تفسير

رقم الحديث : 1069

حَدَّثَنَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ ، ثنا عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ الْخَوْلَانِيِّ ، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ ، ثنا أَبُو دَاوُدَ ، ثنا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ ، ثنا وُهَيْبٍ هُوَ ابْنُ خَالِدٍ ، عَنْ خَالِدٍ هُوَ الْحَذَّاءُ ، عَنْ أَبِي الضُّحَى ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ ، قَالَ : " رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلَاثٍ : عَنِ النَّائِمِ حَتَّى يَسْتَيْقِظَ ، وَعَنِ الصَّبِيِّ حَتَّى يَحْتَلِمَ ، وَعَنِ الْمَجْنُونِ حَتَّى يَعْقِلَ " . وَكُنَّا نَقُولُ : إِذَا رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْهُ فَهُوَ غَيْرُ مُخَاطَبٍ بِصَوْمٍ وَلَا بِصَلَاةٍ . ثُمَّ تَأَمَّلْنَا هَذَا الْخَبَرَ ، بِتَوْفِيقِ اللَّهِ تَعَالَى ، فَوَجَدْنَاهُ لَيْسَ فِيهِ إِلَّا مَا ذَكَرْنَا مِنْ أَنَّهُ غَيْرُ مُخَاطَبٍ فِي حَالِ جُنُونِهِ حَتَّى يَعْقِلَ ، وَلَيْسَ فِي ذَلِكَ بُطْلَانُ صَوْمِهِ الَّذِي لَزِمَهُ قَبْلَ جُنُونِهِ ، وَلَا عَوْدَتُهُ عَلَيْهِ بَعْدَ إِفَاقَتِهِ ، وَكَذَلِكَ الْمُغْمَى ، فَوَجَبَ أَنَّ مَنْ جُنَّ بَعْدَ أَنْ نَوَى الصَّوْمَ مِنَ اللَّيْلِ فَلَا يَكُونُ مُفْطِرًا بِجُنُونِهِ ، لَكِنَّهُ فِيهِ غَيْرُ مُخَاطَبٍ ، وَقَدْ كَانَ مُخَاطَبًا بِهِ ، فَإِِنْ أَفَاقَ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ ، أَوْ فِي يَوْمٍ بَعْدَهُ مِنْ أَيَّامِ رَمَضَانَ ، فَإِِنَّهُ يَنْوِي الصَّوْمَ مِنْ حِينِهِ وَيَكُونُ صَائِمًا ، لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ عَلِمَ بِوُجُوبِ الصَّوْمِ عَلَيْهِ . وَهَكَذَا مَنْ جَاءَهُ الْخَبَرُ بِرُؤْيَةِ الْهِلَالِ ، أَوْ مَنْ عَلِمَ بِأَنَّهُ يَوْمُ نَذْرِهِ ، أَوْ فَرْضِهِ عَلَى مَا قَدَّمْنَا قَبْلُ ، وَكَذَلِكَ مَنْ أُغْمِيَ عَلَيْهِ كَمَا ذَكَرْنَا ، وَكَذَلِكَ مَنْ جُنَّ ، أَوْ أُغْمِيَ عَلَيْهِ قَبْلَ غُرُوبِ الشَّمْسِ ، أَوْ مَنْ نَامَ ، أَوْ سَكِرَ قَبْلَ غُرُوبِ الشَّمْسِ فَلَمْ يَسْتَيْقِظْ وَلَا صَحَا إِلَّا مِنَ الْغَدِ وَقَدْ مَضَى أَكْثَرُ النَّهَارِ ، أَوْ أَقَلُّهُ . وَوَجَدْنَا الْمَجْنُونَ لَا يُبْطِلُ جُنُونُهُ إِيمَانَهُ ، وَلَا أَيْمَانَهُ ، وَلَا نِكَاحَهُ ، وَلَا طَلَاقَهُ ، وَلَا ظِهَارَهُ ، وَلَا إِيلَاءَهُ ، وَلَا حَجَّهُ ، وَلَا إِحْرَامَهُ ، وَلَا بَيْعَهُ ، وَلَا هِبَتَهُ ، وَلَا شَيْئًا مِنْ أَحْكَامِهِ اللَّازِمَةِ لَهُ قَبْلَ جُنُونِهِ ، وَلَا خِلَافَتَهُ إِنْ كَانَ خَلِيفَةً ، وَلَا إِمَارَتَهُ إِنْ كَانَ أَمِيرًا ، وَلَا وِلَايَتَهُ ، وَلَا وَكَالَتَهُ ، وَلَا تَوْكِيلَهُ ، وَلَا كُفْرَهُ ، وَلَا فِسْقَهُ ، وَلَا عَدَالَتَهُ ، وَلَا وَصَايَاهُ ، وَلَا اعْتِكَافَهُ ، وَلَا سَفَرَهُ ، وَلَا إِقَامَتَهُ ، وَلَا مِلْكَهُ ، وَلَا نَذْرَهُ ، وَلَا حِنْثَهُ ، وَلَا حُكْمَ الْعَامِّ فِي الزَّكَاةِ عَلَيْهِ . وَوَجَدْنَا ذُهُولَهُ عَنْ كُلِّ ذَلِكَ لَا يُوجِبُ بُطْلَانَ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ ، فَقَدْ يَذْهَلُ الْإِِنْسَانُ عَنِ الصَّوْمِ ، وَالصَّلَاةِ ، حَتَّى يَظُنَّ أَنَّهُ لَيْسَ مُصَلِّيًا ، وَلَا صَائِمًا ، فَيَأْكُلَ ، وَيَشْرَبَ ، وَلَا يَبْطُلُ بِذَلِكَ صَوْمُهُ ، وَلَا صَلَاتُهُ ، بِهَذَا جَاءَتِ السُّنَنُ عَلَى مَا ذَكَرْنَا فِي الصَّلَاةِ وَغَيْرِهَا ، وَكَذَلِكَ الْمُغْمَى عَلَيْهِ وَلَا فَرْقَ فِي كُلِّ ذَلِكَ ، وَلَا يُبْطِلُ الْجُنُونُ ، وَالْإِِغْمَاءُ إِلَّا مَا يُبْطِلُ النَّوْمُ مِنَ الطَّهَارَةِ بِالْوُضُوءِ وَحْدَهُ فَقَطْ . وَأَيْضًا : فَإِِنَّ الْمَغْلُوبَ الْمُكْرَهَ عَلَى الْفِطْرِ لَا يَبْطُلُ صَوْمُهُ بِذَلِكَ عَلَى مَا نَذْكُرُ بَعْدَ هَذَا إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى ، وَالْمَجْنُونُ ، وَالْمُكْرَهُ مَغْلُوبَانِ مُكْرَهَانِ مُضْطَرَّانِ بِقَدَرٍ غَالِبٍ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ تَعَالَى مَا أَصَابَهُمَا ، فَلَا يُبْطِلُ ذَلِكَ صَوْمَهُمَا . وَأَيْضًا : فَإِِنَّ مَنْ نَوَى الصَّوْمَ كَمَا أَمَرَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ ثُمَّ جُنَّ ، أَوْ أُغْمِيَ عَلَيْهِ فَقَدْ صَحَّ صَوْمُهُ بِيَقِينٍ مِنْ نَصٍّ وَإِِجْمَاعٍ ، فَلَا يَجُوزُ بُطْلَانُهُ بَعْدَ صِحَّتِهِ إِلَّا بِنَصٍّ ، أَوْ إِجْمَاعٍ ، وَلَا إِجْمَاعَ فِي ذَلِكَ أَصْلًا ، وَبِاللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ . وَأَمَّا مَنْ بَلَغَ مَجْنُونًا مُطْبَقًا فَهَذَا لَمْ يَكُنْ قَطُّ مُخَاطَبًا ، وَلَا لَزِمَتْهُ الشَّرَائِعُ ، وَلَا الْأَحْكَامُ ، وَلَمْ يَزَلْ مَرْفُوعًا عَنْهُ الْقَلَمُ ، فَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ قَضَاءُ صَوْمٍ أَصْلًا ، بِخِلَافِ قَوْلِ مَالِكٍ : فَإِِذَا عَقَلَ فَحِينَئِذٍ ابْتَدَأَ الْخِطَابُ بِلُزُومِهِ إِيَّاهُ ، لَا قَبْلَ ذَلِكَ . وَأَمَّا مَنْ شَرِبَ حَتَّى سَكِرَ فِي لَيْلَةِ رَمَضَانَ ، وَكَانَ نَوَى الصَّوْمَ فَصَحَا بَعْدَ صَدْرٍ مِنَ النَّهَارِ أَقَلِّهِ ، أَوْ أَكْثَرِهِ ، أَوْ بَعْدَ غُرُوبِ الشَّمْسِ : فَصَوْمُهُ تَامٌّ ، وَلَيْسَ السُّكْرُ مَعْصِيَةً ، إِنَّمَا الْمَعْصِيَةُ شُرْبُ مَا يُسْكِرُ سَوَاءٌ سَكِرَ أَمْ لَمْ يَسْكَرْ ، وَلَا خِلَافَ فِي أَنَّ مَنْ فُتِحَ فَمُهُ ، أَوْ أُمْسِكَتْ يَدُهُ ، وَجَسَدُهُ وَصُبَّ الْخَمْرُ فِي حَلْقِهِ حَتَّى سَكِرَ أَنَّهُ لَيْسَ عَاصِيًا بِسُكْرِهِ ، لِأَنَّهُ لَمْ يَشْرَبْ مَا يُسْكِرُهُ بِاخْتِيَارِهِ ، وَالسُّكْرُ لَيْسَ هُوَ فِعْلُهُ ، إِنَّمَا هُوَ فِعْلُ اللَّهِ تَعَالَى فِيهِ ، وَإِِنَّمَا يُنْهَى الْمَرْءُ عَنْ فِعْلِهِ ، لَا عَنْ فِعْلِ اللَّهِ تَعَالَى فِيهِ الَّذِي لَا اخْتِيَارَ لَهُ فِيهِ . وَكَذَلِكَ مَنْ نَامَ وَلَمْ يَسْتَيْقِظْ إِلَّا فِي النَّهَارِ وَلَا فَرْقَ ، أَوْ مَنْ نَوَى الصَّوْمَ ثُمَّ لَمْ يَسْتَيْقِظْ إِلَّا بَعْدَ غُرُوبِ الشَّمْسِ ، فَصَوْمُهُ تَامٌّ . وَبَقِيَ حُكْمُ مَنْ جُنَّ ، أَوْ أُغْمِيَ عَلَيْهِ ، أَوْ سَكِرَ ، أَوْ نَامَ قَبْلَ غُرُوبِ الشَّمْسِ فَلَمْ يُفِقْ ، وَلَا صَحَا ، وَلَا انْتَبَهَ لَيْلَتَهُ كُلَّهَا وَالْغَدَ كُلَّهُ إِلَى بَعْدَ غُرُوبِ الشَّمْسِ : أَيَقْضِيهِ أَمْ لَا ؟ فَوَجَدْنَا الْقَضَاءَ إِيجَابَ شَرْعٍ ، وَالشَّرْعُ لَا يَجِبُ إِلَّا بِنَصٍّ ، فَلَا نَجِدُ إِيجَابَ الْقَضَاءِ فِي النَّصِّ إِلَّا عَلَى أَرْبَعَةٍ : الْمُسَافِرُ ، وَالْمَرِيضُ بِالْقُرْآنِ ، وَالْحَائِضُ ، وَالنُّفَسَاءُ ، وَالْمُتَعَمِّدُ لِلْقَيْءِ بِالسُّنَّةِ ، وَلَا مَزِيدَ . وَوَجَدْنَا النَّائِمَ ، وَالسَّكْرَانَ ، وَالْمَجْنُونَ الْمُطْبَقَ عَلَيْهِ لَيْسُوا مُسَافِرِينَ وَلَا مُتَعَمِّدِينَ لِلْقَيْءِ ، وَلَا حُيَّضًا ، وَلَا مِنْ ذَوَاتِ النِّفَاسِ ، وَلَا مَرْضَى ، فَلَمْ يَجِبْ عَلَيْهِمُ الْقَضَاءُ أَصْلًا ، وَلَا خُوطِبُوا بِوُجُوبِ الصَّوْمِ عَلَيْهِمْ فِي تِلْكَ الْأَحْوَالِ ، بَلِ الْقَلَمُ مَرْفُوعٌ عَنْهُمْ بِالسُّنَّةِ . وَوَجَدْنَا الْمَصْرُوعَ ، وَالْمُغْمَى عَلَيْهِ مَرِيضَيْنِ بِلَا شَكٍّ ، لِأَنَّ الْمَرَضَ هِيَ حَالٌ مُخْرِجَةٌ لِلْمَرْءِ عَنْ حَالِ الِاعْتِدَالِ وَصِحَّةِ الْجَوَارِحِ ، وَالْقُوَّةِ إِلَى الِاضْطِرَابِ ، وَضَعْفِ الْجَوَارِحِ ، وَاعْتِلَالِهَا ، وَهَذِهِ صِفَةُ الْمَصْرُوعِ وَالْمُغْمَى عَلَيْهِ بِلَا شَكٍّ ، وَيَبْقَى وَهْنُ ذَلِكَ وَضَعْفُهُ عَلَيْهِمَا بَعْدَ الْإِِفَاقَةِ مُدَّةً ، فَإِِذْ هُمَا مَرِيضَانِ فَالْقَضَاءُ عَلَيْهِمَا بِنَصِّ الْقُرْآنِ ، وَبِاللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ . وَلَيْسَ قَوْلُنَا بِسُقُوطِ الصَّلَاةِ عَنِ الْمُغْمَى عَلَيْهِ إِلَّا مَا أَفَاقَ فِي وَقْتِهِ مِنْهَا وَبِقَضَاءِ النَّائِمِ لِلصَّلَاةِ : مُخَالِفًا لِقَوْلِنَا هَهُنَا ، بَلْ هُوَ مُوَافِقٌ ، لِأَنَّ مَا خَرَجَ وَقْتُهُ لِلْمُغْمَى عَلَيْهِ فَلَمْ يَكُنْ مُخَاطَبًا بِالصَّلَاةِ فِيهِ ، وَلَا كَانَ أَيْضًا مُخَاطَبًا بِالصَّوْمِ ، وَلَكِنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَوْجَبَ عَلَى الْمَرِيضِ عِدَّةً مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ ، وَلَمْ يُوجِبْ تَعَالَى عَلَى الْمَرِيضِ : قَضَاءَ صَلَاةٍ ، وَأَوْجَبَ قَضَاءَ الصَّلَاةِ : عَلَى النَّائِمِ ، وَالنَّاسِي ، وَلَمْ يُوجِبْ قَضَاءَ صِيَامٍ عَلَى النَّائِمِ ، وَالنَّاسِي بَلْ أَسْقَطَهُ تَعَالَى عَنِ النَّاسِي ، وَالنَّائِمِ ، إِذْ لَمْ يُوجِبْهُ عَلَيْهِ . فَصَحَّ قَوْلُنَا : وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ . وَأَمَّا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ : فَفِي غَايَةِ الْفَسَادِ ، لِأَنَّهُ دَعْوَى بِلَا بُرْهَانٍ ، وَلَمْ يَتَّبِعْ نَصًّا ، وَلَا قِيَاسًا ، لِأَنَّهُ رَأَى عَلَى مَنْ أَفَاقَ فِي شَيْءٍ مِنْ رَمَضَانَ مِنْ جُنُونِهِ : قَضَاءَ الشَّهْرِ كُلِّهِ ، وَهُوَ لَا يَرَاهُ عَلَى مَنْ بَلَغَ ، أَوْ أَسْلَمَ حِينَئِذٍ . وَقَالَ بَعْضُ الْمَالِكِيِّينَ : الْمَجْنُونُ بِمَنْزِلَةِ الْحَائِضِ وَهَذَا كَلَامٌ يُغْنِي ذِكْرُهُ عَنْ تَكَلُّفِ إِبْطَالِهِ ، وَمَا نَدْرِي فِيمَا يُشْبِهُ الْمَجْنُونُ الْحَائِضَ .

الرواه :

الأسم الرتبة
عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ

صحابي

أَبِي الضُّحَى

ثقة

خَالِدٍ هُوَ الْحَذَّاءُ

ثقة

وُهَيْبٍ هُوَ ابْنُ خَالِدٍ

ثقة ثبت

مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ

ثقة ثبت

أَبُو دَاوُدَ

ثقة حافظ

مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ

ثقة

عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ الْخَوْلَانِيِّ

مجهول الحال

عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ

ثقة

Whoops, looks like something went wrong.