وجدت فِي سماع عمي أسهم بْن إِبْرَاهِيم . حَدَّثَنَا أَبُو سَعِيد عَبْد الواسع ابْن عَبْد اللَّهِ بْن عَبْد الواسع ، عَنْ مولاها عَبْد الواسع أَبُو سَعِيد ، قَالَ : كَانَ من قصة دِينَار جد أَبِي طَيْبَةَ ، أَنَّهُ كَانَ دهقانا من أَهْل مرو ، فوقع عَلَيْهِ السبي أَيَّام غزا سَعِيد بْن عُثْمَان بْن عَفَّان خراسان ، فوقع فِي سهم رجل ، يقال لَهُ جَعْفَر بْن خرفاش من بَنِي ضرار بْن عَمْرو من بَنِي ضبة ، فأقام مَعَهُ حينا ، ثُمَّ انه أعتقه وَمَاتَ جَعْفَر ، وَلَمْ يكن لَهُ وارث غَيْر دِينَار ، فحاز ماله ، ثُمَّ تزوج ، وولد لَهُ سُلَيْمَان ابنه ، والد أَبِي طَيْبَةَ عِيسَى ، فخرج عَنْ مرو إِلَى جوزجانان ، فأقام بِهَا ، وتزوج هناك امْرَأَة ، يقال لَهَا : طَلْحَة ، فولدت لَهُ ابنه مُوسَى ، ثُمَّ انها حملت بأبي طيبة عِيسَى ، فرأت فيما يرى النائم ، كأن سلسلة دليت من السَّمَاء إِلَى الأَرْض ، فقام جَمَاعَة من النَّاس ، فتواثبوا إِلَيْهَا ليتعلقوا بِهَا ، فلم يصلوا إِلَيْهَا ، ووثب ابنها الَّذِي فِي بطنها ، فلم يصل إِلَيْهَا ، ثُمَّ وثب الثَّانِيَة فلم يصل إِلَيْهَا ، ثُمَّ وثب الثالثة فتعلق بِهَا ، كأن عجاجة ارتفعت ، فلفت سُلَيْمَان فِي أضعافها ، ورفعته إِلَى السَّمَاء ، فلما أصبحت قصت رؤياها عَلَى زوجها ، فَقَالَ لَهَا : إِن صدقت رؤياك تلدين ابنا صالحا ، فاحتفظي بِهِ وأرزق أنا الشهادة ، إِن شاء اللَّه ، قَالَ : ثُمَّ إنه أصابت أَهْل جوزجان مجاعة ، واحتباس من الغيث ، فخرجوا إِلَى الجبانة فِي الاستسقاء ، فلم يسقوا ، فخرج سُلَيْمَان فِي جَمَاعَة من أصدقائه من النساك ، واستسقوا فسقوا ففشا فِي الْمَدِينَة ، إِن اللَّه سقاهم الغيث بسليمان ، فكان النَّاس يختلفون إِلَيْهِ ، ويتبركون بِهِ ، فأنكر ذَلِكَ والٍ كَانَ عَلَيْهِم ، يقال لَهُ أَبُو الهفت ، فحبس سُلَيْمَان فِي السجن ، فهاج أَهْل الْمَدِينَة ، وأنكروا ذَلِكَ من فعاله ، وأخرجوا واليهم عَنْ مدينتهم ، وأطلقوا سُلَيْمَان من السجن ، وَقَالُوا لأبي الهفت واليهم عمدت إِلَى رجل سقانا اللَّه بِهِ ، فحبسته وأردت هلاكنا ، فضمن لَهُمْ أَن لا يعود إِلَى مثلها ، فأعادوه واليا عَلَيْهِم ، وخرج سُلَيْمَان فِي تلك الفورة فِي عشرة من غلمانه إِلَى صغانيان غازيا ، فلقيه رجل من الترك ، فواقعه فقتل هُوَ وتسعة من مواليه ، وأفلت مِنْهُم واحد ، ورجع الْخَبَر إِلَى زوجته وولده ، فلم تزل زوجته طَلْحَة بجوزجان حَتَّى تحرك أَبُو طيبة ، وَكَانَ إِذَا كَانَ يَوْم الجمعة ، وتسرح من الكتاب يغيب عَنْ أمه فلا تراه إِلَى الليل ، فأنكرت شأنه ، فتبعته جمعة من الجمعات ، حَتَّى أتى من غيضة ، فقام يتعبد فِيهَا ، فانصرفت إِلَى منزلها ، فلما كَانَ العشي وانصرف إِلَيْهَا ابنها ، قَالَتْ لَهُ : إني قَدْ رَأَيْت موضعك وإني أخشى عليك السباع فِي تلك الغيضة ، ولست آذن لَكَ فِي إتيانها ، فَقَالَ : أما إذ علمت بموضعي ، فلا حاجة لي فِي المصير إِلَيْهِ ، فكان بَعْد ذَلِكَ يتعبد عَلَى سطح بيته ، فلما أدرك خَرَجَ يطلب العلم ، فوقع إِلَى أرض جُرْجَان ، فصار إِلَى جيش يَزِيد بْن المهلب ، فلقي فِيهِ كرز بْن وبرة ، فصحبه حَتَّى فتحت جُرْجَان ، فاختط موضع داره ، بِجُرْجَانَ ، وأقام بِهَا ، قَالَ عَبْد الواسع : فحدثني السبع أَنَّهُ لما تحركت المسودة بخراسان ، فزع مِنْهُم النَّاس ولزموا منازلهم بأرض جُرْجَان ، وَكَانَ أَبُو طيبة فيمن لزم منزله ، قَالَ : فرأيت النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي النوم ، كَأَنَّهُ دَخَلَ جُرْجَان من ناحية إستراباذ ، قَالَ : فتبعته فلم يزل يتخلل السكك حَتَّى دَخَلَ سكة أَبِي طَيْبَةَ ، وَلَمْ أكن عرفتها بَعْد ، قَالَ : ثُمَّ أتى بَاب أَبِي طَيْبَةَ ، فقرعه ففتح لَهُ ، ودخل ودخلت وراءه ، فَإِذَا بأبي طيبة قاعد فِي الصفة ، ورسول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي صدرها ، وأبو طيبة بَيْنَ يديه ، فجثوت بَيْنَ يدي رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، ثُمَّ قُلْت : يا رَسُول اللَّه ، إنا قَدْ وقعنا فِي هذه الْفِتْنَة ، فَمَا تأمرني فِيهَا ، قَالَ : فَقَالَ لي وأشار إِلَى أَبِي طَيْبَةَ تفعل مَا يفعل هَذَا ، قَالَ : فانتبهت من منامي ، فلما أصبحت لزمت الطريق الَّتِي كنت رَأَيْت رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سالكا فِيهَا ، فلم أزل أرومها حَتَّى دخلت سكة أَبِي طَيْبَةَ ، فقرعت الباب ، ففتح لي فدخلت ، فَإِذَا بِهِ قائم فِي الصفة الَّتِي رَأَيْت رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِهَا ، وَهُوَ يصلي ، فلما أحس بي خفف من صلاته ثُمَّ أقبل إلي ، فسلمت عَلَيْهِ ، فَقَالَ لي : مَا حاجتك ، فقصصت عَلَيْهِ رؤياي ، ثُمَّ قُلْت لَهُ مَا تأمرني ، فَإِن رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، أمرني باتباعك ، فَقَالَ لي : اكتم هذه الرؤيا ، والزم منزلك ، قَالَ : ففعلت ، قَالَ عَبْد الواسع : ثُمَّ إنه ولي جُرْجَان واليا يقال لَهُ حسين السجادة ، فسأله النَّاس أَن يرتب لَهُمْ قاضيا ، فسألهم بمن ترضون ، فتراضوا بأبي طيبة ، فدعاه وَكَانَ النَّاس فِي ذَلِكَ الزَّمَان قَدْ أخذوا يلبسون قلانس سودا ، يقال لَهَا المحمدية لا يدخلون عَلَى السلطان ، إلا بِهَا قَالَ ، وَكَانَ الصلحاء إِذَا أرادوا