تفسير

رقم الحديث : 933

حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْهَمْدَانِيُّ ، ثنا إِبْرَاهِيمُ بْنُ أَحْمَدَ ، ثنا الْفَرَبْرِيُّ ، ثنا الْبُخَارِيُّ ، ثنا أَبُو عَاصِمٍ الضَّحَّاكُ بْنُ مَخْلَدٍ ، عَنْ زَكَرِيَّاء بْنِ إِِسْحَاقَ ، عَنْ يَحْيَى بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ صَيْفِي ، عَنْ أَبِي مَعْبَدٍ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ : " أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَ مُعَاذًا إِلَى الْيَمَنِ ، فَقَالَ : ادْعُهُمْ إِلَى شَهَادَةِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ ، وَأَنِّي رَسُولُ اللَّهِ ، فَإِِنْ هُمْ أَطَاعُوا لِذَلِكَ ، فَأَعْلِمْهُمْ أَنَّ اللَّهَ قَدِ افْتَرَضَ عَلَيْهِمْ خَمْسَ صَلَوَاتٍ فِي كُلِّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ ، فَإِِنْ هُمْ أَطَاعُوا لِذَلِكَ ، فَأَعْلِمْهُمْ بِأَنَّ اللَّهَ افْتَرَضَ عَلَيْهِمْ صَدَقَةً فِي أَمْوَالِهِمْ ، تُؤْخَذُ مِنْ أَغْنِيَائِهِمْ ، وَتُرَدُّ فِي فُقَرَائِهِمْ " . فَهَذَا عُمُومٌ لِكُلِّ غَنِيٍّ مِنَ الْمُسْلِمِينَ ، وَهَذَا يَدْخُلُ فِيهِ الصَّغِيرُ وَالْكَبِيرُ ، وَالْمَجْنُونُ ، وَالْعَبْدُ ، وَالْأَمَةُ إِذَا كَانُوا أَغْنِيَاءَ . وَقَدِ اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي هَذَا : فَأَمَّا أَبُو حَنِيفَةَ ، وَالشَّافِعِيُّ ، فَقَالَا : زَكَاةُ مَالِ الْعَبْدِ عَلَى سَيِّدِهِ ، لِأَنَّ مَالَ الْعَبْدِ لِسَيِّدِهِ ، وَلَا يَمْلِكُهُ الْعَبْدُ . قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ : أَمَّا هَذَانِ فَقَدْ وَافَقَا أَهْلَ الْحَقِّ فِي وُجُوبِ الزَّكَاةِ فِي مَالِ الْعَبْدِ ، وَإِِنَّمَا الْخِلَافُ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ فِي هَلْ يَمْلِكُ الْعَبْدُ مَالَهُ أَمْ لَا ؟ وَلَيْسَ هَذَا مَكَانَ الْكَلَامِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ ، وَحَسْبُنَا أَنَّهُمَا مُتَّفِقَانِ مَعَنَا فِي أَنَّ الزَّكَاةَ وَاجِبَةٌ فِي مَالِ الْعَبْدِ . وَقَالَ مَالِكٌ : لَا تَجِبُ الزَّكَاةُ فِي مَالِ الْعَبْدِ ، لَا عَلَيْهِ وَلَا عَلَى سَيِّدِهِ ! وَهَذَا قَوْلٌ فَاسِدٌ جِدًّا ، لِخِلَافِهِ الْقُرْآنَ وَالسُّنَنَ ، وَمَا نَعْلَمُ لَهُمْ حُجَّةً أَصْلًا ، إِلَّا أَنَّ بَعْضَهُمْ ، قَالَ : الْعَبْدُ لَيْسَ بِتَامِّ الْمِلْكِ . فَقُلْنَا : أَمَّا تَامُّ الْمِلْكِ فَكَلَامٌ لَا يُعْقَلُ . لَكِنَّ مَالَ الْعَبْدِ لَا يَخْلُو مِنْ أَحَدِ أَوْجُهٍ ثَلَاثَةٍ ، لَا رَابِعَ لَهَا : إِمَّا أَنْ يَكُونَ لِلْعَبْدِ ، وَهَذَا قَوْلُنَا ، وَإِِذَا كَانَ لَهُ فَهُوَ مَالِكُهُ وَهُوَ مُسْلِمٌ ، فَالزَّكَاةُ عَلَيْهِ كَسَائِرِ الْمُسْلِمِينَ وَلَا فَرْقَ . وَإِِمَّا أَنْ يَكُونَ لِسَيِّدِهِ كَمَا ، قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ ، وَالشَّافِعِيُّ : فَيُزَكِّيهِ سَيِّدُهُ ، لِأَنَّهُ مُسْلِمٌ ، وَكَذَلِكَ إِنْ كَانَ لَهُمَا مَعًا . وَإِِمَّا أَنْ يَكُونَ لَا لِلْعَبْدِ وَلَا لِلسَّيِّدِ ، فَإِِنْ كَانَ ذَلِكَ ؟ فَهُوَ حَرَامٌ عَلَى الْعَبْدِ وَعَلَى السَّيِّدِ ، وَيَنْبَغِي أَنْ يَأْخُذَهُ الْإِِمَامُ ، فَيَضَعُهُ حَيْثُ يَضَعُ كُلَّ مَالٍ لَا يُعْرَفُ لَهُ رَبٌّ ! وَهَذَا لَا يَقُولُونَ : بِهِ ، لَا سِيَّمَا مَعَ تَنَاقُضِهِمْ فِي إِبَاحَتِهِمْ لِلْعَبْدِ أَنْ يَتَسَرَّى بِإِِذْنِ سَيِّدِهِ ، فَلَوْلَا أَنَّهُ عِنْدَهُمْ مَالِكٌ لِمَالِهِ لَمَا حَلَّ لَهُ وَطْءُ فَرْجٍ لَا يَمْلِكُهُ أَصْلًا ، وَلَكَانَ زَانِيًا ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ { 5 } إِلا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ { 6 } فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ { 7 } سورة المؤمنون آية 5-7 . فَلَوْ لَمْ يَكُنِ الْعَبْدُ مَالِكًا مِلْكَ يَمِينِهِ لَكَانَ عَادِيًا إِذَا تَسَرَّى . وَهُمْ يَرَوْنَ الزَّكَاةَ عَلَى : السَّفِيهِ ، وَالْمَجْنُونِ ، وَلَا يَنْفُذُ أَمْرُهُمَا فِي أَمْوَالِهِمَا ، فَمَا الْفَرْقُ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ مَالِ الْعَبْدِ ؟ وَمَوَّهَ بَعْضُهُمْ بِأَنَّهُ صَحَّ الْإِِجْمَاعُ عَلَى أَنَّهُ لَا زَكَاةَ فِي مَالِ الْمُكَاتَبِ . فَقُلْنَا : هَذَا الْبَاطِلُ ، وَمَا رُوِيَ إِسْقَاطُ الزَّكَاةِ عَنْ مَالِ الْمُكَاتَبِ إِلَّا عَنْ أَقَلَّ مِنْ عَشَرَةٍ مِنْ بَيْنِ صَاحِبٍ وَتَابِعٍ ، وَقَدْ صَحَّ عَنْ كَثِيرٍ مِنَ السَّلَفِ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ : أَنَّ الْمُكَاتَبَ عَبْدٌ مَا بَقِيَ عَلَيْهِ دِرْهَمٌ . وَصَحَّ إِيجَابُ الزَّكَاةِ فِي مَالِ الْعَبْدِ عَنْ بَعْضِ الصَّحَابَةِ ، فَالزَّكَاةُ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ وَاجِبَةٌ فِي مَالِ الْمُكَاتَبِ . وَهَذَا مَكَانٌ تَنَاقَضَ فِيهِ أَبُو حَنِيفَةَ ، وَالشَّافِعِيُّ ، فَقَالَا : لَا زَكَاةَ فِي مَالِ الْمُكَاتَبِ . وَاحْتَجَّا بِأَنَّهُ لَمْ يَسْتَقِرَّ عَلَيْهِ مِلْكٌ بَعْدُ : قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ : وَهَذَا بَاطِلٌ ، لِأَنَّهُمَا مُجْمِعَانِ مَعَ سَائِرِ الْمُسْلِمِينَ عَلَى أَنَّهُ لَا يَحِلُّ لِأَحَدٍ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ مَالِ الْمُكَاتَبِ فَلْسًا بِغَيْرِ إِذْنِهِ ، أَوْ بِغَيْرِ حَقٍّ وَاجِبٍ ، وَأَنَّ مَالَهُ بِيَدِهِ يَتَصَرَّفُ فِيهِ بِالْمَعْرُوفِ ، مِنْ نَفَقَةٍ عَلَى نَفْسِهِ ، وَكِسْوَةٍ ، وَبَيْعٍ وَابْتِيَاعٍ ، تَصَرُّفَ ذِي الْمِلْكِ فِي مِلْكِهِ ، فَلَوْلَا أَنَّهُ مَالُهُ وَمِلْكُهُ مَا حَلَّ لَهُ شَيْءٌ مِنْ هَذَا كُلِّهِ فِيهِ ! وَهُمْ كَثِيرًا يُعَارِضُونَ السُّنَنَ بِأَنَّهَا خِلَافُ الْأُصُولِ ! : كَقَوْلِهِمْ فِي حَدِيثِ الْمُصَرَّاةِ . وَحَدِيثِ الْعِتْقِ فِي السِّتَّةِ الْأَعْبُدِ بِالْقُرْعَةِ . وَحَدِيثِ الْيَمِينِ مَعَ الشَّاهِدِ ، وَغَيْرِ ذَلِكَ . فَلَيْتَ شِعْرِي ؟ فِي أَيِّ الْأُصُولِ وَجَدُوا مَالًا مَحْكُومًا بِهِ لِإِِنْسَانٍ مَمْنُوعًا مِنْهُ كُلُّ أَحَدٍ سِوَاهُ مُطْلَقَةً عَلَيْهِ يَدُهُ فِي بَيْعٍ وَابْتِيَاعٍ وَنَفَقَةٍ وَكِسْوَةٍ وَسُكْنَى وَهُوَ لَيْسَ لَهُ ؟ أَمْ فِي أَيِّ سَنَةٍ وَجَدُوا هَذَا ؟ أَمْ فِي أَيِّ الْقُرْآنِ ؟ أَمْ فِي غَيْرِ قِيَاسٍ ؟ . وَمِمَّنْ رَأَى الزَّكَاةَ فِي مَالِ الْمُكَاتَبِ : أَبُو ثَوْرٍ ، وَغَيْرُهُ ! وَالْعَجَبُ أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ ، وَالشَّافِعِيَّ : مُجْمِعَانِ عَلَى أَنَّ الْمُكَاتَبَ ، عَبْدٌ مَا بَقِيَ عَلَيْهِ دِرْهَمٌ ، فَمِنْ أَيْنَ أَسْقَطَا الزَّكَاةَ عَنْ مَالِهِ دُونَ مَالِ غَيْرِهِ مِنَ الْعَبِيدِ ؟ . وَأَيْضًا فَمِنْ أَيْنَ وَقَعَ لَهُمْ أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ مَالِ الْمُكَاتَبِ ، وَمَالِ الْعَبْدِ ؟ وَلَا بُدَّ مِنْ أَحَدِ أَمْرَيْنِ : إِمَّا أَنْ يَعْتِقَ الْمُكَاتَبُ ، فَمَالُهُ لَهُ ، فَزَكَاتُهُ عَلَيْهِ . وَإِِمَّا أَنْ يَرِقَّ ، فَمَالُهُ قَبْلُ وَبَعْدُ كَانَ عِنْدَهُمَا لِسَيِّدِهِ ، فَزَكَاتُهُ عَلَى السَّيِّدِ وَشَغَبَ بَعْضُهُمْ بِرِوَايَاتٍ رُوِيَتْ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ ، وَابْنِهِ ، وَجَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ : لَا زَكَاةَ فِي مَالِ الْعَبْدِ ، وَالْمُكَاتَبُ . قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ : أَمَّا الْحَنَفِيُّونَ وَالشَّافِعِيُّونَ فَقَدْ خَالَفُوا هَذِهِ الرِّوَايَاتِ ، فَرَأَوْا الزَّكَاةَ فِي مَالِ الْعَبْدِ ، وَمِنَ الْبَاطِلِ أَنْ يَكُونَ قَوْلُ مَنْ ذَكَرْنَا بَعْضُهُ : حُجَّةٌ وَبَعْضُهُ خَطَأٌ ، فَهَذَا هُوَ التَّحَكُّمُ فِي دِينِ اللَّهِ تَعَالَى بِالْبَاطِلِ . وَأَمَّا الْمَالِكِيُّونَ ، فَيُقَالُ لَهُمْ : قَدْ خَالَفَ مَنْ ذَكَرْنَا مَا هُوَ أَصَحُّ مِنْ تِلْكَ الرِّوَايَاتِ .

الرواه :

الأسم الرتبة
ابْنِ عَبَّاسٍ

صحابي

أَبِي مَعْبَدٍ

ثقة

يَحْيَى بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ صَيْفِي

ثقة

زَكَرِيَّاء بْنِ إِِسْحَاقَ

ثقة

أَبُو عَاصِمٍ الضَّحَّاكُ بْنُ مَخْلَدٍ

ثقة ثبت

الْبُخَارِيُّ

جبل الحفظ وإمام الدنيا في فقه الحديث

الْفَرَبْرِيُّ

ثقة

إِبْرَاهِيمُ بْنُ أَحْمَدَ

ثقة

عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْهَمْدَانِيُّ

صدوق حسن الحديث

Whoops, looks like something went wrong.