وَبِمَا حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الطَّلَمَنَكِيُّ ، أَخْبَرَنَا ابْنُ مُفَرِّجٍ ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَيُّوبَ الصَّمُوتُ الرَّقِّيُّ ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ عَبْدِ الْخَالِقِ الْبَزَّارُ ، أَخْبَرَنَا الْحَسَنُ بْنُ مَهْدِي ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ ، أَخْبَرَنَا إِسْرَائِيلُ ، عَنِ النُّعْمَانِ ، عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ ، قَالَ : " جَاءَ قَيْسُ بْنُ عَاصِمٍ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، إِنِّي وَأَدْتُ بَنَاتٍ لِي فِي الْجَاهِلِيَّةِ ، فَقَالَ : " اعْتِقْ عَنْ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ رَقَبَةً " ، قَالَ : يا رَسُولَ اللَّهِ ، إِنِّي صَاحِبُ إِبِلٍ ، قَالَ : فَانْحَرْ عَنْ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ بَدَنَةً " . وَقَالُوا : لما أوجب اللَّه تَعَالَى عَلَى قاتل الخطأ ولا ذنب لَهُ كَفَّارَة فِي ذَلِكَ ، كَانَ العامد المذنب أحق بالكفارة . قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ : أما حَدِيث واثلة فلا يصح ، لأن الغريف مجهول ، وَقَدْ ظن قوم أَنَّهُ عَبْد اللَّهِ بْن فيروز الديلمي وَهَذَا خَطَأ ، لأن ابْن المبارك نسب الغريف ، عَنِ ابْن علية فَقَالَ ابْن عياش : وَلَمْ يكن فِي بَنِي عَبْد اللَّهِ بْن فيروز أحد يسمى عياشا ، وَابْن المبارك أوثق وأضبط من عَبْد اللَّهِ بْن سالم . ثُمَّ لو صح هَذَا الْخَبَر لما كانت لهم فِيهِ حجة ، لأنه لَيْسَ فِيهِ أَنَّهُ كَانَ قتل عمدا ، فإذ لَيْسَ فِيهِ ذَلِكَ : فلا شبهة لهم فِي هَذَا الْحَدِيث أصلا . وإنما فِيهِ أَن صاحبا لنا قَدْ أوجب ، ولا يعرف فِي اللغة أَن أوجب بمعنى قتل عمدا ، فصار هَذَا التأويل كذبا مجردا ، ودعوى عَلَى اللغة لا تعرف . وَقَدْ يَكُون معنى أوجب أي أوجب لنفسه النار بكثرة معاصيه ، ويكون معنى قَدْ أوجب أي قَدْ حضرت منيته فَقَدْ ، يقال : هَذَا أوجب فُلان ؟ بمعنى مَات ، فبطل قولهم . وَقَدْ قَالَ قوم : إِن سكوت النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي هَذَا الْخَبَر عَنْ ذَكَرَ الرقبة ، أَن تكون مؤمنة ، وَعَن تعويض الشهرين : دَلِيل عَلَى بطلان قَوْل من أوجب الْكَفَّارَة فِي قتل العمد . قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ : وَأَمَّا خَبَر عُمَر بْن الْخَطَّاب ، فلا يصح ، لأن فِي طريقه إسرائيل وَهُوَ لَيْسَ بالقوي وسماك بْن حرب ، وَكَانَ يقبل التلقين . وَأَيْضًا ، فكان يَكُون فِي إيجاب ذَلِكَ عَلَى كُل من قتل نفسا فِي الجاهلية وَهُوَ كافر حربي كما كَانَ قيس بْن عَاصِم المأمور بِهَذِهِ الْكَفَّارَة ، فِي هَذَا الْحَدِيث وهم لا يقولون بِهَذَا أصلا ، فبطل تعلقهم بِهَذَا الْخَبَر . وَأَمَّا الشَّافِعِي : فإنه وإن كَانَ أطرد مِنْهُمْ للخطأ فِي قولهم ، فَقَدْ أخطأ معهم فِيهِ أَيْضًا ، لأن من أصلهم أَن لا يقاس الشَيْء إلا عَلَى نظيره ، وما يشبهه لا عَلَى ضده ، وما لا يشبهه ، فالخطأ هاهنا فِي قياس العمد عَلَى الخطأ وَهُوَ ضده . وأخطئوا أَيْضًا كلهم مَعَهُ فِي قياسهم المخطئ فِي الصيد يقتله محرما عَلَى المحرم يقتله عامدا ، فقاسوا أَيْضًا هنالك الخطأ عَلَى العمد ، وَهُوَ ضده . وأخطئوا أَيْضًا مَعَهُ كلهم فِي قياسهم ترك الصلاة عمدا عَلَى تركها نسيانا . وَقَدْ شاركهما الشَّافِعِي أَيْضًا فِي خَطَأ آخر فِي هَذَا الْبَاب ، وَهُوَ قولهم كلهم : أَن لا يقاس متعمد التسليم من الصلاة قبل إتمامها فِي إيجاب السجدتين عَلَيْهِ عَلَى الْمُسْلِم من الصلاة قبل إتمامها نسيانا فَهَذِهِ صفة الْقِيَاس ، وصفة أقوالهم فِي قياساتهم كلها ، يهدم بَعْضهَا بَعْضًا ، وينقض بَعْضهَا بَعْضًا . قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ : فإذ لا حجة فِي إيجاب الْكَفَّارَة عَلَى قاتل العمد ، لا من قرآن ، ولا من سنة ، فَإِن اللَّه تَعَالَى يَقُول : مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ سورة الأنعام آية 38 ، وَقَالَ تَعَالَى : الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِينًا سورة المائدة آية 3 ، وَقَالَ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " إِنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ " . فصح أَن الدين كله قَدْ كمل وبينه اللَّه تَعَالَى ورسوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . وبيقين ندري أَنَّهُ لو كَانَ فِي قتل العمد كَفَّارَة محدودة لبينها اللَّه تَعَالَى ، كما بَيْنَ لنا الْكَفَّارَة فِي قتل الخطأ . وكما بَيْنَ لنا رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وجود الْقَوَد ، أَوِ الدِّيَة ، أَوِ المفاداة ، فِي ذَلِكَ . فإذ لَمْ يخبرنا اللَّه تَعَالَى بشَيْء من ذَلِكَ ، ولا أوجبه هُوَ ، ولا رسوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فنحن نشهد بشهادة اللَّه تَعَالَى ، أَنَّهُ مَا أراد قط كَفَّارَة محدودة فِي ذَلِكَ ، ولكن اللَّه تَعَالَى يَقُول : وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ سورة الأنبياء آية 47 إِلَى قَوْله تَعَالَى : وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ سورة الأنبياء آية 47 ، وَقَالَ تَعَالَى : إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ سورة هود آية 114 ، فمن ابتلي بقتل مُسْلِم عمدا فَقَد ابتلي بأكبر الكبائر بَعْد الشرك ، وترك الصلاة ففرض عَلَيْهِ أَن يسعى فِي خلاص نَفْسه من النار ، فليكثر من فعل الخير : العتق ، والصدقة ، والجهاد ، والحج ، والصوم والصلاة ، وذكر اللَّه تَعَالَى ، فلعله يَأْتِي من ذَلِكَ بمقدار يوازي إساءته فِي القتل ، فيسقط عَنْهُ . ونسأل اللَّه العافية .
الأسم | الشهرة | الرتبة |
عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ | عمر بن الخطاب العدوي / توفي في :23 | صحابي |
النُّعْمَانِ | النعمان بن بشير الأنصاري / ولد في :2 / توفي في :65 | صحابي صغير |
إِسْرَائِيلُ | إسرائيل بن يونس السبيعي | ثقة |
عَبْدُ الرَّزَّاقِ | عبد الرزاق بن همام الحميري / ولد في :126 / توفي في :211 | ثقة حافظ |
الْحَسَنُ بْنُ مَهْدِي | الحسين بن مهدي الأبلي | صدوق حسن الحديث |
أَحْمَدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ عَبْدِ الْخَالِقِ الْبَزَّارُ | أحمد بن عمرو العتكي | ثقة حافظ |
مُحَمَّدُ بْنُ أَيُّوبَ الصَّمُوتُ الرَّقِّيُّ | محمد بن أيوب الرقي | ضعيف الحديث |
ابْنُ مُفَرِّجٍ | محمد بن مفرح القرطبي / ولد في :315 / توفي في :380 | ثقة حافظ |
أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الطَّلَمَنَكِيُّ | أحمد بن لب الأندلسي | ثقة حافظ |