حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ ، ثنا ابْنُ السُّلَيْمِ ، ثنا ابْنُ الأَعْرَابِيِّ ، ثنا أَبُو دَاوُدَ ، ثنا مُسَدَّدٌ ، ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ دَاوُدَ وَهُوَ الْخُرَيْبِيُّ ، عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَقِيلٍ ، عَنِ الرُّبَيِّعِ بِنْتِ مُعَوِّذٍ قَالَتْ : " إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَسَحَ بِرَأْسِهِ مِنْ فَضْلِ مَاءٍ كَانَ بِيَدِهِ " . وَأَمَّا مِنَ الإِجْمَاعِ فَلا يَخْتَلِفُ اثْنَانِ مِنْ أَهْلِ الإِسْلامِ فِي أَنَّ كُلَّ مُتَوَضِّئٍ فَإِنَّهُ يَأْخُذُ الْمَاءَ فَيَغْسِلُ بِهِ ذِرَاعَيْهِ مِنْ أَطْرَافِ أَصَابِعِهِ إِلَى مِرْفَقِهِ ، وَهَكَذَا كُلُّ عُضْوٍ فِي الْوُضُوءِ وَفِي غُسْلِ الْجَنَابَةِ ، وَبِالضَّرُورَةِ وَالْحِسِّ يَدْرِي كُلُّ مُشَاهِدٍ لِذَلِكَ أَنَّ ذَلِكَ الْمَاءَ قَدْ وُضِّئَتْ بِهِ الْكَفُّ وَغُسِلَتْ ، ثُمَّ غُسِلَ بِهِ أَوَّلُ الذِّرَاعِ ثُمَّ آخِرُهُ ، وَهَذَا مَاءٌ مُسْتَعْمَلٌ بِيَقِينٍ ، ثُمَّ إِنَّهُ يَرُدُّ يَدَهُ إِلَى الإِنَاءِ وَهِيَ تَقْطُرُ مِنَ الْمَاءِ الَّذِي طَهَّرَ بِهِ الْعُضْوَ ، فَيَأْخُذُ مَاءً آخَرَ لِلْعُضْوِ الْآخَرِ ، فَبِالضَّرُورَةِ يَدْرِي كُلُّ ذِي حِسٍّ سَلِيمٍ أَنَّهُ لَمْ يُطَهِّرِ الْعُضْوَ الثَّانِي إِلا بِمَاءٍ جَدِيدٍ قَدْ مَازَجَهُ مَاءٌ آخَرُ مُسْتَعْمَلٌ فِي تَطْهِيرِ عُضْوٍ آخَرَ وَهَذَا مَا لا مَخْلَصَ مِنْهُ . وَهُوَ قَوْلُ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ ، وَإِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ ، وَعَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ ، وَهُوَ أَيْضًا قَوْلُ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ ، وَأَبِي ثَوْرٍ ، وَدَاوُدَ ، وَجَمِيعِ أَصْحَابِنَا . وَقَالَ مَالِكٌ : يَتَوَضَّأُ بِهِ إِنْ لَمْ يَجِدْ غَيْرَهُ وَلا يَتَيَمَّمُ . وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ : لا يَجُوزُ الْغُسْلُ وَلا الْوُضُوءُ بِمَاءٍ قَدْ تَوَضَّأَ بِهِ أَوِ اغْتَسَلَ بِهِ ، وَيُكْرَهُ شُرْبُهُ ، وَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ طَاهِرٌ ، وَالأَظْهَرُ عَنْهُ أَنَّهُ نَجِسٌ ، وَهُوَ الَّذِي رُوِيَ عَنْهُ نَصَّا ، وَأَنَّهُ لا يَنْجَسُ الثَّوْبُ إِذَا أَصَابَهُ الْمَاءُ الْمُسْتَعْمَلُ إِلا أَنْ يَكُونَ كَثِيرًا فَاحِشًا . وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ : إِنْ كَانَ الَّذِي أَصَابَ الثَّوْبَ مِنْهُ شِبْرٌ فِي شِبْرٍ فَقَدْ نَجَّسَهُ ، وَإِنْ كَانَ أَقَلَّ لَمْ يُنَجِّسْهُ . وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَبُو يُوسُفَ : إِنْ كَانَ رَجُلٌ طَاهِرٌ قَدْ تَوَضَّأَ لِلصَّلاةِ أَوْ لَمْ يَتَوَضَّأْ لَهَا فَتَوَضَّأَ فِي بِئْرٍ فَقَدْ تَنَجَّسَ مَاؤُهَا كُلُّهُ وَتُنْزَحُ كُلُّهَا ، وَلا يَجْزِيهِ ذَلِكَ الْوُضُوءُ إِنْ كَانَ غَيْرَ مُتَوَضِّئٍ ، فَإِنِ اغْتَسَلَ فِيهَا أَرْضًا أَنْجَسَهَا كُلَّهَا . وَكَذَلِكَ لَوِ اغْتَسَلَ وَهُوَ طَاهِرٌ غَيْرُ جُنُبٍ فِي سَبْعَةِ آبَارٍ نَجَّسَهَا كُلَّهَا . وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ : يُنَجِّسُهَا كُلَّهَا وَلَوْ أَنَّهَا عِشْرُونَ بِئْرًا ، وَقَالا جَمِيعًا : لا يَجْزِيهِ ذَلِكَ الْغُسْلُ ، فَإِنْ طَهَّرَ فِيهَا يَدَهُ أَوْ رِجْلَهُ فَقَدْ تَنَجَّسَتْ كُلُّهَا ، فَإِنْ كَانَ عَلَى ذِرَاعَيْهِ جَبَائِرُ أَوْ عَلَى أَصَابِعِ رِجْلَيْهِ جَبَائِرُ فَغَمَسَهَا فِي الْبِئْرِ يَنْوِي بِذَلِكَ الْمَسْحَ عَلَيْهَا لَمْ يُجِزْهُ وَتَنَجَّسَ مَاؤُهَا كُلُّهُ ، فَلَوْ كَانَ عَلَى أَصَابِعِ يَدِهِ جَبَائِرُ فَغَمَسَهَا فِي الْبِئْرِ يَنْوِي بِذَلِكَ الْمَسْحَ عَلَيْهَا أَجْزَأَهُ وَلَمْ يُنَجِّسْ مَاؤُهَا الْيَدَ بِخِلافِ سَائِرِ الأَعْضَاءِ ، فَلَوِ انْغَمَسَ فِيهَا وَلَمْ يَنْوِ غُسْلا وَلا وُضُوءًا وَلا تَدَلَّكَ فِيهَا لَمْ يُنَجِّسِ الْمَاءَ حَتَّى يَنْوِيَ الْغُسْلَ أَوِ الْوُضُوءَ ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ : لا يَطْهُرُ بِذَلِكَ الانْغِمَاسُ ، وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ : يَطْهُرُ بِهِ ، قَالَ أَبُو يُوسُفَ : فَإِنْ غَمَسَ رَأْسَهُ يَنْوِي الْمَسْحَ عَلَيْهِ لَمْ يُنَجِّسِ الْمَاءَ ، وَإِنَّمَا يُنَجِّسُهُ نِيَّةُ تَطْهِيرِ عُضْوٍ يَلْزَمُ فِيهِ الْغُسْلُ ، قَالَ : فَلَوْ غَسَلَ بَعْضَ يَدِهِ بِنِيَّةِ الْوُضُوءِ أَوِ الْغُسْلِ لَمْ يُنَجِّسِ الْمَاءَ حَتَّى يَغْسِلَ الْعُضْوَ بِكَمَالِهِ ، فَلَوْ غَمَسَ رَأْسَهُ أَوْ خُفَّهُ يَنْوِي بِذَلِكَ الْمَسْحَ أَجْزَأَهُ وَلَمْ يُفْسِدِ الْمَاءَ ، وَإِنَّمَا يُفْسِدُهُ نِيَّةُ الْغُسْلِ لا نِيَّةُ الْمَسْحِ . وَهَذِهِ أَقُولُ هِيَ إِلَى الْهَوَسِ أَقْرَبُ مِنْهَا إِلَى مَا يُعْقَلُ . وَقَالَ الشَّافِعِيُّ : لا يُجْزِئُ الْوُضُوءُ وَلا الْغُسْلُ بِمَاءٍ قَدِ اغْتَسَلَ بِهِ أَوْ تَوَضَّأَ بِهِ وَهُوَ طَاهِرٌ كُلُّهُ ، وَأَصْفَقَ أَصْحَابُهُ عَلَى أَنَّ مَنْ أَدْخَلَ يَدَهُ فِي الإِنَاءِ لِيَتَوَضَّأَ فَأَخَذَ الْمَاءَ فَتَمَضْمَضَ وَاسْتَنْشَقَ وَغَسَلَ وَجْهَهُ ثُمَّ أَدْخَلَ يَدَهُ فِي الإِنَاءِ فَقَدْ حَرُمَ الْوُضُوءُ بِذَلِكَ الْمَاءِ ، لِأَنَّهُ قَدْ صَارَ مَاءً مُسْتَعْمَلا ، وَإِنَّمَا يَجِبُ أَنْ يَصُبَّ مِنْهُ عَلَى يَدِهِ ، فَإِذَا وَضَّأَهَا أَدْخَلَهَا حِينَئِذٍ فِي الإِنَاءِ . قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ : وَاحْتَجَّ مَنْ مَنَعَ ذَلِكَ بِالْحَدِيثِ الثَّابِتِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ " نَهْيِهِ الْجُنُبَ أَنْ يَغْتَسِلَ فِي الْمَاءِ الدَّائِمِ " . قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ : وَقَالُوا : إِنَّمَا نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ ذَلِكَ ، لِأَنَّ الْمَاءَ يَصِيرُ مُسْتَعْمَلا ، وَقَالَ بَعْضُ مَنْ خَالَفَهُمْ : بَلْ مَا نَهَى عَنْ ذَلِكَ عَلَيْهِ السَّلامُ إِلا خَوْفَ أَنْ يَخْرُجَ مِنْ إِحْلِيلِهِ شَيْءٌ يُنَجِّسُ الْمَاءَ . قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ : وَكِلا الْقَوْلَيْنِ بَاطِلٌ نَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ مِثْلِهِ ، وَمِنْ أَنْ نُقَوِّلَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا لَمْ يَقُلْ ، وَأَنْ نُخْبِرَ عَنْهُ مَا لَمْ يُخْبِرْ بِهِ عَنْ نَفْسِهِ وَلا فَعَلَهُ ، فَهَذَا هُوَ الْكَذِبُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ مِنْ أَكْبَرِ الْكَبَائِرِ مِمَّنْ قَطَعَ بِهِ ، فَإِنْ لَمْ يَقْطَعْ بِهِ فَإِنَّمَا هُوَ ظَنٌّ ، وَقَدْ قَالَ عَزَّ وَجَلَّ : إِنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا سورة يونس آية 36 وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " إِيَّاكُمْ وَالظَّنَّ فَإِنَّ الظَّنَّ أَكْذَبُ الْحَدِيثِ " وَلا بُدَّ لِمَنْ قَالَ بِأَحَدِ هَذَيْنِ التَّأْوِيلَيْنِ مِنْ إِحْدَى هَاتَيْنِ الْمَنْزِلَتَيْنِ ، فَبَطَلَ تَعَلُّقُهُمْ بِهَذَا الْخَبَرِ جُمْلَةً . وَاحْتَجَّ بَعْضُهُمْ ، فَقَالَ : لَمْ يَقُلْ أَحَدٌ لِلْمُتَوَضِّئِ وَلا لِلْمُغْتَسَلِ أَنْ يُرَدِّدَ ذَلِكَ الْمَاءَ عَلَى أَعْضَائِهِ ، بَلْ أَوْجَبُوا عَلَيْهِ أَخْذُ مَاءٍ جَدِيدٍ ، وَبِذَلِكَ جَاءَ عَمَلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْوُضُوءِ وَالْغُسْلِ فَوَجَبَ أَنْ لا يُجْزِئَ . قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ : وَهَذَا بَاطِلٌ ، لِأَنَّهُ لَمْ يَنْهَ أَحَدٌ مِنَ السَّلَفِ عَنْ تَرْدِيدِ الْمَاءِ عَلَى الأَعْضَاءِ فِي الْوُضُوءِ وَالْغُسْلِ ، وَلا نَهَى عَنْهُ عَلَيْهِ السَّلامُ قَطَّ . وَيُقَالُ لِلْحَنَفِيِّينَ : قَدْ أَجَزْتُمْ تَنْكِيسَ الْوُضُوءِ ، وَلَمْ يَأْتِ قَطُّ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ نَكَّسَ وُضُوءُهُ ، وَلا أَنَّ أَحَدًا مِنَ الْمُسْلِمِينَ فَعَلَ ذَلِكَ ، فَأَخْذُهُ عَلَيْهِ السَّلامُ مَاءً جَدِيدًا لِكُلِّ عُضْوٍ إِنَّمَا هُوَ فِعْلٌ مِنْهُ عَلَيْهِ السَّلامُ ، وَأَفْعَالُهُ عَلَيْهِ السَّلامُ لا تُلْزَمُ . وَقَدْ صَحَّ عَنْهُ مَسَحُ رَأْسِهِ الْمُقَدَّسِ بِفَضْلِ مَاءٍ مُسْتَعْمَلٍ . فَإِنْ قِيلَ : قَدْ رُوِيَ يُؤْخَذُ لِلرَّأْسِ مَاءٌ جَدِيدٌ ، قُلْنَا : إِنَّمَا رَوَاهُ دَهْثَمُ بْنُ قِرَانٍ وَهُوَ سَاقِطُ لا يُحْتَجُّ بِهِ ، عَنْ نِمْرَانَ بْنِ جَارِيَةَ وَهُوَ غَيْرُ مَعْرُوفٍ فَكَيْف وَقَدْ أَبَاحَ عَلَيْهِ السَّلامُ غُسْلَ الْجَنَابَةِ بِغَيْرِ تَجْدِيدِ مَاءٍ .
الأسم | الشهرة | الرتبة |
الرُّبَيِّعِ بِنْتِ مُعَوِّذٍ | الربيع بنت معوذ الأنصارية | صحابي |
عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَقِيلٍ | عبد الله بن عقيل الهاشمي / توفي في :141 | مقبول |
سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ | سفيان الثوري | ثقة حافظ فقيه إمام حجة وربما دلس |
عَبْدُ اللَّهِ بْنُ دَاوُدَ وَهُوَ الْخُرَيْبِيُّ | عبد الله بن داود الخريبي / توفي في :213 | ثقة |
مُسَدَّدٌ | مسدد بن مسرهد الأسدي / توفي في :228 | ثقة حافظ |
أَبُو دَاوُدَ | أبو داود السجستاني | ثقة حافظ |
ابْنُ الأَعْرَابِيِّ | أحمد بن محمد العنزي | ثقة حافظ |
ابْنُ السُّلَيْمِ | محمد بن إسحاق القاضي / ولد في :302 / توفي في :367 | صدوق حسن الحديث |
عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ | عبد الله بن ربيع التميمي / ولد في :330 / توفي في :415 | ثقة |