سعيد بن العباس الرازي


تفسير

رقم الحديث : 15051

أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ , وَحَدَّثَنِي عُثْمَانُ بْنُ مُحَمَّدٍ , ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَهْلٍ الرَّازِيُّ , ثنا يَحْيَى بْنُ مُعَاذٍ ، قَالَ : " اعْلَمُوا أَنَّهُ لا يَصِحُّ الزُّهْدُ وَالْعِبَادَةُ وَلا شَيْءٌ مِنْ أُمُورِ الطَّاعَةِ لِرَجُلٍ أَبَدًا وَفِيهِ لِلطَّمَعِ بَقِيَّةٌ فَإِنْ أَرَدْتُمُ الْوُصُولَ إِلَى مَحْضِ الزُّهْدِ ، وَالْعِبَادَةِ فَأَخْرِجُوا مِنْ قَلْبِكُمْ هَذِهِ الْخَصْلَةَ الْوَاحِدَةَ وَكُونُوا رَحِمَكُمُ اللَّهُ مِنْ أَبْنَاءِ الآخِرَةِ ، وَتَعَاوَنُوا ، وَاصْبِرُوا ، وَأَبْشِرُوا تَظْفَرُوا إِنْ شَاءَ اللَّهُ , وَاعْلَمُوا أَنَّ تَرْكَ الدُّنْيَا هُوَ الرِّبْحُ نَفْسُهُ الَّذِي لَيْسَ بَعْدَهُ أَمْرٌ أَشَدُّ مِنْهُ ، فَإِنْ ذَبَحْتُمْ بِتَرْكِهَا نُفُوسَكُمْ أَحْيَيْتُمُوهَا ، وَإِنْ أَحْيَيْتُمْ أَنْفُسَكُمْ بِأَخْذِهَا قَتَلْتُمُوهَا ، فَارْفُضُوهَا مِنْ قُلُوبُكَمْ تَصِيرُوا إِلَى الرُّوحِ لِرَاحَةٍ فِي الدُّنْيَا ، وَالآخِرَةِ وَتُصِيبُوا شَرَفَ الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَعَيْشَ الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ , عَذِّبُوا أَنْفُسَكُمْ فِي طَاعَةِ اللَّهِ بِتَرْكِ شَهَوَاتِهَا قَبْلَ أَنْ تَلْقَى الشَّهْوَةَ مِنْهَا أَجْسَامُكُمْ فِي دُبَارِ عَاقِبَتِهَا ، وَاعْلَمُوا أَنَّ الْقُرْآنَ قَدْ نَدَبَكُمْ إِلَى وَلِيمَةِ الْجَنَّةِ وَدَعَاكُمْ إِلَيْهَا ، فَأَسْرَعُ النَّاسِ إِلَيْهَا أَتْرَكُهُمْ لِدُنْيَاهُ وَأَوْجَدُهُمْ لَذَّةً لِطَعْمِ تِلْكَ الْوَلِيمَةِ أَشَدُّهُمْ تَجْوِيعًا لِنَفْسِهِ وَمُخَالَفَةً لَهَا فَإِنَّهُ لَيْسَ أَمْرٌ مِنْ أُمُورِ الطَّاعَةِ إِلا وَأَنْتُمْ تَحْتَاجُونَ أَنْ تُخْرِجُوهُ مِنْ بَيْنِ ضِدَّيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ بِجَهْدٍ شَدِيدٍ وَسَأُظْهِرُ لَكُمْ هَذَا الأَمْرَ ، فَإِنِّي وَجَدْتُ أَمْرَ الإِنْسَانِ أَمْرًا عَجِيبًا قَدْ كُلِّفَ الطَّاعَةَ عَلَى خِلافِ مَا كُلِّفَ سَائِرُ الْخَلْقِ مِنْ أَهْلِ الأَرْضِ وَالسَّمَاءِ ، فَأَحْسِنِ النَّظَرَ فِيهِ وَلْيَكُنِ الْعَمَلُ مِنْكَ فِيهِ عَلَى حِسَابِ الْحَاجَةِ مِنْكَ إِلَيْهِ وَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ فَنِعْمَ الْمُعِينُ ، وَاعْلَمْ أَنَّكَ لَمْ تَسْكُنِ الدُّنْيَا لِتَتَنَعَّمَ فِيهَا جَاهِلا وَعَنِ الآخِرَةِ غَافِلا وَلَكِنَّكَ أُسْكِنْتَهَا لِتَتَعَبَّدَ فِيهَا عَاقِلا وَتَمْتَطِيَ الأَيَّامَ إِلَى رَبِّكَ عَامِلا فَإِنَّكَ بَيْنَ دُنْيَا وَآخِرَةٍ وَلِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا نُعَيْمٌ وَفِي وُجُودِ إِحْدَاهُمَا بِطُولِ الأُخْرَى ، فَانْظُرْ أَنْ تُحْسِنَ طَلَبَ النَّعِيمِ فَقَدْ حُكِي عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ أَدْهَمَ ، أَنَّهُ قَالَ : غَلَطَ الْمُلُوكُ ، طَلَبُوا النَّعِيمَ فَلَمْ يُحْسِنُوا وَعَلَى حَسْبِ اقْتِرَابِ قَلْبِكَ مِنَ الدُّنْيَا يَكُونُ بُعْدُكَ مِنَ اللَّهِ وَعَلَى حَسْبِ بُعْدِ قَلْبِكَ مِنَ الدُّنْيَا يَكُونُ قُرْبُكَ مِنَ اللَّهِ ، وَكَمَا كَانَ مَعْدُومًا وُجُودُ نَفْسِكَ فِي مَكَانَيْنِ ، فَكَذَلِكَ مَعْدُومٌ وُجُودُ قَلْبِكَ فِي دَارَيْنِ ، فَإِنْ كُنْتَ ذَا قَلْبَيْنِ فَدُونَكَ اجْعَلْ أَحَدَهُمَا لِلدُّنْيَا وَأَحَدَهُمَا لِلآخِرَةِ ، وَإِنْ كُنْتَ ذَا قَلْبٍ وَاحِدٍ فَاجْعَلْهُ لأَوْلَى الدَّارَيْنِ بِالنَّعِيمِ وَالْمُقَامَِ الْبَقَاءِ وَالإِنْعَامِ , وَاعْلَمْ أَنَّ النَّفْسَ وَالْهَوَى لا يُقْهَرَانِ بِشَيْءٍ أَفْضَلَ مِنَ الصَّوْمِ الدَّائِمِ ، وَهُوَ بِسَاطُ الْعِبَادَةِ ، وَمِفْتَاحُ الزُّهْدِ ، وَطَلْعُ ثَمَرَاتِ الْخَيْرِ وَأَجْسَادِ الْعُمَّالِ مِنْ شَجَرَاتِهِ دَائِمُ الْجُذَاذِ دَائِمُ الإِطْعَامِ ، وَهُوَ الطَّرِيقُ إِلَى مَرْتَبَةِ الصِّدِّيقِينَ وَمَا دُونَهُ فَمَزْرَعَةُ الأَعْمَالِ فَثَمَرُ غَرْسِهَا وَرَبِيعُ بَذْرِهَا فِي تَرْكِهَا ، وَفَقْدُهَا فِي أَخَذِهَا وَلَيْسَ مَعْنَى التَّرْكِ الْخُرُوجُ مِنَ الْمَالِ وَالأَهْلِ وَالْوَلَدِ ، وَلَكِنْ مَعْنَى التُّرْكِ الْعَمَلُ بِطَاعَةِ اللَّهِ ، وَإِيثَارُ مَا عِنْدَ اللَّهِ عَلَيْهَا , مَأْخُوذَةُ وَمَتْرُوكَةً فَهَذَا مَعْنَى التَّرْكِ لا مَا تَدَّعِيهِ الْمُتَصَوِّفَةُ الْجَاهِلُونَ ، أَنْتَ مِنَ الدُّنْيَا بَيْنَ مَنْزِلَتَيْنِ ، فَإِنْ زُوِيَتْ عَنْكَ كُفِيتَ الْمُؤْنَةَ ، وَإِنْ صُرِفَتْ إِلَيْكَ أَلْزَمْتَهَا طَاعَةَ مَوْلاكَ ، وَإِنْ كَانَتْ طَاعَتُكَ لِلَّهِ فِي شَأْنِهَا ، تُصْلِحُهَا وَمَعْصِيَتُكَ لِلَّهِ فِي أَمْرِهَا ، يُفْسِدُهَا فَدَعْ مِنْكَ لَوْمَ الدُّنْيَا وَاحْفَظْ مِنْ نَفْسِكِ وَعَمَلِكَ مَا فِيهِ صَلاحُهَا فَإِنَّ الْمُطِيعَ فِيهَا مَحْمُودٌ عِنْدَ اللَّهِ ، إِنَّمَا تَلْزَمُهُ التُّهْمَةُ وَعَيبُ الأَخْذِ لَهَا إِذَا خَانَ اللَّهَ فِيهَا لأَنَّ الدُّنْيَا مَالُ اللَّهِ وَالْخَلْقُ عِبَادُ اللَّهِ وَهُمْ فِي هَذَا الْمَالِ صِنْفَانِ : خَوَنَةٌ وَأُمَنَاءُ فَإِذَا وَقَعَ الْمَالُ فِي أَيْدِي الْخَائِنِينَ فَهُوَ سَبَبُ دَمَارِهِمْ وَلا عَتْبَ عَلَى الْمَالِ إِنَّمَا الْعَتْبُ عَلَى فِعْلِهِمْ بِالْمَالِ وَإِذَا وَقَعَ فِي أَيْدِي الأُمَنَاءِ كَانَ سَبَبَ شَرَفِهِمْ وَخَلاصِهِمْ وَلا مَعْنَى لِلْمَالِ إِنَّمَا كَسَبَ لَهُمُ الشُّرَفَ عِنْدَ اللَّهِ فِعْلُهُمْ بِالْمَالِ أَدُّوا أَمَانَةِ اللَّهِ فِي أَمْوَالِهِمْ فَلَحِقَ بِهِمْ نَفْعُ الْمَالِ , لا ذَنْبَ لِلْمَالِ , الذَّنْبُ لَكَ الذُّنُوبُ ، إِنَّمَا تُكْتَسَبُ بِالْجَوَارِحِ ، وَلَيْسَ لِلضَّيْعَةِ وَالْحَانُوتِ جَوِارِحُ ، إِنَّمَا الْجَوَارِحُ لَكَ وَبِهَا تَكْتَسِبُ الذُّنُوبَ , فِعْلُكَ بِمَالِكَ أَسْقَطَكَ مِنْ عَيْنِ رَبِّكَ لا مَالُكَ وَفِعْلُكَ بِمَالِكَ يَصْحَبُكُ إِلَى قَبْرِكَ لا مَالُكَ وَفِعْلُكَ بِمَا لَكَ يُوزَنُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لا مَالُكَ " .

الرواه :

الأسم الرتبة

Whoops, looks like something went wrong.