الربيع بن صبيح


تفسير

رقم الحديث : 8964

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَدْرٍ ، ثَنَا حَمَّادُ بْنُ مُدْرِكٍ ، ثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ ، ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَزِيدَ الأَدَمِيُّ ، ثَنَا مَعْنُ بْنُ عِيسَى ، ثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي الأَسْوَدِ ، عَنِ الْحَسَنِ ، أَنَّهُ كَتَبَ إِلَى عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ : " أَمَا بَعْدُ فَإِنَّ الدُّنْيَا دَارُ ظَعْنٍ لَيْسَتْ بِدَارِ إِقَامَةٍ إِنَّمَا أُنْزِلَ إِلَيْهَا آدَمُ عُقُوبَةً ، فَاحْذَرْهَا يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ ، فَإِنَّ الزَّادَ مِنْهَا تَرْكُهَا وَالْغِنَى فِيهَا فَقْرُهَا ، لَهَا فِي كُلِّ حِينٍ قَتِيلٌ تُذِلُّ مَنْ أَعَزَّهَا وَتُفْقِرُ مَنْ جَمَعَهَا ، هِيَ كَالسُّمِّ يَأْكُلُهُ مَنْ لا يَعْرِفُهُ وَهُوَ حَتْفُهُ ، فَكُنْ فِيهَا كَالْمُدَاوِي لِجَرَاحَتِهِ يَحْتَمِي قَلِيلا مَخَافَةَ مَا يَكْرَهُ طَوِيلا ، وَيَصْبِرُ عَلَى شِدَّةِ الأَذَى مَخَافَةَ طُولِ الْبَلاءِ ، وَاحْذَرْ هَذِهِ الدَّارَ الْغَرَّارَةَ الَّتِي قَدْ زُيِّنَتْ بِخَدْعِهَا ، وَتَحَلَّتْ بِآمَالِهَا وَتَشَوَقَّتْ لِخُطَّابِهَا وَفُتِنَتْ بِغُرُورِهَا ، فَأَصْبَحَتْ كَالْعَرُوسِ الْمُحَلاةِ ، الْعُيونُ إِلَيْهَا نَاظِرَةٌ ، وَالْقُلُوبُ إِلَيْهَا وَالِهَةٌ ، وَالنُّفُوسُ لَهَا عَاشِقَةٌ ، وَهِيَ لأَزْوَاجِهَا كُلِّهِمْ قَاتِلَةٌ ، فَلا الْبَاقِي بِالْمَاضِي مُعْتَبِرٌ ، وَلا الآخِرُ عَلَى الأَوَّلِ مُزْدَجَرٌ ، وَلا الْعَارِفُ بِاللَّهِ حِينَ أَخْبَرَهُ عَنْهَا مُدَّكِرٌ ، فَعَاشِقٌ لَهَا قَدْ ظَفَرَ مِنْهَا بِحَاجَتِهِ وَاغْتَرَّ وَطَغَى وَنَسِيَ الْمَعَادَ ، شُغِلَ فِيهَا لُبُّهُ حَتَّى زَلَّتْ عَنْهُ قَدَمُهُ وَعَظُمَتْ نَدَامَتُهُ وَكَبُرَتْ حَسْرَتُهُ ، وَاجْتَمَعَتْ عَلَيْهِ سَكَرَاتُ الْمَوْتِ بِأَلَمِهِ وَحَسَرَاتُ الْفَوْتُ بِغُصَّتِهِ فَذَهَبَ بِكَمَدِهِ ، فَلَمْ يُدْرِكْ مِنْهَا مَا طَلَبَ وَلَمْ يُرَوِّحْ نَفْسُهُ مِنَ التَّعَبِ ، خَرَجَ بِغَيْرِ زَادٍ وَقَدِمَ عَلَى غَيْرِ مِهَادٍ ، فَاحْذَرْهَا يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ ، وَكُنْ أَسَرَّ مَا تَكُونُ ، احْذَرْ مَا تَكُونُ لَهَا فَإِنَّ صَاحِبَ الدُّنْيَا كُلَّمَا اطْمَأَنَّ مِنْهَا إِلَى سُرُورٍ أَشْخَصَهُ إِلَى مَكْرُوهٍ فَالسَّارُّ فِيهَا