ذكر غزوة الرجيع


تفسير

رقم الحديث : 425

حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ أَحْمَدَ ، قَالَ : ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ خَالِدٍ الْحَرَّانِيُّ ، قَالَ : ثنا أَبِي ، قَالَ : ثنا ابْنُ لَهِيعَةَ ، عَنْ أَبِي الأَسْوَدِ ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ ، قَالَ : خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي نَفَرٍ مِنْ أَصْحَابِهِ إِلَى بَنِي النَّضِيرِ يَسْتَعِينُهُمْ فِي عَقْلِ الْكِلابِيَّيْنِ ، وَكَانُوا قَدْ دَسُّوا إِلَى قُرَيْشٍ حِينَ نَزَلُوا بِأُحُدٍ لِقِتَالِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابِهِ ، فَحَضُّوهُمْ عَلَى الْقِتَالِ ، وَدَلُّوهُمْ عَلَى الْعَوْرَةِ ، فَلَمَّا كَلَّمَهُمْ فِي عَقْلِ الْكِلابِيَّيْنِ ، قَالُوا : اجْلِسْ يَا أَبَا الْقَاسِمِ حَتَّى تَطْعَمَ وَتَرْجِعَ بِحَاجَتِكَ الَّتِي جِئْتَ لَهَا ، وَنَقُومَ فَنَتَشَاوَرَ وَنُصْلِحَ أَمْرَنَا فِيمَا جِئْتَ لَهُ . فَجَلَسَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَنْ مَعَهُ مِنْ أَصْحَابِهِ إِلَى ظِلِّ جِدَارٍ يَنْتَظِرُ أَنْ يُصْلِحُوا أَمَرَهُمْ ، فَلَمَّا دَخَلُوا وَمَعَهُمُ الشَّيْطَانُ لا يُفَارِقُهُمُ " ائْتَمَرُوا بِقَتْلِهِ ، وَقَالُوا : لا تَجِدُونَهُ أَقْرَبَ مِنْهُ السَّاعَةَ ، اسْتَرِيحُوا مِنْهُ تَأْمَنُوا فِي دِيَارِكُمْ وَيُرْفَعْ عَنْكُمُ الْبَلاءُ ، قَالَ رَجُلٌ مِنْهُمْ : إِنْ شِئْتَ رَقَيْتُ عَلَى الْجِدَارِ الَّذِي هُوَ تَحْتَهُ فَدَلَّيْتُ عَلَيْهِ حَجَرًا فَقَتَلْتُهُ ، فَأَوْحَى اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ إِلَيْهِ ، فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَأَنَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَقْضِيَ حَاجَةً ، وَتَرَكَ أَصْحَابَهُ مَكَانَهُمْ وَأَعْدَاءُ اللَّهِ فِي نَجِيِّهِمْ ، فَلَمَّا فَرَغُوا وَقَضَوْا حَاجَتَهُمْ وَأَمْرَهُمْ فِي مُحَمَّدٍ ، أَتَوْا فَجَلَسُوا مَعَ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَنْتَظِرُونَهُ ، فَأَقْبَلَ رَجُلٌ مِنَ الْمَدِينَةِ بَعْدَ أَنْ راثَ عَلَيْهِمْ ، فَسَأَلُوهُ عَنْهُ ، فَقَالَ : لَقِيتُهُ عَامِدًا الْمَدِينَةَ قَدْ دَخَلَ فِي أَزِقَّتِهَا . فَقَالُوا : عَجِلَ أَبُو الْقَاسِمِ أَنْ نُقِيمَ أَمْرَنَا فِي حَاجَتِهِ الَّتِي جَاءَ بِهَا . ثُمَّ قَامَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرَجَعُوا ، وَنَزَلَ الْقُرْآنُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالَّذِي أَرَادَ أَعْدَاءُ اللَّهِ بِهِ ، فَقَالَ : يَأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ هَمَّ قَوْمٌ أَنْ يَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ سورة المائدة آية 11 الآيَةَ ، وَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِإِجْلائِهِمْ لِمَا أَرَادُوا بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَلَمَّا أَخَذَهُمْ بِأَمْرِ اللَّهِ وَأَمَرَهُمْ أَنْ يَخْرُجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ فَيَسِيرُوا حَيْثُ شَاءُوا ، قَالُوا : أَيْنَ تُخْرِجُنَا ؟ قَالَ : إِلَى الْحَشْرِ " . وَذَكَرَ الْوَاقِدِيُّ مَا ذَكَرَهُ عُرْوَةُ وَالزُّهْرِيُّ وَمُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ ، وَزَادَ تَفْصِيلا وَأَشْيَاءَ فِي جُمْلَتِهَا بَيَانُ ظُهُورِ أَمْرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْدَ الْيَهُودِ ، وَثُبُوتُ نَعْتِهِ وَصِفَتِهِ فِي التَّوْرَاةِ عِنْدَهُمْ ، وَقَالَ : لَمَّا أَتَاهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، قَالُوا : نَفْعَلُ يَا أَبَا الْقَاسِمِ مَا أَحْبَبْتَ فِدًا لَكَ أَنْ تَزُورَنَا وَأَنْ تَأْتِيَنَا ، اجْلِسْ نُطْعِمْكَ ، وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُسْتَنِدٌ إِلَى بَيْتٍ مِنْ بُيُوتِهِمْ ، ثُمَّ خَلا بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ فَتَنَاجَوْا ، فَقَالَ حُيَيُّ بْنُ أَخْطَبَ : يَا مَعْشَرَ الْيَهُودِ ، قَدْ جَاءَكُمْ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي نُفَيْرٍ مِنْ أَصْحَابِهِ لا يَبْلُغُونَ عَشَرَةً ، وَكَانَ مَعَهُمْ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَعَلِيٌّ وَطَلْحَةُ وَالزُّبَيْرُ وَسَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ وَأُسَيْدُ بْنُ حُضَيْرٍ وَسَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ ، فَاطْرَحُوا عَلَيْهِ حِجَارَةً مِنْ فَوْقِ هَذَا الْبَيْتِ فَاقْتُلُوهُ ، فَلا تَجِدُونَهُ أَخْلَى مِنْهُ السَّاعَةَ ، فَإِنَّهُ إِنْ قُتِلَ تَفَرَّقَ أَصْحَابُهُ ، فَلَحِقَ مَنْ كَانَ مَعَهُ مِنْ قُرَيْشٍ ، وَبَقِيَ مَنْ كَانَ هَاهُنَا مِنَ الأَوْسِ وَالْخَزْرَجِ ، فَالأَوْسُ حُلَفَاؤُكُمْ ، فَمَا كُنْتُمْ تُرِيدُونَ أَنْ تَصْنَعُوا يَوْمًا مِنَ الدَّهْرِ فَمِنَ الآنَ . قَالَ عَمْرَةُ بْنُ جَحَّاشِ بْنِ كَعْبٍ النَّضِيرِيُّ : أَنَا أَظْهَرُ عَلَى هَذَا الْبَيْتِ فَأَطْرَحُ عَلَيْهِ صَخْرَةً . قَالَ : فَقَالَ سَلامُ بْنُ مِشْكَمٍ : يَا قَوْمِ ، أَطِيعُونِي هَذِهِ الْمَرَّةَ وَخَالِفُونِي الدَّهْرَ ، وَاللَّهِ لَئِنْ فَعَلْتُمْ فَإِنَّ هَذَا نَقْضٌ لِلْعَهْدِ الَّذِي بَيْنَنَا وَبَيْنَهُ ، فَلا تَفْعَلُوا ، فَوَاللَّهِ إِنْ فَعَلْتُمُ الَّذِي تُرِيدُونَ ، لَيَقُومَنَّ بِهَذَا الدِّينِ مِنْهُمْ قَائِمٌ إِلَى قِيَامِ السَّاعَةِ ، فَيَذِلُّ الْيَهُودُ ، وَيَظْهَرُ دِينَهُ . وَقَدْ هَيَّأَ عَمْرُو بْنُ جَحَّاشٍ الصَّخْرَةَ لِيُرْسِلَهَا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَيُدَحْرِجَهَا ، فَلَمَّا أَشْرَفَ بِهَا ، جَاءَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْخَبَرُ بِمَا هَمُّوا بِهِ ، فَنَهَضَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَرِيعًا كَأَنَّهُ يُرِيدُ حَاجَةً ، وَتَوَجَّهَ إِلَى الْمَدِينَةِ ، وَجَلَسَ أَصْحَابُهُ يَتَحَدَّثُونَ وَهُمْ يَظُنُّونَ أَنَّهُ قَامَ يَقْضِي حَاجَتَهُ ، فَلَمَّا يَئِسُوا مِنْ ذَلِكَ ، قَالَ أَبُو بَكْرٍ : مَا مُقَامُنَا هَهُنَا لِشَيْءٍ ، لَقَدْ تَوَجَّهَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لأَمْرٍ . قَالَ حُيَيُّ بْنُ أَخْطَبَ : عَجِلَ أَبُو الْقَاسِمِ لِمَا يُرِيدُ أَنْ نَقْضِيَ حَاجَتَهُ وَنُغَدِّيَهُ . وَنَدِمَتِ الْيَهُودُ عَلَى مَا صَنَعُوا ، فَقَالَ لَهُمْ كِنَانَةُ بْنُ صُورِيَا : هَلْ تَدْرُونَ لِمَ قَامَ مُحَمَّدٌ ؟ قَالُوا : لا وَاللَّهِ مَا نَدْرِي ، وَلا تَدْرِي أَنْتَ . قَالَ : بَلَى وَالتَّوْرَاةِ إِنِّي لأَدْرِي ، قَدْ " أُخْبِرَ مُحَمَّدٌ بِمَا هَمَمْتُمْ بِهِ مِنَ الْغَدْرِ ، فَلا تَخْدَعُوا أَنْفُسَكُمْ , وَاللَّهِ إِنَّهُ لَرَسُولُ اللَّهِ ، وَمَا قَامَ إِلا أَنَّهُ أُخْبِرَ بِمَا هَمَمْتُمْ بِهِ ، وَإِنَّهُ لآخِرُ الأَنْبِيَاءِ ، كُنْتُمْ تَطْمَعُونَ أَنْ يَكُونَ مِنْ بَنِي هَارُونَ ، فَجَعَلَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ حَيْثُ شَاءَ , وَإِنَّ كُتُبَنَا وَالَّذِي دَرَسْنَا فِي التَّوْرَاةِ الَّتِي لَمْ تُغَيَّرْ وَلَمْ تُبَدَّلْ أَنَّ مَوْلِدَهُ بِمَكَّةَ ، وَأَنَّ هِجْرَتَهُ يَثْرِبُ ، وَصِفَتُهُ بِعَيْنِهَا مَا تُخَالِفُ مَا فِي كِتَابِنَا ، وَلَكَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَيْكُمْ ظَاعِنِينَ تَتَنَاغَى صِبْيَانُكُمْ ، قَدْ تَرَكْتُمْ دُورَكُمْ خُلُوفًا وَأَمْوَالَكُمْ ، إِنَّمَا هِيَ شَرَفُكُمْ فَأَطِيعُونِي فِي خَصْلَتَيْنِ وَالثَّالِثَةُ لا خَيْرَ فِيهَا " . قَالُوا : مَا هُمَا ؟ قَالَ : تُسْلِمُونَ وَتَدْخُلُونَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَتَأْمَنُونَ عَلَى أَمْوَالِكُمْ وَأَوْلادِكُمْ ، وَتَكُونُونَ مِنْ عِلْيَةِ أَصْحَابِهِ ، وَتَبْقَى بِأَيْدِيكُمْ أَمْوَالُكُمْ ، وَلا تُخْرَجُونَ مِنْ دِيَارِكُمْ . قَالُوا : لا نُفَارِقُ التَّوْرَاةَ وَعَهْدَ مُوسَى . قَالَ : فَإِنَّهُ مُرْسِلٌ إِلَيْكُمُ ، اخْرُجُوا مِنْ بَلَدِي ، فَقُولُوا : نَعَمْ ، فَإِنَّهُ لا يَسْتَحِلُّ لَكُمْ دَمًا وَلا مَالا ، فَتَبْقَى أَمْوَالُكُمْ ، إِنْ شِئْتُمْ بِعْتُمْ ، وَإِنْ شِئْتُمْ أَمْسَكْتُمْ . قَالُوا : أَمَّا هَذِهِ فَنَعَمْ . قَالَ : أَمَا وَاللَّهِ إِنَّ الأُخْرَى خَيْرُهُنَّ لِي . قَالُوا : مَا هِيَ ؟ قَالَ : أَمَا وَاللَّهِ لَوْلا أَنِّي أَفْضَحُكُمْ أَسْلَمْتُ ، وَلَكِنْ لا تُعَيَّرُ الشَّعْثَاءُ بِإِسْلامِي أَبَدًا حَتَّى يُصِيبَنِي مَا أَصَابَكُمْ ، وَالشَّعْثَاءُ : ابْنَةُ حَسَّانِ بْنِ ثَابِتٍ ، يُشَبِّبُ مِنْ حُسْنِهَا . وَقَالَ سَلامُ بْنُ مِشْكَمٍ : قَدْ كُنْتُ لِمَا صَنَعْتُمْ كَارِهًا ، وَهُوَ مُرْسِلٌ إِلَيْنَا أَنِ اخْرُجُوا مِنْ دَارِي ، فَلا تُعَقِّبْ يَا حُيَيُّ كَلامَهُ ، وَأَنْعِمْ لَهُ بِالْخُرُوجِ فَاخْرُجْ مِنْ بِلادِهِ ، فَقَالَ : افْعَلْ . فَلَمَّا رَجَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْمَدِينَةِ ، تَبِعَهُ أَصْحَابُهُ ، فَلَقُوا رَجُلا خَارِجًا مِنَ الْمَدِينَةِ ، فَسَأَلُوهُ : هَلْ لَقِيتَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؟ فَقَالَ : نَعَمْ ، لَقِيتُهُ دَاخِلا . فَلَمَّا انْتَهَى أَصْحَابُهُ إِلَيْهِ وَجَدُوهُ وَقَدْ أَرْسَلَ إِلَى مُحَمَّدِ بْنِ مَسْلَمَةَ يَدْعُوهُ ، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ : قُمْتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَلَمْ نَشْعُرْ . فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " هَمَّتِ الْيَهُودُ بِالْغَدْرِ بِي فَأَخْبَرَنِي اللَّهُ تَعَالَى بِذَلِكَ " . وَجَاءَ مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ ، وَقَالَ : اذْهَبْ إِلَى يَهُودِ بَنِي النَّضِيرِ ، فَقُلْ لَهُمْ : إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرْسَلَنِي إِلَيْكُمْ بِرِسَالَةٍ وَلَسْتُ أَذْكُرُهَا لَكُمْ حَتَّى أُعَرِّفَكُمْ بشَيْءٍ تَعْرِفُونَهُ . قَالُوا : مَا هُوَ ؟ قَالَ : أَنْشُدُكُمْ بِالتَّوْرَاةِ الَّتِي أَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى مُوسَى عَلَيْهِ السَّلامُ ، هَلْ تَعْلَمُونَ أَنِّي جِئْتُكُمْ قَبْلَ أَنْ يُبْعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبَيْنَكُمُ التَّوْرَاةُ ، فَقُلْتُمْ فِي مَجْلِسِكُمْ هَذَا : يَا ابْنَ مَسْلَمَةَ ، إِنْ شِئْتَ أَنْ نُغَدِّيَكَ غَدَّيْنَاكَ ، وَإِنْ شِئْتَ نُهَوِّدْكَ هَوَّدْنَاكَ ، فَقُلْتُ : غَدُّونِي وَلا تُهَوِّدُونِي ، وَاللَّهِ لا أَتَهَوَّدُ أَبَدًا ، فَغَدَّيْتُمُونِي فِي صَفْحَةٍ لَكَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَيْهَا ، فَقُلْتُمْ لِي : مَا يَمْنَعُكَ مِنْ دِينِنَا إِلا أَنَّهُ دِينُ يَهُودَ ، لَكَأَنَّكَ تُرِيدُ الْحَنِيفِيَّةَ الَّتِي سَمِعْتَ بِهَا ، أَمَا إِنَّ أَبَا عَامِرٍ الرَّاهِبَ لَيْسَ بِصَاحِبِهَا ، إِنَّمَا صَاحِبُهَا الضَّحُوكُ الْقَتَّالُ ، فِي عَيْنَيْهِ حُمْرَةٌ ، وَيَأْتِي مِنْ قِبَلِ الْيَمَنِ ، وَيَرْكَبُ الْبَعِيرَ وَيَلْبَسُ الشَّمْلَةَ ، وَيَحْتَزِئُ بِالْكِسْرَةِ ، وَسَيْفُهُ عَلَى عَاتِقِهِ ، لَيْسَ مَعَهُ آيَةٌ ، يَتَعَلَّقُ بِالْحِكْمَةِ ، وَاللَّهِ لَيَكُونَنَّ بِقَرْيَتِكُمْ هَذِهِ سَلْبٌ وَمَثَلَةٌ وَقَتْلٌ ، قَالُوا : اللَّهُمَّ نَعَمْ ، قَدْ قُلْنَا ذَلِكَ ، وَلَكِنَّهُ لَيْسَ بِهِ . قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ : إِذًا قَدْ عَرَفْتُ أَنَّهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، قَدْ أَرْسَلَنِي إِلَيْكُمْ ، يَقُولُ لَكُمْ : قَدْ نَقَضْتُمُ الَّذِي جَعَلْتُ لَكُمْ بِمَا هَمَمْتُمْ مِنَ الْغَدْرِ بِي . وَأَخْبَرَهُمْ بِمَا كَانُوا ارْتَأَوْا مِنَ الرَّأْيِ ، وَظُهُورِ عَمْرِو بْنِ جَحَّاشٍ لِطَرْحِ الصَّخْرَةِ ، فَسَكَتُوا فَلَمْ يَقُولُوا حَرْفًا . وَيَقُولُ : اخْرُجُوا مِنْ بَلَدِي ، فَقَدْ أَجَّلْتُكُمْ عَشْرًا ، فَمَنْ بَقِيَ بَعْدَ ذَلِكَ ضَرَبْتُ عُنُقَهُ . وَسَاقَ الْحَدِيثَ إِلَى أَنْ ، قَالَ : فَقَالَ حُيَيُّ : أَنَا أُرْسِلُ إِلَى مُحَمَّدٍ : إِنَّا لا نَخْرُجُ مِنْ دِيَارِنَا وَأَمْوَالِنَا ، فَلْيَصْنَعْ مَا بَدَا لَهُ . وَقَالَ سَلامُ بْنُ مِشْكَمٍ : مَنَّتْكَ نَفْسُكَ يَا حُيَيُّ بِالْبَاطِلِ ، إِنِّي وَاللَّهِ لَوْلا أَنْ أُسَفِّهَ رَأْيَكَ وَأَنْ يُزْرَى بِكَ لاعْتَزَلْتُكَ بِمَنْ أَطَاعَنِي مِنَ الْيَهُودِ ، فَلا تَفْعَلْ يَا حُيَيُّ ، فَوَاللَّهِ إِنَّكَ لَتَعْلَمُ وَنَعْلَمُ مَعَكَ إِنَّهُ لَرَسُولُ اللَّهِ ، وَأَنَّ صِفَتَهُ عِنْدَنَا ، وَإِنْ لَمْ نَتَّبِعْهُ حَسَدْنَاهُ حِينَ خَرَجَتِ النُّبُوَّةُ مِنْ بَنِي هَارُونَ ، فَتَعَالَ فَلْتَقْبَلْ مَا أَعْطَانَا مِنَ الأَرْضِ وَنَخْرُجْ مِنْ بِلادِهِ ، فَقَدْ عَرَفْتَ أَنَّكَ خَالَفْتَنِي فِي الْغَدْرِ بِهِ ، فَإِذَا كَانَ أَوَانُ الثَّمَرِ جِئْنَا أَوْ جَاءَهُ مَنْ جَاءَ مِنَّا إِلَى ثَمَرَةٍ فَبَاعَهَا وَسَمِعَ مَا بَدَا لَهُ ، ثُمَّ انْصَرَفَ إِلَيْنَا ، فَكَأَنَّمَا لَمْ نَخْرُجْ مِنْ بِلادِنَا إِذَا كَانَتْ أَمْوَالُنَا بِأَيْدِينَا . وَسَاقَ الْحَدِيثَ إِلَى أَنْ ذَكَرَ أَمْرَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقَطْعِ نَخِيلِهِمْ ، وَقَالُوا : نَحْنُ نُعْطِيكَ الَّذِي سَأَلْتَ وَنَخْرُجُ مِنْ بِلادِكَ . فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : لا أَقْبَلُهُ الْيَوْمَ ، وَلَكِنِ اخْرُجُوا مِنْهَا وَلَكُمْ مَا حَمَلَتِ الإِبِلُ وَاللامَةُ . فَقَالَ سَلامُ بْنُ مِشْكَمٍ : أَقْبِلْ وَيْحَكَ قَبْلَ أَنْ يَعْمَلَ شَرًّا مِنْ هَذَا . قَالَ حُيَيٌّ : مَا يَكُونُ شَرًّا مِنْ هَذَا ؟ قَالَ سَلامٌ : يَسْبِي الذُّرِّيَّةَ وَيَقْتُلُ الْمُقَاتِلَةَ . فَأَبَى حُيَيُّ أَنْ يَقْبَلَ يَوْمًا أَوْ يَوْمَيْنِ ، فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ يَامِينُ بْنُ عُمَيْرٍ وَأَبُو سَعْدِ بْنُ وَهْبٍ ، قَالَ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ : وَاللَّهِ إِنَّا لَنَعْلَمُ إِنَّهُ لَرَسُولُ اللَّهِ ، فَمَا نَنْتَظِرُ أَنْ نُسْلِمَ فَنَأْمَنَ عَلَى دِمَائِنَا وَأَمْوَالِنَا ، فَنَزَلا مِنَ اللَّيْلِ فَأَسْلَمَا وَأَحْرَزَا أَمْوَالَهُمَا . قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ : حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ جَعْفَرٍ ، عَنْ أَبِيهِ ، قَالَ : لَمَّا أُخْرِجَتْ بَنُو النَّضِيرِ مِنَ الْمَدِينَةِ ، أَقْبَلَ عَمْرُو بْنُ سُعْدَى ، فَأَطَافَ بِمَنَازِلِهِمْ ، فَرَأَى خَرَابًا فَتَفَكَّرَ ثُمَّ رَجَعَ إِلَى بَنِي قُرَيْظَةَ ، فَوَجَدَهُمْ فِي الْكَنِيسَةِ فِي صَلاتِهِمْ قَدْ نُفِخَ فِي بُوقِهِمْ ، فَاجْتَمَعُوا ، فَقَالَ الزُّبَيْرُ بْنُ بَاطَا : أَيْنَ كُنْتَ يَا أَبَا سَعْدٍ مُنْذُ الْيَوْمِ لَمْ نَرَكَ ؟ وَكَانَ لا يُفَارِقُ الْكَنِيسَةَ ، وَكَانَ يَتَأَلَّهُ فِي الْيَهُودِ ، قَالَ : رَأَيْتُ الْيَوْمَ عِبرًا قَدْ عَبَرْنَا بِهَا ، رَأَيْتُ دُورًا خَالِيَةً خَرَابًا بَعْدَ الْعِزِّ وَالْجَدِّ وَالشَّرَفِ وَالرَّأْيِ الْفَاضِلِ وَالْعَقْلِ الْبَارِعِ ، وَقَدْ تَرَكُوا أَمْوَالَهُمْ وَمَلَكَهَا غَيْرُهُمْ , وَخَرَجُوا خُرُوجَ ذُلٍّ ، فَلا وَالتَّوْرَاةِ مَا سَلَّطَ اللَّهُ عَلَى قَوْمٍ هَذَا أَبَدًا وَلَهُ بِهِمْ حَاجَةٌ , وَقَدْ أَوْقَعَ بِابْنِ الأَشْرَفِ بَيَاتًا فِي بَيْتِهِ ، وَأَوْقَعَ بِابْنَيْ شَيْبَةَ سَيَّرَهُمْ وَأَنْجَزَهُمْ وَأَحْذَرَهُمْ ، وَأَوْقَعَ بِبَنِي قَيْنُقَاعَ وَأَجْلاهُمْ جَدِّ الْيَهُودِ وَكَانُوا أَهْلَ عُدَّةٍ وَسِلاحٍ وَنَجْدَةٍ ، يَا قَوْمِ أَطِيعُونِي ، فَقَدْ رَأَيْتُمْ مَا رَأَيْتُمْ ، تَعَالَوْا نَتَّبِعْ مُحَمَّدًا ، وَاللَّهِ إِنَّكُمْ لَتَعْلَمُونَ إِنَّهُ لَنَبِيٌّ ، قَدْ بَشَّرَنَا بِهِ عُلَمَاؤُنَا ابْنُ الْهَيَّبَانِ وَأَبُو عُمَيْرِ بْنُ جَوَّاسٍ ، وَهُمَا أَعْلَمُ الْيَهُودِ ، جَاءَا مِنْ بَيْتِ الْمَقْدِسِ يَتَوَكَّفَانِ قُدُومَهُ ، ثُمَّ أَمَرَانَا بِاتِّبَاعِهِ ، وَأَنْ نُقْرِئَهُ مِنْهُمَا السَّلامَ ، ثُمَّ مَاتَا عَلَى دِينِهِمَا وَدَفَنَّاهُمَا فِي حَرَّتِنَا هَذِهِ . قَالَ : فَأُسْكِتَ الْقَوْمُ لا يَتَكَلَّمُ مِنْهُمْ أَحَدٌ ، فَأَعَادَ الْكَلامَ أَوْ نَحْوَهُ ، وَخَوَّفَهُمُ الْحَرْبَ وَالسَّبْيَ وَالْجَلاءَ ، فَقَالَ الزُّبَيْرُ بْنُ بَاطَا : قَدْ قَرَأْتُ التَّوْرَاةَ وَرَأَيْتُ صِفَتَهُ فِي كِتَابِ بَاطَا التَّوْرَاةِ الَّتِي أُنْزِلَتْ عَلَى مُوسَى ، لَيْسَ فِي الْمَثَانِي الَّتِي أَحْدَثْنَا . قَالَ : فَقَالَ لَهُ كَعْبُ بْنُ أُسَيْدٍ : فَمَا يَمْنَعُكَ يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ مِنَ اتِّبَاعِهِ ؟ قَالَ : أَنْتَ . قَالَ : وَلِمَ ؟ وَالتَّوْرَاةِ مَا خَلَّيْتُ بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ قَطُّ . قَالَ الزُّبَيْرُ : أَنْتَ صَاحِبُ عَهْدِنَا وَعَقْدِنَا ، فَإِنِ اتَّبَعْتَهُ اتَّبَعْنَاكَ ، وَإِنْ أَبَيْتَ أَبَيْنَا . قَالَ : فَأَقْبَلَ عَمْرُو بْنُ سُعْدَى عَلَى كَعْبٍ ، فَقَالَ : أَمَا وَالتَّوْرَاةِ الَّتِي نَزَلَتْ عَلَى مُوسَى يَوْمَ طُورِ سَيْنَاءَ " إِنَّهُ لَلْعِزُّ وَالشَّرَفُ فِي الدُّنْيَا ، وَإِنَّهُ لَعَلَى مِنْهَاجِ مُوسَى ، وَيَنْزِلُ مَعَهُ وَأُمَّتُهُ فِي مَنْزِلِهِ غَدًا فِي الْجَنَّةِ " . قَالَ كَعْبٌ : نُقِيمُ عَلَى عَهْدِنَا وَعَقْدِنَا ، لا يَخْفِرُ لَنَا مُحَمَّدٌ ذِمَّتَهُ ، وَنَنْظُرُ مَا يَصْنَعُ حُيَيٌّ ، فَقَدْ أُخْرِجَ إِخْرَاجَ ذَبٍّ وَصَغَارٍ ، فَلا أُرَاهُ يَفِرُّ حَتَّى يَغْزُوَ مُحَمَّدًا ، وَإِنْ ظَفِرَ بِمُحَمَّدٍ وَمَا أَرَدْنَا أَقَمْنَا عَلَى دِينِنَا ، وَإِنْ ظَفِرَ بِحُيَيٍّ فَمَا فِي الْعَيْشِ خَيْرٌ بَعْدَهُ . قَالَ عَمْرُو بْنُ سُعْدَى : وَلِمَ تُؤَخِّرُ الأَمْرَ وَهُوَ مُقْبِلٌ ؟ قَالَ كَعْبٌ : مَا عَلَى هَذَا فَوْتَ ، مَتَى أَرَدْتُ هَذَا مِنْ مُحَمَّدٍ أَجَابَنِي إِلَيْهِ . قَالَ عَمْرٌو : بَلَى وَالتَّوْرَاةِ إِنَّ عَلَيْهِ لَفَوْتًا ، إِذَا سَارَ إِلَيْنَا مُحَمَّدٌ لَتَحَصَّنَّا فِي حُصُونِنَا هَذِهِ الَّتِي جَذَعَتْنَا ، فَلا نُفَارِقُ حُصُونَنَا حَتَّى نَنْزِلَ عَلَى حُكْمِهِ فَيَضْرِبَ أَعْنَاقَنَا . قَالَ كَعْبُ بْنُ أَسَدٍ : مَا عِنْدِي فِي أَمْرِهِ إِلا مَا قُلْتُ ، مَا تَطِيبُ نَفْسِي أَنْ أَصِيرَ تَابِعًا لِقَوْلِ هَذَا الإِسْرَائِيلِيِّ الَّذِي لا يَعْرِفُ فَضْلَ النُّبُوَّةِ وَلا قَدْرَ الْفِعَالِ . قَالَ : قَالَ عَمْرُو بْنُ سُعْدَى : بَلَى لَيَعْرِفَنَّ ذَلِكَ . قَالَ : فَهُمْ عَلَى ذَلِكَ لَمْ يَرُعْهُمْ إِلا مُقَدِّمَةُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ حَلَّتْ بِسَاحَتِهِمْ ، فَقَالَ : هَذَا الَّذِي قُلْتُمْ . قَالَ الشَّيْخُ : وَإِنَّمَا سُقْنَا هَذِهِ الأَقَاصِيصَ لِيُعْلَمَ مَا اشْتَهَرَ عِنْدَ عُلَمَاءِ الْيَهُودِ مِنْ صِفَتِهِ فِي التَّوْرَاةِ الَّتِي لَمْ تُغَيَّرْ وَلَمْ تُبَدَّلْ ، وَإِنَّ ذَلِكَ دَلالَةٌ عَلَى بُطْلانِ مَا فِي أَيْدِيهِمْ مِنَ التَّوْرَاةِ الْيَوْمَ مِنَ الأَشْيَاءِ الْمُسْتَحِيلَةِ ، وَتَسْمِيَتِهِمُ الَّتِي فِي أَيْدِيهِمْ أَنَّهَا الْمَثَانِي الْمُبَدَّلَةُ الْمُحَرَّفَةُ ، وَفِيهِ أَيْضًا مَا أَطْلَعَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ نَبِيَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ غَدْرِ الْيَهُودِ ، وَعِصْمَةُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ مِنَ الْقَتْلِ الَّذِي كَانُوا هَمُّوا بِهِ .

الرواه :

الأسم الرتبة
عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ

ثقة فقيه مشهور

أَبِي الأَسْوَدِ

ثقة

ابْنُ لَهِيعَةَ

ضعيف الحديث

أَبِي

ثقة

مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ خَالِدٍ الْحَرَّانِيُّ

مجهول الحال

سُلَيْمَانُ بْنُ أَحْمَدَ

حافظ ثبت

Whoops, looks like something went wrong.