سَمِعْتُ الْحُسَيْنَ الأَخْبَارِيَّ ، يَقُولُ : قَرَأْتُ فِي أَخْبَارِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ الْمَهْدِيِّ أَنَّهُ حَدَّثَ عَنْ زُبْيَةَ الْمَدَنِيِّ وَكَانَ اسْتَصْحَبَهُ لَمَّا وَلِيَ دِمَشْقَ ، أَنَّهُ كَانَ سَبَبَ وُرُودِهِ الْعِرَاقَ : أَنَّ الْمَهْدِيَّ أَشْخَصَ مِنَ الْمَدِينَةِ ثَلاثِينَ شَيْخًا مِمَّنْ تَكَلَّمَ فِي الْقَدَرِ وَاشْتَهَرَ بِهِ ، قَالَ : فَكُنْتُ فِيهِمْ ، فَلَمَّا مَثَلْنَا بَيْنَ يَدَيْهِ ضَرَبَهُمْ بِالسِّيَاطِ أَجْمَعِينَ وَأَخَّرَنِي ، فَلَمَّا قَدِمْتُ ، قَالَ : أَرَاكَ صَبِيًّا ، أَلَمْ يَكُنْ بِالْمَدِينَةِ مَنْ هُوَ أَسَنُّ مِنْكَ تَتِمُّ بِهِ الْعِدَّةُ ؟ قُلْتُ : جَمَاعَةٌ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ ، فَقَالَ : إِذَنْ إِنَّمَا قُرِّبْتَ إِلَيْهِمْ لأَنَّكَ تدين بدينهم ، ثُمَّ دَعَا بِالسِّيَاطِ ، فَلَمَّا ضُرِبْتُ سَوْطًا ، فَقُلْتُ : يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ ، نَشَدْتُكَ اللَّهَ إِلا أَدْنَيْتَنِي إِلَيْكَ أُكَلِّمُكَ وَلَكَ رَأْيُكَ ، فَقَدَّمَنِي ، فَقُلْتُ : أَنَا رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ ، قَطَنَ أَبِي فِيهَا ، وَهُوَ مِنْ وَادِي الْقُرَى ، وَكَانَ تَاجِرًا ذَا مَالٍ ، فَعَلَّمَنِي الْقُرْآنَ ، ثُمَّ أَمَرَنِي أَنْ أَغْدُوَ إِلَى حَلَقَةِ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ ، وَأَرُوحَ إِلَى رَبِيعَةِ الرَّأْيِ ، فَعَنَّ لِي شَيْخٌ لَمْ أَكُنْ رَأَيْتُهُ قَطُّ ، فَقَالَ لِي : يَا بُنَيَّ قَدْ بَلَغْتَ مِنَ الْعِلْمِ ، وَمَا أَرَاكَ اسْتَبْصَرْتَ فِي دِينِكَ ، فَقُلْتُ : وَمَا ذَاكَ يَا عَمِّ ؟ فَقَالَ : هَلْ رَأَيْتَ مُقْعَدًا قَطُّ ؟ قُلْتُ : نَعَمْ ، قَالَ : فَلَوْ رَأَيْتَ رَجُلا كَلَّفَهُ صُعُودَ نَخْلَةٍ ، مَا كُنْتَ تَقُولُ ؟ قُلْتُ : جَاهِلٌ ، قَالَ : فَلَوْ ضَرَبَهُ عَلَى قُصُورِهِ عَنْ صُعُودِهَا ؟ قُلْتُ : ظَالِمٌ ، فَقَالَ : يَا بُنَيَّ هَذَا حُكْمُكَ عَلَى إِنْسَانٍ ، فَكَيْفَ بِاللَّهِ سُبْحَانَهُ فِي عِدْلِهِ ، أَتَقُولُ : إِنَّهُ يُكَلِّفُ عِبَادَهُ مَا لَيْسَ فِي وُسْعِهِمْ ثُمَّ يُعَاقِبُهُمْ عَلَيْهِ مَعَ قَوْلِهِ تَعَالَى : لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلا وُسْعَهَا سورة البقرة آية 286 ، فَتَعِدُنِي يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ بِالْمُقْعَدِ ؟ قَالَ ذُبَيَّةُ : فَضَحِكَ الْمَهْدِيُّ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ ، ثُمَّ أَمَرَ فَطَرَحَ ثِيَابِي عَلَيَّ ، فَلَمَّا لَبِسْتُ أَدْنَانِي ، ثُمَّ قَالَ : أَجَبْنِي وَأَنْتَ آمِنٌ : لَوْ أَنَّكَ فِي سَفَرٍ ، فَرَأَيْتَ عَلِيلا فِي بَرِيَّةٍ ، فَاسْتَطْعَمَ رَجُلا فَلَمْ يُطْعِمْهُ ، وَتَرَكَهُ ، وَمَضَى ، مَا كُنْتَ قَائِلا ؟ قُلْتُ : ظَالِمٌ ، قَالَ : فَهَلْ عَلِمْتَ أَنَّ أَحَدًا مِنْ خَلْقِ اللَّهِ كَانَ فِي بَرِيَّةٍ عَلِيلا عَادِمًا لِلطَّعَامِ وَالشَّرَابِ ؟ قُلْتُ : كَثِيرًا ، قَالَ : فَإِنْ دَعَا رَبَّهُ أَنْ يُنَجِّيَهُ ، هَلْ كَانَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ قَادِرًا عَلَى أَنْ يُطْعِمَهُ وَيَسْقِيَهُ ؟ قُلْتُ : اللَّهُمَّ نَعَمْ ، قَالَ : فَهَلْ تَقُولُ إِنْ دَعَا رَبَّهُ أَنْ يُطْعِمَهُ وَيَرْوِيهِ فَلَمْ يُجِبْ دُعَاءَهُ وَمَاتَ : إِنَّ اللَّهَ ظَلَمَهُ ؟ قُلْتُ : لا ، قَالَ : فَكَيْفَ تَقُولُ لِمَنْ أَقْعَدَكَ مِثْلَ هَذَا ؟ قَالَ : لأَنَّ الأَشْيَاءَ كُلَّهَا لِلَّهِ تَعَالَى لا عَلَيْهِ ، وَالتَّجْوِيرُ يَجِبُ عَلَيَّ مِنَ الأَشْيَاءِ عَلَيْهِ ، لا لَهُ يَا ذُبَيَّةَ ، إِنَّ الإِيمَانَ إِذَا سَكَنَ الْقَلْبَ قَبْلَ الاحْتِجَاجِ لَمْ يُخْرِجْهُ الاحْتِجَاجُ ، وَإِذَا سَكَنَ الاحْتِجَاجُ قَبْلَ الإِيمَانِ كَانَ مُنْتَقِلا مَتَى حَاجَّهُ مَنْ هُوَ أَحَجُّ مِنْهُ . فَقُلْتُ : يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ قَدْ وَاللَّهِ ثَلَجَ بِحِجَاجِكَ صَدْرِي وَأَنَا تَائِبٌ ، فَأَمَرَ لِي بِجَائِزَةٍ ، وَكِسْوَةٍ ، وَخَلَّى سَبِيلِي .
الأسم | الشهرة | الرتبة |