ذو النون المصري


تفسير

رقم الحديث : 14650

قَالَ الشَّيْخُ أَبُو نُعَيْمٍ رَحِمَهُ اللَّهِ تَعَالَى : حَدَّثَنَا أَبِي ، ثنا أَحْمَدُ ، ثنا سَعِيدُ ، قَالَ : سَمِعْتُ ذَا النُّونِ ، يَقُولُ : " إِنَّ لِلَّهِ خَالِصَةً مِنْ عِبَادِهِ ، وَنُجَبَاءَ مِنْ خَلْقِهِ ، وَصَفْوَةً مِنْ بَرِيَّتِهِ صَحِبُوا الدُّنْيَا بِأَبْدَانٍ ، أَرْوَاحُهَا فِي الْمَلَكُوتِ مُعَلَّقَةٌ ، أُولَئِكَ نُجَبَاءُ اللَّهِ مِنْ عِبَادِهِ ، وَأُمَنَاءُ اللَّهِ فِي بِلادِهِ ، وَالدُّعَاةُ إِلَى مَعْرِفَتِهِ ، وَالْوَسِيلَةُ إِلَى دِينِهِ ، هَيْهَاتَ بَعُدُوا وَفَاتُوا ، وَوَارَتْهُمْ بُطُونُ الأَرْضِ وَفِجَاجُهَا ، عَلَى أَنَّهُ لا تَخْلُو الأَرْضُ مِنْ قَائِمٍ فِيهَا بِحُجَّتِهِ عَلَى خَلْقَهِ لِئَلا تَبْطُلَ حِجَجُ اللَّهِ , ثُمَّ قَالَ : وَأَيْنَ ؟ أُولَئِكَ قَوْمٌ حَجَبَهُمُ اللَّهُ عَنْ عُيُونِ خَلْقِهِ ، وَأَخْفَاهُمْ عَنْ آفَاتِ الدُّنْيَا وَفِتَنِهَا ، أَلا وَهُمُ الَّذِينَ قَطَعُوا أَوْدِيَةَ الشُّكُوكِ بِالْيَقِينِ ، وَاسْتَعَانُوا عَلَى أَعْمَالِ الْفَرَائِضِ بِالْعِلْمِ ، وَاسْتَدَلُوا عَلَى فَسَادِ أَعْمَالِهِمْ بِالْمَعْرِفَةِ ، وَهَرَبُوا مِنْ وَحْشَةِ الْغَفْلَةِ وَتَسَرْبَلُوا بِالْعِلْمِ لاتِّقَاءِ الْجَهَالَةِ ، وَاحْتَجَزُوا عَنِ الْغَفْلَةِ بِخَوْفِ الْوَعِيدِ ، وَجَدُّوا فِي صِدْقِ الأَعْمَالِ لإِدْرَاكِ الْفَوْتِ ، وَخَلُوا عَنْ مَطَامِعِ الْكَذِبِ وَمُعَانَقَةِ الْهَوَى ، وَقَطَّعُوا عُرَى الارْتِيَابِ بَرَوْحِ الْيَقِينِ وَجَاوَزُوا ظُلْمَ الدُّجَا وَدَحَضُوا حَجِيجَ الْمُبْتَدِعِينَ بِاتِّبَاعِ السُّنَنِ ، وَبَادَرُوا إِلَى الانْتِقَالِ عَنِ الْمَكْرُوهِ قَبْلَ فَوْتِ الإِمْكَانِ ، وَسَارَعُوا فِي الإِحْسَانِ تَعْرِيضًا لِلْقُعُودِ عَنِ الإِسَاءَةِ وَلاقُوا النِّعَمَ بِالشُّكْرِ اسْتِجْلالا لِمَزِيدِهِ ، وَجَعَلُوهُ نُصْبَ أَعْيُنِهِمْ عِنْدَ خَوَاطِرِ الْهِمَمِ وَحَرَكَاتِ الْجَوَارِحِ مِنْ زِينَةِ الدُّنْيَا وَغُرُورِهَا ، فَزَهَدُوا فِيهَا عِيَانًا ، وَأَكَلُوا مِنْهَا قَصْدًا وَقَدَّمُوا فَضْلا ، وَأَحْرَزُوا ذُخْرًا ، وَتَزَوَدُوا مِنْهَا التَّقْوَى ، وَشَمَّرُوا فِي طَلَبِ النَّعِيمِ بِالسَّيْرِ الْحَثِيثِ وَالأَعْمَالِ الزَّكِيَّةِ ، وَهُمْ يَظُنُّونَ بَلْ لا يَشُكُّونَ أَنُّهُمْ مُقَصِّرُونَ ، وَذَلِكَ أَنَّهُمْ عَقَلُوا فَعَرَفُوا ثُمَّ اتَّقُوا وَتَفَكَّرُوا فَاعْتَبَرُوا حَتَّى أَبْصَرُوا ، فَلَّمَا أَبْصَرُوا اسْتَوْلَتْ عَلَيْهِمْ طُرُقَاتُ أَحْزَانِ الآخِرَةِ ، فَقَطَعَ بِهِمِ الْحُزْنُ حَرَكَاتِ أَلْسِنَتِهِمْ عَنِ الْكَلامِ مِنْ غَيْرِ خَوْفًا مِنَ التَّزَيُّنِ فَيَسْقُطُوا مِنْ عَيْنِ اللَّهِ ، فَأَمْسَكُوا وَأَصْبَحُوا فِي الدُّنْيَا مَغْمُومِينَ ، وَأَمْسُوا فِيهَا مَكْرُوبِينَ ، مَعَ عُقُولٍ صَحِيحَةٍ ، وَيَقِينٍ ثَابِتٍ ، وَقُلُوبٍ شَاكِرَةٍ ، وَأَلْسُنٍ ذَاكِرَةٍ وَأَبْدَانٍ صَابِرَةٍ وَجَوَارِحٍ مُطِيعَةٍ ، أَهْلُ صِدْقٍ وَنُصْحٍ وَسَلامَةٍ وَصَبْرٍ وَتَوَكُّلٍ وَرِضَى وَإِيمَانٍ ، عَقِلُوا عَنِ اللَّهِ أَمْرَهُ فَشَغَلُوا الْجَوَارِحَ فِيمَا أُمِرُوا بِهِ وَذَكِرٍ وَحَيَاءٍ وَقَطَعُوا الدُّنْيَا بِالصَّبْرِ عَلَى لُزُومِ الْحَقِّ وَهَجَرُوا الْهَوَي بدلالاتِ الْعُقُولِ وَتَمَسَّكُوا بِحُكْمِ التَّنْزِيلِ وَشَرَائِعِ السُّنَنِ وَلَهُمْ فِي كُلِّ ثَارَةٍ مِنْهَا دَمْعَةٌ وَلَذَّةٌ وَفِكْرٌ وَعِبْرَةٌ وَلَهُمْ مَقَامٌ عَلَى الْمَزِيدِ لِلْزِيَادَةِ فَرَحْمَةُ اللَّهُ عَلَيْنَا وَعَلَيْهِمْ وَعَلَى جَمِيعِ الْمُؤْمِنِينَ وَالصَّالِحِينَ " .

الرواه :

الأسم الرتبة

Whoops, looks like something went wrong.