حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ أَحْمَدَ ، قَالَ : ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ خَالِدٍ الْحَرَّانِيُّ ، قَالَ : ثنا أَبِي ، قَالَ : ثنا ابْنُ لَهِيعَةَ ، عَنْ أَبِي الأَسْوَدِ ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ ، قَالَ : " لَمَّا أَقْبَلَ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ مِنَ الْحَبَشَةِ مِنْ عِنْدِ النَّجَاشِيِّ إِلَى مَكَّةَ ، قَدْ أَهْلَكَ اللَّهُ صَاحِبَهُ وَمَنْعَهُ حَاجَتَهُ ، اشْتَدَّ الْمُشْرِكُونَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ كَأَشَدِّ مَا كَانُوا ، حَتَّى بَلَغَ الْمُسْلِمِينَ الْجَهْدُ ، وَاشْتَدَّ عَلَيْهِمُ الْبَلاءُ ، وَعَمَدَ الْمُشْرِكُونَ مِنْ قُرَيْشٍ ، فَأَجْمَعُوا مَكْرَهُمْ وَأَمْرَهُمْ عَلَى أَنْ يَقْتُلُوا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلانِيَةً ، فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ أَبُو طَالِبٍ ، جَمَعَ بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ ، فَأَجْمَعَ لَهُمْ أَمْرَهُمْ عَلَى أَنْ يُدْخِلُوا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شِعْبَهُمْ وَيَمْنَعُوهُ مِمَّنْ أَرَادَ قَتْلَهُ ، فَاجْتَمَعُوا عَلَى ذَلِكَ كَافِرُهُمْ وَمُسْلِمُهُمْ ، مِنْهُمْ مَنْ فَعَلَهُ حَمِيَّةً ، وَمِنْهُمْ مَنْ فَعَلَهُ إِيمَانًا وَيَقِينًا ، فَلَمَّا عَرَفَتْ قُرَيْشٌ أَنَّ الْقَوْمَ قَدِ اجْتَمَعُوا وَمَنَعُوا الرَّسُولَ وَاجْتَمَعُوا عَلَى ذَلِكَ كَافِرُهُمْ وَمُسْلِمُهُمُ ، اجْتَمَعَ الْمُشْرِكُونَ مِنْ قُرَيْشٍ ، فَأَجْمَعُوا أَمْرَهُمْ عَلَى أَنْ لا يُجَالِسُوهُمْ وَلا يُخَالِطُوهُمْ وَلا يُبَايِعُوهُمْ وَلا يَدْخُلُوا بُيُوتَهُمْ حَتَّى يُسْلِمُوا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلْقَتْلِ ، وَكَتَبُوا بِمَكْرِهِمْ صَحِيفَةً وَعُهُودًا وَمَوَاثِيقَ أَنْ لا يَقْبَلُوا مِنْ بَنِي هَاشِمٍ أَبَدًا صُلْحًا وَلا تَأْخُذَهُمْ بِهِمْ رَأْفَةٌ وَلا رَحْمَةٌ وَلا هَوَادَةٌ حَتَّى يُسْلِمُوا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلْقَتْلِ ، فَلَبِثَ بَنُو هَاشِمٍ فِي شِعْبِهِمْ ثَلاثَ سِنِينَ ، وَاشْتَدَّ فِيهِنَّ الْبَلاءُ وَالْجَهْدُ ، وَقَطَعُوا عَلَيْهِ الأَسْوَاقَ ، فَلا يَتْرُكُونَ طَعَامًا يَدْنُو مِنْ مَكَّةَ وَلا بَيْعًا إِلا بَادَرُوا إِلَيْهِ ، لِيَقْتُلَهُمُ الْجُوعُ ، يُرِيدُونَ أَنْ يَتَنَاوَلُوا بِذَلِكَ سَفْكَ دَمِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَكَانَ أَبُو طَالِبٍ إِذَا أَخَذَ النَّاسُ مَضَاجِعَهُمْ ، أَمَرَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَأَتَى فِرَاشَهُ حَتَّى يَرَاهُ مَنْ أَرَادَ بِهِ مَكْرًا أَوْ غَائِلَةً ، فَإِذَا نَوَّمَ النَّاسُ ، أَخَذَ أَحَدَ بَنِيهِ أَوْ إِخْوَتِهِ أَوْ بَنِي عَمِّهِ ، فَاضْطَجَعَ عَلَى فِرَاشِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَأَمَرَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَأْتِيَ بَعْضَ فُرُشِهِمْ فَيَرْقُدَ عَلَيْهَا ، فَلَمَّا كَانَ رَأْسُ ثَلاثِ سِنِينَ ، تَلاوَمَ رِجَالٌ مِنْ بَنِي عَبْدِ مَنَافٍ وَرِجَالٌ مِنْ بَنِي قُصَيٍّ وَرِجَالٌ مِمَّنْ سِوَاهُمْ ، وَذَكَرُوا الَّذِي وَقَعُوا فِيهِ مِنَ الْقَطِيعَةِ ، فَأَجْمَعُوا أَمْرَهُمْ فِي لَيْلَتِهِمْ عَلَى نَقْضِ مَا تَعَاقَدُوا عَلَيْهِ وَالْبَرَاءَةِ مِنْهُ ، فَبَعَثَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَى صَحِيفَتِهِمُ الَّتِي فِيهَا الْمَكْرُ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الأَرَضَةَ ، فَلَحِسَتْ كُلَّ شَيْءٍ كَانَ فِيهَا ، وَكَانَتْ مُعَلَّقَةً فِي سَقْفِ الْكَعْبَةِ ، وَكَانَ فِيهَا عَهْدُ اللَّهِ وَمِيثَاقُهُ ، فَلَمْ تَتْرُكْ فِيهَا شَيْئًا إِلا لَحِسَتْهُ ، وَبَقِيَ فِيهَا مَا كَانَ مِنْ شِرْكٍ أَوْ ظُلْمٍ أَوْ بَغْيٍ ، فَأَطْلَعَ اللَّهُ تَعَالَى رَسُولَهُ عَلَى الَّذِي صَنَعَ بِالصَّحِيفَةِ ، فَقَالَ أَبُو طَالِبٍ : لا وَالثَّوَاقِبِ مَا كَذَبَنِي ، فَانْطَلَقَ يَمْشِي بِعِصَابَةٍ مِنْ بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ ، حَتَّى أَتَى الْمَسْجِدَ وَهُوَ حَافِلٌ مِنْ قُرَيْشٍ ، فَلَمَّا رَأَوْهُمْ أَتَوْا بِجَمَاعَةٍ أَنْكَرُوا ذَلِكَ ، فَظُنُّوا أَنَّهُمْ خَرَجُوا مِنْ شِدَّةِ الْبَلاءِ ، وَأَتَوْهُمْ لِيُعْطُوهُمْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَتَكَلَّمَ أَبُو طَالِبٍ ، فَقَالَ : قَدْ حَدَثَتْ أُمُورٌ بَيْنَكُمْ لَمْ نَذْكُرْهَا لَكُمْ ، فَأْتُوا بِصَحيفَتِكُمُ الَّتِي فِيهَا مَوَاثِيقُكُمْ ، فَلَعَلَّهُ أَنْ يَكُونَ بَيْنَنَا بَيْنَكُمْ صُلْحٌ ، وَإِنَّمَا قَالَ ذَلِكَ خَشْيَةَ أَنْ يَنْظُرُوا فِي الصَّحِيفَةِ قَبْلَ أَنْ يَأْتُوا بِهَا ، فَبَادَرَ اللَّعِينُ أَنْ يَأْتِيَهُمْ بِحَدِيثِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّذِي أَخْبَرَهُ اللَّهُ بِهِ ، فَأَتَوْا بِصَحِيفَتِهِمْ مُعْجَبِينَ بِهَا لا يَشُكُّونَ أَنَّ الرَّسُولَ مَدْفُوعٌ إِلَيْهِمْ ، فَوَضَعُوهَا بَيْنَهُمْ ، وَقَالُوا : قَدْ دَنَا لَكُمْ أَنْ تَقْبَلُوا أَوْ تَرْجِعُوا إِلَى أَمْرٍ يَجْمَعُ عَامَّتَكُمْ وَيَجْمَعُ قَوْمَكُمْ وَلا يَقْطَعُ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ إِلا رَجُلٌ وَاحِدٌ ، أَجَّلْتُمُوهُ خَطَرًا لِعَشِيرَتِكُمْ وَفَسَادِكُمْ ، قَالَ أَبُو طَالِبٍ : إِنَّمَا أَتَيْتُكُمْ لأُعْطِيَكُمْ أَمْرًا فِيهِ نَصَفٌ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ ، هَذِهِ الصَّحِيفَةُ الَّتِي فِي أَيْدِيكُمْ ، إِنَّ ابْنَ أَخِي قَدْ أَخْبَرَنِي وَلَمْ يَكْذِبْنِي أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ بَعَثَ عَلَيْهَا دَابَّةً فَلَمْ تَتْرُكْ فِيهَا اسْمًا لِلَّهِ إِلا لَحِسَتْهُ ، وَتُرِكَ فِيهَا غَدْرُكُمْ وَتَظَاهُرُكُمْ عَلَيْنَا بِالظُّلْمِ ، فَإِنْ كَانَ الْحَدِيثُ كَمَا يَقُولُ ، فَأَفِيقُوا ، فَوَاللَّهِ لا نُسْلِمُهُ حَتَّى نَمُوتَ عَنْ آخِرِنَا ، وَإِنْ كَانَ الَّذِي يَقُولُ بَاطِلا ، دَفَعْنَا إِلَيْكُمْ صَاحِبَنَا فَقَتَلْتُمْ أَوِ اسْتَحْيَيْتُمْ ، فَقَالُوا : لَقَدْ رَضِينَا بِالَّذِي تَقُولُ ، فَفُتِحَتِ الصَّحِيفَةُ ، فَوَجَدُوا الصَّادِقَ الْمَصْدُوقَ قَدْ أَخْبَرَ خَبَرَهَا قَبْلَ أَنْ تُفْتَحَ ، فَلَمَّا رَأَتْهَا قُرَيْشٌ كَالَّذِي قَالَ أَبُو طَالِبٍ ، قَالُوا : وَاللَّهِ مَا كَانَ هَذَا إِلا سِحْرًا مِنْ صَاحِبِكُمْ ، فَارْتَكَسُوا وَعَادُوا لِشَرِّ مَا كَانُوا عَلَيْهِ مِنْ كُفْرِهِمْ وَالشِّدَّةِ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابِهِ وَرَهْطِهِ ، وَالْقِيَامِ عَلَى مَا تَعَاقَدُوا عَلَيْهِ ، فَقَالَ أُولَئِكَ النَّفَرُ مِنْ بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ : إِنَّ الأَوْلَى بِالْكَذِبِ وَالسِّحْرِ غَيْرُنَا فَكَيْفَ تَرَوْنَ ؟ فَإِنَّا نَعْلَمُ أَنَّ الَّذِي أَجْمَعْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ قَطِيعَتِنَا أَقْرَبُ لِلْخُبْثِ وَالسِّحْرِ ، وَلَوْلا الَّذِي أَجْمَعْتُمْ فِيهَا مِنَ السِّحْرِ لَمْ تَفْسُدِ الصَّحِيفَةُ وَهِيَ فِي أَيْدِيكُمْ ، فَمَا كَانَ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ مِنَ اسْمٍ هُوَ فِيهَا طَمَسَهُ ، وَمَا كَانَ مِنْ بَغْيٍ تَرَكَهُ فِي صَحِيفَتِكُمْ ، أَفَنَحْنُ السَّحَرَةُ أَمْ أَنْتُمْ ؟ فَنَدِمَ الْمُشْرِكُونَ مِنْ قُرَيْشٍ عِنْدَ ذَلِكَ ، وَقَالَ رِجَالٌ مِنْهُمْ أَبُو الْبَخْتَرِيِّ وَهُوَ الْعَاصُ بْنُ هِشَامِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ الْعُزَّى بْنِ قُصَيٍّ ، وَمِنْهُمُ الْمُطْعِمُ بْنُ عَدِيٍّ وَهِشَامُ بْنُ عَمْرٍو أَخُو بَنِي عَامِرِ بْنِ لُؤَيٍّ ، وَكَانَتِ الصَّحِيفَةُ عِنْدَهُ ، وَزُهَيْرُ بْنُ أُمَيَّةَ وَزَمْعَةُ بْنُ الأَسْوَدِ بْنِ الْمُطَّلِبِ بْنِ أَسَدِ بْنِ عَبْدِ الْعُزَّى بْنِ قُصَيٍّ فِي رِجَالٍ مِنْ قُرَيْشٍ وَلَدَتْهُمْ نِسَاءُ بَنِي هَاشِمٍ ، كَانُوا قَدْ نَدِمُوا عَلَى الَّذِي صَنَعُوا ، فَقَالُوا : نَحْنُ بَرَاءٌ مِنْ هَذِهِ الصَّحِيفَةِ ، قَالَ أَبُو جَهْلٍ : هَذَا أَمْرٌ قُضِيَ بِلَيْلٍ ، قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ : فَلَمَّا اجْتَمَعَتْ قُرَيْشٌ عَلَى ذَلِكَ ، أَقَامُوا عَلَى ذَلِكَ سَنَتَيْنِ أَوْ ثَلاثًا حَتَّى جَهِدُوا أَلا يَصِلَ إِلَيْهِمْ إِلا شَيْءٌ مُسْتَخْفٍ بِهِ مَنْ أَرَادَ صِلَتَهُمْ مِنْ قُرَيْشٍ ، وَقَدْ كَانَ أَبُو جَهْلٍ فِيمَا يَذْكُرُونَ لَقِيَ حَكِيمَ بْنَ حِزَامِ بْنِ خُوَيْلِدِ بْنِ أَسَدٍ مَعَهُ غُلامٌ يَحْمِلُ قَمْحًا يُرِيدُ بِهِ عَمَّتَهُ خَدِيجَةَ بِنْتَ خُوَيْلِدٍ وَهِيَ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَهُ فِي الشِّعْبِ ، فَتَعَلَّقَ بِهِ ، وَقَالَ : أَتَذْهَبُ بِالطَّعَامِ إِلَى بَنِي هَاشِمٍ ؟ وَاللَّهِ لا تَبْرَحُ أَنْتَ وَطَعَامُكَ حَتَّى أَفْضَحَكَ بِمَكَّةَ ، فَجَاءَ أَبُو الْبَخْتَرِيِّ الْعَاصُ بْنُ هِشَامِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ أَسَدٍ ، فَقَالَ : مَا لَكَ وَلَهُ ؟ قَالَ : يَحْمِلُ الطَّعَامَ إِلَى بَنِي هَاشِمٍ ، فَقَالَ لَهُ أَبُو الْبَخْتَرِيِّ : طَعَامٌ كَانَ لِعَمَّتِهِ عِنْدَهُ فَبَعَثَتْ إِلَيْهِ ، أَفَتَمْنَعُهُ أَنْ يَأْتِيَهَا بِطَعَامِهَا ؟ خَلِّ سَبِيلَ الرَّجُلِ ، فَأَبَى أَبُو جَهْلٍ حَتَّى نَالَ أَحَدُهُمَا مِنْ صَاحِبِهِ ، فَاحْتَمَلَ أَبُو الْبَخْتَرِيِّ لَحْيَ جَمَلٍ ، فَضَرَبَهُ فَشَجَّهُ وَوَطِئَهُ وَطْئًا شَدِيدًا ، وَحَمْزَةُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ قَدْ يَرَى ذَلِكَ ، وَهُمْ يَكْرَهُونَ أَنْ يَبْلُغَ ذَلِكَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابَهُ فَيَشْمَتُوا بِهِمْ ، وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَ ذَلِكَ يَدْعُو قَوْمَهُ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ لَيْلا وَنَهَارًا ، سِرًّا وَجِهَارًا ، لا يَتَّقِي فِيهِ أَحَدًا مِنَ النَّاسِ ، قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ : ثُمَّ إِنَّهُ قَامَ فِي نَقْضِ الصَّحِيفَةِ الَّتِي كَاتَبَتْ فِيهَا قُرَيْشٌ عَلَى بَنِي هَاشِمٍ وَعَلَى بَنِي الْمُطَّلِبِ نَفَرٌ مِنْ قُرَيْشٍ ، وَلَمْ يُبْلَ فِيهَا أَحْسَنُ مِنْ بَلاءِ هِشَامِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ بْنِ حَبِيبِ بْنِ نَصْرِ بْنِ مَالِكِ بْنِ خُثَيْلِ بْنِ عَامِرِ بْنِ لُؤَيٍّ ، وَذَلِكَ أَنَّهُ كَانَ أَخَا نَضْلَةَ بْنِ هَاشِمِ بْنِ عَبْدِ مَنَافِ بْنِ قُصَيٍّ ، لأَنَّهُ كَانَ نَضْلَةُ وَعَمْرٌو أَخَوَيْنِ لأُمٍّ ، فَكَانَ هِشَامٌ لِبَنِي هَاشِمٍ وَاصِلا ، وَكَانَ ذَا شَرَفٍ فِي قَوْمِهِ ، وَكَانَ فِيمَا بَلَغَنِي يَأْتِي بِالْبَعِيرِ قَدْ أَوْقَرَهُ طَعَامًا ، وَبَنُو هَاشِمٍ وَبَنُو الْمُطَّلِبِ فِي الشِّعْبِ لَيْلا ، حَتَّى إِذَا أَقْبَلَهُ الشِّعْبَ ، خَلَعَ خِطَامَهُ مِنْ رَأْسِهِ ، ثُمَّ ضَرَبَ عَلَى جَنْبِهِ ، فَدَخَلَ الشِّعْبَ عَلَيْهِمْ ، فَيَأْتِي بِهِ قَدْ أَوْقَرَهُ بُرًّا ، فَيَفْعَلُ بِهِ مِثْلَ ذَلِكَ ، ثُمَّ إِنَّهُ مَشَى إِلَى زُهَيْرِ بْنِ أَبِي أُمَيَّةَ بْنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ مَخْزُومٍ ، فَكَانَتْ أُمُّهُ عَاتِكَةَ بِنْتِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ ، فَقَالَ لَهُ : يَا زُهَيْرُ ، قَدْ رَضِيتَ بِأَنْ تَأْكُلَ الطَّعَامَ وَتَلْبَسَ الثِّيَابَ وَتَنْكِحَ النِّسَاءَ وَأَخْوَالُكَ حَيْثُ قَدْ عَلِمْتَ لا يُبَاعُونَ وَلا يُبْتَاعُ مِنْهُمْ وَلا يُنْكَحُونَ وَلا يُنْكَحُ إِلَيْهِمْ ؟ أَمَا إِنِّي أَحْلِفُ بِاللَّهِ ، لَوْ كَانَ أَخْوَالُ أَبِي الْحَكَمِ بْنِ هِشَامٍ ، ثُمَّ دَعَوْتَهُ إِلَى مِثْلِ الَّذِي دَعَاكَ إِلَيْهِ مِنْهُمْ مَا أَجَابَكَ إِلَيْهِ أَبَدًا ، قَالَ : وَيْحَكَ يَا هِشَامُ ، فَمَاذَا أَصْنَعُ ؟ إِنَّمَا أَنَا رَجُلٌ وَاحِدٌ ، وَاللَّهِ لَوْ كَانَ مَعِي رَجُلٌ آخَرُ لَقُمْتُ فِي نَقْضِهَا حَتَّى أَنْقُضَهَا ، قَالَ : قَدْ وَجَدْتُ رَجُلا ، قَالَ : مَنْ هُوَ ؟ قَالَ : أَنَا ، قَالَ زُهَيْرٌ : ابْغِنَا ثَالِثًا ، فَذَهَبَ إِلَى الْمُطْعِمِ بْنِ عَدِيِّ بْنِ نَوْفَلِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ ، فَقَالَ لَهُ : يَا مُطْعِمُ ، أَقَدْ رَضِيتَ أَنْ تَهْلِكَ بَطْنَانِ مِنْ بَنِي عَبْدِ مَنَافٍ وَأَنْتَ شَاهِدٌ عَلَى ذَلِكَ مُوَافِقٌ لِقُرَيْشٍ ؟ أَمَا وَاللَّهِ لَئِنْ أَمْكَنْتُمُوهُمْ مِنْ هَذِهِ ، لَتَجِدَنَّهُمْ إِلَيْهَا مِنْكُمْ سِرَاعًا ، قَالَ : وَيْحَكَ ، فَمَاذَا أَصْنَعُ ؟ إِنَّمَا أَنَا رَجُلٌ وَاحِدٌ ، قَالَ : قَدْ وَجَدْتُ ثَانِيًا ، قَالَ : مَنْ هُوَ ؟ قَالَ : أَنَا ، قَالَ : ابْغِنَا ثَالِثًا ، قَالَ : قَدْ فَعَلْتُ ، قَالَ : مَنْ هُوَ ؟ قَالَ : زُهَيْرُ بْنُ أَبِي أُمَيَّةَ ، قَالَ : ابْغِنَا رَابِعًا ، قَالَ : فَذَهَبَ إِلَى أَبِي الْبَخْتَرِيِّ بْنِ هِشَامٍ ، فَقَالَ لَهُ نَحْوًا مِمَّا ، قَالَ لِلْمُطْعِمِ بْنِ عَدِيٍّ : قَالَ : هَلْ مِنْ أَحَدٍ يُعِينُ عَلَى هَذَا ؟ قَالَ : نَعَمْ ، قَالَ : مَنْ هُوَ ؟ قَالَ : زُهَيْرُ بْنُ أَبِي أُمَيَّةَ وَالْمُطْعِمُ بْنُ عَدِيٍّ وَأَنَا ، قَالَ : ابْغِنَا خَامِسًا ، قَالَ : فَذَهَبَ إِلَى زَمْعَةَ بْنِ الأَسْوَدِ بْنِ الْمُطَّلِبِ بْنِ أَسَدِ بْنِ عَبْدِ الْعُزَّى بْنِ قُصَيٍّ فَكَلَّمَهُ وَذَكَرَ لَهُ قَرَابَتَهُمْ وَحَقَّهُمْ ، قَالَ : فَهَلْ عَلَى هَذَا الأَمْرِ الَّذِي تَدْعُو إِلَيْهِ مِنْ أَحَدٍ ؟ قَالَ : نَعَمْ ، ثُمَّ سَمَّى لَهُ الْقَوْمَ ، فَاتَّعَدُوا حَطْمَ الْحَجُونِ لَيْلا بِأَعْلَى مَكَّةَ ، فَاجْتَمَعُوا هُنَالِكَ ، فَأَجْمَعُوا أَمْرَهُمْ وَتَعَاهَدُوا عَلَى الْقِيَامِ فِي الصَّحِيفَةِ حَتَّى يَنْقُضُوهَا ، وَقَالَ زُهَيْرٌ : أَنَا أَبْدَؤُكُمْ فَأَكُونُ أَوَّلَ مَنْ يَتَكَلَّمُ ، فَلَمَّا أَصْبَحُوا غَدَوْا إِلَى أَنْدِيَتِهِمْ ، وَغَدَا زُهَيْرُ بْنُ أَبِي أُمَيَّةَ عَلَيْهِ حُلَّةٌ لَهُ فَطَافَ بِالْبَيْتِ سَبْعًا ، ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَى النَّاسِ ، فَقَالَ : يَا أَهْلَ مَكَّةَ ، أَنَأْكُلُ الطَّعَامَ وَنَلْبَسُ الثِّيَابَ وَبَنُو هَاشِمٍ هَلْكَى لا يُبَاعُونَ وَلا يُبْتَاعُ مِنْهُمْ ؟ وَاللَّهِ لا أَقْعُدُ حَتَّى تُشَقَّ هَذِهِ الصَّحِيفَةُ الظَّالِمَةُ الْقَاطِعَةُ ، قَالَ أَبُو جَهْلٍ وَكَانَ فِي نَاحِيَةِ الْمَسْجِدِ : كَذَبْتَ ، وَاللَّهِ لا تُشَقُّ ، قَالَ زَمْعَةُ : أَنْتَ وَاللَّهِ أَكْذَبُ ، مَا رَضِينَا حِينَ كُتِبَتْ ، قَالَ أَبُو الْبَخْتَرِيِّ : صَدَقَ زَمْعَةُ ، لا نَرْضَى مَا كُتِبَ فِيهَا وَلا نُقِرُّ بِهِ ، قَالَ الْمُطْعِمُ بْنُ عَدِيٍّ : صَدَقْتُمَا وَكَذَبَ مَنْ قَالَ غَيْرَ ذَلِكَ ، نَبْرَأُ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى مِمَّا كُتِبَ فِيهَا ، قَالَ هِشَامُ بْنُ عَمْرٍو نَحْوًا مِنْ ذَلِكَ ، فَقَالَ أَبُو جَهْلٍ : هَذَا أَمْرٌ قُضِيَ بِلَيْلٍ تُشُووِرَ فِيهِ بِغَيْرِ هَذَا الْمَكَانِ ، وَأَبُو طَالِبٍ فِي نَاحِيَةِ الْمَسْجِدِ ، وَقَامَ الْمُطْعِمُ بْنُ عَدِيٍّ إِلَى الصَّحِيفَةِ لِيَشُقَّهَا ، فَوَجَدَ الأَرَضَةَ أَكَلَتْهَا إِلا : بِاسْمِكَ اللَّهُمَّ ، وَكَانَ كَاتِبُ الصَّحِيفَةِ مَنْصُورُ بْنُ عِكْرِمَةَ ، فَشُلَّتْ يَدُهُ فِيمَا يَزْعُمُونَ " .
الأسم | الشهرة | الرتبة |
عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ | عروة بن الزبير الأسدي / توفي في :94 | ثقة فقيه مشهور |
أَبِي الأَسْوَدِ | محمد بن عبد الرحمن الأسدي / توفي في :131 | ثقة |
ابْنُ لَهِيعَةَ | عبد الله بن لهيعة الحضرمي / ولد في :97 / توفي في :174 | ضعيف الحديث |
أَبِي | عمرو بن خالد الحراني / توفي في :229 | ثقة |
مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ خَالِدٍ الْحَرَّانِيُّ | محمد بن عمرو الحراني / توفي في :292 | مجهول الحال |
سُلَيْمَانُ بْنُ أَحْمَدَ | سليمان بن أحمد الطبراني | حافظ ثبت |