سَمِعْتُ أَبَا صَالِحٍ هَارُونَ بْنَ حَيُّونَ ، يَقُولُ : " اجْتَمَعَ الْغُزَاةُ بِالْحَدِيثَةِ عَلَى أَنْ يَخْرُجُوا إِلَى طَرَسُوسَ ، فَقَالُوا لأَبِي عِمْرَانَ الْحَدِيثِيِّ الصُّوفِيِّ : اخْرُجْ مَعَنَا ، فَقَالَ : كَيْفَ أَخْرُجُ مَعَكُمْ وَلَيْسَ لِي شَيْءٌ أرْكَبُهُ ؟ فَأَخَذُوا لَهُ مِنْ نُصَيْرٍ غُلامِ يَعِيشَ ، وَكَانَ أَمِيرَ الْحَدِيثَةِ ، دَابَّةً تَسْوَى أَرْبَعَمِائَةِ دِرْهَمٍ ، فَأَخَذَ الدَّابَّةَ وَرَكِبَهَا ، وَخَرَجَ مَعَ الْغُزَاةِ حَتَّى بَلَغَ نَصِيبِينَ ، فَاجْتَمَعَ عَلَيْهِ الْفُقَرَاءُ ، وَقَالُوا : يَا أَبَا عِمْرَانَ ، أَيْشِ هَذَا أَنْتَ رَاكِبٌ وَنَحْنُ مُشَاةٌ ، فَقَالَ : دُونَكُمْ وَالدَّابَّةَ ، فَأَخَذُوا الدَّابَّةَ وَبَاعُوهَا ، وَقَعَدَ أَبُو عِمْرَانَ مَعَ الْفُقَرَاءِ بِنَصِيبِينَ ، وَكَتَبَ إِلَى الأَمِيرِ : أُعْلِمُ الأَمِيرَ أَطَالَ اللَّهُ بَقَاءَهُ ، أَنِّي دَخَلْتُ إِلَى نَصِيبِينَ وَأَسْوَاقُهَا ضَيِّقَةٌ فَقَطَّرَ بِي الْفَرَسُ فِي قِدْرِ هَرَّاسٍ ، فَلَوْلا أَنَّ اللَّهَ أَغَاثَنِي بِالزِّقَاقِ لَغَرِقْتُ مَعَ الْفَرَسِ فِي قِدْرِ الْهَرَّاسِ وَالسَّلامُ . قَالَ : فَضَحِكَ مِنْهُ الأَمِيرُ ، وَقَالَ : الْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى سَلامَتِهِ " .