حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ , حدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ حَمْدَانَ النَّيْسَابُورِيُّ أَبُو حَامِدٍ , حدَّثَنَا عَبْدُ الْقُدُّوسِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الشَّامِيُّ ، قَالَ : سَمِعْتُ أَبَا الْفَيْضِ ذَا النُّونِ بْنَ إِبْرَاهِيمَ الْمِصْرِيَّ , يَقُولُ : " إِلَهِي وَسِيلَتِي إِلَيْكَ نِعَمُكَ عَلَيَّ ، وَشَفِيعِي إِلَيْكَ إِحْسَانُكَ إِلَيَّ ، إِلَهِي أَدْعُوكَ فِي الْمَلأِ كَمَا تُدْعَى الأَرْبَابُ ، وَأَدْعُوكَ فِي الْخَلا كَمَا تُدْعَى الأَحْبَابُ ، أَقُولُ فِي الْمَلأِ : يَا إِلَهِي , وَأَقُولُ فِي الْخَلا : يَا حَبِيبِي ، أَرْغَبُ إِلَيْكَ وَأَشْهَدُ لَكَ بِالرُّبُوبِيَّةِ مُقِرًّا بِأَنَّكَ رَبِّي وَإِلَيْكَ مَرَدِّي ، ابْتِدَأْتَنِي بِرَحْمَتِكَ مِنْ قَبْلِ أَنْ أَكُونَ شَيْئًا مَذْكُورًا ، وَخَلَقْتَنِي مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ أَسْكَنْتَنِي الأَصْلابَ ، وَنَقَلْتَنِي إِلَى الأَرْحَامِ ، وَلَمْ تُخْرِجْنِي بِرَأْفَتِكَ فِي دَوْلَةٍ أَيِّمَةٍ , ثُمَّ أَنْشَأْتَ خَلْقِي مِنْ مَنِيٍّ يُمْنَى ، ثُمَّ أَسْكَنْتَنِي فِي ظُلُمَاتٍ ثَلاثٍ بَيْنَ دَمٍ وَلَحْمٍ مُلْتَاثٍ ، وَكَوَّنْتَنِي فِي غَيْرِ صُورَةِ الإِنَاثِ ، ثُمَّ نَشَرْتَنِي إِلَى الدُّنْيَا تَامًّا سَوِيًّا ، وَحَفِظْتَنِي فِي الْمَهْدِ طِفْلا صَغِيرًا صَبِيًّا ، وَرَزَقْتَنِي مِنَ الْغِذَاءِ لَبَنًا مَرِيًّا ، وَكَفَلْتَنِي حُجُورَ الأُمَّهَاتِ ، وَأَسْكَنْتَ قُلُوبَهُمْ رِقَّةً لِي وَشَفَقَةً عَلَيَّ ، وَرَبَّيْتَنِي بِأَحْسَنِ تَرْبِيَةٍ ، وَدَبَّرْتَنِي بِأَحْسَنِ تَدْبِيرٍ ، وَكَلأْتَنِي مِنْ طَوَارِقِ الْجِنِّ وَسَلَّمْتَنِي مِنْ شَيَاطِينِ الإِنْسِ ، وَصُنْتَنِي مِنْ زِيَادَةٍ فِي بَدَنِي تُشِينُنِي ، وَمِنْ نَقْصٍ فِيهِ يَعِيبُنِي ، فَتَبَارَكْتَ رَبِّي وَتَعَالَيْتَ يَا رَحِيمُ ، فَلَمَّا اسْتَهْلَلْتُ بِالْكَلامِ أَتْمَمْتَ عَلَيَّ سَوَابِغَ الإِنْعَامِ ، وَأَنْبَتَّنِي زَائِدًا فِي كُلِّ عَامٍ ، فَتَعَالَيْتَ يَا ذَا الْجَلالِ وَالإِكْرَامِ , حتَّى إِذَا