جعفر بن محمد الصادق


تفسير

رقم الحديث : 4037

حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ إِسْحَاقَ ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ النَّقْلِيُّ ، حَدَّثَنَا أَبُو يُونُسَ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ الْمَدِينِيِّ ، حَدَّثَنَا أَبُو الْحَارِثِ عُثْمَانُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ غَسَّانَ ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ ، عَنْ أَبِيهِ ، قَالَ " دَخَلَ سُلَيْمَانُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ الْمَدِينَةَ حَاجًّا ، فَقَالَ : هَلْ بِهَا رَجُلٌ أَدْرَكَ عِدَّةً مِنَ الصَّحَابَةِ ؟ قَالُوا : نَعَمْ ، أَبُو حَازِمٍ ، فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ ، فَلَمَّا أَتَاهُ قَالَ : يَا أَبَا حَازِمٍ ، مَا هَذَا الْجَفَاءُ ؟ قَالَ : وَأَيُّ جَفَاءٍ رَأَيْتَ مِنِّي يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ ؟ قَالَ : وُجُوهُ النَّاسِ أَتَوْنِي وَلَمْ تَأْتِنِي ، قَالَ : وَاللَّهِ مَا عَرَفْتَنِي قَبْلَ هَذَا ، وَلا أَنَا رَأَيْتُكُ ، فَأَيُّ جَفَاءٍ رَأَيْتَ مِنِّيَ ؟ فَالْتَفَتَ سُلَيْمَانُ إِلَى الزُّهْرِيِّ ، فَقَالَ : أَصَابَ الشَّيْخُ ، وَأَخْطَأْتُ أَنَا ، فَقَالَ : يَا أَبَا حَازِمٍ ، مَا لَنَا نَكْرَهُ الْمَوْتَ ، فَقَالَ : " عَمَّرْتُمُ الدُّنْيَا ، وَخَرَّبْتُمُ الآخِرَةَ ، فَتَكْرَهُونَ الْخُرُوجَ مِنَ الْعُمْرَانِ إِلَى الْخَرَابِ " ، قَالَ : صَدَقْتَ ، فَقَالَ : يَا أَبَا حَازِمٍ ، لَيْتَ شِعْرِي مَا لَنَا عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى غَدًا ؟ قَالَ : " اعْرِضْ عَمَلَكَ عَلَى كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ " ، قَالَ : وَأَيْنَ أَجِدُهُ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى ؟ قَالَ : " قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : إِنَّ الأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ { 13 } وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ { 14 } سورة الانفطار آية 13-14 " ، قَالَ سُلَيْمَانُ : فَأَيْنَ رَحْمَةُ اللَّهِ ؟ قَالَ أَبُو حَازِمٍ : " قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ " ، قَالَ سُلَيْمَانُ : لَيْتَ شِعْرِي كَيْفَ الْعَرْضُ عَلَى اللَّهِ غَدًا ؟ قَالَ أَبُو حَازِمٍ : " أَمَّا الْمُحْسِنُ كَالْغَائِبِ يَقْدِمُ عَلَى أَهْلِهِ ، وَأَمَّا الْمُسِيءُ كَالآبِقِ يُقْدَمُ بِهِ عَلَى مَوْلاهُ ، فَبَكَى سُلَيْمَانُ حَتَّى عَلا نَحِيبُهُ ، وَاشْتَدَّ بُكَاؤُهُ ، فَقَالَ : يَا أَبَا حَازِمٍ ، كَيْفَ لَنَا أَنْ نُصْلِحَ ؟ قَالَ : " تَدَعُونَ عَنْكُمُ الصَّلَفَ ، وَتُمْسِكُوا بِالْمُرُوءَةِ ، وَتُقَسِّمُوا بِالسَّوِيَّةِ ، وَتَعْدِلُوا فِي الْقَضِيَّةِ " ، قَالَ : يَا أَبَا حَازِمٍ ، وَكَيْفَ الْمَأْخَذُ مِنْ ذَلِكَ ، قَالَ : " تَأْخُذُهُ بِحَقِّهِ ، وَتَضَعُهُ بِحَقِّهِ فِي أَهْلِهِ " ، قَالَ : يَا أَبَا حَازِمِ ، مَنْ أَفْضَلُ الْخَلائِقِ ؟ قَالَ : " أُولُو الْمُرُوءَةِ وَالنُّهَى " ، قَالَ : فَمَا أَعْدَلُ الْعَدْلِ ؟ قَالَ : " كَلِمَةُ صِدْقٍ عِنْدَ مَنْ تَرْجُوهُ وَتَخَافُهُ " ، قَالَ : فَمَا أَسْرَعُ الدُّعَاءِ إِجَابَةً ؟ قَالَ : " دُعَاءُ الْمُحْسِنِ لِلْمُحْسِنِينَ " ، قَالَ : فَمَا أَفْضَلُ الصَّدَقَةِ ؟ قَالَ : " جُهْدُ الْمُقِلِّ إِلَى يَدِ الْبَائِسِ الْفَقِيرِ لا يَتْبَعُهَا مَنٌّ وَلا أَذًى " ، قَالَ : يَا أَبَا حَازِمٍ ، مَنْ أَكْيَسُ النَّاسِ ؟ قَالَ : " رَجُلٌ ظَفَرَ بِطَاعَةِ اللَّهِ تَعَالَى ، فَعَمِلَ بِهَا ثُمَّ دَلَّ النَّاسَ عَلَيْهَا " ، قَالَ : فَمَنْ أَحْمَقُ الْخَلْقِ ؟ قَالَ : " رَجُلٌ اغْتَاظَ فِي هَوَى أَخِيهِ وَهُوَ ظَالِمٌ لَهُ ، فَبَاعَ آخِرَتَهُ بِدُنْيَاهُ " ، قَالَ : يَا أَبَا حَازِمٍ ، هَلْ لَكَ أَنْ تَصْحَبَنَا وَتُصِيبَ مِنَّا وَنُصِيبَ مِنْكَ ؟ قَالَ : " كَلا " ، قَالَ : وَلِمَ ؟ قَالَ : " إِنِّي أَخَافُ أَنْ أَرْكَنَ إِلَيْكُمْ شَيْئًا قَلِيلا ، فَيُذِيقَنِي اللَّهُ ضِعْفَ الْحَيَاةَ وَضِعْفَ الْمَمَاتِ ، ثُمَّ لا يَكُونُ لِي مِنْهُ نَصِيرًا " ، قَالَ : يَا أَبَا حَازِمٍ ، ارْفَعْ إِلَيَّ حَاجَتَكَ ، قَالَ : " نَعَمْ ، تُدْخِلَنِي الْجَنَّةَ ، وَتُخْرِجَنِي مِنَ النَّارِ " ، قَالَ : لَيْسَ ذَاكَ إِلَيَّ ، قَالَ : " فَمَا لِي حَاجَةٌ سِوَاهَا " ، قَالَ : يَا أَبَا حَازِمٍ ، فَادْعُ اللَّهَ لِي ، قَالَ : " نَعَمْ ، اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ سُلَيْمَانُ مِنْ أَوْلِيَائِكَ فَيَسِّرْهُ لَخَيْرِ الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ ، وَإِنْ كَانَ مِنْ أَعْدَائِكَ فَخُذْ بِنَاصِيَتِهِ إِلَى مَا تُحِبُّ وَتَرْضَى " ، قَالَ سُلَيْمَانُ : قَطُّ ، قَالَ أَبُو حَازِمٍ : " قَدْ أَكْثَرْتُ وَأَطْنَبْتُ ، إِنْ كُنْتَ أَهْلَهُ ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ أَهْلَهُ فَمَا حَاجَتُكَ أَنْ تَرْمِيَ عَنْ قَوْسٍ لَيْسَ لَهَا وَتَرٌ " ، قَالَ سُلَيْمَانُ : يَا أَبَا حَازِمٍ ، مَا تَقُولُ فِيمَا نَحْنُ فِيهِ ؟ قَالَ : " أَوَ تَعْفِيَنِي يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ ؟ " قَالَ : بَلْ نَصِيحَةٌ تُلْقِيهَا إِلَيَّ ، قَالَ : " إِنَّ آبَاءَكَ غَصَبُوا النَّاسَ هَذَا الأَمْرَ ، فَأَخَذُوهُ عَنْوَةً بِالسَّيْفِ مِنْ غَيْرِ مَشُورَةٍ وَلا اجْتِمَاعٍ مِنَ النَّاسِ ، وَقَدْ قَتَلُوا فِيهِ مَقْتَلَةً عَظِيمَةً ، وَارْتَحَلُوا ، فَلَوْ شَعَرْتَ مَا قَالُوا وَقِيلَ لَهُمْ " ، فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ جُلَسَائِهِ : بِئْسَ مَا قُلْتَ ، قَالَ أَبُو حَازِمٍ : " كَذَبْتَ ، إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَخَذَ عَلَى الْعُلَمَاءِ الْمِيثَاقَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلا تَكْتُمُونَهُ " ، قَالَ : يَا أَبَا حَازِمٍ ، أَوْصِنِي ، قَالَ : " نَعَمْ سَوْفَ أُوصِيكَ وَأُوجِزُ : نَزِّهِ اللَّهَ تَعَالَى وَعَظِّمْهُ أَنْ يَرَاكَ حَيْثُ نَهَاكَ ، أَوْ يَفْقِدَكَ حَيْثُ أَمَرَكَ " ، ثُمَّ قَامَ فَلَمَّا وَلَّى قَالَ : يَا أَبَا حَازِمٍ ، هَذِهِ مِائَةُ دِينَارٍ أَنْفِقْهَا ، وَلَكَ عِنْدِي أَمْثَالُهَا كَثِيرٌ ، فَرَمَى بِهَا ، وَقَالَ : وَاللَّهِ مَا أَرْضَاهَا لَكَ ، فَكَيْفَ أَرْضَاهَا لِنَفْسِي ، إِنِّي أُعِيذُكَ بِاللَّهِ أَنْ يَكُونَ سُؤَالُكَ إِيَّايَ هَزْلا ، وَرَدِّي عَلَيْكَ بَذْلا ، إِنَّ مُوسَى بْنَ عِمْرَانَ عَلَيْهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ لَمَّا وَرَدَ مَاءَ مَدْيَنَ ، قَالَ : رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ سورة القصص آية 24 ، فَسَأَلَ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلامُ رَبَّهُ عَزَّ وَجَلَّ ، وَلَمْ يَسْأَلِ النَّاسَ ، فَفَطِنَتِ الْجَارِيتَانِ ، وَلَمْ تَفْطِنِ الرُّعَاةُ لِمَا فَطِنَتَا إِلَيْهِ ، فَأَتَيَا أَبَاهُمَا وَهُوَ شُعَيْبٌ عَلَيْهِ السَّلامُ ، فَأَخْبَرَتَاهُ خَبَرَهُ ، قَالَ شُعَيْبٌ : يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ هَذَا جَائِعًا ، ثُمَّ قَالَ لإِحْدَاهُمَا : اذْهَبِي ادْعِيهِ ، فَلَمَّا أَتَتْهُ أَعْظَمَتْهُ وَغَطَّتْ وَجْهَهَا ، ثُمَّ قَالَتْ : إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ ، فَلَمَّا قَالَتْ : لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا ، كَرِهَ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلامُ ذَلِكَ ، وَأَرَادَ أَنْ لا يَتْبَعَهَا ، وَلَمْ يَجِدْ بُدًّا مِنْ أَنْ يَتْبَعَهَا ، لأَنَّهُ كَانَ فِي أَرْضِ مَسْبَعَةٍ وَخَوْفٍ ، فَخَرَجَ مَعَهَا وَكَانَتِ امْرَأَةً ذَاتَ عَجُزٍ ، فَكَانَتِ الرِّيَاحُ تَضْرِبُ ثَوْبَهَا فَتَصِفُ لِمُوسَى عَلَيْهِ السَّلامُ عَجُزَهَا ، فَيَغُضُّ مَرَّةً وَيُعْرِضُ أُخْرَى ، فَقَالَ : يَا أَمَةَ اللَّهِ ، كُونِي خَلْفِي ، فَدَخَلَ مُوسَى إِلَى شُعَيْبٍ عَلَيْهِمَا السَّلامُ وَالْعَشَاءُ مُهَيَّأٌ ، فَقَالَ : كُلْ ، فَقَالَ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلامُ : لا ، قَالَ شُعَيْبٌ : أَلَسْتَ جَائِعًا ؟ قَالَ : بَلَى ، وَلَكِنِّي مِنْ أَهْلِ بَيْتٍ لا يَبِيعُونَ شَيْئًا مِنْ عَمَلِ الآخِرَةِ بِمِلْءِ الأَرْضِ ذَهَبًا ، أَخْشَى أَنْ يَكُونَ هَذَا أَجْرَ مَا سَقَيْتُ لَهُمَا ، قَالَ شُعَيْبٌ عَلَيْهِ السَّلامُ : لا يَا شَابُّ ، وَلَكِنْ هَذَا عَادَتِي وَعَادَةُ آبَائِي ، قِرَى الضَّيْفِ ، وَإِطْعَامُ الطَّعَامِ ، قَالَ : فَجَلَسَ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلامُ فَأَكَلَ ، فَإِنْ كَانَتْ هَذِهِ الْمِائَةُ دِينَارٍ عِوَضًا عَمَّا حَدَّثْتُكَ فَالْمَيْتَةُ ، وَالدَّمُ ، وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ ، فِي حَالِ الاضْطِرَارِ أَحَلُّ مِنْهُ ، وَإِنْ كَانَ مِنْ مَالِ الْمُسْلِمِينَ فَلِي فِيهَا شُرَكَاءُ وَنُظَرَاءُ إِنْ وَازَيْتَهُمْ ، وَإِلا فَلا حَاجَةَ لِي فِيهَا ، إِنَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ لَمْ يَزَالُوا عَلَى الْهُدَى وَالتُّقَى حَيْثُ كَانَتْ أُمَرَاؤُهُمْ يَأْتُونَ إِلَى عُلَمَائِهِمْ رَغْبَةً فِي عِلْمِهِمْ ، فَلَمَّا نُكِسُوا وَنَفِسُوا وَسَقَطُوا مِنْ عَيْنِ اللَّهِ تَعَالَى ، وَآمَنُوا بِالْجِبِتِ وَالطَّاغُوتِ ، كَانَ عُلَمَاؤُهُمْ يَأْتُونَ إِلَى أُمَرَائِهِمْ وَيُشَارِكُونَهُمْ فِي دُنْيَاهُمْ ، وَشَرَكُوا مَعَهُمْ فِي قَتْلِهِمْ ، قَالَ ابْنُ شِهَابٍ : يَا أَبَا حَازِمٍ ، إِيَّايَ تَعْنِي ، أَوْ بِي تُعَرِّضُ ؟ قَالَ : مَا إِيَّاكَ اعْتَمَدْتُ ، وَلَكِنْ هُوَ مَا تَسْمَعُ ، قَالَ سُلَيْمَانُ : يَا ابْنَ شِهَابٍ ، تَعْرِفُهُ ؟ قَالَ : نَعَمْ ، جَارِي مُنْذُ ثَلاثِينَ سَنَةً ، مَا كَلَّمْتُهُ كَلِمَةً قَطُّ ، قَالَ أَبُو حَازِمٍ : إِنَّكَ نَسِيتَ اللَّهَ فَنَسِيتَنِي ، وَلَوْ أَحْبَبْتَ اللَّهَ تَعَالَى لأَحْبَبْتَنِي ، قَالَ ابْنُ شِهَابٍ : يَا أَبَا حَازِمٍ ، تَشْتُمُنِي ؟ قَالَ سُلَيْمَانُ : مَا شَتَمَكَ ، وَلَكِنْ شَتَمَتْكَ نَفْسُكَ ، أَمَا عَلِمْتَ أَنَّ لِلْجَارِ عَلَى الْجَارِ حَقًّا كَحَقِّ الْقَرَابَةِ ، فَلَمَّا ذَهَبَ أَبُو حَازِمٍ ، قَالَ رَجُلٌ مِنْ جُلَسَاءِ سُلَيْمَانَ : يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ ، تُحِبُّ أَنْ يَكُونَ النَّاسُ كُلُّهُمْ مِثْلَ أَبِي حَازِمٍ ؟ قَالَ : لا " .

الرواه :

الأسم الرتبة

Whoops, looks like something went wrong.