حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ أَحْمَدُ بْنُ الْعَلاءِ , ، ثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى ، قَالَ : قَالَ ذُو النُّونِ : " حَجَجْتُ سَنَةً إِلَى بَيْتِ اللَّهِ الْحَرَامِ فَضَلَلْتُ عَنِ الطَّرِيقِ ، وَلَمْ يَكُنْ مَعِي مَاءٌ ، وَلا زَادٌ ، وَإِنِّي لَمُشْرِفٌ عَلَى الْهَلَكَةِ وَآيِسٌ مِنَ الْحَيَاةِ ، فَلاحَتْ لِي أَشْجَارٌ كَثِيرَةٌ ، وَإِذَا أَنَا بِمِحْرَابٍ قَدْ كَانَ عَهْدُهُ مِنْ مُتَعَاهِدِهِ قَرِيبًا ، فَطَرَحَتْ نَفْسِي تَحْتَ فَيْءِ شَجَرَةٍ مُتَوَقِّعًا لِنَسْيمِ بَرْدِ اللَّيْلِ ، فَلَمَّا غَرَبَتِ الشَّمْسُ إِذَا أَنَا بِشَابٍّ مُتَغَيِّرِ اللَّوْنِ نَحِيلِ الْجِسْمِ ، يَؤُمُّ نَحْوَ الْمِحْرَابِ ، فَرَكَلَ بِرِجْلِهِ رَبْوَةً مِنَ الأَرْضِ فَظَهَرَ عَيْنٌ أَبْيَضُ بِمَاءٍ عَذْبٍ ، فَشَرِبَ وَتَوَضَّأَ بِهِ وَقَامَ فِي مِحْرَابِهِ ، فَقُمْتُ إِلَى الْعَيْنِ فَشَرِبْتُ مَاءً عَذْبًا وَسَوِيقَ السُّلْتِ وَسُكَّرَ الطِّبْرَزْدِ ، فَشَبِعْتُ وَرَوِيتُ وَتَوَضَّأْتُ فَقُمْتُ إِلَيْهِ أُصَلِّي بِصَلاتِهِ ، حَتَّى بَرَقَ عَمُودُ الصُّبْحِ فَلَمَّا رَأَى الصُّبْحَ أَقْبَلَ وَثَبَ قَائِمًا عَلَى قَدَمَيْهِ ، وَنَادَى بِأَعْلَى صَوْتِهِ : ذَهَبَ اللَّيْلُ بِمَا فِيهِ وَلَمْ أَقْضِ مِنْ خِدْمَتِكَ وَطَرًا ، وَلا مِنْ عَذْبِ مَاءِ مُنَاجَاتِكَ شَطْرًا ، إِلَهِي خَسِرَ مَنْ أَتْعَبَ لِغَيْرِكَ بَدَنَهُ وَأَلْجَأَ إِلَى سِوَاكَ هِمَّتَهُ , فَلَمَّا أَرَادَ أَنْ يَمْضِيَ نَادَيْتُهُ بِالَّذِي مَنَحَكَ لَذِيذَ الرَّغَبِ وَأَذْهَبَ عَنْكَ مَلالَ التَّعَبِ إِلا حَفَفْتَنِي بِجَنَاحِ الرَّحْمَةِ ، وَأَمَّنْتَنِي مِنْ جَنَاحِ الذِّلَّةِ ، فَإِنِّي رَجُلٌ غَرِيبٌ أُرِيدُ بَيْتَ اللَّهِ الْحَرَامَ فَضَلَلْتُ عَنِ الطَّرِيقِ , وَلَيْسَ مَعِي مَاءٌ وَلا زَادٌ وَلا رَاحِلَةٌ ، وَإِنِّي مُشْرِفٌ عَلَى الْهَلَكَةِ آيسٌ مِنَ الْحَيَاةِ , فَقَالَ : اسْكُتْ يَا بَطَّالُ , وَهَلْ مِنْ مُوفُودٍ وَفَدَ إِلَيْهِ فَقَطَعَ بِهِ دُونَ الْبَلاغِ إِلَيْهِ ؟ لَوْ صَحَّحْتَ لَهُ فِي الْمُعَامَلَةِ لَصَحَّحَ لَكَ فِي الدَّلالَةِ , ثُمَّ قَالَ : اتْبَعْنِي , فَرَأَيْتُ الأَرْضَ تُطْوَى مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِنَا حَتَّى رَأَيْتُ الْحَجَّةَ وَسَمِعْتُ ضَجَّةً , فَقَالَ : هَذِهِ بَكَّةُ ، ثُمَّ أَنْشَأَ يَقُولُ : مَنْ عَامَلَ اللَّهَ بِتَقْوَاهُ وَكَانَ فِي الْخَلْوَةِ يَرْعَاهُ سَقَاهُ كَأْسًا مِنْ صَفَا حُبِّهِ تَسْلُبُهُ لَذَّةَ دُنْيَاهُ فَأَبْعَدَ الْخَلْقَ وَأَقْصَاهُمْ وَانْفَرَدَ الْعَبْدُ بِمَوْلاهُ " .