الامام احمد بن حنبل


تفسير

رقم الحديث : 14120

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ ، وَعَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ ، وَالْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ ، قَالُوا : ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ ، ثَنَا أَبُو الْفَضْلِ صَالِحُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ ، قَالَ أَبِي : " لَمَّا كَانَ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ لِلَيْلَةِ سَبْعَ عَشْرَةَ خَلَتْ مِنْهُ حُوِّلْتُ مِنَ السِّجْنِ إِلَى دَارِ إِسْحَاقَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ ، وَأَنَا مُقَيَّدٌ بِقَيْدٍ وَاحِدٍ يُوَجَّهُ إِلَيَّ فِي كُلِّ يَوْمٍ رَجُلانِ سَمَّاهُمَا أَبِي ، قَالَ أَبُو الْفَضْلِ : وَهُمَا أَحْمَدُ بْنُ رَبَاحٍ ، وَأَبُو شُعَيْبٍ الْحَجَّاجُ, يُكَلِّمَانِي وَيُنَاظِرَانِي ، فَإِذَا أَرَادَا الانْصِرَافَ دَعَوْا بِقَيْدٍ فَقُيِّدْتُ بِهِ ، فَمَكَثْتُ عَلَى هَذِهِ الْحَالِ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ فَصَارَ فِي رِجْلَيَّ أَرْبَعَةُ أَقْيَادٍ ، فَقَالَ لِي أَحَدُهُمَا فِي بَعْضِ الأَيَّامِ فِي كَلامٍ دَارَ بَيْنَنَا وَسَأَلْتُهُ عَنْ عِلْمِ اللَّهِ ، فَقَالَ : عِلْمُ اللَّهِ مَخْلُوقٌ ، فَقُلْتُ لَهُ : يَا كَافِرُ كَفَرْتَ ، فَقَالَ لِي الرَّسُولُ الَّذِي كَانَ يَحْضُرُ مَعَهُمْ مِنْ قِبَلِ إِسْحَاقَ : هَذَا رَسُولُ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ ، قَالَ : فَقُلْتُ لَهُ : إِنَّ هَذَا زَعَمَ أَنَّ عِلْمَ اللَّهِ مَخْلُوقٌ ، فَنَظَرَ إِلَيْهِ كَالْمُنْكِرِ عَلَيْهِ مَا قَالَ ثُمَّ انْصَرَفَا ، قَالَ أَبِي : وَأَسْمَاءُ اللَّهِ فِي الْقُرْآنِ وَالْقُرْآنُ مِنْ عِلْمِ اللَّهِ ، فَمَنْ زَعَمَ أَنَّ الْقُرْآنَ مَخْلُوقٌ فَهُوَ كَافِرٌ ، وَمَنْ زَعَمَ أَنَّ أَسْمَاءَ اللَّهِ مَخْلُوقَةٌ فَقَدْ كَفَرَ ، قَالَ أَبِي رَحِمَهُ اللَّهُ : فَلَمَّا كَانَتْ لَيْلَةُ الرَّابِعَةِ بَعْدَ الْعِشَاءِ الآخِرَةِ وَجَّهُ الْمُعْتَصِمُ بِنَا إِلَى إِسْحَاقَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الْمَوْصِلِيِّ يَأْمُرُهُ بِحَمْلِي ، فَأُدْخِلْتُ عَلَى إِسْحَاقَ ، فَقَالَ لِي : يَا أَحْمَدُ إِنَّهَا وَاللَّهِ نَفْسُكَ إِنَّهُ حَلَفَ أَنْ لا يَقْتُلَكَ بِالسَّيْفِ وَأَنْ يَضْرِبَكَ ضَرْبًا بَعْدَ ضَرْبٍ ، وَأَنْ يُلْقِيَكَ فِي مَوْضِعٍ لا تَرَى فِيهِ الشَّمْسَ ، أَلَيْسَ قَدْ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا سورة الزخرف آية 3 ، فَيَكُونُ مَجْعُولا إِلا مَخْلُوقٌ ؟ قَالَ أَبِي : فَقُلْتُ لَهُ : قَدْ قَالَ : فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ سورة الفيل آية 5 أَفَخَلَقَهُمْ ؟ فَقَالَ : اذْهَبُوا بِهِ ، قَالَ أَبِي : فَأُنْزِلْتُ إِلَى شَاطِئِ دِجْلَةَ فَأُحْدِرْتُ إِلَى الْمَوْضِعِ الْمَعْرُوفِ بِبَابِ الْبُسْتَانِ وَمَعِي بُغَا الْكَبِيرُ وَرَسُولٌ مِنْ قِبَلِ إِسْحَاقَ ، قَالَ : فَقَالَ بُغَا لِمُحَمَّدٍ الْمُحَارِبِيِّ بِالْفَارِسِيَّةِ : مَا تُرِيدُونَ مِنْ هَذَا الرَّجُلِ ؟ قَالَ : يرِيدُونَ مِنْهُ ، أَنْ يَقُولَ : الْقُرْآنُ مَخْلُوقٌ ، فَقَالَ : مَا أَعْرِفُ شَيْئًا مِنْ هَذِهِ الأَقْوَالِ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ ، وَقِرَابَةَ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , قَالَ أَبِي : فَلَمَّا صِرْنَا إِلَى الشَّطِّ أُخْرِجْتُ مِنَ الزَّوْرَقِ فَجُعِلَتْ أَكَادُ أَخِرُّ عَلَى وَجْهِي حَتَّى انْتُهِيَ بِي إِلَى الدَّارِ فَأُدْخِلْتُ ، ثُمَّ عُرِجَ بِي إِلَى الْحُجْرَةِ فُصُيِّرْتُ فِي بَيْتٍ مِنْهَا وَأُغْلِقَ عَلَيَّ الْبَابُ وَأُقْعِدَ عَلَيْهِ رَجُلٌ ، وَذَلِكَ فِي جَوْفِ اللَّيْلِ ، وَلَيْسَ فِي الْبَيْتِ سِرَاجٌ ، فَاحْتَجْتُ إِلَى الْوُضُوءِ فَمَدَدْتُ يَدِي أَطْلُبُ شَيْئًا فَإِذَا أَنَا بِإِنَاءٍ فِيهِ مَاءٌ وَطَشْتٌ ، فَتَهَيَّأْتُ لِلصَّلاةِ وَقُمْتُ أُصَلِّي ، فَلَمَّا أَصْبَحْتُ جَاءَنِي الرَّسُولُ فَأَخَذَ بِيَدِي فَأَدْخَلَنِي الدَّارَ ، وَإِذَا هُوَ جَالِسٌ وَابْنُ أَبِي دُؤَادٍ حَاضِرٌ ، قَدْ جَمَعَ أَصْحَابَهُ وَالدَّارُ غَاصَّةٌ بِأَهْلِهَا ، فَلَمَّا دَنَوْتُ سَلَّمْتُ ، فَقَالَ لِي : ادْنُ فَلَمْ يَزَلْ يُدْنِينِي حَتَّى قَرُبْتُ مِنْهُ ، ثُمَّ قَالَ لِي : اجْلِسْ ، فَجَلَسْتُ وَقَدْ أَثْقَلَتْنِي الأَقْيَادُ ، فَلَمَّا مَكَثْتُ هُنَيْهَةً ، قُلْتُ : تَأْذَنُ فِي الْكَلامِ ؟ فَقَالَ : تَكَلَّمْ ، فَقُلْتُ : إِلامَ دَعَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؟ فَقَالَ : إِلَى شَهَادَةِ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ ، قَالَ : قُلْتُ : أَنَا أَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ ، ثُمَّ قُلْتُ لَهُ : إِنَّ جَدَّكَ ابْنَ عَبَّاسٍ يَحْكِي أَنَّ وَفْدَ عَبْدِ الْقَيْسِ لَمَّا قَدِمُوا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَهُمْ بِالإِيمَانِ بِاللَّهِ ، قَالَ : " أَتَدْرُونَ مَا الإِيمَانُ بِاللَّهِ ؟ " قَالُوا : اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ ، قَالَ : " شَهَادَةُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ ، وَإِقَامَ الصَّلاةِ ، وَإِيتَاءُ الزَّكَاةِ ، وَصَوْمُ رَمَضَانَ ، وَأَنْ تُعْطُوا الْخُمُسَ مِنَ الْغُنْمِ " ، قَالَ أَبُو الْفَضْلِ : حَدَّثَنَاهُ أَبِي , حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ , عَنْ شُعْبَةَ ، قَالَ : حَدَّثَنِي أَبُو حَمْزَةَ ، قَالَ : سَمِعْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ ، قَالَ : إِنَّ وَفْدَ عَبْدِ الْقَيْسِ لَمَّا قَدِمُوا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَهُمْ بِالإِيمَانِ بِاللَّهِ ، فَذَكَرَ الْحَدِيثَ ، قَالَ أَبُو الْفَضْلِ : قَالَ أَبِي : فَقَالَ لِي عِنْدَ ذَلِكَ : لَوْلا أَنْ وَجَدْتُكَ فِي يَدِ مَنْ كَانَ قَبْلِي مَا تَعَرَّضْتُ لَكَ ، ثُمَّ الْتَفَتَ إِلَى عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ إِسْحَاقَ ، فَقَالَ لَهُ : يَا عَبْدَ الرَّحْمَنِ ، أَلَمْ آمُرْكَ أَنْ تَرْفَعَ الْمِحْنَةَ ؟ قَالَ أَبِي : فَقُلْتُ فِي نَفْسِي : اللَّهُ أَكْبَرُ ، إِنَّ فِي هَذَا فَرَجًا لِلْمُسْلِمِينَ ، قَالَ : ثُمَّ قَالَ : نَاظِرُوهُ وَكَلِّمُوهُ ، ثُمَّ قَالَ : يَا عَبْدَ الرَّحْمَنِ كَلِّمْهُ ، فَقَالَ لِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ : مَا تَقُولُ فِي الْقُرْآنِ ؟ قَالَ : قُلْتُ : مَا تَقُولُ فِي عِلْمِ اللَّهِ ؟ فَسَكَتَ ، قَالَ أَبِي : فَجَعَلَ يُكَلِّمُنِي هَذَا وَهَذَا فَأَرُدَّ عَلَى هَذَا وَأُكَلِّمُ هَذَا ، ثُمَّ أَقُولُ : يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ أَعْطُونِي شَيْئًا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ، أَوْ سُنَّةِ رَسُولِهِ عَلَيْهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ أَقُولُ بِهِ ، أُرَاهُ قَالَ : فَيَقُولُ ابْنُ أَبِي دُؤَادٍ : فَأَنْتَ مَا تَقُولُ إِلا مَا فِي كِتَابِ اللَّهِ أَوْ سُنَّةِ رَسُولِهِ ، قَالَ : فَقُلْتُ تَأَوَّلْتَ تَأْوِيلا فَأَنْتَ أَعْلَمُ وَمَا تَأَوَّلْتَ تُحْبَسُ عَلَيْهِ وَتُقَيَّدُ عَلَيْهِ ، قَالَ : فَقَالَ ابْنُ أَبِي دُؤَادٍ : هُوُ وَاللَّهِ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ ضَالٌّ مُضِلٌّ ، مُبْتَدَعٌ وَهَؤُلاءِ قُضَاتُكَ وَالْفُقَهَاءُ فَسَلْهُمْ ، فَيَقُولُ : مَا تَقُولُونَ فِيهِ ؟ فَيَقُولُونَ : يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ هُوَ ضَالٌّ مُضِلٌّ مُبْتَدَعٌ ، قَالَ : وَلا يَزَالُونَ يُكَلِّمُونَنِي ، قَالَ وَجَعَلَ صَوْتِي يَعْلُو أَصْوَاتَهُمْ ، وَقَالَ إِنْسَانٌ مِنْهُمْ ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ سورة الأنبياء آية 2 أَفَيَكُونُ مُحْدَثًا إِلا مَخْلُوقًا ، قَالَ : فَقُلْتُ لَهُ : قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : ص وَالْقُرْءَانِ ذِي الذِّكْرِ سورة ص آية 1 ، فَالْقُرْآنُ هُوَ الذِّكْرُ ، وَالذِّكْرُ هُوَ الْقُرْآنُ وَيْلَكَ لَيْسَ فِيهَا أَلْفٌ وَلامٌ ، قَالَ : فَجَعَلَ ابْنُ سَمَاعَةَ لا يَفْهَمُ مَا أَقُولُ ، قَالَ : فَجَعَلَ يَقُولُ لَهُمْ : مَا يَقُولُ ؟ قَالَ : فَقَالُوا : إِنَّهُ يَقُولُ كَذَا وَكَذَا ، قَالَ : فَقَالَ لِي إِنْسَانٌ مِنْهُمْ : حَدِيثُ خَبَّابٍ " تَقَرَّبْ إِلَى اللَّهِ بِمَا اسْتَطَعْتَ ، فَإِنَّكَ لَنْ تَتَقَرَّبَ إِلَيْهِ بِشَيْءٍ هُوَ أَحَبُّ إِلَيْهِ مِنْ كَلامِهِ " ، قَالَ : أَبِي ، فَقُلْتُ لَهُمْ : نَعَمْ هَكَذَا هُوَ ، فَجَعَلَ ابْنُ أَبِي دُؤَادٍ يَنْظُرُ إِلَيْهِ وَيَلْحَظُهُ مُتَغَيِّظًا عَلَيْهِ ، قَالَ أَبِي : وَقَالَ بَعْضُهُمْ أَلَيْسَ : قَالَ : خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ سورة الأنعام آية 102 قُلْتُ : قَدْ قَالَ : تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ سورة الأحقاف آية 25 فَدَمَّرَتْ إِلا مَا أَرَادَ اللَّهُ ، قَالَ : فَقَالَ بَعْضُهُمْ : فَمَا تَقُولُ وَذَكَرَ حَدِيثَ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ : " إِنَّ اللَّهَ كَتَبَ الذِّكْرَ " ، فَقَالَ : إِنَّ اللَّهَ خَلَقَ الذِّكْرَ , فَقُلْتُ : هَذَا خَطَأٌ حَدَّثَنَاهُ غَيْرُ وَاحِدٍ " إِنَّ اللَّهَ كَتَبَ الذِّكْرَ " ، قَالَ أَبِي : " فَكَانَ إِذَا انْقَطَعَ الرَّجُلُ مِنْهُمُ اعْتَرَضَ ابْنُ أَبِي دُؤَادٍ فَتَكَلَّمَ ، فَلَمَّا قَارَبَ الزَّوَالُ ، قَالَ لَهُمْ : قُومُوا ثُمَّ حُبِسَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ إِسْحَاقَ ، فَخَلا بِي وَبِعَبْدِ الرَّحْمَنِ فَجَعَلَ ، يَقُولُ : أَمَا تَعْرِفُ صَالِحًا الرَّشِيدِيُّ كَانَ مُؤَدِّبِي ، وَكَانَ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ جَالِسًا وَأَشَارَ إِلَى نَاحِيَةٍ مِنَ الدَّارِ ، قَالَ : فَتَكَلَّمَ وَذَكَرَ الْقُرْآنَ فَخَالَفَنِي ، فَأَمَرْتُ بِهِ فَسُحِبَ وَوُطِئَ ، ثُمَّ جَعَلَ يَقُولُ لِي : مَا أَعْرِفُكَ أَلَمْ تَكُنْ تَأْتِينَا ، فَقَالَ لَهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ : يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ أَعْرِفُهُ مُنْذُ ثَلاثِينَ سَنَةً يَرَى طَاعَتَكَ ، وَالْحَجَّ ، وَالْجِهَادَ مَعَكَ وَهُوَ مُلازِمٌ لِمَنْزِلِهِ ، قَالَ : فَجَعَلَ يَقُولُ : وَاللَّهِ إِنَّهُ لَفَقِيهٌ ، وَإِنَّهُ لَعَالِمٌ وَمَا يَسُوءُنِي أَنْ يَكُونَ مَعِي يَرُدُّ عَلَى أَهْلِ الْمُلْكِ ، وَلَئِنْ أَجَابَنِي إِلَى شَيْءٍ لَهُ فِيهِ أَدْنَى فَرَجٍ لأُطْلِقَنَّ عَنْهُ بِيَدِي ، وَلأَطَأَنَّ عَقِبَهُ وَلأَرْكَبَنَّ إِلَيْهِ بِجُنْدِي ، قَالَ : ثُمَّ يَلْتَفِتُ إِلَيَّ ، فَيَقُولُ : وَيْحَكَ يَا أَحْمَدُ مَا تَقُولُ ؟ قَالَ : فَأَقُولُ : يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ أَعْطُونِي شَيْئًا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ ، أَوْ سُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَلَمَّا طَالَ بِنَا الْمَجْلِسُ ضَجِرَ ، فَقَامَ فَرُدِدْتُ إِلَى الْمَوْضِعِ الَّذِي كُنْتُ فِيهِ ، ثُمَّ وَجَّهَ إِلَيَّ بِرَجُلَيْنِ سَمَّاهُمَا وَهُمَا صَاحِبُ الشَّافِعِيِّ ، وَغَسَّانُ مِنْ أَصْحَابِ ابْنِ أَبِي دُؤَادٍ يُنَاظِرَانِي فَيُقِيمَانِ مَعِي حَتَّى إِذَا حَضَرَ الإِفْطَارَ وَجَّهَ إِلَيْنَا بِمَائِدَةٍ عَلَيْهَا طَعَامٌ فَجَعَلا يَأْكُلانِ ، وَجَعَلْتُ أَتَعَلَّلُ حَتَّى تُرْفَعَ الْمَائِدَةُ ، وَأَقَامَا إِلَى غُدُوٍّ فِي خِلالِ ذَلِكَ يَجِيءُ ابْنُ أَبِي دُؤَادٍ ، فَيَقُولُ لِي : يَا أَحْمَدُ ، يَقُولُ لَكَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ مَا تَقُولُ ؟ فَأَقُولُ لَهُ : أَعْطُونِي شَيْئًا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ، أَوْ سُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى أَقُولَ بِهِ ، فَقَالَ لِي ابْنُ أَبِي دُؤَادٍ : وَاللَّهِ لَقَدْ كُتِبَ اسْمُكَ فِي السَّبْعَةِ فَمَحَوْتُهُ ، وَلَقَدْ سَاءَنِي أَخْذُهُمْ إِيَّاكَ ، وَإِنَّهُ وَاللَّهِ لَيْسَ السَّيْفُ إِنَّهُ ضَرْبٌ بَعْدَ ضَرْبٍ ، ثُمَّ يَقُولُ لِي : مَا تَقُولُ ، فَأَرُدُّ عَلَيْهِ نَحْوًا مِمَّا رَدَدْتُ عَلَيْهِ ، ثُمَّ يَأْتِينِي رَسُولُهُ ، فَيَقُولُ : أَيْنَ أَحْمَدُ بْنُ عَمَّارٍ ؟ أَجِبِ الرَّجُلَ الَّذِي أُنْزِلْتَ فِي حُجْرَتِهِ ، فَيَذْهَبُ ثُمَّ يَعُودُ ، فَيَقُولُ : يَقُولُ لَكَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ : مَا تَقُولُ ؟ فَأَرُدَّ عَلَيْهِ نَحْوًا مِمَّا رَدَدْتُ عَلَى ابْنِ أَبِي دُؤَادٍ ، فَلا تَزَالُ رُسُلُهُ تَأْتِي أَحْمَدَ بْنَ عَمَّارٍ وَهُوَ يَخْتَلِفُ فِيمَا بَيْنِي وَبَيْنَهُ ، وَيَقُولُ : يَقُولُ لَكَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ : أَجِبْنِي حَتَّى أَجِيءَ ، فَأُطْلِقَ عَنْكَ بِيَدِي ، قَالَ : فَلَمَّا كَانَ فِي الْيَوْمِ الثَّانِي أُدْخِلْتُ عَلَيْهِ ، فَقَالَ : نَاظِرُوهُ وَكَلِّمُوهُ ، قَالَ : فَجَعَلُوا يَتَكَلَّمُونَ هَذَا مِنْ هَاهُنَا وَهَذَا مِنْ هَاهُنَا فَأَرُدُّ عَلَى هَذَا وَهَذَا ، فَإِذَا جَاءُوا بِشَيْءٍ مِنَ الْكَلامِ مِمَّا لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ، وَلا سُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَلا فِيهِ خَبَرٌ ، وَلا أَثَرٌ ، قُلْتُ : مَا أَدْرِي مَا هَذَا ، قَالَ : فَيَقُولُونَ : يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ ، إِذَا تَوَجَّهَتْ لَهُ الْحُجَّةَ عَلَيْنَا وَثَبَ ، وَإِذَا كَلَّمْنَاهُ بِشَيْءٍ يَقُولُ : لا أَدْرِي مَا هَذَا ؟ قَالَ : فَيَقُولُ : نَاظِرُوهُ ثُمَّ يَقُولُ : يَا أَحْمَدُ إِنِّي عَلَيْكَ شَفِيقٌ ، فَقَالَ رَجُلٌ مِنْهُمْ : أَرَاكَ تَذْكُرُ الْحَدِيثَ وَتَنْتَحِلُهُ ، فَقَالَ لَهُ : مَا تَقُولُ فِي قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى : يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنْثَيَيْنِ سورة النساء آية 11 ، فَقَالَ : خَصَّ اللَّهُ بِهَا الْمُؤْمِنِينَ ، قَالَ : فَقُلْتُ لَهُ : مَا تَقُولُ إِنْ كَانَ قَاتِلا ، أَوْ عَبْدًا ، أَوْ يَهُودِيًّا ، أَوْ نَصْرَانِيًّا ، فَسَكَتَ ، قَالَ أَبِي : وَإِنَّمَا احْتَجَجْتُ عَلَيْهِمْ بِهَذَا لأَنَّهُمْ كَانُوا يَحْتَجُّونَ عَلَيَّ بِظَاهِرِ الْقُرْآنِ وَلِقَوْلِهِ تَنْتَحِلُ الْحَدِيثَ ، وَكَانَ إِذَا انْقَطَعَ الرَّجُلُ مِنْهُمُ اعْتَرَضَ ابْنُ أَبِي دُؤَادٍ ، فَيَقُولُ : يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ وَاللَّهِ لَئِنْ أَجَابَكَ لَهُوَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ مِائَةِ أَلْفِ دِينَارٍ ، وَمِائَةِ أَلْفِ دِينَارٍ ، فَيَعْدُدْ مَا شَاءَ اللَّهُ مِنْ ذَلِكَ ، ثُمَّ أَمَرَهُمْ بَعْدَ ذَلِكَ بِالْقِيَامِ وَخَلا بِي ، وَبِعَبْدِ الرَّحْمَنِ فَيَدُورُ بَيْنَنَا كَلامٌ كَثِيرٌ وَفِي خِلالِ ذَلِكَ ، يَقُولُ : نَدْعُو أَحْمَدَ بْنَ دُؤَادٍ ؟ فَأَقُولُ ذَلِكَ إِلَيْكَ ، فَيُوَجِّهُ إِلَيْهِ فَيَجِيءُ فَيَتَكَلَّمُ ، فَلَمَّا طَالَ بِنَا الْمَجْلِسُ قَامَ وَرُدِدْتُ إِلَى الْمَوْضِعِ الَّذِي كُنْتُ فِيهِ ، وَجَاءَنِي الرَّجُلانِ اللَّذَانِ كَانَا عِنْدِي بِالأَمْسِ ، فَجَعَلا يَتَكَلَّمَانِ فَدَارَ بَيْنَنَا كَلامٌ كَثِيرٌ فَلَمَّا كَانَ وَقْتُ الإِفْطَارِ جِيءَ بِطَعَامٍ عَلَى نَحْوِ مَا أُتِيَ بِهِ فِي أَوَّلِ لَيْلَةٍ ، فَأَفْطَرُوا فَتَعَلَّلْتُ وَجَعَلَتْ رُسُلُهُ تَأْتِي أَحْمَدَ بْنَ عَمَّارٍ ، فَيَمْضِي إِلَيْهِ فَيَأْتِينِي بِرِسَالَةٍ عَلَى نَحْوِ مَا كَانَ لِي أَوَّلَ لَيْلَةٍ ، وَجَاءَ ابْنُ أَبِي دُؤَادٍ ، فَقَالَ : إِنَّهُ قَدْ حَلَفَ أَنْ يَضْرِبَكَ ضَرْبًا وَأَنْ يَحْبِسَكَ فِي مَوْضِعٍ لا تَرَى فِيهِ الشَّمْسَ ، فَقُلْتُ لَهُ : فَمَا صَنَعَ ؟ حتَّى إِذَا كِدْتُ أَنْ أُصْبِحَ ، قُلْتُ : لَخَلِيقٌ أَنْ يَحْدُثَ فِي هَذَا الْيَوْمِ مِنْ أَمْرِي شَيْءٌ ، وَقَدْ كُنْتُ خَرَجَتْ تِكَّتِي مِنْ سَرَاوِيلِي فَشَدَدْتُ بِهَا الأَقْيَادَ أَحْمِلُهَا بِهَا إِذَا تَوَجَّهْتُ إِلَيْهِ ، فَقُلْتُ لِبَعْضِ مَنْ كَانَ مَعِي الْمُوَكَّلُ بِي : أُرِيدُ لِي خَيْطًا فَجَاءَنِي ، بِخَيْطٍ فَشَدَدْتُ بِهِ الأَقْيَادَ وَأَعَدْتُ التِّكَّةَ فِي سَرَاوِيلِي وَلَبَسْتُهَا كَرَاهِيَةَ أَنْ يَحْدُثَ شَيْءٌ مِنْ أَمْرِي فَأَتَعَرَّى ، فَلَمَّا كَانَ فِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ أُدْخِلْتُ عَلَيْهِ وَالْقَوْمُ حُضُورٌ ، فَجَعَلْتُ أَدْخَلُ مِنْ دَارٍ إِلَى دَارٍ ، وَقَوْمٌ مَعَهُمُ السُّيوفُ وَقَوْمٌ مَعَهُمُ السِّيَاطُ ، وَغَيْرُ ذَلِكَ مِنَ الزِّيِّ وَالسِّلاحِ ، وَقَدْ حُشِيَتِ الدَّارُ بِالْجُنْدِ وَلَمْ يَكُنْ فِي الْيَوْمَيْنِ الْمَاضِيَيْنِ كَبِيرَ أَحَدٍ مِنْ هَؤُلاءِ حَتَّى إِذَا صِرْتُ إِلَيْهِ ، قَالَ : نَاظِرُوهُ وَكَلِّمُوهُ ، فَعَادُوا لِمِثْلِ مُنَاظَرَتِهِمْ ، فَدَارَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ كَلامٌ كَثِيرٌ حَتَّى إِذَا كَانَ فِي الْوَقْتِ الَّذِي كَانَ يَخْلُو بِي فِيهِ فَجَاءَنِي ثُمَّ اجْتَمَعُوا فَشَاوَرَهُمْ ثُمَّ نَحَّاهُمْ وَدَعَانِي فَخَلا بِي وَبِعَبْدِ الرَّحْمَنِ ، فَقَالَ لِي : وَيْحَكَ يَا أَحْمَدُ وَأَنَا وَاللَّهِ عَلَيْكَ شَفِيقٌ ، وَإِنِّي لأُشْفِقُ عَلَيْكَ مِثْلَ شَفَقَتِي عَلَى هَارُونَ ابْنِي ، فَأَجِبْنِي ، فَقُلْتُ : يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ ، أَعْطُونِي شَيْئًا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ، أَوْ سُنَّةِ رَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَلَمَّا ضَجِرَ وَطَالَ الْمَجْلِسُ ، قَالَ عَلَيْكَ لَعْنَةُ اللَّهِ لَقَدْ طَمِعْتُ فِيكَ ، خُذُوهُ اخْلَعُوهُ وَاسْحَبُوهُ ، قَالَ : فَأُخِذْتُ فَسُحِبْتُ ، ثُمَّ خُلِعْتُ ، ثُمَّ قَالَ : الْعَقَابِينُ وَالسِّيَاطُ فَجِيءَ بِعَقَابِينَ وَالسِّيَاطِ ، قَالَ أَبِي : وَقَدْ كَانَ صَارَ إِلَيَّ شَعْرَتَانِ مِنْ شَعْرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَصَرَرْتُهُمَا فِي كُمِّ قَمِيصِي فَنَظَرَ إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ إِلَى الصُّرَّةِ فِي كُمِّ قَمِيصِي فَوَجَّهَ إِلَيَّ : مَا هَذَا الْمَصْرُورُ فِي كُمِّكَ ؟ ، فَقُلْتُ : شَعْرٌ مِنْ شَعْرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَسَعَى بَعْضُ الْقَوْمِ إِلَى الْقَمِيصِ لِيَحْرِقَهُ فِي وَقْتِ مَا أُقِمْتُ بَيْنَ الْعَقَابِينَ ، فَقَالَ لَهُمْ : لا تُحْرِقُوهُ وَانْزَعُوهُ عَنْهُ ، قَالَ أَبِي : فَظَنْتُ أَنَّهُ بِسَبَبِ الشَّعْرِ الَّذِي كَانَ فِيهِ ، ثُمَّ صُيِّرْتُ بَيْنَ الْعَقَابِينَ وَشُدَّتْ يَدِي وَجِيءَ بِكُرْسِيٍّ فَوُضِعَ لَهُ وَابْنُ أَبِي دُؤَادٍ قَائِمٌ عَلَى رَأْسِهِ ، وَالنَّاسُ اجْتَمَعُوا وَهُمْ قِيَامٌ مِمَّنْ حَضَرَ ، فَقَالَ لِي إِنْسَانٌ مِمَّنْ شَدَّنِي خُذْ أَيَّ الْخَشَبَتَيْنِ بِيَدِكَ وَشُدَّ عَلَيْهَا ، فَلَمْ أَفْهَمْ مَا قَالَ ، قَالَ : فَتَخَلَّعَتْ يَدِي لَمَّا شُدَّتْ وَلَمْ أُمْسِكِ الْخَشَبَتَيْنِ ، قَالَ أَبُو الْفَضْلِ ، وَلَمْ يَزَلْ أَبِي رَحِمَهُ اللَّهُ يَتَوَجَّعُ مِنْهَا مِنَ الرُّسْغِ إِلَى أَنْ تُوفِّيَ ، ثُمَّ قَالَ لِلْجَلادِينَ : تَقَدَّمُوا فَنَظَرَ إِلَى السِّيَاطِ فَقَالَ : ائْتُوا بِغَيْرِهَا ، ثُمَّ قَالَ لَهُمْ : تَقَدَّمُوا ، فَقَالَ لأَحَدِهِمْ : أَدْنِهِ أَوْجِعْ قَطَعَ اللَّهُ يَدَكَ ، فَتَقَدَّمَ فَضَرَبَنِي سَوْطَيْنِ ، ثُمَّ تَنَحَّى فَلَمْ يَزَلْ يَدْعُو وَاحِدًا بَعْدَ وَاحِدٍ فَيَضْرِبُنِي سَوْطَيْنِ وَيَتَنَحَّى ، ثُمَّ قَامَ حَتَّى جَاءَنِي وَهُمْ مُحَدِّقُونَ بِهِ ، فَقَالَ : وَيْحَكَ يَا أَحْمَدُ تَقْتُلُ نَفْسكَ ؟ وَيْحَكَ أَجِبْنِي حَتَّى أُطْلِقَ عَنْكَ بِيَدِي ، قَالَ فَجَعَلَ بَعْضُهُمْ ، يَقُولُ : وَيْحَكَ إِمَامُكَ عَلَى رَأْسِكَ قَائِمٌ ، قَالَ : وَجَعَلَ يَعْجَبُ وَيَنْخَسُنِي بِقَائِمِ سَيْفِهِ ، وَيَقُولُ : تُرِيدُ أَنْ تَغْلِبَ هَؤُلاءِ كُلَّهُمْ ، وَجَعَلَ إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ ، يَقُولُ : وَيْلَكَ الْخَلِيفَةُ عَلَى رَأْسِكَ قَائِمٌ ، قَالَ : ثُمَّ يَقُولُ بَعْضُهُمْ : يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ دَمُهُ فِي عُنُقِي ، قَالَ : ثُمَّ رَجَعَ فَجَلَسَ عَلَى الْكُرْسِيِّ ، ثُمَّ قَالَ لِلْجَلادِ : أَدْنِهِ شُدَّ ، قَطَعَ اللَّهُ يَدَكَ ، ثُمَّ لَمْ يَزَلْ يَدْعُو بِجَلادٍ بَعْدَ جَلادٍ فَيَضْرِبُنِي سَوْطَيْنِ وَيَتَنَحَّى ، وَهُوَ يَقُولُ لَهُ : شُدَّ قَطَعَ اللَّهُ يَدَكَ ، ثُمَّ قَامَ لِي الثَّانِيَةَ فَجَعَلَ ، يَقُولُ : يَا أَحْمَدُ ، أَجِبْنِي وَجَعَلَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ إِسْحَاقَ ، يَقُولُ لِي : مَنْ صَنَعَ بِنَفْسِهِ مِنْ أَصْحَابِكَ فِي هَذَا الأَمْرِ مَا صَنَعْتَ ؟ هَذَا يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ وَهَذَا أَبُو خَيْثَمَةَ وَابْنُ أَبِي ؟ وَجَعَلَ يُعَدِّدُ عَلَيَّ مَنْ أَجَابَ ، وَجَعَلَ هُوَ يَقُولُ : وَيْحَكَ أَجِبْنِي ، قَالَ : فَجَعَلْتُ أَقُولُ نَحْوًا مِمَّا كُنْتُ أَقُولُ لَهُمْ ، قَالَ : فَرَجَعَ فَجَلَسَ ثُمَّ جَعَلَ ، يَقُولُ لِلْجَلادِ : شُدَّ قَطَعَ اللَّهُ يَدَكَ ، قَالَ أَبِي : فَذَهَبَ عَقْلِي وَمَا عَقَلْتُ إِلا وَأَنَا فِي حُجْرَةٍ طُلِقَ عَنِّي الأَقْيَادُ ، فَقَالَ إِنْسَانٌ مِمَّنْ حَضَرَ : إِنَّا كَبَبْنَاكَ عَلَى وَجْهِكَ وَطَرَحْنَا عَلَى ظَهْرِكَ سَارِيَةً وَدُسْنَاكَ ، قَالَ أَبِي : فَقُلْتُ : مَا شَعَرْتُ بِذَلِكَ ، قَالَ : فَجَاءُونِي بِسَوِيقٍ ، فَقَالُوا لِي : اشْرَبْ وَتَقَيَّأَ ، فَقُلْتُ : لا أُفْطِرُ ثُمَّ جِيءَ بِي إِلَى دَارِ إِسْحَاقَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ ، قَالَ أَبِي : فَنُودِيَ بِصَلاةِ الظُّهْرِ ، فَصَلَّيْنَا الظُّهْرَ ، قَالَ ابْنُ سَمَاعَةَ : صَلَّيْتَ وَالدَّمُ يَسِيلُ مِنْ ضَرْبِكَ ؟ فَقُلْتُ : قَدْ صَلَّى عُمَرُ وَجُرْحُهُ يَثْعَبُ دَمًا فَسَكَتَ ، ثُمَّ خَلَّى عَنْهُ وَوَجَّهَ إِلَيْهِ بِرَجُلٍ مِمَّنْ يُبْصِرُ الضَّرْبَ وَالْجِرَاحَاتِ لِيُعَالِجَ فِيهَا فَنَظَرَ إِلَيْهِ ، فَقَالَ لَنَا : وَاللَّهِ لَقَدْ رَأَيْتُ مَنْ ضُرِبَ أَلْفَ سَوْطٍ مَا رَأَيْتُ ضَرْبًا أَشَدَّ مِنْ هَذَا ، لَقَدْ جُرَّ عَلَيْهِ مِنْ خَلْفِهِ وَمِنْ قُدَّامِهِ ثُمَّ أَدْخَلَ مِيلا فِي بَعْضِ تِلْكَ الْجِرَاحَاتِ ، وَقَالَ : لَمْ يَثْعَبْ فَجَعَلَ يَأْتِيهِ وَيُعَالِجُهُ ، وَقَدْ كَانَ أَصَابَ وَجْهَهُ غَيْرُ ضَرْبَةٍ ، ثُمَّ مَكَثَ يعَالِجُهُ مَا شَاءَ اللَّهُ ، ثُمَّ قَالَ : إِنَّ هَاهُنَا شَيْئًا أُرِيدُ أَنْ أَقْطَعَهُ ، فَجَاءَ بِحَدِيدَةٍ فَجَعَلَ يُعَلِّقُ اللَّحْمَ بِهَا وَيَقْطَعُهُ بِسِكِّينٍ مَعَهُ ، وَهُوَ صَابِرٌ لِذَلِكَ يَحْمَدُ اللَّهَ فِي ذَلِكَ فَيَرَاهُ مِنْهُ ، وَلَمْ يَزَلْ يَتَوَجَّعُ مِنْ مَوَاضِعَ مِنْهُ ، وَكَانَ أَثَرُ الضَّرْبِ بَيِّنًا فِي ظَهْرِهِ إِلَى أَنْ تُوفِّيَ رَحِمَهُ اللَّهُ " .

الرواه :

الأسم الرتبة
ابْنَ عَبَّاسٍ

صحابي

أَبُو حَمْزَةَ

ثقة

شُعْبَةَ

ثقة حافظ متقن عابد

يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ

ثقة متقن حافظ إمام قدوة

أَبِي

ثقة حافظ فقيه حجة

أَبُو الْفَضْلِ صَالِحُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ

ثقة

مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ

مجهول الحال

وَالْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ

مجهول الحال

وَعَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ

مقبول

مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ

مجهول الحال

Whoops, looks like something went wrong.