الدخول عَلَى السلطان يحملونها معهم فِي أكمتهم ، فَإِذَا بلغوا الباب أخرجوها ، ووضعوها عَلَى رؤوسهم ، ثُمَّ دخلوا عَلَيْهِ ، قَالَ : فدعا حسين أبا طيبة ليراوده عَلَى الْقَضَاء ، فأخذ محمديته فِي كمه ، ومضى نحوه ، فلما بلغ الباب أخذها ، فوضعها عَلَى رأسه ، ودخل عَلَيْهِ ، وَقَدِ احتفل النَّاس واجتمعوا فِي مجلس السلطان ، والعامة بالباب ينتظرون خروج أَبِي طَيْبَةَ عَلَيْهِم قاضيا ، فلما دَخَلَ عَلَيْهِ رحب بِهِ ، وأدنى مجلسه ، ثُمَّ قَالَ : إني بعثت إليك يا أبا طيبة لأوليك الْقَضَاء ، فَإِن النَّاس قَدْ تراضوا بك ولا بد لَهُمْ من حاكم يقيم أحكامهم ، قَالَ : فَقَالَ أيها الأمير ، إني لا أصلح لِهَذَا الشأن ، قَالَ : لا بد من ذَلِكَ ، فَإِن النَّاس لا يجدُونَ غيرك ، قَالَ : فأنظرني وقتا أصلح فِيهِ أمور نفسي ، وأفرغ من بَعْض شغلي ، ثُمَّ أتفرغ لِهَذَا الشأن ، قَالَ : كم تريد ، قَالَ : سَنَة ، قَالَ : لا يتهيأ ، قَالَ : فعشرة أشهر ، فأبى عَلَيْهِ ، فلم يزل يخاصم حَتَّى صار إِلَى شَهْر ، قَالَ : فنعم إِذَا فخفف بجهدك ، قَالَ : أفعل إِن شاء اللَّه ، قَالَ : فخرج من عنده وصار إِلَى منزله ، ولقي أصدقاءه وإخوانه ، فودعهم وسلم عَلَيْهِم واستحلهم ، واستحلوه ، قَالَ : ثُمَّ دَخَلَ الحمام وتنور وتنظف وحلق رأسه وخرج ولبس أكفانه وتحنط فِي اليوم الَّذِي بعث فِيهِ الْخَبَر عِنْدَ انقضاء الأجل ، فصار إِلَيْهِ وَقَدِ اجتمع النَّاس عِنْدَ السلطان فِي استقضاء أَبِي طَيْبَةَ ، قَالَ : فدخل عَلَيْهِ ، فَقَالَ لَهُ : يا أبا طيبة قَدِ انقضى الأجل الَّذِي أجلناه لَكَ ، فاخرج إِلَى النَّاس قاضيا ، واحكم بينهم فبرك عَلَى ركبتيه بَيْنَ يدي الْحُسَيْن ، ثُمَّ قَالَ : والله الَّذِي لا إله إلا هُوَ لا وليت لَكَ ، ولا لغيرك أبدا ، فاصنع مَا أَنْتَ صانع ، قَالَ : فاغتاظ عَلَيْهِ الْحُسَيْن ، وَلَمْ يدر مَا يصنع فِي أمره ، فأطرق مليا ، ثُمَّ قَالَ للعون : أَخْرَجَهُ من بَاب الخاصة كي لا تشعر العامة بِمَا جرى بيني وبينه ، فخرج وانصرف إِلَى منزله ، قَالَ عَبْد الواسع : ثُمَّ إِن كرز وبرة الحارثي بْن سأل اللَّه عز وجل أَن يهب لَهُ اسمه الأعظم ، فقام سَنَة يدعو بِذَلِكَ فبينا هُوَ قائم فِي محرابه يصلي إذ سقط عَلَيْهِ رقعة مكتوبة بالعبرانية ، فأخذها فقرأها ، فَإِذَا فِيهَا اسم اللَّه الأعظم ، قَالَ : فكتمه وَلَمْ يعلمه أحدا غَيْر أَبِي طَيْبَةَ ، قَالَ : فاستنسخه أَبُو طيبة منه ، فكان عنده ، فلما ولد لَهُ ابنه عَبْد الواسع ، وَهُوَ ابنه الأكبر ، وحضرته الوفاة ، دعا بِهِ ، فدفع ذَلِكَ الاسم إِلَيْهِ ، وأمره بالاحتفاظ بِهِ ، فلما حضر