بِأَهْلِهَا غَارٌّ ، وَالنَّافِعُ مِنْهَا غَدًا ضَارٌّ ، قَدْ وَصَلَ الرَّجَاءَ فِيهَا بِالْبَلاءِ ، وَجَعَلَ الْبَقَاءَ فِيهَا إِلَى فَنَاءٍ ، فَسُرُورُهَا مَشُوبٌ بِالْحُزْنِ ، لا يَرْجِعُ مِنْهَا مَا وَلَّى فَأَدْبَرَ ، وَلا يُدْرَى مَا هُوَ آتٍ فَيُسْتَنْظَرُ أَمَانِيهَا كَاذِبَةٌ ، وَآمَالُهَا بَاطِلَةٌ وَصَفْوُهَا كَدَرٌ وَعَيْشُهَا نَكِدٌ ، وَابْنُ آدَمَ مِنْهَا عَلَى خَطَرٍ ، إِنْ عَقَلَ فَهُوَ مِنَ النَّعْمَاءِ عَلَى حَظَرٍ وَمِنَ الْبَلاءِ عَلَى حَذَرٍ ، وَلَوْ أَنَّ الْخَالِقَ لَمْ يُخْبِرْ عَنْهَا خَبَرًا ، وَلَمْ يَضْرِبْ لَهَا مَثَلا ، لَكَانَتِ الدُّنْيَا قَدْ أَيْقَظَتِ النَّائِمَ ، وَنَبَّهَتِ الْغَافِلَ ، فَكَيْفَ وَقَدْ جَاءَ مِنَ اللَّهِ عَنْهَا زَاجِرٌ ، وَفِيهَا وَاعِظٌ ، مَا لَهَا عِنْدَ اللَّهِ قَدْرٌ وَلا وَزْنٌ وَلا نَظَرٌ إِلَيْهَا مُنْذُ خَلَقَهَا ، وَلَقَدْ عُرِضَتْ عَلَى نَبِيِّكَ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَفَاتِيحِ خَزَائِنِهَا وَلا يَنْقُصُهُ ذَلِكَ عِنْدَ اللَّهِ جَنَاحَ بَعُوضَةٍ ، فَأَبَى أَنْ يَقْبَلَهَا كَرِهَ أَنْ يُخَالِفَ عَلَى رَبِّهِ أَمْرَهُ أَوْ يُحِبُّ مَا أَبْغَضَ خَالِقُهُ ، أَوْ يَرْفَعُ مَا وَضَعَ مَلِيكُهُ ، فَزَوَاهَا عَنِ الصَّالِحِينَ اخْتِبَارًا ، وَبَسَطَهَا لأَعْدَائِهِ اغْتِرَارًا ، فَيَظُنُّ الْمَغُرُورُ بِهَا الْقَادِرُ عَلَيْهَا أَنَّهُ أُكْرِمَ بِهَا وَنَسِيَ مَا صَنَعَ اللَّهُ لِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ وَضَعَ الْحَجَرَ عَلَى بَطْنِهِ ، وَلَقَدْ جَاءَتِ الرِّوَايَةُ عَنِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ، أَنَّهُ قَالَ لِمُوسَى عَلَيْهِ السَّلامُ : " إِذَا رَأَيْتَ الْغِنَى مُقْبِلا فَقُلْ ذَنْبٌ عُجِّلَتْ عُقُوبَتُهُ ، وَإِذَا رَأَيْتَ الْفَقْرَ مُقْبِلا فَقُلْ مَرْحَبًا بِشِعَارِ الصَّالِحِينَ ، وَإِنْ شِئْتَ ثَنَّيْتُ بِصَاحِبِ الرُّوحِ ، وَالْكَلِمَةِ عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ كَانَ ، يَقُولُ : إِدَامِي الْجُوعُ ، وَشِعَارِي الْخَوْفُ ، وِلِبَاسِي الصُّوفُ ، وَصَلائِي فِي الشِّتَاءِ مَشَارِقُ الشَّمْسِ ، وَسِرَاجِي الْقَمَرُ ، وَدَابَّتِي رِجْلايَ ، وَطَعَامِي وَفَاكِهَتِي مَا أَنْبَتَتِ الأَرْضُ أَبِيتُ وَلَيْسَ عِنْدِي شَيْءٌ ، وَأُصْبِحُ وَلَيْسَ عِنْدِي شَيْءٌ وَمَا عَلَى الأَرْضِ أَغْنَى مِنِّي " .

الرواه :

الأسم الرتبة

Whoops, looks like something went wrong.