سَمِعْتُ أَحْمَدَ بْنَ مُحَمَّدِ بْنِ مِقْسَمٍ ، يَقُولُ : سَمِعْتُ أَبَا بَكْرٍ الشِّبْلِيَّ ، يَقُولُ : " نَظَرْتُ فِي ذُلِّ كُلِّ ذِي ذُلٍّ فَزَادَ ذُلِّي عَلَيْهِمْ ، وَنَظَرْتُ فِي عِزِّ كُلِّ ذِي عِزٍّ فَزَادَ عِزِّي عَلَيْهِمْ ، فَإِذَا عِزُّهُمْ ذُلٌّ فِي عِزِّي وَتَلا فِي أَثَرِهِ مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا سورة فاطر آية 10 ، وَكَانَ يَقُولُ : مَنِ اعْتِزَّ بِذِي الْعِزِّ فَذُو الْعِزِّ لَهُ عِزٌّ ، وَقَالَ : أَظَلَّتْ عَلَيْنَا مِنْكَ يَوْمًا غَمَامَةٌ أَضَاءَ لَهَا بَرْقٌ وَأَبْطَأَ رَشَاشُهَا فَلا غَيْمُهَا يَجْلُو فَيَيَأَسُ طَامِعٌ وَلا غَيْثَهَا يَأْتِي فَيَرْوَى عِطَاشُهَا فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ : يَا أَبَا بَكْرٍ ، أَخْبِرْنِي عَنْ تَوْحِيدٍ مَجُرَّدٍ بِلِسَانِ حَقٍّ مُفْرَدٍ ، فَقَالَ : وَيْحَكَ مَنْ أَجَابَ عَنِ التَّوْحِيدِ بِالْعِبَارَةِ فَهُوَ مُلْحِدٌ ، وَمَنْ أَشَارَ إِلَيْهِ فَهُوَ ثَنَوِيٌّ ، وَمَنْ أَوْمَأَ إِلَيْهِ فَهُوَ عَابِدُ وَثَنٍ ، وَمَنْ نَطَقَ فِيهِ فَهُوَ غَافِلٌ ، وَمَنْ سَكَتَ عَنْهُ فَهُوَ جَاهِلٌ ، وَمَنْ أُرِيَ أَنَّهُ عَتِيدٌ فَهُوَ بَعِيدٌ ، وَمَنْ تَوَاجَدَ فَهُوَ فَاقِدٌ ، وَسَأَلَهُ رَجُلٌ عَنْ مَقَامِ التَّوْبَةِ ، فَقَالَ لَهُ : يَطْرُقُ سَمْعِي مِنْ كِتَابِ اللَّهِ مَا يَحْدُونِي عَلَى تَرْكِ الأَشْيَاءِ وَالإِعْرَاضِ عَنِ الدُّنْيَا ، ثُمَّ أُرَدُّ إِلَى نَفْسِي ، وَإِلَى أَحْوَالِي ، وَإِلَى النَّاسِ ، ثُمَّ لا أَبْقَى عَلَى هَذَا ، وَلا عَلَى هَذَا وَأَرْجِعُ إِلَى الْوَطَنِ الأَوَّلِ مِمَّا كُنْتُ عَلَيْهِ مِنْ سَمَاعيِ الْقُرْآنَ ، فَقَالَ لَهُ : يَقُولُ اللَّهُ : مَا طَرَقَ سَمْعَكَ مِنَ الْقُرْآنِ فَاجْتَذَبَكَ بِهِ إِلَيَّ فَهُوَ عَطْفٌ مِنِّي عَلَيْكَ ، وَلُطْفٌ مِنِّي بِكَ ، وَمَا أَرُدُّكَ بِهِ إِلَى نَفْسِكَ فَهُوَ شَفَقَةٌ مِنِّي لَكَ ، لأَنَّكَ لَمْ يَصِحَّ لَكَ التَّبَرُّؤُ مِنَ الْحَوْلِ وَالْقُوَّةِ فِي التَّوَجُّهِ إِلَيَّ وَسُئِلَ عَنْ حَقِيقَةِ الذِّكْرِ ، فَقَالَ : نِسْيَانُ الْقُوَى ، وَسُئِلَ عَنِ التَّوَكُّلِ ؟ فَقَالَ : أَنْ يَحْمِلَكَ فِيمَا حَمَلَكَ وَسُئِلَ عَنِ الْخَوْفِ ؟ فَقَالَ : أَنْ تَخَافَ أَنْ يُسْلِمَكَ إِلَيْكَ ، وَسُئِلَ عَنِ الرَّجَاءِ ؟ فَقَالَ : أن تَرْجُو أَلا يَقْطَعَ بِكَ دُونَهُ وَسُئِلَ عَنْ قَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " جُعِلَ رِزْقِي تَحْتَ سَيْفِي " ، فَقَالَ : سَيْفُهُ اللَّهُ فَأَمَّا ذُو الْفَقَارِ فَهُوَ قِطْعَةُ حَدِيدٍ " .