سَمِعْتُ أَبَا حَامِدٍ أَحْمَدَ بْنَ مُحَمَّدِ بْنِ رُسْتَهُ الْجَمَّالَ الصُّوفِيَّ ، يَقُولُ : " إِنَّهُ قَدِمَ فَكَانَ نَازِلا عَلَيْهِ فَذَكَرَ مِنْ أَحْوَالِهِ الرَّفِيعَةِ وَاسْتِصْغَارِهِ الْفَانِيَةَ الْوَضِيعَةَ ، وَكَانَ يَقُولُ : جَالِسُوا اللَّهَ كَثِيرًا وَجَالِسُوا النَّاسَ قَلِيلا ، وَكَانَ يَقُولُ : الطَّرِيقُ وَاضِحٌ وَالْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ قَائِمَةٌ بَيْنَ أَظْهُرِنَا ، فَمَنْ صَحِبَ الْكِتَابَ وَالسُّنَّةَ وَعَزَفَ عَنْ نَفْسِهِ وَالْخَلْقِ وَالدُّنْيَا وَهَاجَرَ إِلَى اللَّهِ بِقَلْبِهِ فَهُوَ الصَّادِقُ الْمُصِيبُ الْمُتَّبِعُ لآثَارِ الصَّحَابَةِ ، لأَنَّهُمْ سُمُّوا السَّابِقِينَ لِمُفَارَقَتِهِمُ الآبَاءَ وَالأَبْنَاءَ الْمُخَالِفِينَ وَتَرَكُوا الأَوْطَانَ وَالإِخْوَانَ ، وَهَاجَرُوا وَآثَرُوا الْغُرْبَةَ وَالْهِجْرَةَ عَلَى الدُّنْيَا وَالرَّخَاءَ وَالسَّعَةَ وَكَانُوا غُرَبَاءَ ، فَمَنْ سَلَكَ مَسْلَكَهُمْ وَاخْتَارَ اخْتِيَارَهُمْ كَانَ مِنْهُمْ وَلَهُمْ تَبَعًا ، وَكَانَ يَقُولُ : لا يُمْكِنُ الْخُرُوجُ مِنَ النَّفْسِ بِالنَّفْسِ ، وَإِنَّمَا يُمْكِنُ الْخُرُوجُ مِنَ النَّفْسِ بِاللَّهِ وَبِصِحَّةِ الإِرَادَةِ لِلَّهِ ، وَكَانَ يَقُولُ : مَنِ اسْتَعْمَلَ الصِّدْقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ رَبِّهِ حَمَاهُ صِدْقُهُ مَعَ اللَّهِ عَنْ رُؤْيَةِ الْخَلْقِ وَالأُنْسِ بِهِمْ ، وَكَانَ يَقُولُ : مَنْ لَمْ يَكُنِ الصِّدْقُ وَطَنَهُ فَهُوَ فِي فُضُولِ الدُّنْيَا وَإِنْ كَانَ سَاكِنًا ، وَكَانَ يَقُولُ : الْعِلْمُ قَطَعَكَ عَنِ الْجَهْلِ ، فَاجْتَهِدْ أَلا يَقْطَعَكَ عَنِ اللَّهِ ، وَكَانَ يَقُولُ : النَّفْسُ كَالنَّارِ إِذَا أُطْفِئَ مِنْ مَوْضِعٍ تَأَجَّجَ مِنْ مَوْضِعٍ ، كَذَلِكَ النَّفْسُ إِذَا هَدَأَتْ مِنْ جَانِبٍ ثَارَتْ مِنْ جَانِبٍ ، وَكَانَ يَقُولُ : كَيْفَ أَصْنَعُ وَالْكَوْنُ كُلُّهُ لِي عَدُوٌّ ؟ وَإِيَّاكَ وَالاغْتِرَارَ بِلَعَلَّ وَعَسَى ، وَعَلَيْكَ بِالْهِمَّةِ فَإِنَّهَا مُقَدِّمَةُ الأَشْيَاءِ وَعَلَيْهَا مَدَارُهَا وَإِلَيْهَا رُجُوعُهَا " .