حَدَّثَنَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ ، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ ، ثنا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ ، أَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْأَزْهَرِ ، ثنا عَبْدُ الرَّزَّاقِ ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ ، عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ حَفْصَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ ، أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " مَنْ لَمْ يُبَيِّتِ الصِّيَامَ مِنَ اللَّيْلِ فَلَا صِيَامَ لَهُ " . وَهَذَا إِسْنَادٌ صَحِيحٌ ، وَلَا يَضُرُّ إِسْنَادُ ابْنِ جُرَيْجٍ لَهُ أَنْ أَوْقَفَهُ مَعْمَرٌ ، وَمَالِكٌ ، وَعُبَيْدُ اللَّهِ ، وَيُونُسُ ، وَابْنُ عُيَيْنَةَ ، فَابْنُ جُرَيْجٍ لَا يَتَأَخَّرُ ، عَنْ أَحَدٍ مِنْ هَؤُلَاءِ فِي الثِّقَةِ وَالْحِفْظِ ، وَالزُّهْرِيُّ وَاسِعُ الرِّوَايَةِ ، فَمَرَّةً يَرْوِيهِ عَنْ سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ ، وَمَرَّةً عَنْ حَمْزَةَ ، عَنْ أَبِيهِ ، وَكِلَاهُمَا ثِقَةٌ ، وَابْنُ عُمَرَ كَذَلِكَ ، مَرَّةً رَوَاهُ مُسْنَدًا ، وَمَرَّةً روى أَنَّ حَفْصَةَ أَفْتَتْ بِهِ ، وَمَرَّةً أَفْتَى هُوَ بِهِ ، وَكُلُّ هَذَا قُوَّةٌ لِلْخَبَرِ . وَالْعَجَبُ أَنَّ الْمُعْتَرِضِينَ بِهَذَا مِنْ مَذْهَبِهِمْ ، أَنَّ الْمُرْسَلَ كَالْمُسْنَدِ ! ؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ : وَهَذَا عُمُومٌ لَا يَحِلُّ تَخْصِيصُهُ ، وَلَا تَبْدِيلُهُ ، وَلَا الزِّيَادَةُ فِيهِ ، وَلَا النَّقْصُ مِنْهُ ، إِلَّا بِنَصٍّ آخَرَ صَحِيحٍ ؟ فَإِِنْ قِيلَ : فَهَلَّا أَوْجَبْتُمُ النِّيَّةَ مُتَّصِلَةً بِتَبَيُّنِ الْفَجْرِ ، كَمَا تَقُولُونَ : فِي الْوُضُوءِ وَالصَّلَاةِ ، وَالزَّكَاةِ ، وَالْحَجِّ ، وَسَائِرِ الْفَرَائِضِ ! ؟ قُلْنَا : لِوَجْهَيْنِ اثْنَيْنِ أَحَدُهُمَا هَذَا النَّصُّ الْوَارِدُ الَّذِي لَا يَحِلُّ خِلَافُهُ وَلَسْنَا ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ مِمَّنْ يَضْرِبُ كَلَامَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْضَهُ بِبَعْضٍ فَيُؤْمِنُ بِبَعْضِهِ ، وَيَكْفُرُ بِبَعْضِهِ ، وَلَا مِمَّنْ يُعَارِضُ أَوَامِرَ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى لِسَانِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِنَظَرِهِ الْفَاسِدِ ، بَلْ نَأْخُذُ جَمِيعَ السُّنَنِ كَمَا وَرَدَتْ ، وَنَسْمَعُ وَنُطِيعُ لِجَمِيعِهَا كَمَا أَتَتْ ؟ وَالثَّانِي : قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى : لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلا وُسْعَهَا سورة البقرة آية 286 وَلَمْ يُكَلِّفْنَا عَزَّ وَجَلَّ السَّهَرَ مُرَاعَاةً لِتَبَيُّنِ الْفَجْرِ ، وَإِِنَّمَا أَلْزَمْنَا النِّيَّةَ مِنَ اللَّيْلِ ، ثُمَّ نَحْنُ عَلَيْهَا إِلَى أَنْ يَتَبَيَّنَ الْفَجْرُ ، وَإِِنْ نِمْنَا ، وَإِِنْ غَفَلْنَا ، مَا لَمْ نَتَعَمَّدْ إِبْطَالَهَا . فَإِِنْ قِيلَ : فَأَنْتُمْ تُجِيزُونَ لِمَنْ نَسِيَ النِّيَّةَ مِنَ اللَّيْلِ إِحْدَاثَهَا فِي الْيَوْمِ الثَّانِي ؟ قُلْنَا : نَعَمْ ، بِنَصٍّ صَحِيحٍ وَرَدَ فِي ذَلِكَ وَلَوْ لَا ذَلِكَ مَا فَعَلْنَاهُ ؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ : وَمَا نَعْلَمُ لِزُفَرَ حُجَّةً ، إِلَّا أَنَّهُ قَالَ : " رَمَضَانُ مَوْضِعٌ لِلصِّيَامِ وَلَيْسَ ، مَوْضِعًا لِلْفِطْرِ أَصْلًا ، فَلَا مَعْنَى لِنِيَّةِ الصَّوْمِ فِيهِ ، إِذْ لَا بُدَّ مِنْهُ ؟ " قَالَ عَلِيٌّ : وَهَذِهِ حُجَّةٌ عَلَيْهِ ، مُبْطِلَةٌ لِقَوْلِهِ : لِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ مَوْضِعًا لِلصَّوْمِ لَا لِلْفِطْرِ أَصْلًا وَجَبَ أَنْ يَنْوِيَ مَا افْتَرَضَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ مِنَ الْعِبَادَةِ بِذَلِكَ الصَّوْمِ ، وَأَنْ يُخْلِصَ النِّيَّةَ لِلَّهِ تَعَالَى فِيهَا ، وَلَا يُخْرِجُهَا مَخْرَجَ الْهَزْلِ وَاللَّعِبِ . وَوَجْهٌ آخَرُ : وَهُوَ أَنَّ شَهْرَ رَمَضَانَ أُمِرْنَا بِأَنْ نَجْعَلَهُ لِلصَّوْمِ ، وَنُهِينَا فِيهِ عَنِ الْفِطْرِ ، إِلَّا حَيْثُ جَاءَنَا النَّصُّ بِالْفِطْرِ فِيهِ ، فَهُوَ وَقْتٌ لِلطَّاعَةِ مِمَّنْ أَطَاعَ بِأَدَاءِ مَا أُمِرَ بِهِ وَوَقْتٌ وَاللَّهِ لِلْمَعْصِيَةِ الْعَظِيمَةِ ، فَمَنْ عَصَى اللَّهَ تَعَالَى فِيهِ وَخَالَفَ أَمْرَهُ عَزَّ وَجَلَّ فَلَمْ يَصُمْهُ كَمَا أُمِرَ ، فَإِِذْ هُوَ كَذَلِكَ يَقِينًا بِالْحِسِّ وَالْمُشَاهَدَةِ فَلَا بُدَّ ضَرُورَةً مِنْ قَصْدٍ إِلَى الطَّاعَةِ الْمَفْرُوضَةِ ، وَتَرْكِ الْمَعْصِيَةِ الْمُحَرَّمَةِ ، وَهَذَا لَا يَكُونُ إِلَّا بِنِيَّةٍ لِذَلِكَ ، وَهَذَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ ! ؟ وَوَجْهٌ ثَالِثٌ : وَهُوَ أَنَّهُ يَلْزَمُ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ : أَنَّ مَنْ لَمْ يَبْقَ لَهُ مِنْ وَقْتِ صَلَاةِ الصُّبْحِ إِلَّا مِقْدَارُ رَكْعَتَيْنِ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ تَطَوُّعًا ، أَوْ عَابِثًا ، أَنْ يُجْزِئَهُ ذَلِكَ مِنْ صَلَاةِ الصُّبْحِ ، لِأَنَّ ذَلِكَ الْوَقْتَ وَقْتٌ لَهَا ، لَا لِغَيْرِهَا أَصْلًا وَهَذَا هُوَ الْقِيَاسُ ، إِنْ كَانَ الْقِيَاسُ حَقًّا . وَمَا عَلِمْنَا لِأَبِي حَنِيفَةَ حُجَّةً أَصْلًا فِي تِلْكَ التَّقَاسِيمِ الْفَاسِدَةِ السَّخِيفَةِ ، إِلَّا أَنَّ بَعْضَ مَنِ ابْتَلَاهُ بِتَقْلِيدِهِ مَوَّهَ فِي ذَلِكَ بِحَدِيثٍ نَذْكُرُهُ فِي الْمَسْأَلَةِ التَّالِيَةِ ، لِأَنَّهُ مَوْضِعُهُ ، وَلَيْسَ فِي هَذَا الْخَبَرِ مُتَعَلِّقٌ لِأَبِي حَنِيفَةَ أَصْلًا ، بَلْ قَدْ نَقَضَ أَصْلَهُ ، فَأَوْجَبَ فِيهِ نِيَّةً ، بِخِلَافِ قَوْلِهِ فِي الطَّهَارَةِ : ثُمَّ أَوْجَبَهَا فِي النَّهَارِ بِلَا دَلِيلٍ ، وَمَا نَعْرِفُ لِمَالِكٍ حُجَّةً أَصْلًا ، إِلَّا أَنَّهُمْ قَالُوا : رَمَضَانُ كَصَلَاةٍ وَاحِدَةٍ ؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ : وَهَذِهِ مُكَابَرَةٌ بِالْبَاطِلِ ، لِأَنَّ الصَّلَاةَ الْوَاحِدَةَ لَا يَحُولُ بَيْنَ أَعْمَالِهَا بِعَمْدٍ مَا لَيْسَ مِنْهَا أَصْلًا ، وَصِيَامُ رَمَضَانَ يَحُولُ بَيْنَ كُلِّ يَوْمَيْنِ مِنْهُ لَيْلٌ يَبْطُلُ فِيهِ الصَّوْمُ جُمْلَةً ، وَيَحِلُّ فِيهِ الْأَكْلُ ، وَالشُّرْبُ ، وَالْجِمَاعُ ، فَكُلُّ يَوْمٍ لَهُ حُكْمٌ غَيْرُ حُكْمِ الْيَوْمِ الَّذِي قَبْلَهُ ، وَالْيَوْمِ الَّذِي بَعْدَهُ ، وَقَدْ يَمْرَضُ فِيهِ ، أَوْ يُسَافِرُ ، أَوْ تَحِيضُ ، فَيَبْطُلُ الصَّوْمُ ، وَكَانَ بِالْأَمْسِ صَائِمًا ، وَيَكُونُ غَدًا صَائِمًا . وَإِِنَّمَا شَهْرُ رَمَضَانَ كَصَلَوَاتِ الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ ، يَحُولُ بَيْنَ كُلِّ صَلَاتَيْنِ مَا لَيْسَ صَلَاةً ، فَلَا بُدَّ لِكُلِّ صَلَاةٍ مِنْ نِيَّةٍ ، فَكَذَلِكَ لَا بُدَّ لِكُلِّ يَوْمٍ فِي صَوْمِهِ مِنْ نِيَّةٍ . وَهُمْ أَوَّلُ مَنْ أَبْطَلَ هَذَا الْقِيَاسَ ، فَرَأَوْا مَنْ أَفْطَرَ عَامِدًا فِي يَوْمٍ مِنْ رَمَضَانَ أَنَّ عَلَيْهِ قَضَاءَهُ ، وَأَنَّ سَائِرَ صِيَامِهِ كَسَائِرِ أَيَّامِ الشَّهْرِ صَحِيحٌ ، فَقَدْ أَقَرُّوا بِأَنَّ حُكْمَ الشَّهْرِ كَصَلَاةِ لَيْلَةٍ وَاحِدَةٍ ، وَيَوْمٍ وَاحِدٍ . وَإِِنَّمَا يَخْرُجُ هَذَا عَلَى قَوْلِ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ : " الَّذِي يَرَى مَنْ أَفْطَرَ يَوْمًا مِنْ رَمَضَانَ عَامِدًا ، أَوْ أَفْطَرَهُ كُلَّهُ سَوَاءٌ ، وَأَنَّ عَلَيْهِ فِي الْيَوْمِ قَضَاءُ شَهْرٍ ، كَمَا عَلَيْهِ فِي الشَّهْرِ كُلِّهِ ، وَلَا فَرْقَ ؟ " وَهَذَا مِمَّا أَخْطَئُوا فِيهِ الْقِيَاسَ لَوْ كَانَ الْقِيَاسُ حَقًّا فَلَا النَّصَّ اتَّبَعُوا ، وَلَا الصَّحَابَةَ قَلَّدُوا ، وَلَا قِيَاسَ صَحِبُوا ، وَلَا الِاحْتِيَاطَ الْتَزَمُوا ، وَبِاللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ .
الأسم | الشهرة | الرتبة |
حَفْصَةَ | حفصة بنت عمر العدوية | صحابي |
أَبِيهِ | عبد الله بن عمر العدوي / توفي في :73 | صحابي |
سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ | سالم بن عبد الله العدوي | ثقة ثبت |
ابْنِ شِهَابٍ | محمد بن شهاب الزهري / ولد في :52 / توفي في :124 | الفقيه الحافظ متفق على جلالته وإتقانه |
ابْنِ جُرَيْجٍ | ابن جريج المكي / ولد في :74 / توفي في :150 | ثقة |
عَبْدُ الرَّزَّاقِ | عبد الرزاق بن همام الحميري / ولد في :126 / توفي في :211 | ثقة حافظ |
أَحْمَدُ بْنُ الْأَزْهَرِ | أحمد بن الأزهر العبدي | صدوق حسن الحديث |
أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ | أحمد بن شعيب النسائي | ثقة ثبت حافظ |
مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ | محمد بن معاوية الأموي / توفي في :358 | ثقة |
عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ | عبد الله بن ربيع التميمي / ولد في :330 / توفي في :415 | ثقة |