حَدَّثَنَا حَبِيبُ بْنُ الْحَسَنِ ، ثنا أَبُو شُعَيْبٍ الْحَرَّانِيُّ ، ثنا خَالِدُ بْنُ يَزِيدَ الْعُمَرِيُّ ، ثنا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَبِي رَوَّادٍ ، عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ مَرْثَدٍ ، قَالَ : " انْتَهَى الزُّهْدُ إِلَى ثَمَانِيَةٍ : عَامِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ قَيْسٍ ، وَأُوَيْسٍ الْقَرَنِيِّ ، وَهَرَمِ بْنِ حَيَّانَ ، وَالرَّبِيعِ بْنِ خُثَيْمٍ ، وَمَسْرُوقِ بْنِ الأَجْدَعِ ، وَالأَسْوَدِ بْنِ يَزِيدَ ، وَأَبِي مُسْلِمٍ الْخَوْلانِيِّ ، وَالْحَسَنِ بْنِ أَبِي الْحَسَنِ ، فَأَمَّا عَامِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ ، فَكَانَ يَقُولُ : " فِي الدُّنْيَا الْغُمُومُ وَالأَحْزَانُ ، فِي الآخِرَةِ النَّارُ وَالْحِسَابُ ، فَأَيْنَ الرَّاحَةُ وَالْفَرَحُ ؟ ! إِلَهِي خَلَقْتَنِي وَلَمْ تُؤَامِرْني فِي خَلْقِي ، وَأَسْكَنْتَنِي بَلايَا الدُّنْيَا ، ثُمَّ قُلْتَ لِي : اسْتَمْسِكْ ، فَكَيْفَ أسْتَمْسِكْ إِنْ لَمْ تُمَسِّكْني ؟ ! إِلَهِي إِنَّكَ لَتَعْلَمُ أَنْ لَوْ كَانَتْ لِي الدُّنْيَا بِحَذَافِيرِهَا ثُمَّ سَأَلْتِنِيهَا لَجَعَلْتُهَا لَكَ فَهَبْ لِي نَفْسِي ، وَكَانَ يَقُولُ : لَذَّاتُ الدُّنْيَا أَرْبَعَةٌ : الْمَالُ ، وَالنِّسَاءُ ، وَالنَّوْمُ ، وَالطَّعَامُ ، فَأَمَّا الْمَالُ وَالنِّسَاءُ فَلا حَاجَةَ لِي فِيهِمَا ، وَأَمَّا النَّوْمُ وَالطَّعَامُ فَلا بُدَّ لِي مِنْهُمَا ، فَوَاللَّهِ لأَضُرَّنَ بِهِمَا جَهْدِي ، وَلَقَدْ كَانَ يَبِيتُ قَائِمًا ، وَيَظَلُّ صَائِمًا ، وَلَقَدْ كَانَ إِبْلِيسُ يَلْتَوِي فِي مَوْضِعِ سُجُودِهِ ، فَإِذَا مَا وَجَدَ رِيحَهُ نَحَّاهُ بِيَدِهِ ، ثُمَّ يَقُولُ : لَوْلا نَتَنُكَ لَمْ أَزَلْ عَلَيْكَ سَاجِدًا ، وَهُوَ يَتَمَثَّلُ كَهَيْئَةِ الْحَيَّةِ ، وَرَأَيْتُهُ وَهُوَ يصَلَّى فَيَدْخُلُ تَحْتَ قَمِيصِهِ حَتَّى يَخْرُجَ مِنْ كُمِّهِ وَثِيَابِهِ فَلا يَحِيدُ ، فَقِيلَ لَهُ : أَلا تُنَحِّي الْحَيَّةَ ؟ فَيَقُولُ : وَاللَّهِ إِنِّي لأَسْتَحِي مِنَ اللَّهِ تَعَالَى أَنْ أَخَافَ شَيْئًا غَيْرَهُ ، وَاللَّهِ مَا أَعْلَمُ بِهَذَا حِينَ يَدْخُلُ وَلا حِينَ يَخْرُجُ ، وَقِيلَ لَهُ : إِنَّ الْجَنَّةَ تُدْرَكُ بِدُونِ مَا تَصْنَعُ ، وَإِنَّ النَّارَ تُتَّقَى بِدُونِ مَا تَصْنَعُ ، فَيَقُولُ : لا حَتَّى لا أَلُومَ نَفْسِي ، قَالَ : وَمَرِضَ فَبَكَى ، فَقِيلَ لَهُ : مَا يُبْكِيكَ وَقَدْ كُنْتَ وَقَدْ كُنْتَ ؟ فَيَقُولُ : مَا لِيَ لا أَبْكِي وَمَنْ أَحَقُّ بِالْبُكَاءِ مِنِّي ، وَاللَّهِ مَا أَبْكِي حِرْصًا عَلَى الدُّنْيَا وَلا جَزَعًا مِنَ الْمَوْتِ ، وَلَكِنْ لِبُعْدِ سَفَرِي وَقِلَّةِ زَادِي ، وَإِنِّي أَمْسَيْتُ فِي صُعُودٍ وَهُبُوطٍ ، جُنَّةٌ أَوْ نَارٌ ، فَلا أَدْرِي إِلَى أَيِّهِمَا أَصِيرُ " .