قَالَ حَاتِمٌ : " وَالزُّهْدُ اسْمٌ وَالزَّاهِدُ الرَّجُلُ , وَلِلزُّهْدِ ثَلاثُ شَرَايعَ : أَوْلُهَا الصَّبْرُ بِالْمَعْرَفَةِ ، وَالاسْتِقَامَةِ عَلَى التَّوَكُّلِ ، وَالرِّضَا بِالْعَطَاءِ , فَأَمَّا تَفْسِيرُ الصَّبْرِ بِالْمَعْرَفَةِ : فَإِذَا أُنْزِلَتِ الشِّدَّةُ أَنْ تَعْلَمَ بِقَلْبِكَ أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يَرَاكَ عَلَى حَالِكَ , وَتَصْبِرُ وَتَحْتَسِبُ وَتَعْرِفُ ثَوَابَ ذَلِكَ الصَّبْرِ , وَمَعْرِفَةُ ثَوَابِ الصَّبْرِ : أَنْ تَكُونَ مُسْتَوْطِنَ النَّفْسِ فِي ذَلِكَ الصَّبْرِ , وَتَعْلَمَ أَنَّ لِكُلَّ شَيْءٍ وَقْتًا , وَالْوَقْتُ عَلَى وَجْهَيْنِ : إِمَّا أَنْ يَجِيءَ الْفَرَجُ ، وَإِمَّا أَنْ يَجِيءَ الْمَوْتُ , فَإِذَا كَانَ هَذَانِ الشَّيْئَانِ عِنْدَكَ فَأَنْتَ حِينَئِذٍ عَارِفٌ صَابِرٌ ، وَأَمَّا الاسْتِقَامَةُ عَلَى التَّوَكُّلِ فَالتَّوَكُّلُ : إِقْرَارٌ بِاللِّسَانِ وَتَصْدِيقٌ بِالْقَلْبِ , فَإِذَا كَانَ مُقِرًا مُصَدِّقًا أَنَّهُ رَازِقٌ لا شَكَّ فِيهِ فَإِنَّهُ يَسْتَقِيمُ , وَالاسْتِقَامَةُ عَلَى مَعْنَيَيْنِ : أَنْ تَعْلَمَ أَنَّ شَيْئًا لَكَ وَشَيْئًا لِغَيْرِكَ ، وَأَنَّ كُلَّ شَيْءٍ لَكَ لا يَفُوتُكَ ، وَالَّذِي لِغَيْرِكَ لا تَنَالُهُ ، وَلَوِ احْتَلَّتْ بِكُلِّ حِيلَةٍ , فَإِذَا كَانَ مَالُكَ لا يَفُوتُكَ فَيَنْبَغِي لَكَ أَنْ تَكُونَ وَاثِقًا سَاكِنًا , فَإِذَا عَلِمْتَ أَنَّكَ لا تَنَالُ مَا لِغَيْرِكَ ، فَيَنْبَغِي لَكَ أَنْ لا تَطْمَعَ فِيهِ ، وَعَلامَةُ صِدْقِ هَذَيْنِ الشَّيْئَيْنِ أَنْ تَكُونَ مُشْتَغِلا بِالْمَعْرُوضِ ، وَأَمَّا الرِّضَا بِالْعَطَاءِ فَالْعَطَاءُ : يَنْزِلُ عَلَى وَجْهَيْنِ , عَطَاءٌ تَهْوَى أَنْتَ فَيَجِبُ عَلَيْكَ الشُّكْرُ وَالْحَمْدُ ، وَأَمَّا الْعَطَاءُ الَّذِي لا تَهْوَى فَيَجِبُ عَلَيْكَ أَنْ تَرْضَى وَتَصْبِرَ " .