يحيى بن معاذ


تفسير

رقم الحديث : 15082

أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ ، وَحَدَّثَنِي عَنْهُ عُثْمَانُ ، ثنا أَبُو الْعَبَّاسِ بْنُ مَسْرُوقٍ ، قَالَ : سُئِلَ الْحَارِثُ بْنُ أَسَدٍ ، عَنِ الزُّهْدِ فِي الدُّنْيَا ؟ قَالَ : " هُوَ عِنْدِي الْعُزُوفُ عَنِ الدُّنْيَا وَلَذَاذَتِهَا ، وَشَهَوَاتِهَا فَتَنْصَرِفُ النَّفْسُ ، وَيَتَعَزَّزُ الْهَمُّ ، وَانْصِرَافُ النَّفْسِ مَيْلُهَا إِلَى مَا دَعَا اللَّهُ إِلَيْهَا بِنِسْيَانِ مَا وَقَعَ بِهِ مِنْ طِبَاعِهَا ، وَاعْتِزَازُ الْهَمِّ الانْقِطَاعُ إِلَى خِدْمَةِ الْمَوْلَى يَضِنُّ بِنَفْسِهِ عَنْ خِدْمَةِ الدُّنْيَا مُسْتَحِيًا مِنَ اللَّهِ أَنْ يَرَاهُ خَادِمًا لِغَيْرِهِ فَانْقَطَعَ إِلَى خِدْمَةِ سَيِّدِهِ وَتَعَزَّزَ بِمُلْكِ رَبِّهِ ، فَتَرْحَلُ الدُّنْيَا عَنْ قَلْبِهِ وَيَعْلَمُ أَنَّ فِي خِدْمَةِ اللَّهِ شُغْلا عَنْ خِدْمَةِ غَيْرِهِ فَيُلْبِسُهُ اللَّهُ رِدَاءَ عَمَلِهِ ، وَيُعْتِقُهُ مِنْ عُبُودِيَّتِهَا وَاعْتَزَّ أَنْ يَكُونَ خَادِمًا لِلدُّنْيَا لِعِزَّةِ الْعَزِيزِ الَّذِي أَعَزَّهُ بِالاعْتِزَازِ عَنْهَا فَصَارَ غَنِيًّا مِنْ غَيْرِ مَالٍ وَعَزِيزًا مِنْ غَيْرِ عَشِيرَةٍ وَدُرَّتْ يَنَابِيعُ الْحِكْمَةِ مِنْ قَلْبِهِ وَنَفَذَتْ بَصِيرَتُهُ ، وَسُمِعَتْ هِمَّتُهُ وَوَصَلَ بِالْوَهْمِ إِلَى مُنْتَهَى أُمْنِيَّتِهِ فَتَرَقَّى وَارْتَفَعَ وَوَصَلَ إِلَى رَوْحِ الْفَرَجِ مِنْ هُمُومٌ الأَطْمَاعِ وَعَذَابِ الْحِرْصِ ، وَقِيلَ لَهُ : كَيْفَ تَفَاوَتُ النَّاسُ فِي الزُّهْدِ ؟ قَالَ : عَلَى قَدْرِ صِحَّةِ الْعُقُولِ وَطَهَارَةِ الْقُلُوبِ ، فَأَفْضَلُهُمْ أَعْقَلُهُمْ وَأَعْقَلُهُمْ أَفْهَمُهُمْ عَنِ اللَّهِ ، وَأَفْهَمُهُمْ عَنِ اللَّهِ أَحْسَنُهُمْ قَبُولا عَنِ اللَّهِ ، وَأَحْسَنُهُمْ قَبُولا عَنِ اللَّهِ أَسْرَعُهُمْ إِلَى مَا دَعَا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ ، وَأَسْرَعُهُمْ إِلَى مَا دَعَا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَزْهَدُهُمْ فِي الدُّنْيَا ، وَأَزْهَدُهُمْ فِي الدُّنْيَا أَرْغَبُهُمْ فِي الآخِرَةِ ، فَبِهَذَا تَفَاوَتُوا فِي الْعُقُولِ فَكُلُّ زَاهِدٍ زُهْدُهُ عَلَى قَدْرِ مَعْرِفَتِهِ ، وَمَعْرِفَتُهُ عَلَى قَدْرِ عَقْلِهِ ، وَعَقْلُهُ عَلَى قَدْرِ قُوَّةِ إِيمَانِهِ ، فَمَنِ اسْتَوْلَى عَلَى قَلْبِهِ وَهَمِّهِ عِلْمُ كَشْفِ الآخِرَةِ ، وَنَبَّهَهُ التَّصْدِيقُ عَلَى الْقُدُومِ عَلَيْهَا وَتَبَيَّنَ بِقَلْبِهِ عَوَارَ الدُّنْيَا وَدَلَّهُ بَصَائِرُ الْهُدَى عَلَى سُوءِ عَوَاقِبِهَا ، وَمَحَبَّةُ اخْتِيَارِ اللَّهِ فِي تَرْكِهَا ، وَالْمُوَافَقَةُ لِلَّهِ فِي الْعُزُوفِ عَنْهَا تَرَحَّلَتِ الدُّنْيَا عَنْ قَلْبِ هَذَا الْمُوَفَّقِ ، وَسُئِلَ عَنْ عَلامَةِ الصَّادِقِ ؟ فَقالَ : أَنْ يَكُونَ بِصَوَابِ الْقَوْلِ نَاطِقًا ، لِسَانُهُ مَحْزُونٌ وَنُطْقُهُ بِالْحَقِّ مَوْزُونٌ طَاهِرُ الْقَلْبِ مِنْ كُلِّ دَنَسٍ وَمُصَافِي مَوْلاهُ فِي كُلِّ نَفْسٍ " .

الرواه :

الأسم الرتبة

Whoops, looks like something went wrong.