حَدَّثَنَا أَبِي , وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ ، قَالا : حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ ، قَالَ : أَخْبَرَنِي عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُحَمَّدٍ ، قَالَ : قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الأَنْطَاكِيُّ : " عَرَضَ لِلْخَلائِقِ عَارِضٌ مِنَ الْهَوَى أَقْعَدَ الْمُرِيدَ وَأَلْهَى الْعَاقِلَ فَلا الْعَاقِلُ عَرَفَ دَاءَهُ وَلا الْمُرِيدُ طَلَبَ دَوَاءَهُ ، وَمَنِ اسْتَعْصَمَ بِاللَّهِ عُصِمَ , وَمَنْ عُصِمَ حُجِبَ عَنِ الْمَعَاصِي ، وَمَنْ تَوَقَّى وُقِيَ ، وَمَنِ الْتَمَسَ الْعَافِيَةَ عُوفِيَ ، وَمَنِ اسْتَسْلَمَ إِلَى نَفْسِهِ حُجِبَ عَنِ الطَّاعَةِ وَغَلَبَةِ الْهَوَى فَسُلِكَ بِهِ سَبِيلَ الرَّدَى وَاسْتَحْوَذَ عَلَيْهِ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ ، وَالْمَحْرُومُ مَنْ حُرِمَ السُّؤَالَ وَالسُّؤَالُ مِفْتَاحُ الإِجَابَةِ ، وَالْكَرِيمُ يُعْطِي قَبْلَ السُّؤَالِ ، وَأَكْثَرُ مِنَنِ اللَّهِ عَلَى عَبْدِهِ قَبْلَ السُّؤَالِ ، اسْتَغْنِ عَمَّنْ عَدَلَ عَنْكَ بِوَجْهِهِ وَخَلَ الطَّرِيقَ لِمَنْ لا يُفِيقُ , وَلا تَحْجُبِ النُّصْحَ عَنْ مستفيقٍ ، وَاقْصِدْ لِقَلْبِكَ قَصْدَ الطَّرِيقِ ، وَاحْبِسْ لِسَانَكَ حَبْسَ الْمَضِيقِ ، وَالْقَ الصَّدِيقَ بِوَجْهٍ طَلِيقٍ ، وَعَامِلِ اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ ، وَحَاسِبِ النَّفْسَ بِالْحِسَابِ الدَّقِيقِ ، مَا بَالُ أَعْمَالِ الآخِرَةِ لا تَبِينُ فِينَا ، وَغُلِبْنَا بَالسَّهْوِ مِنَّا وَالْغَفْلَةِ وَالتَّقْصِيرِ فِيهَا ، إِنَّمَا وَضَحَ وَصَحَّ أَنَّ مُطَالَبَتَنَا الدُّنْيَا مِنْ تَقْصِيرِنَا ، وَمَطَالَبَتَنَا آمَالَ الآخِرَةِ فَالا مِنْ نَقْصِهَا ، وَأَوَّلُ دَرَجَاتِ الْعِلْمِ الْخَوْفُ مِنْ فَوَاتِ الآمَالِ ، وَمَنْ أُعْجِبَ بِعَمَلٍ حَرِصَ أَنْ يُتِمَّهُ ، وَمَنْ رَأَى ثَوَابَهُ أَحَبَّ أَنْ يُتْقِنَهُ ، وَمَنْ تَآخَى الْحِكْمَةَ شُغِلَ عَمَّا سِوَاهَا ، وَمَنْ قَرَّ عَيْنًا بِشَيْءٍ لَهَجَ بِذِكْرِهِ ، وَالأَقَاوِيلُ مَحْفُوظَةٌ إِلَى يَوْمِ تَلْقَاهَا ، وَكُلُّ نَفْسٍ رَهِينَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ يَدَاهَا ، وَالنَّاسُ مَنْقُوصُونَ مَدْخُولُونَ فَالمُسْتَمِعُ غَائِبٌ وَالسَّائِلُ مُتَغَيِّبٌ ، وَالْمُجِيبُ مُتَكَلِّفٌ ، أَدْنَى الرِّضَى يُزِيلُ أَعْمَالَهُمْ , وَأَدْنَى السَّخَطِ يُزِيلُ كُلَّ إِحْسَانٍ عِنْدَهُمْ ، وَالْعُجْبُ يَمْحَقُ الْعِبَادَةَ ، وَيُزْرِي مِنَ الْعَقْلِ ، وَمَا وَجَدْتُ فَقْرًا أَضَرَّ مِنَ الْجَهْلِ ، وَلا مَآلا أَعْدَمَ مِنَ الْعَقْلِ ، وَالْخَوْفُ يُكْسِبُ الْوَرَعَ ، وَالْيَقِينُ يُكْسِبُ الْخَوْفَ ، وَصِحَّةُ التَّرْكِيبُ مِنْ ذَوِي الأَلْبَابِ يُكْسِبُ الْيَقِينَ ، وَالْمُشَاوَرَةُ تَجْتَلِبُ الْمُظَاهَرَةَ ، وَالتَّدْبِيرُ دَلِيلٌ عَلَى عَقْلِ الْعَاقِلِ ، وَصِحَّةُ الْوَرَعِ مِنْ عَلامَاتِ الْخَوْفِ ، وَحُسْنُ الْخُلُقِ يَجْتَلِبُ كَرَمَ الْحَسَبِ ، وَسُوءُ الْخُلُقِ مِنْ شَأْنِ ذَوِي الأَحْسَابِ ، وَمَنْ عَقَلَ أَيْقَنَ ، وَمَنْ أَيْقَنَ خَافَ ، وَمَنْ خَافَ صَبَرَ ، وَمَنْ صَبَرَ وَرَعَ ، وَمَنْ وَرَعَ أَمْسَكَ عَنِ الشُّبُهَاتِ وَنَفَى الْحِرْصَ ، فَعِنْدَ ذَلِكَ دَارَتْ رَحَى الْعَبْدِ بِأَعْمَالِ الطَّاعَاتِ لِلَّهِ ، وَمَنْ سُحِقَ عَقْلُهُ ضَعُفَ يَقِينُهُ ، وَمَنْ ضَعُفَ يَقِينُهُ فُقِدَ مِنْهُ خَوْفُهُ ، وَظَهَرَ مِنْهُ أَمْنُهُ وَمَنْ ظَهَرَ مِنْهُ أَمْنُهُ كَثُرَتْ غَفْلَتُهُ ، وَمَنْ كَثُرَتْ مِنْهُ غَفْلَتُهُ قَسَا مِنْهُ قَلْبُهُ ، وَمَنْ قَسَا مِنْهُ قَلْبُهُ لَمْ يَنْجَحْ فِيهِ مَوْعِظَةٌ , وَغَلَبَ عَلَيْهِ حُبُّ دُنْيَاهُ ، وَكَثُرَتْ فِيهِ أَعْمَالُ آخِرَتِهِ بِلا حَقِيقَةِ خَوْفٍ ، وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ " .