يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ حَدَّثَنِي يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ حَدَّثَنِي يَزِيدُ بْنُ مَزْيَدٍ بْنِ جَابِرٍ ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي عَمْرَةَ الأَنْصَارِيِّ ، أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ اسْتَعْمَلَ مِنَ الأَنْصَارِ رَجُلا عَلَى الصَّدَقَةِ فَرَآهُ بَعْدَ أَيَّامٍ مُقِيمًا ، فَقَالَ لَهُ : مَا مَنَعَكَ مِنَ الْخُرُوجِ إِلَى عَمَلِكَ ؟ أَمَا عَلِمْتَ أَنَّ لَكَ مِثْلَ أَجْرِ الْمُجَاهِدِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ، قَالَ : لا ، قَالَ عُمَرُ : وَكَيْفَ ذَاكَ ؟ ، قَالَ : لأَنَّهُ بَلَغَنِي أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " مَا مِنْ وَالٍ يَلِي مِنْ أُمُورِ النَّاسِ شَيْئًا إِلا أُتِيَ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَيُوقَفُ عَلَى جِسْرٍ مِنْ نَارٍ فَيَنْتَفِضُ بِهِ الْجِسْرُ انْتِفَاضًا يُزِيلُ كُلَّ عُضْوٍ مِنْهُ عَنْ مَوْضِعِهِ ، ثُمَّ يُعَادُ فَيحَاسَبُ ، فَإِنْ كَانَ مُحْسِنًا نَجَا بِإِحْسَانِهِ وَإِنْ كَانَ مُسِيئًا انْخَرَقَ بِهِ ذَلِكَ الْجِسْرُ فَهَوَى بِهِ فِي النَّارِ سَبْعِينَ خَرِيفًا " ، فَقَالَ لَهُ عُمَرُ : مِمَّنْ سَمِعْتَ هَذَا ؟ قَالَ : مِنْ أَبِي ذَرٍّ وَسَلْمَانَ ، فَأَرْسَلَ إِلَيْهِمَا عُمَرُ فَسَأَلَهُمَا ، فَقَالا : نَعَمْ سَمِعْنَاهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَقَالَ عُمَرُ : وَاعُمَرَاهُ مَنْ يَتَوَلاهَا بِمَا فِيهَا ، فَقَالَ أَبُو ذَرٍّ مَنْ سَلَتَ اللَّهُ أَنْفَهُ وَأَلْصَقَ خَدَّهُ بِالأَرْضِ فَأَخَذَ أَبُو جَعْفَرٍ الْمِنْدِيلَ فَوَضَعَهُ عَلَى وَجْهِهِ فَبَكَى وَانْتَحَبَ حَتَّى أَبْكَانِي ، فَقُلْتُ : يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ قَدْ سَأَلَ جَدُّكَ الْعَبَّاسُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِمَارَةً عَلَى مَكَّةَ وَالطَّائِفِ ، فَقَالَ لَهُ : " يَا عَبَّاسُ ! يَا عَمَّ النَّبِيِّ ، نَفْسٌ تُحْيِيهَا خَيْرٌ مِنْ إِمَارَةٍ لا تُحْصِيهَا هِيَ نَصِيحَةٌ مِنْهُ لِعَمِّهِ وَشَفَقَةٌ مِنْهُ عَلَيْهِ لأَنَّهُ لا يُغْنِي عَنْهُ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا ، أَوْحَى اللَّهُ تَعَالَى إِلَيْهِ : وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ سورة الشعراء آية 214 ، فَقَالَ : " يَا عَبَّاسُ ، يَا صَفِيَّةُ عَمَّةَ النَّبِيِّ إِنِّي لَسْتُ أُغْنِي عَنْكُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا إِلا لِي عَمَلِي وَلَكُمْ عَمَلُكُمْ " وَقَدْ قَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ : لا يُقِيمُ أَمْرَ النَّاسِ إِلا حَصِيفُ الْعَقْلِ أَرِيبُ الْعُقْدَةِ لا يُطَّلَعُ مِنْهُ عَلَى عَوْرَةٍ وَلا يَحْنُو عَلَى حَوِيَّةَ وَلا تَأْخُذُهُ فِي اللَّهِ لَوْمَةُ لائِمٍ ، وَقَالَ : السُّلْطَانُ أَرْبَعَةُ أُمَرَاءَ ، فَأَمِيرٌ قَوِيُ ظَلَفَ نَفْسَهُ وَعُمَّالَهُ فَذَاكَ الْمُجَاهِدُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يَدُ اللَّهِ بَاسِطَةٌ عَلَيْهِ بِالرَّحْمَةِ ، وَأَمِيرٌ ضَعِيفٌ ظَلَفَ نَفْسَهُ وَأَرْتَعَ عُمَّالَهُ فَضَعُفَ فَهُوَ عَلَى شَفًا هَلاكٍ إِلا أَنْ يَرْحَمَهُ اللَّهُ ، وَأَمِيرٌ ظَلَفَ عُمَّالَهُ وَأَرْتَعَ نَفْسَهُ فَذَلِكَ الْحُطَمَةُ الَّذِي قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " شَرُّ الرِّعَاءِ الْحُطَمَةُ " فَهُوَ الْهَالِكُ وَحْدَهُ ، وَأَمِيرٌ أَرْتَعَ نَفْسَهُ وَعُمَّالَهُ فَهَلَكُوا جَمِيعًا . وَقَدْ بَلَغَنِي يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ أَنَّ جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلامُ أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَقَالَ : أَتَيْتُكَ حِينَ أَمَرَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ بِمَنَافِيخِ النَّارِ فَوُضِعَتْ عَلَى النَّارِ تُسَعَّرُ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ ، فَقَالَ لَهُ : " يَا جِبْرِيلُ صِفْ لِيَ النَّارَ " ، فَقَالَ : إِنَّ اللَّهَ أَمَرَ بِهَا فَأُوقِدَتْ أَلْفَ عَامٍ حَتَّى احْمَرَّتْ ، ثُمَّ أُوقِدَ عَلَيْهَا أَلْفَ عَامٍ حَتَّى اصْفَرَّتْ ، ثُمَّ أُوقِدَ عَلَيْهَا أَلْفَ عَامٍ حَتَّى اسْوَدَّتْ فَهِيَ سَوْدَاءُ مُظْلِمَةٌ لا يُضِئُ لَهُبُهَا وَلا جَمْرُهَا ، وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ لَوْ أَنَّ ثَوْبًا مِنْ ثِيَابِ أَهْلِ النَّارِ أُظْهِرَ لأَهْلِ الأَرْضِ لَمَاتُوا جَمِيعًا وَلَوْ أَنَّ ذَنُوبًا مِنْ شَرَابِهَا صُبَّ فِي مَاءِ الأَرْضِ لَقَتَلَ مَنْ ذَاقَهُ وَلَوْ أَنَّ ذِرَاعًا مِنَ السِّلْسِلَةِ الَّتِي ذَكَرَ اللَّهُ تَعَالَى ، وُضِعَ عَلَى جِبَالِ الأَرْضِ جَمِيعًا لَذَابَتْ وَمَا اسْتَقَرَّتْ ، وَلَوْ أَنَّ رَجُلا دَخَلَ النَّارَ ، ثُمَّ أُخْرِجَ مِنْهَا لَمَاتَ أَهْلُ الأَرْضِ مِنْ نَتْنِ رِيحِهِ وَتَشْوِيهِ خَلْقِهِ وَعَظْمِهِ . فَبَكَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبَكَى جِبْرِيلُ لِبُكَائِهِ ، فَقَالَ : أَتَبْكِي يَا مُحَمَّدُ ، وَقَدْ غَفَرَ اللَّهُ لَكَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ ؟ قَالَ : " أَفَلا أَكُونُ عَبْدًا شَكُورًا " ، وَلِمَ بَكَيْتَ يَا جِبْرِيلُ وَأَنْتَ الرُّوحُ الأَمِينُ أَمِينُ اللَّهِ عَلَى وَحْيهِ ؟ قَالَ : " أَخَافُ أَنْ أُبْتَلَى بِمَا ابْتُلِيَ بِهِ هَارُوتُ وَمَارُوتُ فَهُوَ الَّذِي مَنَعَنِي مِنَ اتِّكَالِي عَلَى مَنْزِلَتِي عِنْدَ رَبِّي فَأَكُونُ قَدْ أَمِنْتُ مَكْرَهُ " ، فَلَمْ يَزَالا يَبْكِيَانِ حَتَّى نُودِيَا مِنَ السَّمَاءِ : أَنْ يَا جِبْرِيلُ وَيَا مُحَمَّدُ إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدْ أَمَّنَكُمَا أَنْ تَعْصِيَاهُ فَيُعَذِّبَكُمَا ، فَفَضْلُ مُحَمَّدٍ عَلَى الأَنْبِيَاءِ كَفَضْلِ جِبْرِيلَ عَلَى مَلائِكَةِ السَّمَاءِ كُلِّهُمْ . وَقَدْ بَلَغَنِي يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ ، قَالَ : اللَّهُمَّ إِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنِّي أُبَالِي إِذَا قَعَدَ الْخَصْمَانِ بَيْنَ يَدَيَّ عَلَى مَنْ قَالَ الْحَقَّ مِنْ قَرِيبٍ أَوْ بَعِيدٍ فَلا تُمْهِلْنِي طَرْفَةَ عَيْنٍ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ إِنَّ أَشَدَّ الشِّدَّةِ الْقِيَامُ لِلَّهِ بِحَقِّهِ ، وَإِنَّ أَكْرَمَ الْكَرَمِ عِنْدَ اللَّهِ التَّقْوَى ، إِنَّهُ مَنْ طَلَبَ الْعِزَّ بِطَاعَةِ اللَّهِ رَفَعَهُ اللَّهُ ، وَمَنْ طَلَبَهُ بِمَعْصِيَةِ اللَّهِ أَذَلَّهُ اللَّهُ وَوَضَعَهُ هَذِهِ نَصِيحَتِي وَالسَّلامُ عَلَيْكَ ، ثُمَّ نَهَضْتُ ، فَقَالَ لِي : إِلَى أَيْنَ ؟ فَقُلْتُ : إِلَى الْبَلَدِ وَالْوَطَنِ بِإِذْنِ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ ، فَقَالَ : قَدْ أَذِنْتُ وَشَكَرْتُ لَكَ نَصِيحَتَكَ وَقَبِلْتُهَا بِقَبُولٍ وَاللَّهُ الْمُوَفِّقُ لِلْخَيْرِ وَالْمُعِينُ عَلَيْهِ وَبِهِ أَسْتَعِينُ وَعَلَيْهِ أَتَوَكَّلُ وَهُوَ حَسْبِي وَنِعْمَ الْوَكِيلُ ، فَلا تُخَلِّنِي مِنْ مُطَالَعَتِكَ إِيَّايَ بِمِثْلِهَا ، فَإِنَّكَ الْمَقْبُولُ غَيْرُ الْمُتَّهَمِ فِي النَّصِيحَةِ ، قُلْتُ : أَفْعَلُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ . قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ مُصْعَبٍ فَأَمَرَ لَهُ بِمَالٍ يَسْتَعِينُ بِهِ عَلَى خُرُوجِهِ فَلَمْ يَقْبَلْهُ ، وَقَالَ : أَنَا فِي غِنًى عَنْهُ ، وَمَا كُنْتُ لأَبِيعَ نَصِيحَتِي بِعَرَضٍ مِنَ الدُّنْيَا كُلِّهَا ، وَعَرَفَ الْمَنْصُورُ مَذْهَبَهُ فَلَمْ يَجِدْ عَلَيْهِ فِي رَدِّهِ .
الأسم | الشهرة | الرتبة |
عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ | عمر بن الخطاب العدوي / توفي في :23 | صحابي |
عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي عَمْرَةَ الأَنْصَارِيِّ | عبد الرحمن بن أبي عمرة الأنصاري | مختلف في صحبته |
يَزِيدُ بْنُ مَزْيَدٍ بْنِ جَابِرٍ | يزيد بن يزيد الأزدي / ولد في :73 / توفي في :133 | ثقة فقيه صالح |