حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ أَحْمَدَ , حدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مُوسَى الأَنْطَاكِيُّ ، قَالَ : سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ أَحْمَدَ بْنَ عَاصِمٍ الأَنْطَاكِيَّ , يَقُولُ : " أَشَرُّ مُكْنَةِ الرَّجُلِ الْبَذَاءُ , وَهُوَ الْوَقِيعَةُ مِنْهُ وَهِيَ الْغِيبَةُ , وَذَلِكَ أَنَّهُ لا يَنَالُ بِذَلِكَ مَنْفَعَةً فِي الدُّنْيَا , وَلا فِي الآخِرَةِ بَلْ يُبْغِضُهُ عَلَيْهِ الْمُتَّقُونَ وَيَهْجُرُهُ الْغَافِلُونَ وَتَجْتَنِبُهُ الْمَلائِكَةُ وَتَفْرَحُ بِهِ الشَّيَاطِينُ ، وَيُقَالُ إِنَّهَا تُفْطِرُ الصَّائِمَ , وَتَنْقُضُ الْوضُوءَ , وَتُحْبِطُ الأَعْمَالَ , وَتُوجِبُ الْمَقْتَ ، وَالْغِيبَةُ وَالنَّمِيمَةُ قَرِينَتَانِ وَمَخْرَجُهُمَا مِنْ طَرِيقِ الْبَغْيِ ، وَالنَّمَّامُ قَاتِلٌ ، وَالْمُغْتَابُ آكِلُ الْمَيْتَةِ ، وَالْبَاغِي مُسْتَكْبِرٌ ، ثَلاثَتُهُمْ وَاحِدٌ وَوَاحِدُهُمْ ثَلاثَةٌ ، فَإِذَا عَوَّدَ نَفْسَهُ ذَلِكَ رَفَعَهُ إِلَى دَرَجَةِ الْبُهْتَانِ فَيَصِيرُ مُغْتَابًا مُبَاهِتًا كَذَّابًا ، فَإِذَا ثَبَتَ فِيهِ الْكَذِبُ وَالْبُهْتَانُ صَارَ مُجَانِبًا لِلإِيمَانِ " ، قَالَ أَحْمَدُ بْنُ عَاصِمٍ : " وَلا يَكْسِبُ بِالْغِيبَةِ تَعْجِيلَ ثَنَاءٍ ، وَلا يَبْلُغُ بِهِ رِئَاسَةً ، وَلا يَصِلُ بِهِ إِلَى مَزِيَّةٍ فِي دُنْيَا مِنْ مُطْعِمٍ أَوْ مَلْبَسٍ وَلا مَالٍ ، وَهُوَ عِنْدَ الْعُقَلاءِ مَنْقُوصٌ ، وَعِنْدَ الْعَامَّةِ سَفِيهٌ ، وَعِنْدَ الأُمَنَاءِ خَائِنٌ ، وَعِنْدَ الْجُهَّالِ مَذْمُومٌ ، وَلا يَحْتَمِلُهُ فِي نَقْصٍ إِلا مَنْ كَانَ فِي مِثْلِ حَالِهِ ، وَمَا وَجَدْتُ فِي الشَّرِّ نَوْعًا أَكْثَرَ مِنْهُ ضَرَرًا فِي الْعَاجِلِ وَالآجِلِ , وَلا أَقَلَّ نَفْعًا , وَلا أَظْهَرَ جَهْلا , وَلا أَعْظَمَ وِزْرًا مِنْ مُكَتَسِبِيهِ ، يُبْغِضُهُ عَلَيْهِ الْمُتَّقُونَ وَيَحْذَرُهُ الْفَاسِقُونَ وَيَهْجُرُهُ الْعَاقِلُونَ ، وَالْغِيبَةُ اسْمٌ لِثَلاثَةِ مُعَانٍ ، وَرَابِعُهُمَا كَبِيرَةٌ تُنْبِتُ عَيْبَ غَيْرِكَ فِي الْقَلْبِ فَتَكْرَهُ أَنْ تَتَكَلَّمَ بِهِ خَوْفَ عَادِيَةٍ , وَالْمَعْنَى الثَّانِي أَنْ تَذْكُرَ بِاللِّسَانِ وَتَكْرَهَ أَنْ تَذْكُرَ اسْمَ الرَّجُلِ بِعَيْنِهِ ، وَالثَّالِثُ مَعْنَاهُ فِي الْقَلْبِ وَالْعَفْوُ ، وَذِكْرُ الْغِيبَةِ بِاللِّسَانِ , فَإِمَّا إِظْهَارُكَ اسْمَ الرَّجُلِ فَالْغِيبَةُ الْمُصَرِّحَةُ الَّتِي لَمْ يُبْقِ صَاحِبُهَا عَلَى نَفْسِهِ وَلا عَلَى جُلَسَائِهِ ، فَإِذَا صَحَّ ذَلِكَ فِي الْعَبْدِ رَقَى مِنْهُ إِلَى دَرَجَةِ الْبُهْتَانِ ، فَذَكَرَ فِيهِ مَا لَيْسَ فِيهِ فَصَارَ مُبَاهِتًا مُغْتَابًا نَمَامًا كَاذِبًا بَاغِيًا لَمْ يَمْتَنِعْ مِنْ خَصْلَةٍ مِنْ هَذِهِ الْخِصَالِ الَّتِي ذَكَرْتُهَا ، وَذَلِكَ كُلُّهُ مُجَانِبٌ لِلْيَقِينِ مُثْبِتٌ لِلشَّكِّ ، وَاعْلَمْ أَنَّ مَخْرَجَ الْغِيبَةِ مِنْ تُزَكِّيَةِ النَّفْسِ ، وَمِنْ شِدَّةِ رِضَى صَاحِبِهَا عَنْ نَفْسِهِ ، وَإِنَّمَا اغْتَبْتَهُ بِمَا لَمْ تَرَ فِيكَ مِثْلَهُ أَوْ شَكْلَهُ ، وَلَمْ يُغْتَبْ بِشَيْءٍ إِلا مَا احْتَمَلْتَ لِنَفْسِكَ مِنَ الْعَيْبِ أَكْثَرَ مِمَّا اغْتَبْتَ إِنْ كُنْتَ جَاهِلا بِكَثْرَةِ عُيُوبِ نَفْسِكَ ، أَوْ كُنْتَ عَارِفًا بِهَا ، وَإِنَّمَا يَقْبَلُهَا مِنْكَ مَنْ هُوَ مِثْلُكَ وَلَوْ عَلِمْتَ أَنَّ فِيكَ مِنَ النُّقْصَانِ أَكْثَرَ مِمَّا تُرِيدُ أَنْ تُنْقَصَ بِهِ لَحَجَزَكَ ذَلِكَ عَنْ غِيبَةِ غَيْرِكَ وَلاسْتَحْيَيْتَ أَنْ تَغْتَابَ غَيْرَكَ بِمَا فِيكَ مِنَ الْعُيُوبِ ، إِذَا عَرَفْتَ وَأَنْتَ مُصِرٌّ عَلَيْهَا فَجُرْمُكَ أَعْظَمُ مِنْ جُرْمِ غَيْرِكَ ، وَإِنَّمَا يُسَاعِدُكَ عَلَى الْقَبُولِ مِنْكَ مَنْ هُوَ أَعْمَى قَلْبًا مِنْكَ بِمَعْرِفَةِ عُيُوبِ نَفْسِهِ ، وَلَوْلا ذَلِكَ لَمَا اجْتَرَأْتَ عَلَى ذِكْرِ عَيْبِ غَيْرِكَ عِنْدَهُ ، فَاحْذَرِ الْغِيبَةَ كَمَا تَحْذَرُ عَظِيمَ الْبَلاءِ ، فَإِنَّ الْغِيبَةَ إِذَا ثَبَتَتْ فِي الْقَلْبِ وَأَذِنَ صَاحِبُهَا فِي احْتِمَالِهَا بِالرِّضَى لِسُكُونِهَا حَتَّى تُوَسِّعَ لأَخَوَاتِهَا مَعَهَا فِي الْمَسْكَنِ ، وَأَخَوَاتُهَا : النَّمِيمَةُ وَالْبَغْيُ وَسُوءُ الظَّنِّ وَالْبُهْتَانُ الْعَظِيمُ وَالْكَذِبُ ، فَاحْذَرْهَا فَإِنَّهَا مُزْرِيَةٌ فِي الدُّنْيَا بِصَاحِبِهَا ، وَمُخْزِيَةٌ لَهُ فِي الآخِرَةِ ، لأَنَّ الْغِيبَةَ حَرَامٌ فِي التَّنْزِيلِ فَمَنْ صَحَّتْ فِيهِ الْغِيبَةُ صَحَّ فِيهِ الْكَذِبُ وَالْبُهْتَانُ وَذَلِكَ لأَنَّهُمَا مُجَانِبَانِ لِلإِيمَانِ لأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى حَرَّمَ مِنَ الْمُؤْمِنِ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَالَهُ وَدَمَهُ وَأَنْ يُظَنَّ بِهِ ظَنَّ السُّوءِ ، وَإِنَّمَا الظَّنُّ فِي الْقَلْبِ دُونَ الإِظْهَارِ , فَكَيْفَ بِمَنْ يُظْهِرُ مَا فِي الْقَلْبِ بِاللِّسَانِ مَا يُعَارِضُ بِهِ عَيْبَ غَيْرِهِ بِمَا يَعْرِفُ مِنْ عُيُوبِ نَفْسِهِ ، فَهُوَ رِضًى مِنْهُ بِعُيُوبِهَا ، فَإِنْ هَمَّتِ النَّفْسُ بِعُيُوبِ غَيْرِهَا فَرُدَّهَا إِلَى عُيُوبِ نَفْسِكَ لأَنَّكَ إِنْ لَقِيتَ عَالِمًا نَاصِحًا فَاسْتَشَرْتَهُ فِي أَمْرٍ فِي أَيِّ الْمَوَاضِعِ أَنْزِلُ وَأَسْكُنُ ؟ قَالَ : اذْهَبْ وَاتَّقِ اللَّهَ حَيْثُ مَا كُنْتَ وَاحْمِلْ أَمْرَكَ ، قَالَ : فَجَعَلْتُ أَسْتَزِيدُهُ فَلا يَزِيدُنِي " .
الأسم | الشهرة | الرتبة |
سُلَيْمَانُ بْنُ أَحْمَدَ | سليمان بن أحمد الطبراني | حافظ ثبت |