حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ ، قَالَ : سَمِعْتُ عُمَرَ بْنَ بَحْرٍ الأَسَدِيَّ ، يَقُولُ : سَمِعْتُ أَحْمَدَ بْنَ أَبِي الْحَوَارِيِّ ، يَقُولُ : " بَيْنَا أَنَا ذَاتَ يَوْمٍ فِي بِلادِ الشَّامِ فِي قُبَّةٍ مِنْ قِبَابِ الْمَقَابِرِ لَيْسَ عَلَيْهَا بَابٌ إِلا كِسَاءً قَدْ أَسْبَلْتُهُ ، فَإِذَا أَنَا بِامْرَأَةٍ تَدُقُّ عَلَى بَابِ الْحَائِطِ ، فَقُلْتُ : مَنْ هَذَا ؟ قَالَتْ : ضَالَّةٌ دُلَّنِي عَلَى الطَّرِيقِ رَحِمَكَ اللَّهُ ، قُلْتُ رَحِمَكِ اللَّهُ عَنْ أَيِّ الطَّرِيقِ تَسْأَلِينَ ؟ فَبَكَتْ ثُمَّ قَالَتْ : يَا أَحْمَدُ ، عَلَى طَرِيقِ النَّجَاةِ ، قُلْتُ : هَيْهَاتَ إِنَّ بَيْنَنَا وَبَيْنَ طَرِيقِ النَّجَاةِ عِقَابًا ، وَتِلْكَ الْعِقَابُ لا تُقْطَعُ إِلا بِالسَّيْرِ الْحَثِيثِ ، وَتَصْحِيحِ الْمُعَامَلَةِ ، وَحَذْفِ الْعَلائِقِ الشَّاغِلَةِ مِنْ أَمْرِ الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ ، قَالَ : فَبَكَتْ بُكَاءً شَدِيدًا ، ثُمَّ قَالَتْ : يَا أَحْمَدُ ، سُبْحَانَ مَنْ أَمْسَكَ عَلَيْكَ جَوَارِحَكَ فَلَمْ تَتَقَطَّعْ وَحِفْظِ عَلَيْكَ فُؤَادَكَ فَلَمْ يَتَصَدَّعْ ، ثُمَّ خَرَّتْ مَغْشِيًّا عَلَيْهَا ، فَقُلْتُ لِبَعْضِ النِّسَاءِ : انْظُرُوا ، أَيُّ شَيْءٍ حَالُ هَذِهِ الْجَارِيَةِ ؟ قَالَ أَحْمَدُ : فَقُمْنَ إِلَيْهَا فَفَتَّشْنَهَا فَإِذَا وَصِيَّتُهَا فِي جَيْبِهَا : كَفِّنُونِي فِي أَثْوَابِي هَذِهِ ، فَإِنْ كَانَ لِي عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ فَهُوَ أَسْعَدُ لِي ، وَإِنْ كَانَ غَيْرَ ذَلِكَ فَبُعْدًا لِنَفْسِي ، قُلْتِ : مَا هِيَهْ ؟ فَحَرَّكُوهَا فَإِذَا هِيَ مَيِّتَةٌ ، فَقُلْتُ لِلْخَدَّامِ : لِمَنْ هَذِهِ الْجَارِيَةُ ؟ قَالُوا : جَارِيَةٌ قُرَشِيَّةٌ مُصَابَةٌ ، وَكَانَ الَّذِي مَعَهَا يَمْنَعُهَا مِنَ الطَّعَامِ ، وَكَانَتْ تَشْكُو إِلَيْنَا وَجَعًا بِجَوْفِهَا ، فَكُنَّا نَصِفُهَا لِمُتَطَبِّبِي الشَّامِ وَالْعِرَاقِ ، وَكَانَتْ تَقُولُ : خَلُّوا بَيْنِي وَبَيْنَ الطَّبِيبِ الرَّاهِبِ ، تَعْنِي أَحْمَدَ ، أَشْكُو إِلَيْهِ بَعْضَ مَا أَجِدُ مِنْ بَلائِي ، لَعَلَّ أَنْ يَكُونَ عِنْدَهُ شِفَائِي " .