عَبْد الواسع الوفاة دعا بابنه سَعِيد ، فدفعه إِلَيْهِ وأمره بالاحتفاظ بِهِ ، قَالَ عَبْد الواسع : فدعاني أَبِي يوما من الأيام نصف النهار ، فدفع إلي قارورة مسدودة الرأس مختومة ، وفيها رقعة مطوية ، فدفعها إلي ، وَقَالَ لي : اذهب بِهَذِهِ القارورة يا بَنِي ، فألقها فِي نهر سُلَيْمَان اباذ ، وانظر ماذا ترى إِذَا أَنْتَ ألقيتها فِيهِ فأخبرني بِهِ ، قَالَ عَبْد الواسع : فأنكرت شأن القارورة فِي نهر سُلَيْمَان اباذ ، فأخبرت عمتي بِذَلِكَ ، قَالَ فباركت عَلِي ، ودعت لي ، ثُمَّ قَالَتْ : أصبت يا بَنِي إذ أعلمتني بِهَذِهِ القارورة هذه القارورة تدري مَا هِيَ يا بَنِي ؟ ، قُلْت : لا أدري ، فَقَالَتْ : إِن فِيهَا اسم اللَّه الأعظم ، وإن أباك خشي تضييعك لَهَا ، فأمرك بِمَا حكيت ، فادفعها الي حَتَّى أحفظها لَكَ ، فارجع إِلَيْهِ وقل لَهُ قَدْ ألقيتها ، فَإِذَا قَالَ لَكَ مَا رَأَيْت قل رَأَيْت كأن طيرا أبيض ارتفع من الماء إِلَى السَّمَاء ، قَالَ عَبْد الواسع : فانصرفت إِلَى أَبِي ، فأخبرته بأني قَدْ ألقيته فِي الماء ، فَقَالَ لي : مَا رَأَيْت ، فأخبرته بِمَا أمرتني عمتي أَن أحكي لَهُ ، قَالَ : أصبت ، قَالَ عَبْد الواسع : ثُمَّ إِن زويد أجبر عَبْد الواسع بْن أَبِي طَيْبَةَ عَلَى الْقَضَاء ، فامتنع من ذَلِكَ ، فسلمه إِلَيْهِ ، ثُمَّ إِنَّ زويد أجبر أخاه أَحْمَد ، فامتنع فأحرق عَلَيْهِ بابه ، وأبى النَّاس قاضيا سواه ، قَالَ : فأخرج وجلس فِي مجلس الْقَضَاء وعليه السواد والزينة ، وقدم إِلَيْهِ خصمان ليحكم بينهما ، وأتاه إِسْمَاعِيل بْن مُصْعَب ، وَهُوَ صاحب شرط الأمير إذ ذاك ، فَقَالَ : أيها الْقَاضِي ، إِن الأمير يأمرك أَن تقضي بَيْنَ هذين الرجلين ، فجعل يسألهما عَنْ حجتهما ودموعه تسيل عَلَى لحيته حَتَّى قضى بينهما ، قَالَ عَبْد الواسع : وَكَانَ بِجُرْجَانَ سماه عَبْد الواسع كاتب ولاشجرد لَهُ ، وكانت لَهُ جارية يقال لَهَا : عبث ، تضرب بالرباب وَهُوَ الجنك ، وَكَانَ شراؤها عَلَى مولاها خمسين ألف درهم ، وَكَانَ مشغفا بِهَا ، وَكَانَ من الأمير صديقا ، فراوده الأمير عَلَى بيع ضيعته ، ولاشجرد ، وبيع جاريته عبث يشتريهما منه ، قَالَ لَهُ : أيها الأمير إِن ولاشجرد نعمتي الَّتِي لا بد لي منها ، وإن عبثا روحي بَيْنَ جنبيها ، فألح عَلَيْهِ ، وامتنع الرجل ، فلم يزل يخادعه ، ويحترز منه الرجل حَتَّى دعاه مرة بَعْد مرات ، فسقاه حَتَّى أسكره ، ثُمَّ أمر فديس بطنه ، فمات ، قَالَ : ثُمَّ بعث إِلَى أَحْمَد فراوده عَلَى بيع ، ولاشجرد وعبث منه ، قَالَ : وَكَانَ للرجل صبيان صغار من حرة لَهُ ، قَالَ : فَقَالَ أَحْمَد إِن لَهُ صبيان