كَمَا أَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ ، أَنَا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ ، أَخْبَرَنِي مُحَمَّدُ بْنُ وَهْبٍ الْحَرَّانِيُّ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَلَمَةَ ، ني أَبُو عَبْدِ الرَّحِيمِ هُوَ خَالُ مُحَمَّدِ بْنِ سَلَمَةَ ، حَدَّثَنِي زَيْدٌ هُوَ ابْنُ أَبِي أُنَيْسَةَ ، عَنْ أَبِي حَازِمٍ ، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ بْنِ سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ ، قَالَ : " جِيءَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِجَارِيَةٍ وَهِيَ حُبْلَى فَسَأَلَهَا مِمَّنْ حَمْلُكِ ؟ فَقَالَتْ : مِنْ فُلَانٍ الْمُقْعَدِ ، فَجِيءَ بِفُلَانٍ ، فَإِذَا رَجُلٌ حَمْشُ الْجَسَدِ ضَرِيرٌ ، فَقَالَ : وَاللَّهِ مَا يُبْقِي الضَّرْبُ مِنْ هَذَا شَيْئًا ، فَأَمَرَ بِأَثَاكِيلَ مِائَةً فَجُمِعَتْ ، فَضُرِبَ بِهَا ضَرْبَةً وَاحِدَةً " . وَهِيَ : شَمَارِيخُ النَّخْلِ الَّذِي يَكُونُ فِيهَا الْعُرُوقُ وَفِي آثَارٍ كَثِيرَةٍ يَطُولُ ذِكْرُهَا جِدًّا ، فَتَرَكْنَاهَا لِذَلِكَ ؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ : فَلَمَّا جَاءَتْ الْآثَارُ كَمَا ذَكَرْنَا : وَجَبَ أَنْ نَنْظُرَ فِي ذَلِكَ ؟ فَوَجَدْنَا حَدِيثَ أَبِي جَمِيلَةَ عَنْ عَلِيٍّ صَحِيحًا إلَّا أَنَّهُ لَا حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ أَصْلًا ، لِأَنَّهُ إنَّمَا فِيهِ : أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخَّرَ الْحَدَّ عَنِ الْحَمْلِ ، وَعَنِ الَّتِي لَمْ تَجِفَّ مِنْ دَمِهَا وَهَذَا لَيْسَ مِمَّا نَحْنُ فِيهِ فِي شَيْءٍ ، لِأَنَّ الْحَامِلَ لَيْسَتْ مَرِيضَةً ، وَإِنَّمَا خِيفَ عَلَى جَنِينِهَا الَّذِي لَا يَحِلُّ هَلَاكُهُ ، وَحُكْمُ الصَّحِيحِ أَنْ تُجْلَدَ بِلَا رَأْفَةٍ ، وَحُكْمُ الْجَنِينِ أَنْ لَا يُتَوَصَّلَ إلَى إهْلَاكِهِ : فَوَجَبَ تَأْخِيرُ الْجَلْدِ عَنْهَا جُمْلَةً ، كَمَا يُؤَخَّرُ الرَّجْمُ أَيْضًا مِنْ أَجْلِهِ وَأَمَّا الَّتِي لَمْ تَجِفَّ مِنْ دَمِهَا : فَإِنَّ هَذَا كَانَ إثْرَ الْوِلَادَةِ ، وَفِي حَالِ سَيَلَانِ الدَّمِ ، وَهَذَا شُغْلٌ شَاغِلٌ لَهَا ، وَمِثْلُهَا أَنْ لَا تُجْلَدَ فِي تِلْكَ الْحَالِ ، كَمَنْ ذَرَعَهُ الْقَيْءُ ، أَوْ هُوَ فِي حَالِ الْغَائِطِ ، أَوِ الْبَوْلِ ، وَلَا فَرْقَ ، وَانْقِطَاعُ ذَلِكَ الدَّمِ قَرِيبٌ ، إنَّمَا هِيَ سَاعَةٌ أَوْ سَاعَتَانِ وَلَمْ يَقُلْ فِي الْحَدِيثِ إذَا طَهُرَتْ ، إنَّمَا قَالَ : إذَا جَفَّتْ مِنْ دَمِهَا فَبَطَلَ أَنْ يَكُونَ لَهُمْ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَيْنِكَ الْحَدِيثَيْنِ مُتَعَلِّقٌ أَصْلًا فَإِذْ قَدْ سَقَطَ أَنْ يَكُونَ لِتِلْكَ الطَّائِفَةِ مُتَعَلِّقٌ ، فَالْوَاجِبُ أَنْ نَنْظُرَ بِعَوْنِ اللَّهِ فِيمَا قَالَتْ بِهِ الطَّائِفَةُ الْأُخْرَى : فَنَظَرْنَا فِي الْحَدِيثِ الَّذِي أَوْرَدْنَا مِنْ جَلْدِ الْمُزْمِنِ الْمَرِيضِ بِشَمَارِيخَ فِيهَا مِائَةُ عُثْكُولٍ : فَوَجَدْنَا الطَّرِيقَ الَّذِي صَدَّرْنَا بِهِ مِنْ طَرِيقِ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ طَرِيقًا جَيِّدًا تَقُومُ بِهِ الْحُجَّةُ ، وَوَجَدْنَاهُمْ يَحْتَجُّونَ بِأَمْرِ أَيُّوبَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ وَقَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ : أَمَّا نَحْنُ فَلَا نَحْتَجُّ بِشَرِيعَةِ نَبِيٍّ غَيْرِ نَبِيِّنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا سورة المائدة آية 48 وَلَمَّا قَدْ أَحْكَمْنَا فِي كِتَابِنَا الْمَوْسُومِ بِـ " الْإِحْكَامُ لِأُصُولِ الْأَحْكَامِ " قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ : وَحَتَّى لَوْ لَمْ يَصِحَّ فِي هَذَا حَدٌّ ، لَكَانَ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى : لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلا وُسْعَهَا سورة البقرة آية 286 مُوجِبًا أَنْ لَا يُجْلَدَ أَحَدٌ إلَّا عَلَى حَسَبِ طَاقَتِهِ مِنَ الْأَلَمِ ، وَكَانَ نَصًّا جَلِيًّا فِي ذَلِكَ لَا يَجُوزُ مُخَالَفَتُهُ أَصْلًا . وَبِضَرُورَةِ الْعَقْلِ نَدْرِي أَنَّ ابْنَ نَيِّفٍ وَثَلَاثِينَ قَوِيُّ الْجِسْمِ ، مُصَبَّرُ الْخُلُقِ ، يَحْمِلُ مِنَ الضَّرْبِ مِنْ قُوَّتِهِ مَا لَا يَحْمِلُهُ الشَّيْخُ ابْنُ ثَمَانِينَ ، وَالْغُلَامُ ابْنُ خَمْسَةَ عَشَرَ عَامًا ، وَأَرْبَعَةَ عَشَرَ عَامًا إذَا بَلَغَ وَأَصَابَ حَدًّا وَكَذَلِكَ يُؤْلَمُ الشَّيْخُ الْكَبِيرُ ، وَالْغُلَامُ الصَّغِيرُ ، مِنَ الْجَلْدِ مَا لَا يُؤْلِمُ ابْنَ الثَّلَاثِينَ الشَّابُّ الْقَوِيُّ ، بَلْ لَا يَكَادُ يَحُسُّ إلَّا حِسًّا لَطِيفًا مَا يُؤْلِمُ ذَيْنِكَ الْأَلَمَ الشَّدِيدَ وَأَنَّ الَّذِي يُؤْلِمُ الشَّابَّ الْقَوِيَّ ، لَوْ قُوبِلَ بِهِ الشَّيْخُ الْهَرَمُ ، وَالصَّغِيرُ النَّحِيفُ ، مِنَ الْجَلْدِ لَقَتَلَهُمَا ، هَذَا أَمْرٌ لَا يَدْفَعُهُ إلَّا مَدَافِعُ لِلْحِسِّ وَالْمُشَاهَدَةِ وَوَجَدْنَا الْمَرِيضَ يُؤْلِمُهُ أَقَلُّ شَيْءٍ مِمَّا لَا يَحُسُّهُ الصَّحِيحُ أَصْلًا ، إلَّا كَمَا يَحُسُّ بِثِيَابِهِ الَّتِي لَيْسَ لِحِسِّهِ لَهَا فِي الْأَلَمِ سَبِيلٌ أَصْلًا ، وَعَلَى حَسَبِ شِدَّةِ الْمَرَضِ يَكُونُ تَأَلُّمُهُ لِلْكَلَامِ ، وَلِلتَّلَفِ ، وَلِلَمْسِ الْيَدِ بِلُطْفٍ ، هَذَا مَا لَا شَكَّ فِيهِ أَصْلًا وَمَنْ كَابَرَ هَذَا فَإِنَّمَا يُكَابِرُ الْعِيَانَ ، وَالْمُشَاهَدَةَ ، وَالْحِسَّ فَوَجَدْنَا الْمَرِيضَ إذَا أَصَابَ حَدًّا مِنْ زِنًى ، أَوْ قَذْفٍ ، أَوْ خَمْرٍ ، لَا بُدَّ فِيهِ مِنْ أَحَدِ أَمْرَيْنِ لَا ثَالِثَ لَهُمَا : إمَّا أَنْ يُعَجَّلَ لَهُ الْحَدُّ ، وَإِمَّا أَنْ يُؤَخَّرَ عَنْهُ ؟ فَإِنْ قَالُوا : يُؤَخَّرُ ؟ قُلْنَا لَهُمْ : إلَى مَتَى ؟ فَإِنْ قَالُوا : إلَى أَنْ يَصِحَّ ؟ قُلْنَا لَهُمْ : لَيْسَ هَذَا أَمَدٌ مَحْدُودٌ ، وَقَدْ تَتَعَجَّلُ الصِّحَّةُ ، وَقَدْ تُبْطِئُ عَنْهُ ، وَقَدْ لَا يَبْرَأُ ، فَهَذَا تَعْطِيلٌ لِلْحُدُودِ ، وَهَذَا لَا يَحِلُّ أَصْلًا ، لِأَنَّهُ خِلَافُ أَمْرِ اللَّهِ تَعَالَى فِي إقَامَةِ الْحُدُودِ ، فَلَمْ يَبْقَ إلَّا تَعْجِيلُ الْحَدِّ كَمَا قُلْنَا نَحْنُ ، وَيُؤَكِّدُ ذَلِكَ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ سورة آل عمران آية 133 فَصَحَّ أَنَّ الْوَاجِبَ أَنْ يُجْلَدَ كُلُّ وَاحِدٍ عَلَى حَسَبِ وُسْعِهِ الَّذِي كَلَّفَهُ اللَّهُ تَعَالَى أَنْ يَصْبِرَ لَهُ ، فَمَنْ ضَعُفَ جِدًّا جُلِدَ بِشِمْرَاخٍ فِيهِ مِائَةُ عُثْكُولٍ جَلْدَةً وَاحِدَةً ، أَوْ فِيهِ ثَمَانُونَ عُثْكَالًا كَذَلِكَ وَيُجْلَدُ فِي الْخَمْرِ وَإِنِ اشْتَدَّ ضَعْفُهُ بِطَرْفِ ثَوْبٍ : عَلَى حَسَبِ طَاقَةِ كُلِّ أَحَدٍ وَلَا مَزِيدَ وَبِهَذَا نَقُولُ وَنَقْطَعُ : أَنَّهُ الْحَقُّ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى بِيَقِينٍ ، وَمَا عَدَاهُ فَبَاطِلٌ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى وَبِهِ التَّوْفِيقُ .
الأسم | الشهرة | الرتبة |
أَبِي أُمَامَةَ بْنِ سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ | أسعد بن سهل الأنصاري | له رؤية |
أَبِي حَازِمٍ | سلمة بن دينار الأعرج | ثقة |
زَيْدٌ هُوَ ابْنُ أَبِي أُنَيْسَةَ | زيد بن أبي أنيسة الجزري | ثقة |
أَبُو عَبْدِ الرَّحِيمِ | خالد بن أبي يزيد القرشي | ثقة |
مُحَمَّدُ بْنُ سَلَمَةَ | محمد بن سلمة الباهلي / توفي في :191 | ثقة |
مُحَمَّدُ بْنُ وَهْبٍ الْحَرَّانِيُّ | محمد بن وهب الحراني / توفي في :243 | صدوق حسن الحديث |
أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ | أحمد بن شعيب النسائي | ثقة ثبت حافظ |
مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ | محمد بن معاوية الأموي / توفي في :358 | ثقة |
عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ | عبد الله بن ربيع التميمي / ولد في :330 / توفي في :415 | ثقة |