علي والحسن


تفسير

رقم الحديث : 11137

حَدَّثَنَا أَبِي ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ يَعْقُوبَ ، حَدَّثَنَا أَبُو حَاتِمٍ مُحَمَّدُ بْنُ إِدْرِيسَ ، قَالَ : سَمِعْتُ أَبَا سُفْيَانَ عَبْدَ الرَّحِيمِ بْنَ مُطَرِّفٍ الرُّوَاسِيَّ ابْنَ عَمِّ وَكِيعِ بْنِ الْجَرَّاحِ بِالْجَزِيرَةِ ، يَقُولُ : قَالَ ابْنُ السَّمَّاكِ ، فِي زُهْدِ دَاوُدَ الطَّائِيِّ حِينَ مَاتَ : " يَا أَيُّهَا النَّاسُ ! إِنَّ أَهْلَ الدُّنْيَا تَعَجَّلُوا هُمُومَ الْقَلْبِ , وَهُمُومَ النَّفْسِ , وَتَعَبَ الأَبْدَانِ مَعَ شِدَّةِ الْحِسَابِ , فَالرَّغْبَةُ مُتْعِبَةٌ لأَهْلِهَا فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ , وَالزَّهَادَةُ رَاحَةٌ لأَهْلِهَا فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ , وَإِنَّ دَاوُدَ نَظَرَ بِقَلْبِهِ إِلَى مَا بَيْنَ يَدَيْهِ فَأَعْشَى بَصَرُ قَلْبِهِ بَصَرَ الْعُيونِ , فَكَأَنَّهُ لَمْ يُبْصِرْ مَا إِلَيْهِ تَنْظُرُونَ , وَكَأَنَّكُمْ لا تُبْصِرُونَ مَا إِلَيْهِ يَنْظُرُ , فَأَنْتُمْ مِنْهُ تَعْجَبُونَ , وَهُوَ مِنْكُمْ يَتَعَجَّبُ , فَلَمَّا نَظَرَ إِلَيْكُمْ رَاغِبِينَ مَغْرُورِينَ قَدْ ذَهَبَتْ عَلَى الدُّنْيَا عُقُولُكُمْ , وَمَاتَتْ مِنْ حُبِّهَا قُلُوبُكُمْ , وَعَشِقَتْهَا أَنْفُسُكُمْ , وَامْتَدَّتْ إِلَيْهَا أَبْصَارُكُمْ , اسْتَوْحَشَ الزَّاهِدُ مِنْكُمْ , فَكُنْتَ إِذَا نَظَرْتَ إِلَيْهِ عَرَفْتَ أَنَّهُ مِنْ أَهْلِ الدُّنْيَا وَحِشٌ , وَذَلِكَ أَنَّهُ كَانَ حَيًّا وَسْطَ مَوْتَى , يَا دَاوُدُ مَا أَعْجَبَ شَأْنَكَ ! وَقَدْ يَزِيدُ فِي عَجَبِكَ أَنَّكَ مِنْ أَهْلِ زَمَانِكَ ، أَلْزَمْتَ نَفْسَكَ الصَّمْتَ حَتَّى قَوَّمْتَهَا عَلَى الْعَدْلِ , أَهَنْتَهَا وَإِنَّمَا تُرِيدُ كَرَامَتَهَا , وَأَذْلَلْتَهَا وَإِنَّمَا تُرِيدُ إِعْزَازَهَا , وَوَضَعْتَهَا وَإِنَّمَا تُرِيدُ تَشْرِيفَهَا , وَأَتْعَبْتَهَا وَإِنَّمَا تُرِيدُ رَاحَتَهَا , وَأَجَعْتَهَا وَإِنَّمَا تُرِيدُ شِبَعَهَا , وَأَظْمَأْتَهَا وَإِنَّمَا تُرِيدُ رِيَّها , وَخَشَّنْتَ الْمَلْبَسَ وَإِنَّمَا تُرِيدُ لِينَهُ , وَجَشَبْتَ الْمَطْعَمَ وَإِنَّمَا تُرِيدُ طَيِّبَهُ , وَأَمَتَّ نَفْسَكَ قَبْلَ أَنْ تَمُوتَ , وَقَبَرْتَهَا قَبْلَ أَنْ تُقْبَرَ , وَعَذَّبْتَهَا قَبْلَ أَنْ تُعَذَّبَ , وَغَيَّبْتَهَا عَنِ النَّاسِ كَيْ لا تُذْكَرَ , وَرَغِبْتَ بِنَفْسِكَ عَنِ الدُّنْيَا ، فَلَمْ تَرَ لَهَا قَدْرًا وَلا خَطَرًا , وَرَغِبْتَ بِنَفْسِكَ عَنِ الدُّنْيَا : عَنْ أَزْوَاجِهَا ، وَمَطَاعِمِهَا , وَمَلابِسِهَا , إِلَى الآخِرَةِ وَأَزْوَاجِهَا ، وَلِبَاسِهَا ، وَسُنْدُسِهَا ، وَحَرِيرِهَا ، وَإِسْتَبْرَقِهَا , فَمَا أَظُنُّكَ إِلا قَدْ ظَفِرْتَ بِمَا طَلَبْتَ , وَظَفِرْتَ بِمَا فِيهِ رَغِبْتَ , كَانَ سِيمَاكَ فِي عَمَلِكَ وَسِرِّكَ , وَلَمْ تَكُنْ سِيمَاكَ فِي وَجْهِكَ وَلا إِظْهَارِكَ , فَقِهْتَ فِي دِينِكَ , ثُمَّ تَرَكْتَ النَّاسَ يُفْتُونَ وَيَتَفَقَّهُونَ , وَسَمِعْتَ الأَحَادِيثَ ثُمَّ تَرَكْتَ النَّاسَ يَتَحَدَّثُونَ وَيَرْوُونَ , وَخَرِسْتَ عَنِ الْقَوْلِ , وَتَرَكْتَ النَّاسَ يَنْطِقُونَ , لا تَحْسُدُ الأَخْيَارَ , وَلا تَعِيبُ الأَشْرَارَ , وَلا تَقْبَلُ مِنَ السُّلْطَانِ عَطِيَّةً , وَلا مِنَ الأُمَرَاءِ هَدِيَّةً , وَلا تُدِينُكَ الْمَطَامِعُ , وَلا تَرْغَبُ إِلَى النَّاسِ فِي الصَّنَائِعِ , آنَسَ مَا تَكُونَ إِذَا كُنْتَ بِاللَّهِ خَالِيًا , وَأَوْحَشَ مَا تَكُونُ إِذَا كُنْتَ مَعَ النَّاسِ جَالِسًا , فَأَوْحَشَ مَا تَكُونُ آنَسَ مَا يَكُونُ النَّاسُ , وَآنَسَ مَا تَكُونُ أَوْحَشَ مَا يَكُونُ النَّاسُ ! جَاوَزْتَ حَدَّ الْمُسَافِرِينَ فِي أَسْفَارِهِمْ , وَجَاوَزْتَ حَدَّ الْمَسْجُونِينَ فِي سُجُونِهِمْ , فَأَمَّا الْمُسَافِرُونَ فَيَحْمِلُونَ مِنَ الطَّعَامِ وَالْحَلاوَةِ مَا يَأْكُلُونَ , وَأَمَّا أَنْتَ فَإِنَّمَا هِيَ خُبْزَةٌ أَوْ خُبْزَتَانِ فِي شَهْرِكَ , تَرْمِي بِهَا فِي دَنٍّ عِنْدَكَ , فَإِذَا أَفْطَرْتَ أَخَذْتَ مِنْهَا حَاجَتَكَ فَجَعَلْتَهُ فِي مَطْهَرَتِكَ , ثُمَّ صَبَبْتَ مِنَ الْمَاءِ مَا يَكْفِيكَ , ثُمَّ اصْطَبَغْتَ بِهِ مَلْجَأً , فَهَذا إِدَامُكَ وَحَلْوَاؤُكَ , وَكُلُّ نَوْمِكَ , فَمَنْ سَمِعَ بِمِثْلِكَ صَبَرَ صَبْرَكَ , أَوْ عَزَمَ عَزْمَكَ , وَمَا أَظُنُّكَ إِلا قَدْ لَحِقْتَ بِالْمَاضِينَ , وَمَا أَظُنُّكَ إِلا قَدْ فَضَلْتَ الآخَرِينَ , وَلا أَحْسِبُكَ إِلا قَدْ أَتْعَبْتَ الْعَابِدِينَ , دَاوُدُ أَنْتَ كُنْتَ حَيًّا فِي الآخِرِينَ , وَقَدْ لَحِقْتَ بِالأَوَّلِينَ , وَأَنْتَ فِي زَمَنِ الرَّاغِبِينَ , وَلَقَدْ أَخَذْتَ بِذِرْوَةِ الزَّاهِدِينَ , وَأَمَّا الْمَسْجُونُ فَيَكُونُ مَعَ النَّاسِ مَحْبُوسًا فَيَأْنَسُ بِهِمْ , لأَنَّ الْعَدَدَ كَثِيرٌ مِنْهُمْ مَعَهُ , وَأَمَّا أَنْتَ فَسَجَنْتَ نَفْسَكَ فِي بَيْتِكَ وَحْدَكَ , فَلا مُحَدِّثَ وَلا جَلِيسَ مَعَكَ , فَلا أَدْرِي : أَيُّ الأَمْرَيْنِ أَشَدُّ عَلَيْكَ ؟ الْخَلْوَةُ فِي بَيْتِكَ تَمُرُّ بِهِ الشُّهُورُ وَالسُّنُونُ , أَمْ تَرْكُكَ الْمَطَاعِمَ وَالْمَشَارِبَ لا تَأْكُلُ مِنْهَا وَلا تُرِيحُ إِلَى شَيْءٍ مِنْهَا , لا سِتْرَ عَلَى بَابِكَ , وَلا فِرَاشَ تَحْتَكَ , وَلا قُلَّةَ يَبْرُدُ فِيهَا مَاؤُكَ , وَلا قَصْعَةَ فِيهَا غِدَاؤُكَ وَعَشَاؤُكَ , مَطْهَرَتُكَ قُلَّتُكَ , وَقَصْعَتُكَ تَوْرُكَ , وَكُلُّ أَمْرِكَ دَاوُدُ عَجَبًا ! أَمَا كُنْتَ تَشْتَهِي مِنَ الْمَاءِ بَارِدَهُ ؟ وَلا مِنَ الطَّعَامِ طَيِّبَهُ ؟ وَلا مِنَ اللِّبَاسِ لَيِّنَهُ ؟ بَلَى ، وَلَكِنَّكَ زَهِدْتَ فِيهِ لِمَا بَيْنَ يَدَيْكَ مِمَّا دُعِيتَ إِلَيْهِ وَرَغِبْتَ فِيهِ , فَمَا أَصْغَرَ مَا بَذَلْتَ ! وَمَا أَحْقَرَ مَا تَرَكْتَ ! وَمَا أَيْسَرَ مَا فَعَلْتَ فِي جَنْبِ مَا أَمَّلْتَ أَوْ طَلَبْتَ ! أَمَّا أَنْتَ فَقَدْ ظَفِرْتَ بِرَوْحِ الْعَاجِلِ , وَسَعَيْتَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ فِي الآجِلِ , عَزَلْتَ الشَّهْوَةَ عَنْكَ فِي حِيَاتكَ لِكَيْلا يَدْخُلَكَ عُجْبُهَا , وَلا تَلْحَقَكَ فِتْنَتُهَا , فَلَمَّا مُتَّ شَهَرَكَ رَبُّكَ بِمَوْتِكَ , وَأَلْبَسَكَ رِدَاءَ عَمَلِكَ , فَلَمْ تَنْثُرْ مَا عَمِلْتَ فِي سِرِّكَ , فَأَظْهَرَ اللَّهُ الْيَوْمَ ذَلِكَ , وَأَكْثَرَ نَفْعَكَ , وَخَشِيتَ الْجَمَاعَةَ , فَلَوْ رَأَيْتَ الْيَوْمَ كَثْرَةَ تَبَعِكَ عَرَفْتَ أَنَّ رَبَّكَ قَدْ أَكْرَمَكَ وَشَرَّفَكَ , فَقُلْ لِعَشِيرَتِكَ : الْيَوْمَ تَتَكَلَّمُ بِأَلْسِنَتِهَا , فَقَدْ أَوْضَحَ الْيَوْمَ رَبُّكَ فَضْلَهَا أَنْ كُنْتَ مِنْهَا , فَلَوْ لَمْ تَسْتَرِحْ إِلَى خَيْرٍ تَعْمَلُهُ إِلا حُسْنَ هَذَا النَّشْرِ , وَجَمِيلَ هَذَا الْمَشْهَدِ لِكَثْرَةِ هَذَا التَّبَعِ , إِنَّ رَبَّكَ لا يُضَيِّعُ مُطِيعًا , وَلا يَنْسَى صَنِيعًا , يَشْكُرُ لِخَلْقِهِ مَا صَنَعَ فِيمَا أَنْعَمَ عَلَيْهِمْ أَكْثَرَ مِنْ شُكْرِهِمْ إِيَّاهُ ! فَسُبْحَانَهُ شَاكِرًا مُجَازِيًا مُثِيبًا ! " .

الرواه :

الأسم الرتبة

Whoops, looks like something went wrong.