محمد بن الفضل


تفسير

رقم الحديث : 15476

حدَّثَنَا أَبُو عَمْرٍو عُثْمَانُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْعُثْمَانِيُّ ، ثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى ، قَالَ : حَدَّثَنِي أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ التِّرْمِذِيُّ ، قَالَ : " نُورُ الْمَعْرِفَةِ فِي الْقَلْبِ ، وَإِشْرَاقُهُ فِي عَيْنَيِ الْفُؤَادِ فِي الصَّدْرِ ، فَبِذِكْرِ اللَّهِ يَرْطُبُ الْقَلْبُ وَيَلِينُ ، وَبِذْكِرِ الشَّهَوَاتِ وَاللَّذَّاتِ يَقْسُو الْقَلْبُ وَيَيْبَسُ ، فَإِذَا شُغِلَ الْقَلْبُ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ بِذِكْرِ الشَّهَوَاتِ ، كَانَ بِمَنْزِلَةِ شَجَرَةٍ إِنَّمَا رُطُوبَتُهَا وَلِينُهَا مِنَ الْمَاءِ ، فَإِذَا مُنِعَتِ الْمَاءَ يَبِسَتْ عُرُوقُهَا وَذَبُلَتْ أَغْصَانُهَا ، وَإِذَا مُنِعَتِ السَّقْيَ وَأَصَابَهَا حَرُّ الْقَيْظِ يَبِسَتِ الأَغْصَانُ ، فَإِذَا مَدَدْتَ غُصْنًا مِنْهَا انْكَسَرَ فَلا يَصْلُحُ إِلا لِلْقَطْعِ فَيَصِيرُ وَقُودَ النَّارِ ، فَكَذَلِكَ الْقَلْبُ إِذَا يَبِسَ وَخَلا مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ فَأَصَابَتْهُ حَرَارَةُ النَّفْسِ ، وَنَارُ الشَّهْوَةِ ، وَامْتَنَعَتِ الأَرْكَانُ مِنَ الطَّاعَةِ ، فَإِذَا مَدَدْتَهَا انْكَسَرَتْ فَلا تَصْلُحُ إِلا أَنْ تَكُونَ حَطَبًا لِلنَّارِ ، وَإِنَّمَا يَرْطُبُ الْقَلْبُ بِالرَّحْمَةِ وَمَا مِنْ نُورٍ فِي الْقَلْبِ إِلا وَمَعَهُ رَحْمَةٌ مِنَ اللَّهِ بِقَدْرِ ذَلِكَ ، فَهَذَا هُوَ الأَصْلُ ، وَالْعَبْدُ مَا دَامَ فِي الذِّكْرِ ، فَالرَّحْمَةُ دَائِمَةٌ عَلَيْهِ كَالْمَطَرِ ، فَإِذَا قَحَطَ فَالصَّدْرُ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ كَالسَّنَةِ الْجَدْبَاءِ الْيَابِسَةِ ، وَحَرِيقُ الشَّهَوَاتِ فِيهَا كَالسَّمَائِمِ وَالأَرْكَانُ مُعَطَّلَةٌ عَنْ أَعْمَالِ الْبِرِّ ، فَدَعَا اللَّهُ الْمُوَحِّدِينَ إِلَى هَذِهِ الصَّلَوَاتِ الْخُمُسِ ، رَحْمَةً مِنْهُ عَلَيْهِمْ ، وَهَيَّأَ لَهُمْ فِيهَا أَلْوَانَ الْعِبَادَةِ لِيَنَالَ الْعَبْدُ مِنْ كُلِّ قَوْلٍ وَفِعْلٍ شَيْئًا مِنْ عَطَايَاهُ ، وَالأَفْعَالُ كَالأَطْعِمَةِ وَالأَقْوَالُ كَالأَشْرِبَةِ فَهِيَ عُرْسُ الْمُوَحِّدِينَ هَيَّأَهَا رَبُّ الْعَالَمِينَ لأَهْلِ رَحْمَتِهِ فِي كُلِّ يَوْمٍ خَمْسَ مَرَّاتٍ حَتَّى لا يَبْقَى عَلَيْهِمْ دَنَسٌ وَلا غُبَارٌ ، فَإِنَّ اللَّهَ اخْتَارَ الْمُوَحِّدِينَ لِيبَاهِيَ بِهِمْ يَوْمَ الْجَمْعِ الأَكْبَرِ فِي تِلْكَ الْعَرَصَاتِ الْمَلائِكَةَ ، لأَنَّ آدَمَ وَوَلَدَهُ ظَهَرَ خَلْقُهُمْ مِنْ يَدِهِ بِالْمَحَبَّةِ وَالْمَلائِكَةُ ظَهَرَ خَلْقُهُمْ مِنَ الْقُدْرَةِ لِقَوْلِهِ : كُنْ فَكَانَ ، فَمِنْ مَحَبَّتِهِ لِلآدَمِيِّينَ يَفْرَحُ بِتَوْبَتِهِمْ ، خَلَقَهُمْ وَالشَّهَوَاتِ وَالشَّيَاطِينَ فِي دَارِ الابْتِلاءِ لِيبَاهِيَ بِهِمْ فِي ذَلِكَ الْجَمْعِ ، وَيَقُولُ : يَا مَعْشَرَ مَلائِكَتِي ، إِنَّ مَحَاسِنَكُمْ خَرَجَتْ مِنْكُمْ وَمَنَ النُّورِ خَلَقْتُكُمْ وَأَنْتُمْ فِي أَعَالِي الْمَمْلَكَةِ تُعَايِنُونُ عَظَمَتِي وَحُجَّتِي وَسُلْطَانِي ، وَقَدْ عُرِّيتُمْ مِنَ الشَّهَوَاتِ وَالشَّيَاطِينِ ، وَالآدَمِيُّونَ خَرَجَتْ مِنْهُمْ هَذِهِ الْمَحَاسِنُ مِنْ نُفُوسِهِمُ الشَّهْوَانِيَّةِ وَالشَّيَاطِينُ قَدْ أَحَاطَتْ بِهِمْ فِي أَدَانِي الْمَمْلَكَةِ ، وَمِنَ التُّرَابِ خَلَقْتُهُمْ ، فَلِذَلِكَ اسْتَوْجَبُوا مِنِّي دَارِي وَجَوَارِي " .

الرواه :

الأسم الرتبة