حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ مُحَمَّدٍ ، قَالَ : سَمِعْتُ أَبَا الْحَسَنِ الْمُذَكِّرَ ، يَذْكُرُ عَنْ بَعْضِ أَشْيَاخِهِ ، عَنْ ذِي النُّونِ ، قَالَ : " صَحِبْتُ زِنْجِيًّا فِي التِّيهِ وَكَانَ مُفْلَفْلَ الشَّعْرِ ، فَإِذَا ذَكَرَ اللَّهَ ابْيَضَّ فَوَرَدَ عَلَيَّ أَمْرٌ عَظِيمٌ ، فَقُلْتُ : لِمَ يَا هَذَا إِنَّكَ إِذَا ذَكَرْتَ اللَّهَ تَحَوَّلَ لَوْنُكَ وَانْقَلَبَتْ عَيْنَاكَ ؟ قَالَ : فَجَعَلَ يَخْطِرُ فِي التِّيهِ ، وَيَقُولُ : ذَكَرْنَا وَمَا كُنَّا لِنَنْسَى فَنَذْكُرُ وَلَكِنْ نَسِيمَ الْقُرْبِ يَبْدُو فَيَظْهَرُ فَأُحْيِي بِهِ عَنِّي وَأَحْيِي بِهِ لَهُ إِذِ الْحَقُّ عَنْهُ مُخْبِرٌ وَمُعَبِّرُ قَالَ ذُو النُّونِ : فَمَا طَرَقَ سَمْعِي مِثْلُ حِكْمَةِ ذَلِكَ الزَّنْجِيِّ ، فَعَلِمْتُ أَنَّ لِلَّهِ تَعَالَى عِبَادًا تَعْلُو قُلُوبُهُمْ بِالأَذْكَارِ كَمَا تَعْلُو الأَطْيَارُ فِي الأَوْكارِ ، لَوْ فَتَّشْتَ مِنْهُمُ الْقُلُوبَ لَمَا وَجَدْتَ فِيهَا غَيْرَ حُبِّ الْمَحْبُوبِ ، قَالَ ثُمَّ بَكَى ذُو النُّونِ وَأَنْشَأَ يَقُولُ : وَأَذْكُرُ أَصْنَافًا مِنَ الذِّكْرِ حَشْوُهَا وِدَادٌ وَشَوْقٌ يَبْعَثَانِ عَلَى الذِّكْرِ فَذِكْرُ أَلِيفِ الْحَبِّ مُمْتَزِجٌ بِهَا يَحِلُّ مَحَلَّ الرُّوحِ فِي طَرَفِهَا يَسْرِي وَذِكْرٌ يُعِزُّ النَّفْسَ مِنْهَا لأَنَّهُ لَهَا مُتْلِفٌ مِنْ حَيْثُ يَدْرِي وَلا تَدْرِي وَذِكْرٌ عَلا مِنِّي الْمَفَاوِزَ وَالذُّرَى يَجِلُّ عَنِ الأَوْصَافِ بِالْوَهْمِ وَالْفِكْرِ " .
الأسم | الشهرة | الرتبة |