كتاب الحيض والاستحاضة


تفسير

رقم الحديث : 271

وَحَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ ، ثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ ، ثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى ، ثنا أحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ ، ثنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ ، ثنا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ ، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ رُمْحٍ ، وَقُتَيْبَةُ ، كلاهما عَنِ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ رَبِيعَةَ ، عَنْ عِرَاكِ بْنِ مَالِكٍ ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ ، عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ ، قَالَتْ : إِنَّ أُمَّ حَبِيبَةَ سَأَلَتْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الدَّمِ ، قَالَتْ عَائِشَةُ : رَأَيْتُ مِرْكَنَهَا مَلْآنُ ، فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " امْكُثِي قَدْرَ مَا كَانَتْ تَحْبِسُكِ حَيْضَتُكِ ثُمَّ اغْتَسِلِي وَصَلِّي " . فَهَذَا أَمْرٌ لِمَنْ كَانَتْ حَيْضَتُهَا أَقَلَّ مِنْ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ ، وَمِنْ يَوْمٍ وَأَكْثَرَ مِنْ عَشْرَةِ أَيَّامٍ أَيْضًا . وَهَذِهِ كُلُّهَا فَتَاوَى حَقٍّ لا يَحِلُّ تَرْكُهَا ، وَلا إِحَالَةُ شَيْءٍ مِنْهَا عَنْ ظَاهِرِهَا ، وَلا يَحِلُّ لِأَحَدٍ أَنْ يَقُولَ : إِنَّ مُرَادَهُ عَلَيْهِ السَّلامُ بِقَوْلِهِ كُلَّ مَا ذَكَرْنَا : إِنَّمَا أَرَادَ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ ، فَإِنْ أَقْدَمَ عَلَى ذَلِكَ مَقْدِمٌ كَانَ كَاذِبًا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَقَطَ تَعَلُّقُهُمْ بِالْحَدِيثِ . وَأَمَّا خَبَرُ مُعَاذٍ فَفِي غَايَةِ السُّقُوطِ ، لِأَنَّهُ مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ الصَّدَفِيِّ وَهُوَ مَجْهُولٌ ، فَهُوَ مَوْضُوعٌ بِلا شَكٍّ ، وَالْعَجَبُ مِنَ انْتِصَارِهِمْ هَهُنَا عَلَى أَنَّهُ لا يَقَعُ اسْمُ الأَيَّامِ إِلا عَلَى ثَلاثٍ لا أَقَلَّ ، وَهُمْ يَقُولُونَ : إِنَّ قَوْلَ اللَّهِ تَعَالَى : فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلأُمِّهِ السُّدُسُ سورة النساء آية 11 أَنَّهُ لا يَقَعُ عَلَى أَخَوَيْنِ فَقَطْ ! فَهَلا جَعَلُوا لَفْظَةَ الأَيَّامِ تَقَعُ هَهُنَا عَلَى يَوْمَيْنِ ؟ وَأَمَّا احْتِجَاجُهُمْ بِقَوْلِ أَنَسٍ وَعَائِشَةَ فَلا يَصِحُّ عَنْهُمَا ، لِأَنَّهُ مِنْ طَرِيقِ الْجَلْدِ بْنِ أَيُّوبَ وَهُوَ ضَعِيفٌ ، وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ عَقِيلٍ وَلَيْسَ بِالْقَوِيِّ ، ثُمَّ لَوْ صَحَّ عَنْهُ وَعَنْ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ لَمَا كَانَ فِي ذَلِكَ حُجَّةٌ ، لِأَنَّهُ قَدْ خَالَفَهُمَا غَيْرُهُمَا مِنَ الصَّحَابَةِ عَلَى مَا نَذْكُرُ بَعْدَ هَذَا إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى ، فَكَيْفَ وَإِنَّمَا أَفْتَتْ أُمُّ الْمُؤْمِنِينَ بِذَلِكَ مَنْ لَهَا أَيَّامٌ مَعْهُودَةٌ ، وَبِاللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ ، فَسَقَطَ هَذَا الْقَوْلُ . وَبِاللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ . ثُمَّ نَظَرْنَا فِي قَوْلِ مَنْ قَالَ : أَقَلُّ الْحَيْضِ يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ ، فَوَجَدْنَاهُ أَيْضًا لا حُجَّةَ لَهُمْ فِي شَيْءٍ مِنَ النُّصُوصِ ، فَإِنِ ادَّعَى مُدَّعٍ إِجْمَاعًا فِي ذَلِكَ فَهَذَا خَطَأٌ لِأَنَّ الأَوْزَاعِيَّ يَقُولُ : إِنَّهُ يَعْرِفُ امْرَأَةً تَطْهُرُ عَشِيَّةً وَتَحِيضُ غُدْوَةً ، وَأَيْضًا فَإِنَّ مَالِكًا وَالشَّافِعِيَّ قَدْ أَوْجَبَا بِرُؤْيَةِ دَفْعَةٍ مِنَ الدَّمِ تَرْكَ الصَّلاةِ وَفِطْرَ الصَّائِمَةِ وَتَحْرِيمَ الْوَطْءِ ، وَهَذِهِ أَحْكَامٌ الْحَيْضِ ، فَسَقَطَ أَيْضًا هَذَا الْقَوْلُ . وَبِاللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ . قَالَ عَلِيٌّ : ثُمَّ نَسْأَلُهُمْ عَمَّنْ رَأَتِ الدَّمَ فِي أَيَّامِ حَيْضَتِهَا : بِمَاذَا تُفْتُونَهَا ؟ فَلا يَخْتَلِفُ مِنْهُمْ أَحَدٌ فِي أَنَّهَا حَائِضٌ وَلا تُصَلِّي وَلا تَصُومُ ، فَنَسْأَلُهُمْ : إِنْ رَأَتِ الطُّهْرَ إِثْرَهَا ؟ فَكُلُّهُمْ يَقُولُ : تَغْتَسِلِي وَتُصَلِّي ، فَظَهَرَ فَسَادُ قَوْلِهِمْ ، وَكَانَ يَلْزَمُهُمْ إِذَا رَأَتِ الدَّمَ فِي أَيَّامِ حَيْضَتِهَا أَلا تُفْطِرَ وَلا تَدَعَ الصَّلاةَ وَأَلا يَحْرُمَ وَطْؤُهَا إِلا حَتَّى تُتِمَّ يَوْمًا وَلَيْلَةً فِي قَوْلِ مَنْ يَرَى ذَلِكَ أَقَلَّ الْحَيْضِ ، أَوْ ثَلاثَةُ أَيَّامٍ بِلَيَالِيِهَا فِي قَوْلِ مَنْ رَأَى ذَلِكَ أَقَلَّ الْحَيْضِ ، فَإِذْ لا يَقُولُونَ بِهَذَا وَلا يَقُولُهُ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الإِسْلامِ فَقَدْ ظَهَرَ فَسَادُ قَوْلِهِمْ ، وَصَحَّ الإِجْمَاعُ عَلَى صِحَّةِ قَوْلِنَا ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ . وَأَيْضًا فَإِنَّ الْآثَارَ الصِّحَاحَ كَمَا ذَكَرْنَا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " إِذَا جَاءَتِ الْحَيْضَةُ فَدَعِي الصَّلاةَ فَإِذَا أَدْبَرَتْ فَاغْتَسِلِي وَصَلِّي " دُونَ تَحْدِيدِ وَقْتٍ ، وَهَذَا هُوَ قَوْلُنَا ، وَقَدْ ذَكَرْنَا قَبْلُ بِأَصَحِّ إِسْنَادٍ يَكُونُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ : " أَنَّهُ أَفْتَى إِذَا رَأَتِ الدَّمَ الْبَحْرَانِيَّ أَنْ تَدَعَ الصَّلاةَ ، فَإِذَا رَأَتِ الطُّهْرَ وَلَوْ سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ فَلْتَغْتَسِلْ وَتُصَلِّي " . وَأَمَّا أَكْثَرُ مُدَّةِ الْحَيْضِ فَإِنَّ مَالِكًا وَالشَّافِعِيَّ ، قَالا : أَكْثَرُهُ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا لا يَكُونُ أَكْثَرَ ، وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ : أَكْثَرُ الْحَيْضِ ثَلاثَةَ عَشَرَ يَوْمًا ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَسُفْيَانُ : أَكْثَرُهُ عَشَرَةُ أَيَّامٍ . فَاحْتَجَّ أَبُو حَنِيفَةَ بِالأَخْبَارِ الَّتِي ذَكَرْنَا ، وَقَالَ : لا يَقَعُ اسْمُ أَيَّامٍ إِلا عَلَى عَشَرَةٍ ، وَادَّعَى بَعْضُهُمْ أَنَّهُ لَمْ يَقُلْ أَحَدٌ إِنَّ الْحَيْضَ أَقَلُّ مِنْ ذَلِكَ . قَالَ عَلِيٌّ : أَمَّا قَوْلُهُمْ إِنَّ اسْمَ أَيَّامٍ لا يَقَعُ عَلَى أَكْثَرَ مِنْ عَشَرَةٍ فَكَذِبٌ لا تُوجِبُهُ لُغَةٌ وَلا شَرِيعَةٌ ، وَقَدْ قَالَ عَزَّ وَجَلَّ : فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ سورة البقرة آية 184 وَهَذَا يَقَعُ عَلَى ثَلاثِينَ يَوْمًا بِلا خِلافٍ ، وَحَدِيثُ مُعَاذٍ قَدْ ذَكَرْنَا بُطْلانَهُ ، وَأَمَّا قَوْلُهُمْ : إِنَّهُ لَمْ يَقُلْ أَحَدٌ إِنَّ أَيَّامَ الْحَيْضِ أَقَلُّ مِنْ عَشَرَةٍ فَهُوَ كَذِبٌ ، وَقَدْ ذَكَرْنَا قَوْلَ مَنْ قَالَ : إِنَّ أَيَّامَ الْحَيْضِ سِتَّةٌ أَوْ سَبْعَةٌ ، وَقَوْلُ مَالِكٍ : أَقَلُّ الْحَيْضِ خَمْسَةُ أَيَّامٍ ، فَحَصَلَ قَوْلُهُمْ دَعْوَى بِلا بُرْهَانٍ وَهَذَا بَاطِلٌ . وَأَمَّا مَنْ حَدَّ ثَلاثَةَ عَشَرَ يَوْمًا فَكَذَلِكَ أَيْضًا ، وَأَمَّا مَنْ قَالَ : خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا فَإِنَّهُمُ ادَّعَوْا الإِجْمَاعَ عَلَى أَنَّهُ لا يَكُونُ حَيْضٌ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ . قَالَ عَلِيٌّ : وَهَذَا بَاطِلٌ ، قَدْ رُوِيَ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَهْدِيٍّ : أَنَّ الثِّقَةَ أَخْبَرَهُ : " أَنَّ امْرَأَةً كَانَتْ تَحِيضُ سَبْعَةَ عَشَرَ يَوْمًا " ، وَرُوِّينَاهُ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ ، قَالَ : " أَكْثَرُ مَا سَمِعْنَا سَبْعَةَ عَشَرَ يَوْمًا ، وَعَنْ نِسَاءِ آلِ الْمَاجِشُونِ أَنَّهُنَّ كُنَّ يَحِضْنَ سَبْعَةَ عَشَرَ يَوْمًا " . قَالَ عَلِيٌّ : قَدْ صَحَّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ دَمَ الْحَيْضِ أَسْوَدُ فَإِذَا رَأَتْهُ الْمَرْأَةُ لَمْ تُصَلِّ ، فَوَجَبَ الانْقِيَادُ لِذَلِكَ ، وَصَحَّ أَنَّهَا مَا دَامَتْ تَرَاهُ فَهِيَ حَائِضٌ لَهَا حُكْمُ الْحَيْضِ مَا لَمْ يَأْتِ نَصٌّ أَوْ إِجْمَاعٌ فِي دَمٍ أَسْوَدَ أَنَّهُ لَيْسَ حَيْضًا . وَقَدْ صَحَّ النَّصُّ بِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ دَمٌ أَسْوَدُ وَلَيْسَ حَيْضًا ، وَلَمْ يُوَقِّتْ لَنَا فِي أَكْثَرِ عِدَّةِ الْحَيْضِ مِنْ شَيْءٍ ، فَوَجَبَ أَنْ نُرَاعِيَ أَكْثَرَ مَا قِيلَ ، فَلَمْ نَجِدْ إِلا سَبْعَةَ عَشَرَ يَوْمًا ، فَقُلْنَا بِذَلِكَ ، وَأَوْجَبْنَا تَرْكَ الصَّلاةِ بِرُؤْيَةِ الدَّمِ الأَسْوَدِ هَذِهِ الْمُدَّةَ لا مَزِيدَ فَأَقَلَّ ، وَكَانَ مَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ إِجْمَاعًا مُتَيَقَّنًا أَنَّهُ لَيْسَ حَيْضًا . وَقَالُوا : إِنْ كَانَ الْحَيْضُ أَكْثَرَ مِنْ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا ، فَإِنَّهُ يَجِبُ مِنْ ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ الْحَيْضُ أَكْثَرَ مِنَ الطُّهْرِ وَهَذَا مُحَالٌ ، فَقُلْنَا لَهُمْ : مِنْ أَيْنَ لَكُمْ أَنَّهُ مُحَالٌ ؟ وَمَا الْمَانِعُ إِنْ وَجَدْنَا ذَلِكَ أَلا يُوقَفُ عِنْدَهُ ؟ فَمَا نَعْلَمُ مَنَعَ مِنْ هَذَا قُرْآنٌ وَلا سُنَّةٌ أَصْلا وَلا إِجْمَاعٌ وَلا قِيَاسٌ وَلا قَوْلُ صَاحِبٍ وَبِاللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ .

الرواه :

الأسم الرتبة
عَائِشَةَ

صحابي

عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ

ثقة فقيه مشهور

عِرَاكِ بْنِ مَالِكٍ

ثقة

جَعْفَرِ بْنِ رَبِيعَةَ

ثقة

يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ

ثقة فقيه وكان يرسل

اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ

ثقة ثبت فقيه إمام مشهور

وَقُتَيْبَةُ

ثقة ثبت

مُحَمَّدُ بْنُ رُمْحٍ

ثقة ثبت

مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ

ثقة حافظ إمام

أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ

مجهول الحال

أحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ

صدوق حسن الحديث

عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى

ثقة

أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ

ثقة

عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ

صدوق حسن الحديث

Whoops, looks like something went wrong.