الامام احمد بن حنبل


تفسير

رقم الحديث : 14132

وَقَالَ حُذَيْفَةُ بْنُ الْيَمَانِ , وَكَانَ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " اتَّقُوا اللَّهَ مَعْشَرَ الْقُرَّاءِ ، وَخُذُوا طَرِيقَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ ، وَاللَّهِ لَئِنِ اسْتَقَمْتُمْ لَقَدْ سُبِقْتُمْ سَبْقًا بَعِيدًا ، وَلَئِنْ تَرَكْتُمُوهُ يَمِينًا وَشِمَالا ، لَقَدْ ضَلَلْتُمْ ضَلالا بَعِيدًا ، أَوْ قَالَ مُبِينًا " ، قَالَ أَبِي رَحِمَهُ اللَّهُ : وَإِنَّمَا تَرَكْتُ ذِكْرَ الأَسَانِيدِ لِمَا تَقَدَّمَ مِنَ الْيَمِينِ الَّتِي حَلَفْتُ بِهَا مِمَّا قَدْ عَلِمَهُ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ لَوْلا ذَلِكَ لَذَكَرْتُهَا بِأَسَانِيدِهَا ، وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللَّهِ سورة التوبة آية 6 ، وَقَالَ : أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ سورة الأعراف آية 54 فَأَخْبَرَ بِالْخَلْقِ ، ثُمَّ قَالَ وَالأَمْرُ ، فَأَخْبَرَ أَنَّ الأَمْرَ غَيْرَ الْمَخْلُوقِ ، وَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ : الرَّحْمَنُ { 1 } عَلَّمَ الْقُرْءَانَ { 2 } خَلَقَ الإِنْسَانَ { 3 } عَلَّمَهُ الْبَيَانَ { 4 } سورة الرحمن آية 1-4 فَأَخْبَرَ تَعَالَى أَنَّ الْقُرْآنَ مِنْ عِلْمِهِ ، وَقَالَ تَعَالَى : وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ ، قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى ، وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ ، وَقَالَ : وَلَئِنْ أَتَيْتَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ بِكُلِّ آيَةٍ مَا تَبِعُوا قِبْلَتَكَ وَمَا أَنْتَ بِتَابِعٍ قِبْلَتَهُمْ وَمَا بَعْضُهُمْ بِتَابِعٍ قِبْلَةَ بَعْضٍ وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ إِنَّكَ إِذًا لَمِنَ الظَّالِمِينَ سورة البقرة آية 145 ، وَقَالَ تَعَالَى : وَكَذَلِكَ أَنْزَلْنَاهُ حُكْمًا عَرَبِيًّا وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا وَاقٍ سورة الرعد آية 37 فَالْقُرْآنُ مِنْ عِلْمِ اللَّهِ تَعَالَى ، وَفِي هَذِهِ الآيَاتِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الَّذِي جَاءَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هُوَ الْقُرْآنُ ، لِقَوْلِهِ : وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ سورة البقرة آية 120 وَقَدْ رُوِيَ عَنْ غَيْرِ وَاحِدٍ مِمَّنْ مَضَى مِنْ سَلَفِنَا ، أَنَّهُمْ كَانُوا يَقُولُونَ : الْقُرْآنُ كَلامُ اللَّهِ لَيْسَ بِمَخْلُوقٍ ، وَهُوَ الَّذِي أَذْهَبُ إِلَيْهِ لَسْتُ بِصَاحِبِ كَلامٍ وَلا أَدْرِي الْكَلامَ فِي شَيْءٍ مِنْ هَذَا ، إِلا مَا كَانَ فِي كِتَابِ اللَّهِ ، أَوْ حَدِيثٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، أَوْ عَنْ أَصْحَابِهِ ، أَوْ عَنِ التَّابِعِينَ رَحِمَهُمُ اللَّهُ ، فَأَمَّا غَيْرُ ذَلِكَ فَإِنَّ الْكَلامَ فِيهِ غَيْرُ مَحْمُودٍ ، قَالَ أَبُو الْفَضْلِ : وَقَدِمَ الْمُتَوَكِّلُ فَنَزَلَ الشَّمَّاسِيَّةَ يُرِيدُ الْمَدَائِنَ ، فَقَالَ لِي أَبِي : يَا صَالِحُ أُحِبُّ أَنْ لا تَذْهَبَ الْيَوْمَ وَلا تُنَبِّهْ عَلَيَّ ، فَلَمَّا كَانَ بَعْدَ يَوْمٍ وَأَنَا قَاعِدٌ خَارِجًا ، وَكَانَ يَوْمَ مَطَرٍ إِذَا يَحْيَى بْنُ خَاقَانَ قَدْ جَاءَ وَالْمَطَرُ عَلَيْهِ فِي مَوْكِبٍ عَظِيمٍ ، فَقَالَ : سُبْحَانَ اللَّهِ لَمْ تَصِلْ إِلَيْنَا حَتَّى نُبَلِّغَ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ السَّلامَ عَنْ شَيْخِكَ حَتَّى وَجَّهَ بِي ، ثُمَّ نَزَلَ خَارِجَ الزِّقَاقِ فَجَهَدْتُ بِهِ أَنْ يَدْخُلَ عَلَى الدَّابَّةِ ، فَلَمْ يَفْعَلْ فَجَعَلَ يَخُوضُ الْمَطَرَ ، فَلَمَّا صَارَ إِلَى الْبَابِ نَزَعَ جُرْمُوقَهُ وَكَانَ عَلَى خُفِّهِ وَدَخَلَ وَأَبِي فِي الزَّاوِيَةِ قَاعِدٌ عَلَيْهِ كِسَاءٌ مُرَبَّعٌ وَعِمَامَةٌ وَالسِّتْرُ الَّذِي عَلَى الْبَابِ قِطْعَةُ خَيْشٍ ، فَسَلَّمَ عَلَيْهِ وَقَبَّلَ جَبْهَتَهُ وَسَأَلَهُ عَنْ حَالِهِ ، وَقَالَ : أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ يُقْرِئُكَ السَّلامَ ، وَيَقُولُ : كَيْفَ أَنْتَ فِي نَفْسِكَ وَكَيْفَ حَالُكَ ؟ وَقَدْ آنَسْتُ بِقُرْبِكَ وَيَسْأَلُكَ أَنْ تَدْعُوَ لَهُ ، فَقَالَ : مَا يَأْتِي عَلَيَّ يَوْمٌ إِلا وَأَنَا أَدْعُو اللَّهَ لَهُ ، ثُمَّ قَالَ : قَدْ وَجَّهَ مَعِي أَلْفَ دِينَارٍ تُفَرِّقُهَا عَلَى أَهْلِ الْحَاجَةِ ، فَقَالَ لَهُ : يَا أَبَا زَكَرِيَّا أَنَا ، فِي الْبَيْتِ مُنْقَطِعٌ عَنِ النَّاسِ وَقَدْ أَعْفَانِي مِنْ كُلِّ مَا أَكْرَهُهُ ، فَقَالَ : يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ ، الْخُلَفَاءُ لا يَحْتَمِلُونَ هَذَا ، فَقَالَ : يَا أَبَا زَكَرِيَّا ، تَلَطَّفْ فِي ذَلِكَ ، فَدَعَا لَهُ ثُمَّ قَامَ ، فَلَمَّا صَارَ إِلَى الدَّارِ رَجَعَ ، وَقَالَ : أَهَكَذَا كُنْتَ لَوْ وَجَّهَ إِلَيْكَ بَعْضَ إِخْوَانِكَ تَفْعَلُ ؟ قَالَ : نَعَمْ ، فَلَمَّا صِرْنَا إِلَى الدِّهْلِيزِ ، قَالَ : قَدْ أَمَرَنِي أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ أَنْ أَدْفَعَهَا إِلَيْكَ تُفَرِّقُهَا ، فَقُلْتُ : تَكُونُ عِنْدَكَ إِلَى أَنْ تَمْضِيَ هَذِهِ الأَيَّامُ ، قَالَ أَبُو الْفَضْلِ : وَقَدْ كَانَ وَجَّهَ مُحَمَّدَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ طَاهِرٍ إِلَى أَبِي فِي وَقْتِ قُدُومِهِ بِالْعَسْكَرِ : أُحِبُّ أَنْ تَصِيرَ إِلَيَّ وَتُعْلِمَنِي الَّذِي تَعْزِمُ عَلَيْهِ حَتَّى لا يَكُونَ عِنْدِي أَحَدٌ ، فَوَجَّهَ إِلَيْهِ : أَنَا رَجُلٌ لَمْ أُخَالِطِ السُّلْطَانَ وَقَدْ أَعْفَانِي أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ مِمَّا أَكْرَهُ وَهَذَا مِمَّا أَكْرَهُ ، فَجَهَدَ أَنْ يَصِيرَ إِلَيْهِ فَأَبَى ، وَكَانَ قَدْ أَدْمَنَ الصَّوْمَ لَمَّا قَدِمَ وَجَعَلَ لا يَأْكُلُ الدَّسَمَ ، وَكَانَ قَبْلَ ذَلِكَ يُشْتَرَى لَهُ شَحْمٌ بِدِرْهَمٍ فَيَأْكُلُ مِنْهُ شَهْرًا فَتَرَكَ أَكْلَ الشَّحْمِ وَأَدَامَ الصَّوْمَ وَالْعَمَلَ وَتَوَهَّمْتُ أَنَّهُ قَدْ كَانَ جَعَلَ عَلَى نَفْسِهِ أَنْ يَفْعَلَ ذَلِكَ إِنْ سَلِمَ ، وَكَانَ حُمِلَ إِلَى الْمُتَوَكِّلِ سَنَةَ سَبْعٍ وَثَلاثِينَ وَمِائَتَيْنِ ثُمَّ مَكَثَ إِلَى سَنَةِ إِحْدَى وَأَرْبَعِينَ ، وَكَانَ قَلَّ يَوْمٌ يَمْضِي إِلا وَرَسُولُ الْمُتَوَكِّلِ يَأْتِيهِ ، فَلَمَّا كَانَ أَوَّلُ شَهْرِ رَبِيعٍ الأَوَّلِ مِنْ سَنَةِ إِحْدَى وَأَرْبَعِينَ حم لَيْلَةَ الأَرْبِعَاءِ وَكَانَ فِي خَرِيقَتِهِ قُطَيْعَاتٌ فَإِذَا أَرَادَ الشَّيْءَ أَعْطَيْنَا مَنْ يَشْتَرِي لَهُ ، وَقَالَ لِي يَوْمَ الثُّلاثَاءِ وَأَنَا عِنْدَهُ : انْظُرْ فِي خَرِيقَتِي شَيْءٌ ؟ فَنَظَرْتُ فَإِذَا فِيهَا دِرْهَمٌ ، فَقَالَ : وَجِّهِ , اقْتَضِ بَعْدَ السُّكَّانِ فَوَجَّهْتُ فَأَعْطَيْتُ شَيْئًا ، فَقَالَ وَجِّهْ فَاشْتَرِ لِي تَمْرًا وَكَفِّرْ عَنِّي كَفَّارَةَ يَمِينٍ ، فَاشْتَرَيْتُ وَكَفَّرْتُ عَنْ يَمِينِهِ ، وَبَقِيَ مِنْ ثَمَنِ التَّمْرِ ثَلاثَةَ دَرَاهِمَ فَأَخْبَرْتُهُ ، فَقَالَ : الْحَمْدُ لِلَّهِ ، وَكُنْتُ أَنَامُ اللَّيْلَ إِلَى جَنْبِهِ فَإِذَا أَرَادَ حَاجَةً حَرَّكَنِي فَأُنَاوِلُهُ وَجَعَلَ يُحَرِّكُ لِسَانَهُ وَلَمْ يَئِنَّ إِلا فِي اللَّيْلَةِ الَّتِي تُوُفِّيَ فِيهَا وَلَمْ يَزَلْ يُصَلِّي قَائِمًا أَمْسَكَهُ فَيَرْكَعُ وَيَسْجُدُ وَأَرْفَعُهُ وَاجْتَمَعَتْ عَلَيْهِ أَوْجَاعُ الْخَصْرِ وَغَيْرُ ذَلِكَ ، وَلَمْ يَزَلْ عَقْلُهُ ثَابِتًا ، فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ الْجُمُعَةِ لاثْنَتَيْ عَشْرَةَ لَيْلَةً خَلَتْ مِنْ رَبِيعٍ الأَوَّلِ لِسَاعَتَيْنِ مِنَ النَّهَارِ تُوُفِّيَ رَحْمَةُ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْهِ .

الرواه :

الأسم الرتبة
حُذَيْفَةُ بْنُ الْيَمَانِ

صحابي

Whoops, looks like something went wrong.