أَخْبَرَنَا أَبُو الأَزْهَرِ ضَمْرَةُ بْنُ حَمْزَةَ بْنِ هِلالٍ الْمَقْدِسِيُّ فِي كِتَابِهِ , وَحَدَّثَنِي عَنْهُ مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ أَحْمَدَ ، قَالَ : حَدَّثَنِي أَبِي , ثنا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ سَعِيدٍ الْهَاشِمِيُّ الْبَصْرِيُّ قَدِمَ عَلَيْنَا ، ثنا أَبِي , ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ إِدْرِيسَ , عَنْ مَالِكِ بْنِ دِينَارٍ ، قَالَ : " احْتَبَسَ عَنَّا الْمَطَرُ بِالْبَصْرَةِ فَخَرَجْنَا يَوْمًا بَعْدَ يَوْمٍ نَسْتَسْقِي ، فَلَمْ نَرَ أَثَرَ الإِجَابَةِ فَخَرَجْتُ أَنَا ، وَعَطَاءٌ السُّلَيْمِيُّ ، وَثَابِتٌ الْبُنَانِيُّ , وَيَحْيَى الْبُنَانِيُّ , وَيَحْيَى الْبَكَّاءُ , وَمُحَمَّدُ بْنُ وَاسِعٍ , وَأَبُو مُحَمَّدٍ السَّخْتِيَانِيُّ , وَحَبِيبٌ أَبُو مُحَمَّدٍ الْفَارِسِيُّ , وَحَسَّانُ بْنُ أَبِي سِنَانٍ , وَعُتْبَةُ الْغُلامُ , وَصَالِحٌ الْمُرِّيُّ ، حَتَّى صِرْنَا إِلَى مُصَلًّى بِالْبَصْرَةِ وَخَرَجَ الصِّبْيَانُ مِنَ الْمُكَاتَبِ وَاسْتَسْقَيْنَا فَلَمْ نَرَ أَثَرَ الإِجَابَةِ ، وَانْتَصَفَ النَّهَارُ وَانْصَرَفَ النَّاسُ ، وَبَقِيَتُ أَنَا وَثَابِتٌ الْبُنَانِيُّ فِي الْمُصَلَّى فَلَمَّا أَظْلَمَ اللَّيْلُ إِذَا بِأَسْوَدَ صَبِيحِ الْوَجْهِ ، دَقِيقِ السَّاقَيْنِ ، عَظِيمِ الْبَطْنِ ، عَلَيْهِ مِئْزَرَانِ مِنْ صُوفٍ ، فَقَوَّمْتِ جَمِيعَ مَا كَانَ عَلَيْهِ بِدِرْهَمَيْنِ فَجَاءَ إِلَى مَاءٍ فَتَمَسَّحَ ثُمَّ دَنَا مِنَ الْمِحْرَابِ ، فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ ، كَانَ قِيَامُهُ وَرُكُوعُهُ وَسُجُودُهُ سَوَاءً خَفِيفَتَيْنِ ، ثُمَّ رَفَعَ طَرْفَهُ إِلَى السَّمَاءِ ، فَقَالَ : سَيِّدِي إِلَى كَمْ تَرْدُدْ عِبَادَكَ فِيمَا لا يَنْقُصُكَ ، أَنَفَدَ مَا عِنْدَكَ أَمْ نَفِدَتْ خَزَائِنُ قُدْرَتِكَ ؟ سَيِّدِي أَقْسَمْتُ عَلَيْكَ بِحُبِّكَ لِي إِلا سَقَيْتَنَا غَيْثَكَ السَّاعَةَ السَّاعَةَ , قَالَ : قَالَ مَالِكٌ : فَمَا أَتَمَّ الْكَلامَ حَتَّى تَغَيَّمَتِ السَّمَاءُ وَأَخَذَتْنَا كَأَفْوَاهِ الْقِرَبِ وَمَا خَرَجْنَا مِنَ الْمُصَلَّى حَتَّى خُضْنَا الْمَاءَ إِلَى رُكَبِنَا , قَالَ : فَبَقِيَتْ أَنا وَثَابِتٌ مُتَعَجِّبِينَ مِنَ الأَسْوَدِ , ثُمَّ انْصَرَفَ فَتَبِعْنَاهُ , قَالَ : فَتَعَرَّضَتْ لَهُ ، فَقُلْتُ لَهُ : يَا أَسْوَدُ , أَمَا تَسْتَحِي مِمَّا قُلْتَ ؟ قَالَ : فَقَالَ : وَمَاذَا قُلْتُ ؟ قَالَ : فَقُلْتُ لَهُ : قَوْلُكُ بِحُبِّكَ لِي , وَمَا يُدْرِيكَ أَنَّهُ يُحِبُّكَ ؟ قَالَ : تَنَحَّ عَنْ هِمَمٍ لا تَعْرِفُهَا يَا مَنِ اشْتَغَلَ عَنْهُ بِنَفْسِهِ ، أَيْنَ كُنْتُ أَنَا حِينَ خَصَّنِي بِالتَّوْحِيدِ بِمَعْرِفَتِهِ ؟ أَفَتُرَاهُ بَدَأَنِي بِذَلِكَ إِلا بِمَحَبَّتِهِ لِي عَلَى قَدْرِهِ وَمَحَبَّتِي لَهُ عَلَى قِدْرِي ؟ قَالَ : ثُمَّ بَادَرَ يَسْعَى , فَقُلْتُ لَهُ : رَحِمَكَ اللَّهُ ارْفُقْ بِنَا , قَالَ : أَنا مَمْلُوكٌ عَلَى فَرْضٍ مِنْ طَاعَةِ مَالِكِي الصَّغِيرِ , قَالَ : فَجَعَلْنَا نَتَّبِعُهُ مِنَ الْبُعْدِ حَتَّى دَخَلَ دَارَ نَخَّاسٍ وَقَدْ مَضَى مِنَ اللَّيْلِ نِصْفُهُ فَطَالَ عَلَيْنَا النِّصْفُ الْبَاقِي , فَلَمَّا أَصْبَحْنَا أَتَيْتُ النَّخَّاسَ ، فَقُلْتُ لَهُ : عِنْدَكَ غُلامٌ تَبِيعَنِيهِ لِلْخِدْمَةِ ؟ قَالَ : نَعَمْ ، عِنْدِي مِائَةُ غُلامٍ كُلُّهُمْ لِذَلِكَ , قَالَ : فَجَعَلَ يُخْرِجُ إِلَيَّ وَاحِدًا بَعْدَ آخَرَ ، وَأَنَا أَقُولُ : غَيْرُ هَذَا حَتَّى عَرَضَ عَلَيَّ تِسْعِينَ غُلامًا ، ثُمَّ قَالَ : مَا بَقِيَ عِنْدِي غَيْرُهَا وَلا وَاحِدٌ ، قَالَ : فَلَمَّا أَرَدْنَا الْخُرُوجَ دَخَلْتُ أَنا حُجْرَةً خَرِبَةً فِي خَلْفِ دَارِهِ فَإِذَا أَنا بِالأَسْوَدِ نَائِمٌ , فَكَانَ وَقْتُ الْقَيْلُولَةِ , فَقُلْتُ : هُوَ ، هُوَ وَرَبِّ الْكَعْبَةِ فَخَرَجْتُ إِلَى عِنْدِ النَّخَّاسِ ، فَقُلْتُ لَهُ : بِعْنِي ذَلِكَ الأَسْوَدَ , فَقَالَ لِي : يَا أَبَا يَحْيَى ذَلِكَ غُلامٌ مَشْئُومٌ نِكِدٌ لَيْسَتْ لَهُ بِاللَّيْلِ هِمَّةٌ إِلا الْبُكَاءُ ، وَبِالنَّهَارِ إِلا الصَّلاةُ وَالنَّوْمُ , فَقُلْتُ لَهُ : وَلِذَلِكَ أُرِيدُهُ , قَالَ : فَدَعَا بِهِ وَإِذَا هُوَ قَدْ خَرَجَ نَاعِسًا ، فَقَالَ لِي : خُذْهُ بِمَا شِئْتَ بَعْدَ أَنْ تُبْرِيَنِي مِنْ عُيُوبِهِ كُلِّهَا ، فَاشْتَرَيْتُهُ بِعِشْرِينَ دِينَارًا بِالْبَرَاءَةِ مِنْ كُلِّ عَيْبٍ , فَقُلْتُ : مَا اسْمُهُ ؟ قَالَ : مَيْمُونٌ , قَالَ : فَأَخَذْتُ بِيَدِهِ فَأَتَيْتُ بِهِ إِلَى الْمَنْزِلِ فَبَيْنَا هُوَ يَمْشِي مَعِي ، إِذْ قَالَ لِي : يَا مَوْلايَ الصَّغِيرَ , لِمَاذَا اشْتَرَيْتَنِي وَأَنَا لا أَصْلُحُ لِخِدْمَةِ الْمَخْلُوقِينَ ؟ قَالَ : مَالِكٌ : فَقُلْتُ لَهُ : حَبِيبِي إِنَّمَا اشْتَرَيْنَاكَ لِنَخْدُمَكَ نَحْنُ بِأَنْفُسِنَا وَعَلَى رُءُوسِنَا , فَقَالَ : وَلِمَ ذَاكَ ؟ فَقُلْتُ : أَلَيْسَ أَنْتَ صَاحِبَنَا الْبَارِحَةَ فِي الْمُصَلَّى ؟ فَقَالَ : وَقَدِ اطِّلَعْتُمَا عَلَى ذَلِكَ ؟ فَقُلْتُ : أَنا الَّذِي اعْتَرَضْتُ عَلَيْكَ فِي الْكَلامَ , قَالَ : فَجَعَلَ يَمْشِي حَتَّى صَارَ إِلَى مَسْجِدٍ فَدَخَلَهُ وَصَفَّ قَدَمَيْهِ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ رَفَعَ طَرْفَهُ إِلَى السَّمَاءِ ، فَقَالَ : إِلَهِي وَسَيِّدِي سِرٌّ كَانَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ أَظْهَرْتَهُ لِلْمَخْلُوقِينَ وَفَضَحْتَنِي فِيهِ ، فَكَيْفَ يَطِيبُ لِي الآنَ عَيْشٌ وَقَدْ وَقَفَ عَلَى مَا كَانَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ غَيْرُكَ ؟ أَقْسَمْتُ عَلَيْكَ إِلا قَبَضْتَ رُوحِي السَّاعَةَ السَّاعَةَ , ثُمَّ سَجَدَ فَدَنَوْتُ مِنْهُ فَانْتَظَرْتُهُ سَاعَةً فَلَمْ يَرْفَعْ رَأْسَهُ فَحَرَّكْتُهُ فَإِذَا هُوَ مَيِّتٌ ، قَالَ : فَمَدَدْتُ يَدَيْهِ وَرِجْلَيْهِ ، فَإِذَا وَجْهٌ ضَاحِكٌ وَقَدِ ارْتَفَعَ السَّوَادُ وَصَارَ وَجْهُهُ كَالْقَمَرِ ، وَإِذَا بِشَابٍّ قَدْ أَقْبَلَ مِنَ الْبَابِ ، فَقَالَ : السَّلامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ أَعْظَمَ اللَّهُ أَجَرْنَا فِي أَخِينَا , هَاكُمُ الْكَفَنَ فَكَفِّنُوهُ فِيهِ ، فَنَاوَلَنِي ثَوْبَيْنِ مَا رَأَيْتُ مِثْلَهُمَا ثُمَّ خَرَجَ فَكَفَّنَّاهُ فِيهِمَا , قَالَ مَالِكٌ : فَقَبْرُهُ يُسْتَقَى بِهِ وَتُطْلَبُ الْحَوَائِجُ إِلَى يَوْمِنَا هَذَا " .