محمد بن الفضل


تفسير

رقم الحديث : 15568

قَرَأْتُ عَلَى أَبِي الْحُسَيْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ حُبَيْشٍ النَّاقِدِ الصُّوفِيِّ صَاحِبِ أَبِي الْعَبَّاسِ بْنِ عَطَاءٍ بِبَغْدَادَ سَنَةَ تِسْعٍ وَخَمْسِينَ وَثَلاثِ مِائَةٍ مِنْ كِتَابِهِ فَأَقَرَّ بِهِ قُلْتُ : سَمِعْتُ أَبَا الْقَاسِمِ الْجُنَيْدَ بْنَ مُحَمَّدٍ ، يَقُولُ : " إِنَّ أَوَّلَ مَا يُحْتَاجُ إِلَيْهِ مِنْ عِقْدِ الْحِكْمَةِ تَعْرِيفُ الْمَصْنُوعِ صَانِعَهُ ، وَالْمُحْدَثِ كَيْفَ كَانَ أَحْدَثَهُ ؟ وَكَيْفَ كَانَ أَوَّلُهُ ؟ وَكَيْفَ أُحْدِثَ بَعْدَ مَوْتِهِ ؟ فَيَعْرِفُ صِفَةَ الْخَالِقِ مِنَ الْمَخْلُوقِ ، وَصِفَةَ الْقَدِيمِ مِنَ الْمُحْدَثِ ، فَيَعْرِفُ الْمَرْبُوبُ رَبَّهُ ، وْالْمَصْنُوعُ صَانِعَهُ ، وَالْعَبْدُ الضَّعِيفُ سَيِّدَهُ ، فَيَعْبُدُهُ وَيُوَحِّدُهُ وَيُعَظِّمُهُ وَيَدُلُّ لِدَعْوَتِهِ وَيَعْتَرِفُ بِوُجُوبِ طَاعَتِهِ ، فَإِنَّ مَنْ لَمْ يَعْرِفْ مَالِكَهُ لَمْ يَعْتَرِفْ بِالْمُلْكِ لِمَنِ اسْتَوْجَبَهُ وَلَمْ يُضِفِ الْخَلْقَ فِي تَدْبِيرِهِ إِلَى وَلِيِّهِ ، وَالتَّوْحِيدُ عِلْمُكَ وَإِقْرَارُكَ بِأَنَّ اللَّهَ فَرْدٌ فِي أَوَّلِيَّتِهِ ، وَأَزَلِيَّتِهِ لا ثَانِيَ مَعَهُ وَلا شَيْءَ يَفْعَلُ فِعْلَهُ وَأَفْعَالَهُ الَّتِي أَخْلَصَهَا لِنَفْسِهِ ، وَأَنْ يَعْلَمَ أَنْ لَيْسَ شَيْءٌ يَضُرُّ ، وَلا يَنْفَعُ ، وَلا يُعْطِي ، وَلا يَمْنَعُ ، وَلا يُسْقِمُ ، وَلا يُبْرِئُ ، وَلا يَرْفَعُ ، وَلا يَضَعُ ، وَلا يَخْلُقُ ، وَلا يَرْزُقُ ، وَلا يُمِيتُ ، وَلا يُحْيِي ، وَلا يُسْكِنُ ، وَلا يُحَرِّكُ غَيْرُهُ جَلَّ جَلالُهُ فَقَدْ سُئِلَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ ، فَقِيلَ لَهُ : بَيِّنِ التَّوْحِيدَ وَعَلِّمْنَا مَا هُوَ ؟ فَقَالَ : هُوَ الْيَقِينُ ، فَقِيلَ لَهُ : بَيِّنْ لَنَا ، فَقَالَ : هُوَ مَعْرِفَتُكَ أَنَّ حَرَكَاتِ الْخَلْقِ وَسُكُونَهَا فِعْلُ اللَّهِ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ ، فَإِذَا فَعَلْتَ ذَلِكَ فَقَدْ وَحَّدْتَهُ ، وَتَفْسِيرُ ذَلِكَ أَنَّكَ جَعَلْتَ اللَّهَ وَاحِدًا فِي أَفْعَالِهِ إِذْ كَانَ لَيْسَ شَيْءٌ يَفْعَلُ أَفْعَالَهُ ، وَإِنَّمَا الْيَقِينُ اسْمٌ لِلتَّوْحِيدِ إِذَا تَمَّ وَخَلُصَ ، وَإِنَّ التَّوْحِيدَ إِذَا تَمَّ تَمَّتِ الْمَحَبَّةُ وَالتَّوَكُّلُ وَسَمَّيَ يَقِينًا ، فَالتَّوَكُّلُ عَمَلُ الْقَلْبِ ، وَالتَّوْحِيدُ قَوْلُ الْعَبْدِ ، فَإِذَا عَرَفَ الْقَلْبُ التَّوْحِيدَ وَفَعَلَ مَا عَرَفَ فَقَدْ تَمَّ ، وَقَدْ قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ : إِنَّ التَّوَكُّلَ نِظَامُ التَّوْحِيدِ ، فَإِذَا فَعَلَ مَا عَرَفَ فَقَدْ جَاءَ بِالْمَحَبَّةِ وَالْيَقِينِ وَالتَّوَكُّلِ وَتَمَّ إِيمَانُهُ وَخَلُصَ فَرْضُهُ ، لأَنَّكَ إِذَا عَرَفْتَ أَنَّ فِعْلَ اللَّهِ لا يَفْعَلُهُ شَيْءً غَيْرُ اللَّهِ ، ثُمَّ تَخَافُ غَيْرَهُ وَتَرْجُو غَيْرَهُ لَمْ تَأْتِ بِالأَمْرِ الَّذِي يَنْبَغِي فَلَوْ عَمِلْتَ مَا عَرَفْتَ لَرَجَوْتَ اللَّهَ وَحْدَهُ حِينَ عَرَفْتَ أَنَّهُ لا يَفْعَلُ فِعْلَهُ غَيْرُهُ ، فَالْقَوْلُ فِيمَنْ يَقْصُرُ عِلْمُ قَلْبِهِ أَنَّهُ نَاقِصُ التَّوْحِيدِ ، لأَنَّ الْقَلْبَ مُشْتَغِلٌ بِالْفِتْنَةِ الَّتِي هِيَ آفَةُ التَّوْحِيدِ ، قُلْتُ : مَا هُوَ ؟ قَالَ : ظَنُّكَ أَنَّ شَيْئًا يَفْعَلُ فِعْلَ اللَّهِ فَاسْمُ ذَلِكَ الظَّنِّ فِتْنَةٌ ، وَالْفِتْنَةُ هِيَ الشِّرْكُ اللَّطِيفُ ، قُلْتُ : أَوَلَيْسَ الْفِتْنَةُ مِنْ أَعْمَالِ الْقَلْبِ ؟ قَالَ : لا وَلَكِنَّهَا دَاخِلَةٌ عَلَيْهِ وَمُفْسِدَةٌ لَهُ ، قُلْتُ : وَمَا هِيَ ؟ قَالَ : ظَنُّكَ بِاللَّهِ إِذْ ظَنَنْتَ أَنَّ مَنْ يَشَاءُ يَفْعَلُ فِعْلَهُ وَالْكَلامُ فِي هَذَا يَطُولُ وَلَكِنْ مَنْ يَفْهَمْ يَقْنَعْ بِالْيَسِيرِ " .

الرواه :

الأسم الرتبة

Whoops, looks like something went wrong.