عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ ، قَالَ : قَالَ مُجَاهِدٌ : " كَانَ عَرِيشًا تَقْتَحِمُهُ الْغَنَمُ ، حَتَّى إِذَا كَانَ قَبْلَ مَبْعَثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِخَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً ، بَنَتْهُ قُرَيْشٌ ، وَكَانَ رُومِيُّ يَتَّجِرُ إِلَى مَنْدَلٍ حَتَّى إِذَا كَانَ بِالشُّعَيْبَةِ انْكَسَرَتْ سَفِينَتُهُ ، فَأَرْسَلَ إِلَى قُرَيْشٍ : أَنْ هَلُمَّ لَكُمْ أُمْدِدْكُمْ بِمَا شِئْتُمْ مِنْ بَانٍ وَنَجَّارٍ وَخَشَبَةٍ ، عَلَى أَنَّ عَلَيْكُمْ حَمْلَهُ ، فَتَبْنُوا بَيْتَ إِبْرَاهِيمَ ، عَلَى أَنَّ عَلَيْكُمْ أَنْ تُجْرُوا لِي تِجَارَتِي فِي عِيرِكُمْ ، وَكَانَ لِقُرَيْشٍ رِحْلَتَانِ فِي كُلِّ عَامٍ ، أَمَّا فِي الشِّتَاءِ فَإِلَى الشَّامِ ، وَأَمَّا فِي الصَّيْفِ فَإِلَى الْحَبَشَةِ ، قَالُوا : نَعَمْ ، وَكَانَ فِي الْبَيْتِ بِئْرٌ تَكُونُ فِيهِ الْحِلْيَةُ وَالْهَدِيَّةُ ، فَكَانَتْ قُرَيْشُ تَرْتَضِي لِذَلِكَ رَجُلا ، فَيَكُونُ عَلَى تِلْكَ الْبِئْرِ ، وَمَا فِيهَا فَبَيْنَا رَجُلٌ كَانَ مِمَّنْ يُرْتَضَى لَهَا ، سَوَّلَتْ لَهُ نَفْسُهُ أَنْ يَخْتَانَ ، فَنَظَرَ حَتَّى إِذَا انْقَطَعَتِ الظِّلالُ ، وَارْتَفَعَتِ الْمَجَالِسُ ، بَسَطَ ثَوْبَهُ ، ثُمَّ نَزَلَ فِيهَا ، فَأَخَذَ ، ثُمَّ الثَّانِيَةُ ، ثُمَّ الثَّالِثَةُ ، فَقَضَّ اللَّهُ عَلَيْهِ حَجَرًا فِيهَا ، فَحَبَسَهُ فِيهَا رَأْسُهُ أَسْفَلُهُ . . . فَرَاحَ النَّاسُ ، فَأَخَرَجُوهُ ، فَأَعَادَ مَا كَانَ أَخَرَجَ مِنْهَا ، فَبَعَثَ اللَّهُ ثُعْبَانًا ، فَأَسْكَنَهُ إِيَّاهَا ، فَكَانَ إِذَا أَحَسَّ عِنْدَ الْبَابِ حِسًّا أَطْلَعَ رَأْسَهُ ، فَلا يَقْرَبُهُ خَلْقٌ مِنْ خَلْقِ اللَّهِ ، فَلَمَّا حَضَرَ الْقَوْمُ حَاجَتَهُمْ ، قَالُوا : كَيْفَ بِالدَّابَةِ الَّتِي فِي الْبَيْتِ ، فَقَالَ الْوَلِيدُ بْنُ الْمُغِيرَةِ : اجْتَمِعُوا فَادْعُوا رَبَّكُمْ ، فَإِنْ تَكُنِ الَّذِي ائْتَمَرْتُمْ للَّهِ رِضًا ، فَهُوَ كَافِيكُمُوهُ ، وَإِلا فَلا تَسْتَطِيعُونَهَا ، قَالَ : فَدَعَوُا اللَّهَ ، فَبَعَثَ اللَّهُ طَائِرًا فَدَفَّ عَلَى الْبَابِ ، فَلَمَّا أَحَسَّتْهُ الْحَيَّةُ أَطْلَعَتْ رَأْسَهَا ، فَخَطَفَهَا ، فَذَهَبَ بِهَا كَأَنَّهَا خَشَبَةٌ ، يَقُولُ : كَأَنَّهَا تَظُنُّهُ لا يَكَادُ حَمَلَهَا حَتَّى وَعَلا سُلَّمًا كَانَتْ بِمَكَّةَ فَلَمْ تُرَ بَعْدُ ، وَبَنَتْ قُرَيْشٌ ، فَلَمَّا جَاءَ مَوْضِعُ الرُّكْنِ تَحَاسَرَتِ الْقَبَائِلُ ، فَقَالَتْ هَذِهِ الْقَبِيلَةُ : نَحْنُ نَرْفَعُهُ ، وَقَالَتْ هَذِهِ الْقَبِيلَةُ : نَحْنُ نَرْفَعُهُ قَالُوا : فَأَوَّلُ رَجُلٍ يَدْخُلُ مِنْ هَذَا الْبَابِ الأَعْلَى يَقْضِي بَيْنَنَا ، فَدَخَلَ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَقَالُوا : يَا مُحَمَّدُ اقْضِ بَيْنَنَا ، فَقَالَ : ضَعُوا ثَوْبًا ثُمَّ ضَعُوهُ فِيهِ ، ثُمَّ يَأْخُذُهُ مِنْ كُلِّ قَبِيلَةٍ رَجُلٌ ، فَفَعَلُوا وَأَخَذَ هُوَ الرُّكْنَ فَجَعَلَ يَدَهُ تَحْتَدُّ فَكَانَ هُوَ الَّذِي رَفَعَهُ مَعَهُمْ حَتَّى وَضَعَهُ مَعَهُمْ مَوْضِعَهُ الآنَ " .