حَدَّثَنَا أَبُو مُحَمَّدِ بْنُ حَيَّانَ ، ثنا أَبُو مُسْلِمٍ الْبَزَّارُ ، ثنا الْقَاسِمُ بْنُ مُوسَى الْوَرَّاقُ ، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ مُوسَى الصَّائِغُ ، قَالَ : سَمِعْتُ مَنْصُورَ بْنَ عَمَّارٍ ، يَقُولُ : " كَانَ اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ ، إِذَا تَكَلَّمَ بِمِصْرَ أَحَدٌ قَفَاهُ , فَتَكَلَّمْتُ فِي مَسْجِدِ الْجَامِعِ يَوْمًا , فَإِذَا رَجُلانِ قَدْ دَخَلا مِنْ بَابِ الْمَسْجِدِ , فَوَقَفَا عَلَى الْحَلَقَةِ فَقَالا : مَنِ الْمُتَكَلِّمُ ؟ فَأَشَارُوا إِلَيَّ , فَقَالا : أَجِبْ أَبَا الْحَارِثِ اللَّيْثَ , فَقُمْتُ وَأَنَا أَقُولُ : وَاسَوْأَتَاهُ ! أُلْقَى مِنْ مرلدِ هَكَذَا ؟ فَلَمَّا دَخَلْتُ عَلَى اللَّيْثِ سَلَّمْتُ , فَقَالَ لِي : أَنْتَ الْمُتَكَلِّمُ فِي الْمَسْجِدِ ؟ قُلْتُ : نَعَمْ رَحِمَكَ اللَّهُ ! فَقَالَ لِي : اجْلِسْ وَرُدَّ عَلَيَّ الْكَلامَ الَّذِي تَكَلَّمْتَ بِهِ , فَأَخَذْتُ فِي ذَلِكَ الْمَجْلِسِ بِعَيْنِهِ , فَرَقَّ الشَّيْخُ وَبَكَى , وَسُرِّيَ عَنِّي , وَأَخَذْتُ فِي صِفَةِ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ , فَبَكَى الشَّيْخُ حَتَّى رَحَمْتُهُ , ثُمَّ قَالَ لِي بِيَدِهِ : اسْكُتْ , فَقَالَ لِي : مَا اسْمُكَ ؟ قُلْتُ : مَنْصُورٌ , قَالَ : ابْنُ مَنْ ؟ قُلْتُ : ابْنُ عَمَّارٍ , قَالَ : أَنْتَ أَبُو السَّرِيِّ ؟ قُلْتُ : نَعَمْ , قَالَ : الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يُمِتْنِي حَتَّى رَأَيْتُكَ , ثُمَّ قَالَ : يَا جَارِيَةُ , فَجَاءَتْ فَوَقَفَتْ بَيْنَ يَدَيْهِ , فَقَالَ لَهَا : جِيئِيني بِكِيسِ كَذَا وَكَذَا , فَجَاءَتْ بِكِيسٍ فِيهِ أَلْفُ دِينَارٍ , فَقَالَ : يا أَبا السَّرِيِّ , خُذْ هَذَا إِلَيْكَ , وَصُنْ هَذَا الْكَلامَ أَنْ تَقِفَ بِهِ عَلَى أَبْوَابِ السَّلاطِينِ , وَلا تَمْدَحَنَّ أَحَدًا مِنَ الْمَخْلُوقِينَ بَعْدَ مِدْحَتِكَ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ , وَلَكَ فِي كُلِّ سَنَةٍ مِثْلُهَا , قُلْتُ : رَحِمَكَ اللَّهُ , إِنَّ اللَّهَ قَدْ أَنْعَمَ إِلَيَّ وَأَحْسَنَ , قَالَ : لا تَرُدَّ عَلَيَّ شَيْئًا أَصِلُكَ بِهِ , فَقَبَضْتُهَا وَخَرَجْتُ , قَالَ : لا تُبْطِئْ عَلَيَّ , فَلَمَّا كَانَ فِي الْجُمُعَةِ الثَّانِيَةِ أَتَيْتُهُ , فَقَالَ لِي : اذْكُرْ شَيْئًا , فَأَخَذْتُ فِي مَجْلِسٍ لِي , فَتَكَلَّمْتُ , فَبَكَى الشَّيْخُ وَكَثُرَ بُكَاؤُهُ , فَلَمَّا أَرَدْتُ أَنْ أَقُومَ قَالَ : انْظُرْ مَا فِي ثَنِيِّ الْوِسَادَةِ , فَإِذَا خَمْسُ مِائَةِ دِينَارٍ , فَقُلْتُ : رَحِمَكَ اللَّهُ , عَهْدِي بِصِلَتِكَ بِالأَمْسِ , قَالَ : لا تَرُدَّ عَلَيَّ شَيْئًا أَصِلُكَ بِهِ , مَتَى أَرَاكَ ؟ قُلْتُ : الْجُمُعَةُ الدَّاخِلَةُ , قَالَ : كَأَنَّكَ فَتَّتَّ عُضْوًا مِنْ أَعْضَائِي , فَلَمَّا كَانَتِ الْجُمُعَةُ الدَّاخِلَةُ أَتَيْتُهُ مُوَدِّعًا , فَقَالَ لِي : خُذْ فِي شَيْءٍ أَذْكُرُكَ بِهِ , فَتَكَلَّمْتُ فَبَكَى الشَّيْخُ وَكَثُرَ بُكَاؤُهُ , ثُمَّ قَالَ لِي : يَا مَنْصُورُ , انْظُرْ مَا فِي ثَنِيِّ الْوِسَادَةِ , فَإِذَا ثَلَاثُ مِائَةِ دِينَارٍ , قَالَ : أَعِدَّهَا لِلْحَجِّ , ثُمَّ قَالَ : يَا جَارِيَةُ , هَاتِي ثِيَابَ إِحْرَامٍ , إِحْرَامِ مَنْصُورٍ ! فَجَاءَتْ بِإِزَارٍ فِيهِ أَرْبَعُونَ ثَوْبًا , قُلْتُ : رَحِمَكَ اللَّهُ ! أَكْتَفِي بِثَوْبَيْنِ , فَقَالَ لِي : أَنْتَ رَجُلٌ كَرِيمٌ , فَيَصْحَبُكَ قَوْمٌ , فَأَعْطِهِمْ , وَقَالَ لِلْجَارِيَةِ الَّتِي تَحْمِلُ الثِّيَابَ مَعَهُ : وَهَذِهِ الْجَارِيَةُ لَكَ ! " .