صغار ، وأنه لا يمكن البيع عَلَيْهِم ، قَالَ : فأبى أَن يفعل إلا ذَلِكَ ، قَالَ : فاغتاظ أَحْمَد عَلَى الأمير ، وَقَالَ : يا عدو اللَّه قَدْ بلغني أنك قتلت الرجل ، ثُمَّ أردت أَن تملك ماله لا ، ولا كرامة لَكَ ، قَالَ : فَقَالَ لَهُ ، فاعتزل إِذَا قَالَ نفعل ذَلِكَ ، وكرامة فقعد فِي منزله ، قَالَ : وأقام الأمير بِجُرْجَانَ قاضيا ، يقال لَهُ : زَكَرِيَّا الرفاء ، ورشاه ستة آلاف درهم عَلَى بيع ولاشجرد ، وعبث ففعل ، قَالَ : فشعث النَّاس عَلَى الأمير ، وَقَالُوا : لا نريد أحدا يحكم عَلَيْنَا غيرأحمد ، قَالَ : فعزل الأمير زَكَرِيَّا الرفاء ، قَالَ : وطالبه بستة آلاف درهم ، وبعث إِلَى أَحْمَد ، فراوده عَلَى الْقَضَاء ، فامتنع عَلَيْهِ ، وخرج مختفيا فِي طريق قومس إِلَى الْمَأْمُون ، وَهُوَ بمرو ، فلما صار إِلَى بابه كَانَ لَهُ هناك صديق من حجاب الْمَأْمُون ، يقال لَهُ : كثير بْن شهاب ، فأستأذن لَهُ عَلَى الخليفة ، ورفع من شأنه عنده ، ومدحه ، ودخل عَلَى الْمَأْمُون ، فسلم عَلَيْهِ فأدنى مجلسه ، وَقَالَ لَهُ ، مَا أقدمك عَلِي ، فتظلم من والي جُرْجَان ، وذكر أذاه لَهُ ، وَقَالَ لَهُ : قَدْ عزلناه عَنْك ، وعن أَهْل بلدك ، فلا يد لَهُ عليكم ، وَقَالَ لَهُ كثير بْن شهاب بحضرة الْمَأْمُون : إِن أمِير الْمُؤْمِنيِنَ قَدْ قضى لَكَ ستة عشر حاجة فسل ، فَقَالَ : أولها الإعفاء من الْقَضَاء ، وَقَالَ : لا يعفيك ، فَإِن أمِير الْمُؤْمِنيِنَ بر بأمثالك . قَالَ : فعلى غَيْر جُرْجَان إِذَا قَالَ : اختر أي بلد جُرْجَان . قَالَ : قَدِ اخترت قومس من قربها بلدي قَالَ : قَدِ استقضيتك عَلَيْهَا ، ثُمَّ سائر حوائجك ؟ قَالَ : فسأل تلك الحوائج الَّتِي قضيت لَهُ ، فَمَا سأل فِيهَا حاجة لنفسه ، ولكن جعلها فِي سبيل الخير كلها ، فاستقضاه عَلَى قومس ، وكتب لَهُ بعزل ذَلِكَ الوالي ، قَالَ : فقدم جُرْجَان ، وعزله ، وأقامه للمظالم ، واشتروا منه ولاشجرد وعبث ، قَالَ : إِن عبث جارية أن تركت حَتَّى يكبر هَؤُلاءِ الأيتام عجزت ، وذهبت عَنْهَا بَعْض ثمنها ، فبعث بِهَا إِلَى بغداد ، فبيعت هناك ، وسار إِلَى قومس قاضيا عَلَيْهَا ، فأقام هناك حَتَّى مَات ، قَالَ عَبْد الواسع : فحججت بوالدي سَنَة نيف ومائتين ، فلما دخلت الدامغان إِذَا بغلامه نجاح واقف عَلَى الطريق ينتظرني ، فلما أَن رآني قَالَ لي : يَقُول لَكَ عمك : يا بَنِي مَالِك لَمْ تعلمنا بمقدمك عَلَيْنَا ؟ قَالَ : فنزلت عَلَيْهِ قَالَ : فلما أردت الخروج أوصاني بوصايا حسنة ، فكان فيما أوصاني بِهِ أَن قَالَ لي : يا بَنِي لا تدخلن بلدا بليل ، ولا تخرجن منه بليل ، ولا تدخلن مفازة إلا ومعك ماء .