حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ ، ثنا أَحْمَدُ بْنُ الْحُسَيْنِ ، ثنا أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ ، حَدَّثَنِي الْعَلاءُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ الْعَطَّارُ ، ثنا حَزْمٌ ، قَالَ : بَلَغَنَا أَنَّ عُمَرَ كَتَبَ إِلَى عَبْدِ الْحَمِيدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ فِي شَأْنِ ابْنِهِ عَبْدِ الْمَلِكِ حِينَ تُوُفِّيَ : " أَمَّا بَعْدُ ، فَإِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ اسْمُهُ ، وَتَعَالَى ذِكْرُهُ كَتَبَ عَلَى خَلْقِهِ حِينَ خَلَقَهُمُ الْمَوْتَ ، وَجَعَلَ مَصِيرَهُمْ إِلَيْهِ ، فَقَالَ فِيمَا أَنْزَلَ مِنْ كِتَابِهِ الصَّادِقِ الَّذِي حِفِظَهُ بِعِلْمِهِ ، وَأَشْهَدَ مَلائِكَتَهُ عَلَى حَقِّهِ ، أَنَّهُ يَرِثُ الأَرْضَ وَمَنْ عَلَيْهَا وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ ، ثُمَّ قَالَ لِنَبِيِّهِ عَلَيْهِ السَّلامُ : وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ أَفَإِنْ مِتَّ فَهُمُ الْخَالِدُونَ سورة الأنبياء آية 34 ، ثُمَّ قَالَ : مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَى سورة طه آية 55 ، فَالْمَوْتُ سَبِيلُ النَّاسِ فِي الدُّنْيَا ، لَمْ يَكْتُبِ اللَّهُ لِمُحْسِنٍ وَلا لِمُسِيءٍ فِيهَا خُلْدًا ، وَلَمْ يَرْضَ مَا أَعْجَبَ أَهْلَهَا ثَوَابًا لأَهْلِ طَاعَتِهِ ، وَلَمْ يَرْضَ بِبَلائِهَا نِقْمَةً لأَهْلِ مَعْصِيتِهِ ، فَكُلُّ شَيْءٍ مِنْهَا أَعْجَبَ أَهْلَهَا أَوْ كَرِهُوا مِنْهُ شَيْئًا مَتْرُوكٌ ، لِذَلِكَ خُلِقَتْ حِينَ خُلِقَتْ ، وَلِذَلِكَ سُكِنَتْ مُنْذُ سُكِنَتْ ، لِيَبْلُوَ اللَّهُ فِيهَا عِبَادَهُ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلا ، فَمَنْ قَدِمَ عِنْدَ خُرُوجِهِ مِنَ الدُّنْيَا إِلَى أَهْلِ طَاعَتِهِ وَرِضْوَانِهِ مِنْ أَنْبِيَائِهِ وَأَئِمَّةِ الْهُدَى الَّذِينَ أَمَرَ اللَّهُ نَبِيَّهُ أَنْ يَقْتَدِيَ بِهُدَاهُمْ خَالِدٌ فِي دَارِ الْمُقَامَةِ مِنْ فَضْلِهِ ، لا يَمَسُّهُ فِيهَا نَصَبٌ وَلا يَمَسُّهُ فِيهَا لُغُوبٌ ، وَمَنْ كَانَتْ مُفَارَقَتُهُ الدُّنْيَا إِلَى غَيْرِهِمْ وَغَيْرِ مَنَازِلِهِمْ فَقَدْ قَابَلَ الشَّرَّ الطَّوِيلَ ، وَأَقَامَ عَلَ مَا لا قِبَلَ لَهُ بِهِ ، أَسْأَلُ اللَّهَ بِرَحْمَتِهِ أَنْ يُبْقِيَنَا مَا أَبْقَانَا فِي الدُّنْيَا مُطِيعِينَ لأَمْرِهِ ، مُتَّبِعِينَ لِكِتَابِهِ ، وَجَعَلَنَا إِذَا خَرَجْنَا مِنَ الدُّنْيَا إِلَى نَبِيِّنَا وَمَنْ أَمَرَنَا أَنْ نَقْتَدِيَ بِهُدَاهُ مِنَ الْمُصْطَفَيْنَ الأَخْيَارِ ، وَأَسْأَلُهُ بِرَحْمَتِهِ أَنْ يَقِيَنَا أَعْمَالَ السُّوءِ فِي الدُّنْيَا ، وَالسَّيِّئَاتِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ، ثُمَّ إِنَّ عَبْدَ الْمَلِكِ ابْنِ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ كَانَ عَبْدًا مِنْ عِبَادِ اللَّهِ ، أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْهِ فِي نَفْسِهِ ، وَأَحْسَنَ إِلَى أَبِيهِ فِيهِ ، أَعَاشَهُ اللَّهُ مَا أَحَبَّ أَنْ يُعِيشَهُ ، ثُمَّ قَبَضَهُ إِلَيْهِ حِينَ أَحَبَّ أَنْ يَقْبِضَهُ ، وَهُوَ فِيمَا عَلِمْتُ بِالْمَوْتِ مُغْتَبِطٌ ، يَرْجُو فِيهِ مِنَ اللَّهِ رَجَاءً حَسَنًا ، فَأَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ تَكُونَ لِي مَحَبَّةٌ فِي شَيْءٍ مِنَ الأُمُورِ تُخَالِفُ مَحَبَّةَ اللَّهِ ، فَإِنَّ خِلافَ ذَلِكَ لا يَصْلُحُ فِي بَلائِهِ عِنْدِي وَإِحْسَانِهِ إِلَيَّ ، وَنِعْمَتِهِ عَلَيَّ ، وَقَدْ قُلْتُ فِيمَا كَانَ مِنْ سَبِيلِهِ ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ مَا رَجَوْتُ بِهِ ثَوَابَ اللَّهِ ، وَمَوْعِدَهُ الصَّادِقَ مِنَ الْمَغْفِرَةِ ، إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ ، ثُمَّ لَمْ أَجِدْ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ فِي نَفْسِي إِلا خَيْرًا مَنْ رَضِيَ بِقَضَاءِ اللَّهِ وَاحْتِسَابِ لِمَا كَانَ مِنَ الْمُصِيبَةِ ، فَحَمْدًا لِلَّهِ عَلَى مَا مَضَى ، وَعَلَى مَا بَقِيَ ، وَعَلَى كُلِّ حَالٍ مِنْ أَمْرِ الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ ، أَحْبَبْتُ أَنْ أَكْتُبَ إِلَيْكَ بِذَلِكَ وَأُعْلِمَكَهُ مِنْ قَضَاءِ اللَّهِ ، فَلا أَعْلَمُ مَا نِيحَ عَلَيْهِ فِي شَيْءٍ مِنْ قَبْلِكَ ، وَلا اجْتَمَعَ عَلَى ذَلِكَ أَحَدٌ مِنَ النَّاسِ ، وَلا رَخَّصْتُ فِيهِ لِقَرِيبٍ مِنَ النَّاسِ ، وَلا لِبَعِيدٍ ، وَاكْفِنِي ذَلِكَ بِكِفَايَةِ اللَّهِ ، وَلا أَلُومَنَّكَ فِيهِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ ، وَالسَّلامُ عَلَيْكَ " .