةَ ، وَأُمَّ كُلْثُومٍ ، وَطَفِقَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَمَا وَلَدَتْ لَهُ بَعْضَ بَنَاتِهِ يَتَحَنَّثُ وَحُبِّبَ إِلَيْهِ الْخَلاءُ " .

الرواه :

الأسم الرتبة
الزُّهْرِيِّ

الفقيه الحافظ متفق على جلالته وإتقانه

مَعْمَرٍ

ثقة ثبت فاضل

Whoops, looks like something went wrong.