تفسير

رقم الحديث : 154

حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَالِدٍ ، ثنا إِبْرَاهِيمُ بْنُ أَحْمَدَ ، ثنا الْفَرَبْرِيُّ ، ثنا الْبُخَارِيُّ ، ثنا أَبُو نُعَيْمٍ هُوَ الْفَضْلُ بْنُ دُكَيْنٍ ، ثنا مَعْمَرُ بْنُ يَحْيَى بْنِ سَامٍ ، حَدَّثَنِي أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ ، قَالَ لِي جَابِرٌ : سَأَلَنِي ابْنُ عَمِّكَ ، فَقَالَ : كَيْفَ الْغُسْلُ مِنَ الْجَنَابَةِ ؟ فَقُلْتُ : " كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَأْخُذُ ثَلاثَةَ أَكُفٍّ وَيُفِيضُهَا عَلَى رَأْسِهِ ثُمَّ يُفِيضُ عَلَى سَائِرِ جَسَدِهِ " . قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ : وَلَوْ كَانَ مَا قَالَهُ أَصْحَابُ أَبِي حَنِيفَةَ مِنْ تَنَجُّسِ الْمَاءِ الْمُسْتَعْمَلِ لَمَا صَحَّ طُهْرٌ وَلا وُضُوءٌ وَلا صَلاةٌ لِأَحَدٍ أَبَدًا ، لِأَنَّ الْمَاءَ الَّذِي يُفِيضُهُ الْمُغْتَسِلُ عَلَى جَسَدِهِ يُطَهِّرُ مَنْكِبَيْهِ وَصَدْرَهُ ، ثُمَّ يَنْحَدِرُ إِلَى ظَهْرِهِ وَبَطْنِهِ ، فَكَانَ يَكُونُ كُلُّ أَحَدٍ مُغْتَسِلا بِمَاءٍ نَجِسٍ ، وَمَعَاذَ اللَّهِ مِنْ هَذَا ، وَهَكَذَا فِي غَسْلِهِ ذِرَاعَهُ وَوَجْهَهُ وَرِجْلَهُ فِي الْوُضُوءِ ، لِأَنَّهُ لا يَغْسِلُ ذِرَاعَهُ إِلا بِالْمَاءِ الَّذِي غَسَلَ بِهِ كَفَّهُ ، وَلا يَغْسِلُ أَسْفَلَ وَجْهِهِ إِلا بِالْمَاءِ الَّذِي قَدْ غَسَلَ بِهِ أَعْلاهُ وَكَذَلِكَ رِجْلُهُ . وَقَالَ بَعْضُهُمْ : الْمَاءُ الْمُسْتَعْمَلُ لا بُدَّ مِنْ أَنْ يَصْحَبَهُ مِنْ عَرَقِ الْجِسْمِ فِي الْغُسْلِ وَالْوُضُوءِ شَيْءٌ فَهُوَ مَاءٌ مُضَافٌ . قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ : وَهَذَا غَثٌّ جِدًّا ، وَحَتَّى لَوْ كَانَ كَمَا قَالُوا فَكَانَ مَاذَا ؟ وَمَتَى حَرُمَ الْوُضُوءُ وَالْغُسْلُ بِمَاءٍ فِيهِ شَيْءٌ طَاهِرٌ لا يَظْهَرُ لَهُ فِي الْمَاءِ رَسْمٌ ! فَكَيْفَ وَهُمْ يُجِيزُونَ الْوُضُوءَ بِمَاءٍ قَدْ تَبَرَّدَ فِيهِ مِنَ الْحَرِّ ! وَهَذَا أَكْثَرُ فِي أَنْ يَكُونَ فِيهِ الْعَرَقُ مِنَ الْمَاءِ الْمُسْتَعْمَلِ . وَقَالَ بَعْضُهُمْ : قَدْ جَاءَ أَثَرٌ بِأَنَّ الْخَطَايَا تَخْرُجُ مَعَ غَسْلِ أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ ، قُلْنَا : نَعَمْ ، وَلِلَّهِ الْحَمْدُ فَكَانَ مَاذَا ؟ وَإِنَّ هَذَا لَمِمَّا يَغِيطُ بِاسْتِعْمَالِهِ مِرَارًا إِنْ أَمْكَنَ لِفَضْلِهِ ، وَمَا عَلِمْنَا لِلْخَطَايَا أَجْرَامًا تَحِلُّ فِي الْمَاءِ . وَقَالَ بَعْضُهُمْ : الْمَاءُ الْمُسْتَعْمَلُ كَحَصَى الْجِمَارِ الَّذِي رَمَى بِهِ لا يَجُوزُ أَنْ يَرْمِيَ بِهِ ثَانِيَةً . قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ : وَهَذَا بَاطِلٌ ، بَلْ حَصَى الْجِمَارِ إِذَا رَمَى بِهَا فَجَائِزٌ أَخْذُهَا وَالرَّمْيُ بِهَا ثَانِيَةٌ ، وَمَا نَدْرِي شَيْئًا يَمْنَعُ مِنْ ذَلِكَ ، وَكَذَلِكَ التُّرَابُ الَّذِي تَيَمَّمَ بِهِ فَالتَّيَمُّمُ بِهِ جَائِزٌ وَالثَّوْبُ الَّذِي سُتِرَتْ بِهِ الْعَوْرَةُ فِي الصَّلاةِ جَائِزٌ أَنْ تُسْتَرَ بِهِ أَيْضًا الْعَوْرَةُ فِي صَلاةٍ أُخْرَى ، فَإِنْ كَانُوا أَهْلَ قِيَاسٍ فَهَذَا كُلُّهُ بَابٌ وَاحِدٌ . وَقَالَ بَعْضُهُمْ : الْمَاءُ الْمُسْتَعْمَلُ بِمَنْزِلَةِ الْمَاءِ الَّذِي طُبِخَ فِيهِ فُولٌ أَوْ حِمَّصٌ . قَالَ عَلِيٌّ : وَهَذَا هَوَسٌ مَرْدُودٌ عَلَى قَائِلِهِ ، وَمَا نَدْرِي شَيْئًا يَمْنَعُ مِنْ جَوَازِ الْوُضُوءِ وَالْغُسْلِ بِمَاءٍ طُبِخَ فِيهِ فُولٌ أَوْ حِمَّصٌ أَوْ تُرْمُسٌ أَوْ لُوبْيَا ، مَا دَامَ يَقَعُ عَلَيْهِ اسْمُ مَاءٍ . وَقَالَ بَعْضُهُمْ : لَمَّا لَمْ يُطْلَقْ عَلَى الْمَاءِ الْمُسْتَعْمَلِ اسْمُ الْمَاءِ مُفْرَدًا دُونَ أَنْ يُتْبَعَ بِاسْمٍ آخَرَ وَجَبَ أَنْ لا يَكُونَ فِي حُكْمِ الْمَاءِ الْمُطْلَقِ . قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ : وَهَذِهِ حَمَاقَةٌ ، بَلْ يُطْلَقُ عَلَيْهِ اسْمُ مَاءٍ فَقَطْ ، ثُمَّ لا فَرْقَ بَيْنَ قَوْلِنَا مَاءٌ مُسْتَعْمَلٌ فَيُوصَفُ بِذَلِكَ ، وَبَيْنَ قَوْلِنَا مَاءٌ مُطْلَقٌ فَيُوصَفُ بِذَلِكَ ، وَقَوْلِنَا مَاءٌ مِلْحٌ أَوْ مَاءٌ عَذْبٌ ، أَوْ مَاءٌ مُرٌّ ، أَوْ مَاءٌ سُخْنٌ أَوْ مَاءُ مَطَرٍ ، وَكُلُّ ذَلِكَ لا يَمْنَعُ مِنْ جَوَازِ الْوُضُوءِ بِهِ وَالْغُسْلِ . وَلَوْ صَحَّ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ فِي نَجَاسَةِ الْمَاءِ الْمُتَوَضَّأِ بِهِ وَالْمُغْتَسَلِ بِهِ لَبَطَلَ أَكْثَرُ الدِّينِ ، لِأَنَّهُ كَانَ الإِنْسَانُ إِذَا اغْتَسَلَ أَوْ تَوَضَّأَ ثُمَّ لَبِسَ ثَوْبَهُ لا يُصَلِّي إِلا بِثَوْبٍ نَجِسٍ كُلِّهِ ، وَلَلَزِمَهُ أَنْ يُطَهِّرَ أَعْضَاءَهُ مِنْهُ بِمَاءٍ آخَرَ . وَقَالَ بَعْضُهُمْ : لا يَنْجَسُ إِلا إِذَا فَارَقَ الأَعْضَاءَ . قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ : وَهَذِهِ جُرْأَةٌ عَلَى الْقَوْلِ بِالْبَاطِلِ فِي الدِّينِ بِالدَّعْوَى ، وَيُقَالُ لَهُمْ : هَلْ تَنَجَّسَ عِنْدَكُمْ إِلا بِالاسْتِعْمَالِ ؟ فَلا بُدَّ مِنْ نَعَمْ ، فَمِنَ الْمُحَالِ أَنْ لا يَنْجَسَ فِي الْحَالِ الْمُنَجَّسَةِ لَهُ ثُمَّ يَنْجَسَ بَعْدَ ذَلِكَ ، وَلا جُرْأَةَ أَعْظَمُ مِنْ أَنْ يُقَالَ : هَذَا مَاءٌ طَاهِرٌ تُؤَدَّى بِهِ الْفَرَائِضُ ، فَإِذَا تَقَرَّبَ بِهِ إِلَى اللَّهِ فِي أَفْضَلِ الأَعْمَالِ مِنَ الْوُضُوءِ وَالْغُسْلِ تَنَجَّسَ أَوْ حَرُمَ أَنْ يَتَقَرَّبَ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى بِهِ ، وَمَا نَدْرِي مِنْ أَيْنَ وَقَعَ لَهُمْ هَذَا التَّخْلِيطُ ! . وَقَالَ بَعْضُهُمْ : قَدْ جَاءَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ الْجُنُبَ إِذَا اغْتَسَلَ فِي الْحَوْضِ أَفْسَدَ مَاءَهُ ، وَهَذَا لا يَصِحُّ ، بَلْ هُوَ مَوْضُوعٌ ، وَإِنَّمَا ذَكَرَهُ الْحَنَفِيُّونَ ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ، وَلا نَعْلَمُ مَنْ هُوَ قَبْلَ حَمَّادٍ ، وَلا نَعْرِفُ لِإِبْرَاهِيمَ سَمَاعًا مِنَ ابْنِ عَبَّاسٍ وَالصَّحِيحُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ خِلافُ هَذَا . قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ : وَقَدْ ذَكَرْنَا عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَبْلُ خِلافَ هَذَا مِنْ قَوْلِهِ : أَرْبَعٌ لا تَنْجَسُ الْمَاءُ وَالأَرْضُ وَالإِنْسَانُ ، وَذَكَرَ رَابِعًا . وَذَكَرُوا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي تَحْرِيمِهِ الصَّدَقَةَ عَلَى آلِ مُحَمَّدٍ " إِنَّمَا هِيَ غُسَالَةُ أَيْدِي النَّاسِ " ، وَعَنْ عُمَرَ مِثْلُ ذَلِكَ . قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ : وَهَذَا لا حُجَّةَ فِيهِ أَصْلا ، لِأَنَّ اللازِمَ لَهُمْ فِي احْتِجَاجِهِمْ بِهَذَا الْخَبَرِ أَنْ لا يُحَرَّمَ ذَلِكَ إِلا عَلَى آلِ مُحَمَّدٍ خَاصَّةً ، فَإِنَّهُ عَلَيْهِ السَّلامُ لَمْ يَكْرَهْ ذَلِكَ وَلا مَنَعَهُ أَحَدًا غَيْرَهُمْ ، بَلْ أَبَاحَهُ لِسَائِرِ النَّاسِ . وَأَمَّا احْتِجَاجُهُمْ بِقَوْلِ عُمَرَ فَإِنَّهُمْ مُخَالِفُونَ لَهُ لِأَنَّهُمْ يُجِيزُونَ فِي أَصْلِ أَقْوَالِهِمْ شُرْبَ ذَلِكَ الْمَاءِ . وَأَيْضًا فَإِنَّ غُسَالَةَ أَيْدِي النَّاسِ غَيْرُ وُضُوئِهِمِ الَّذِي يَتَقَرَّبُونَ بِهِ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى ، وَلا عَجَبَ أَكْثَرُ مِنْ إِبَاحَتِهِمْ غُسَالَةَ أَيْدِي النَّاسِ وَفِيهَا جَاءَ مَا احْتَجُّوا بِهِ . وَقَوْلُهُمْ إِنَّهَا طَاهِرَةٌ ، وَتَحْرِيمُهُمُ الْمَاءَ الَّذِي قَدْ تَوَضَّأَ بِهِ قُرْبَةٌ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى وَلَيْسَ فِي شَيْءٍ مِنْ هَذَيْنِ الأَثَرَيْنِ نَهْيٌ عَنْهُ ، وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنَ الضَّلالِ وَتَحْرِيفِ الْكَلِمِ عَنْ مَوَاضِعِهِ . وَنَسْأَلُ أَصْحَابَ الشَّافِعِيِّ عَمَّنْ وَضَّأَ عُضْوًا مِنْ أَعْضَاءِ وُضُوئِهِ فَقَطْ يَنْوِي بِهِ الْوُضُوءَ فِي مَاءٍ دَائِمٍ أَوْ غَسَلَهُ كَذَلِكَ وَهُوَ جُنُبٌ ، أَوْ بَعْضَ عُضْوٍ أَوْ بَعْضَ أُصْبُعٍ أَوْ شَعْرَةً وَاحِدَةً أَوْ مَسَحَ شَعْرَةً مِنْ رَأْسِهِ أَوْ خُفِّهِ أَوْ بَعْضَ خُفِّهِ : حَتَّى نَعْرِفَ أَقْوَالَهُمْ فِي ذَلِكَ . وَقَدْ صَحَّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " تَوَضَّأَ وَسَقَى إِنْسَانًا ذَلِكَ الْوَضُوءَ " ، وَأَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلامُ " تَوَضَّأَ وَصَبَّ وَضُوءَهُ عَلَى جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ " ، وَأَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلامُ " كَانَ إِذَا تَوَضَّأَ تَمَسَّحَ النَّاسُ بِوَضُوئِهِ " ، فَقَالُوا بِآرَائِهِمِْ الْمَلْعُونَةِ : إِنَّ الْمُسْلِمَ الطَّاهِرَ النَّظِيفَ إِذَا تَوَضَّأَ بِمَاءٍ طَاهِرٍ ثُمَّ صَبَّ ذَلِكَ الْمَاءَ فِي بِئْرٍ فَهِيَ بِمَنْزِلَةِ لَوْ صُبَّ فِيهَا فَأْرٌ مَيِّتٌ أَوْ نَجِسٌ ، وَنَسْأَلُ اللَّهَ الْعَافِيَةَ مِنْ هَذَا الْقَوْلِ .

الرواه :

الأسم الرتبة
جَابِرٌ

صحابي

أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ

ثقة

مَعْمَرُ بْنُ يَحْيَى بْنِ سَامٍ

صدوق حسن الحديث

أَبُو نُعَيْمٍ هُوَ الْفَضْلُ بْنُ دُكَيْنٍ

ثقة ثبت

الْبُخَارِيُّ

جبل الحفظ وإمام الدنيا في فقه الحديث

الْفَرَبْرِيُّ

ثقة

إِبْرَاهِيمُ بْنُ أَحْمَدَ

ثقة

عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَالِدٍ

صدوق حسن الحديث

Whoops, looks like something went wrong.