مَلَّكْتَنِي شَأْنِي وَشَدَدْتَ أَرْكَانِي أَكْمَلْتَ لِي عَقْلِي ، وَأَزَلْتَ حِجَابَ الْغَفْلَةِ عَنْ قَلْبِي ، وَأَلْهَمْتَنِي النَّظَرَ فِي عَجِيبِ صَنَائِعِكَ , وَبَدَائِعِ عَجَائِبِكَ ، وَرَفَعْتَ وَأَوْضَحْتَ لِي حُجَّتَكَ , وَدَلَلْتَنِي عَلَى نَفْسِكَ ، وَعَرَّفْتَنِي مَا جَاءَتْ بِهِ رُسُلُكَ ، وَرَزَقْتَنِي مِنْ أَنْوَاعِ الْمَعَاشِ وَصُنُوفِ الرِّيَاشِ بِمَنِّكَ الْعَظِيمِ وَإِحْسَانِكَ الْقَدِيمِ ، وَجَعَلْتَنِي سَوِيًّا , ثُمَّ لَمْ تَرْضَ لِي بِنِعْمَةٍ وَاحِدَةٍ دُونَ أَنْ أَتْمَمْتَ عَلَيَّ جَمِيعَ النِّعَمِ ، وَصَرَفْتَ عَنِّي كُلَّ بَلْوَى ، وَأَعْلَمْتَنِي الْفُجُورَ لأَجْتَنِبَهُ ، وَالتَّقْوَى لأَقْتَرِفَهَا ، وَأَرْشَدْتَنِي إِلَى مَا يُقَرِّبُنِي إِلَيْكَ زُلْفَى ، فَإِنْ دَعَوْتُكَ أَجَبْتَنِي ، وَإِنْ سَأَلْتُكَ أَعْطَيْتَنِي ، وَإِنْ حَمِدْتُكَ شَكَرْتَنِي ، وَإِنْ شَكَرْتُكَ زَوَّدْتَنِي ، إِلَهِي فَأَيَّ نِعَمٍ أُحْصِي عَدَدًا ؟ وَأَيَّ عَطَائِكَ أَقُومُ بِشُكْرِهِ ؟ أَمَا أَسْبَغْتَ عَلَيَّ مِنَ النَّعْمَاءِ أَوْ صَرَفْتَ عَنِّي مِنَ الضَّرَّاءِ ، إِلَهِي أَشْهَدُ لَكَ بِمَا شَهِدَ لَكَ بَاطِنِي وَظَاهِرِي وَأَرْكَانِي ، إِلَهِي إِنِّي لا أُطِيقُ إِحْصَاءَ نِعَمِكَ , فَكَيْفَ أُطِيقُ شُكْرَكَ عَلَيْهَا ، وَقَدْ قُلْتَ وَقَوْلُكَ الْحَقُّ : وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لا تُحْصُوهَا سورة النحل آية 18 أَمْ كَيْفَ يَسْتَغْرِقُ شُكْرِي نِعَمَكَ وَشُكْرُكَ مِنْ أَعْظَمِ النِّعَمِ عِنْدِي ، وَأَنْتَ الْمُنْعِمُ بِهِ عَليَّ كَمَا قُلْتُ سَيِّدِي : وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ سورة النحل آية 53 وَقَدْ صَدَقْتَ قَوْلُكَ ، إِلَهِي وَسَيِّدِي ، بَلَّغَتْ رُسُلُكَ بِمَا أَنْزَلْتَ إِلَيْهِمْ مِنْ وَحْيِكَ غَيْرَ أَنِّي أَقُولُ بِجَهْدِي , وَمُنْتَهَى عِلْمِي , وَمَجْهُودِ وُسْعِي , وَمَبْلَغِ طَاقَتِي : الْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى جَمِيعِ إِحْسَانِهِ حَمْدًا يَعْدِلُ حَمْدَ الْمَلائِكَةِ الْمُقَرَّبِينَ وَالأَنْبِيَاءِ وَالْمُرْسَلِينَ " .