أَخْبَرَنَا مُحَمَّد ، أنا مُحَمَّد ، قَالَ : حَدَّثَنِي جدي ، قَالَ : ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عِيسَى ، قَالَ : ثنا عُبَيْدُ اللَّهِ بْن شميط ، عَنْ أَبِيهِ ، عَن أسلم العجلي ، يقول : حَدَّثَنِي أَبُو الضحاك الجرمي ، عَن هرم بْن حيان العبدي ، قَالَ : " قدمت الكوفة فلم يكن لِي هم إلا أويس القرني أطلبه ، وأسأل عَنْهُ حَتَّى سقطت عَلَيْهِ جالسا وحده عَلَى شاطئ الفرات نصف النهار يتوضأ ويغسل ثوبه فعرفته بالنعت الَّذِي نعت لِي ، فَإِذَا رجل آدم لحيم شديد الأدمة أشعر محلوق الرأس كث اللحية عَلَيْهِ إزار من صوف ورداء من صوف بغير حذاء كريه الوجه مهيب المنظر جدا فسلمت عَلَيْهِ فرد علي ونظر إلي ، فَقَالَ : حياك اللَّه من رجل ومددت يدي إِلَيْهِ لأصافحه ، فأبى أن يصافحني ، فَقَالَ : هكذا وأنت فحياك اللَّه ، فقلت : رحمك اللَّه يَا أويس وغفر لك كيف أنت رحمك اللَّه ، ثُمَّ خنقتني العبرة من حبي إياه ورقتي إذ رأيت من حاله مَا رأيت حَتَّى بكيت فبكى ، ثُمَّ قَالَ : وأنت رحمك اللَّه يَا هرم بْن حيان ، وغفر لك كيف أنت يَا أخي من دلك علي ؟ قَالَ : قلت : اللَّه ، قَالَ : لا إله إلا اللَّه سبحانه ربنا إن كَانَ وعد ربنا لمفعولا حين سماني وعرفني ، قَالَ : لا واللَّه مَا رأيته قط ، ولا رآني قط ، قلت : من أين عرفتني ، وعرفت اسمي ، واسم أَبِي ؟ واللَّه مَا رأيتك قط قبل اليوم ، قَالَ : نبأني العليم الخبير ، عرفت روحي روحك حيث كلمت نفسي نفسك ، إن الأرواح لَهَا أنفس كأنفس الأحياء إن المؤمنين يعرف بعضهم بعضا ويتحابون بروح اللَّه عز وجل ، وإن لم يلتقوا ويتعارفوا ويتكلموا ، وإن نأت بهم الديار وتفرقت بهم المنازل ، قَالَ : قلت : حَدَّثَنِي عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بحديث أحفظه عنك ، قَالَ : إني لم أدرك رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، ولم يكن لِي معه صحبة ، ولكن قَدْ رأيت رجالا قَدْ رأوه ، وقد بلغني من حديثه كبعض مَا بلغكم ، ولم أحب أن أفتح هَذَا الباب عَلَى نفسي ، ولا أحب أن أكون محدثا أو قاضيا أو مفتيا فِي النفس شغل عَن النَّاس يَا هرم بْن حيان ، قَالَ : قلت : يَا أخي اقرأ علي آيات من كتاب اللَّه عز وجل أسمعهن منك ، فإني أحبك فِي اللَّه حبا شديدا ، وادع لِي بدعوات ، وأوصني بوصية أحفظها عنك ، قَالَ : فقام فأخذ بيدي عَلَى شاطئ الفرات ، ثُمَّ قَالَ : أعوذ بالسميع العليم من الشيطان الرجيم بسم اللَّه الرحمن الرحيم ، قَالَ : ثُمَّ شهق شهقة ، ثُمَّ بكى مكانه ، ثُمَّ قَالَ : قَالَ : ربي وأحق القول قول ربي ، وأصدق الحديث حديثه ، وأحسن الكلام كلامه ، وَمَا خَلَقْنَا السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لاعِبِينَ مَا خَلَقْنَاهُمَا إِلا بِالْحَقِّ سورة الدخان آية 38 - 39 حَتَّى بلغ إِلا مَنْ رَحِمَ اللَّهُ إِنَّهُ هُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ سورة الدخان آية 42 ، ثُمَّ شهق شهقة ، ثُمَّ سكت فنظرت إِلَيْهِ ، وَأنا أحسبه قَدْ غشي عَلَيْهِ ، ثُمَّ قَالَ : يَا هرم بْن حيان مات أبوك ، ويوشك أن تموت ، ومات أَبُو حيان فإما إِلَى جنة ، وإما إِلَى نار ، ومات آدم وماتت حواء يَا ابْن حيان ، ومات نوح ، وإبراهيم خليل الرحمن يَا ابْن حيان ، ومات مُوسَى نجي الرحمن يَا ابْن حيان ، وَمَا دَاوُد خليفة الرحمن ، ومات مُحَمَّد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَسُول الرحمن ، ومات أَبُو بَكْر خليفة الْمُسْلِمِينَ يَا ابْن حيان ، ومات أخي وصديقي وصفيي عمر ابْن الخطاب ، ثُمَّ قَالَ : واعمراه رحمك اللَّه يَا عمر ، وعمر يومئذ حي ، وذلك فِي آخر خلافته ، قَالَ : قلت : رحمك اللَّه ، إن عمر لم يمت بعد ، قَالَ : بلى إن ربي قَدْ نعاه إلي إن كنت تفهم فقد علمت مَا قلت ، وَأنا وأنت فِي الموتى ، وقد كَانَ صلى عَلَى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، ودعا بدعوات خفاف ، ثُمَّ قَالَ : هَذِهِ وصيتي إياك يَا هرم بْن حيان كتاب اللَّه عز وجل ، واللقاء بالصالحين من المؤمنين ، نعيت إلي نفسي ونفسك ، فعليك بذكر الموت لا يفارقن قلبك طرفة عين ، وأنذر قومك إِذَا رجعت إليهم ، وانصح لأهل ملتك جميعا ، واكدح نفسك ، وإياك أن تفارق الجماعة فتفارق دينك ، وأنت لا تعلم فتدخل النار يوم القيامة يَا هرم بْن حيان ، قَالَ : ثُمَّ قَالَ : اللَّهم إن هَذَا يزعم أَنَّهُ يحبني فيك ، وزارني من أجلك ، اللَّهم عرفني وجهه فِي الجنة ، وأدخله علي زائرا فِي دارك دار السلام ، واحفظه مَا دامت الدنيا حيثما كَانَ وضم عَلَيْهِ ضيعته ورضه من الدنيا باليسر ، وَمَا أعطيته من الدنيا فيسره لَهُ ، واجعله لما تعطيه من عمل من الشاكرين ، واجزه خير الجزاء ، أستودعك اللَّه يَا هرم بْن حيان ، والسلام عَلَيْك ورحمة اللَّه وبركاته ، ثُمَّ قَالَ : لا أراك بعد اليوم رحمك اللَّه ، فإني أكره الشهرة والوحدة أحب إلي ، لأني شديد الغم كثير الهم مَا دمت مَعَ هؤلاء النَّاس حيا فِي الدنيا ، ولا تسأل عني ولا تطلبني ، واعلم أنك مني عَلَى بال ، وإن لم ترن فاذكرني وادع لِي ، فإني سأذكرك وأدعو لك إن شاء اللَّه انطلق هاهنا حَتَّى آخذ هاهنا ، قَالَ : فحرصت عَلَيْهِ أن أمشي معه ساعة ، فأبى علي ففارقته يبكي وأبكي ، قَالَ : فجعلت أنظر فِي قفاه حَتَّى دخل فِي بعض السكك ، فكم طلبته بعد ذَلِكَ ، وسألت عَنْهُ فما وجدت أحدا يخبرني عَنْهُ بشيء فرحمه اللَّه ، وَمَا أتت علي جمعة إلا وَأنا أراه فِي منامي مرة أو مرتين " . أو كما قَالَ .